الشرق الأوسط الجديد: المرأة في صلب البيئة الريادية - الجزء الرابع
من الصعب أن نفكّر بمنصة ناجحة تتعامل مباشرة مع الزبائن، من دون أن تكون بطبيعتها اجتماعية. فهل سنفاجأ إن نظرت النساء في الشرق الأوسط، القادمات من انتفاضات الربيع العربي التي غالباً ما كانت منسقة عبر فيسبوك وتويتر، إلى منصات الزبائن والتحاور الاجتماعي من منظار فريد؟
ياسمين العياط لديها هذه النظرة بالتأكيد. هي التي ولدت وترعرعت في وادي السيليكون وهي ابنة ريادي تكنولوجي ناجح، كانت تزور مصر خلال طفولتها كل عام لمدة ثلاثة أشهر. وفي العام 1997، حين توفي جدها في القاهرة، قررت وعائلتها الانتقال إلى مصر. وفي العام 2001، أثناء دراستها هندسة الكومبيوتر في جامعة سانتا كلارا Santa Clara، انتقلت إلى الجامعة الأميركية في القاهرة. وعاد شغفها بمزج تكنولوجيا الكومبيوتر برواية الأحداث والتصميم التفاعلي، ليأخذها إلى جامعة نيويورك للحصول على شهادة ماجستير. ولكن الاحتجاجات في ميدان التحرير أقنعتها بالعودة إلى مصر نهائياً.
وقالت العياط "في شباط /فبراير 2011، اتخذت قرارًا هامًّا حين قررت ترك وظيفة كبيرة في نيويورك والانتقال إلى القاهرة للعيش بمدخراتي، والعمل بدوام كامل على ما كان أساسا مشروعاً فنياً آمنت به بحق". وأوضحت أن "ملايين المصريين كانوا يلتقطون صور للثورة على أجهزتهم الخلوية والشبكات الاجتماعية بالوقت الحقيقي ما سمح للعالم بأن يشاهد الجبهات الأمامية لصناعة التاريخ. وآمنّا بأن منصة تعاونية لرواية الأخبار والقصص لخلق أول وثائقي على الويب باعتماد مبدأ التعهيد الجماعي، سيكون أفضل طريقة لحفظ كل شيء. وبإمكاننا تمكين الناس لرواية الأحداث في بلدهم وبذلك يساهم البلد في كتابة تاريخه".
يضمّ موقعهم "18 يوم في مصر"، وهي منصة مبتكرة تعتمد التكنولوجيا البصرية لرواية الأحداث. إن الهبات التي قدّمها صندوق الإعلام الجديد (New Media Fund) التابع لمعهد "تريبيكا" Tribeca للأفلام، ومؤسسة "فورد" Ford وحملة ناجحة على موقع "كيك ستارتر" KickStarter، ساعدت العياط والمؤسسين المشاركين على توثيق التغييرات في مصر بأساليب مميزة وفريدة. فقد قام الناس بنشر الآلاف من القصص والصور والتغريدات والفيديوهات.
وقد ألهمت التجربة، العياط وفريقها ليفكروا في توسيع تشعبات التعاون في هذه التجارب وفي ما يمكن أن تصبح هذه المنصة عليه لاحقاً.
وقالت لي ياسمين "نحن جميعاً نوثق لحظات وتجارب مهمة في حياتنا من خلال نشرها على فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من الخدمات. غير أن هذه اللحظات المهمة من حياتنا اليوم المجزأة والمنتشرة على وسائل الإعلام الاجتماعي، قد أصبحت مدفونة تحت فيض من الفعاليات الجديدة والدائمة".
يلتقط مستخدمو منصات اجتماعية مثل "باث" Path و"إينستاجرام" Instagram صور عن تجارب يومية لكن بشكل انفرادي. ولاحظت ياسمين أننا جميعاً نتشارك تجارب مختلفة يومياً وليس هناك حلول سهلة لأخذ كل هذه اللحظات المهمة ومعالجتها وصنع قصة مصوّرة منها ومشاركتها مع أصدقائنا أو مع الجمهور.
وأشارت العياط إلى أن "ستوري فاي" Storify و"ستوري نايشن" Storination و"كابتشور" Kaptur تقوم بمعالجة هذا الأمر، ولكن ما تعلمناه في 18 يوم في مصر هو أن أفضل القصص هي تلك التي تُروى بشكل جماعي. وستكون نسختنا المقبلة هي تجربة رواية الأحداث على المحمول أولاً وعلى الويب ثانيًا، وذلك من أجل رواية قصصًا حول فعاليات صغيرة وشخصية (مثل جولات في السيارة والأعراس) أو حول فعاليات شعبية كبيرة (مثل الحملات الانتخابية والألعاب الأولمبية والمؤتمرات) بطريقة سهلة وبصرية".
هذه هي الأيام الأولى لرواية القصص عبر الاستعانة بالجماهير (التعهيد الجماعي)، كما تقول بريهان أبو زيد، التي حازت شركتها الناشئة الجديدة المتعددة الوسائط الإعلامية "قبيلة تي في" Qabila TV، على أفضل الجوائز في مسابقة مشاريع الأعمال في الشرق الأوسط من معهد ماساشوستس للتقنية MIT.
وتمامًا مثل ياسمين، تخرّجت أبو زيد من الجامعة الأميركية في القاهرة وأصبحت مولعة بالنفوذ الذي يتمتع به الإعلام الاجتماعي والتحليلات الأدائية المتوفرة، التي تسمح لمنتجي المحتوى بمعرفة ما هو الشعبي والفعّال. ولكن جذورها كريادية بدأت في وقت مبكر.
وتقول أبو زيد إن "أول مشروع ريادي لي كان في الصف الثامن حين صممت إكسسوارات وبعتها لرفاقي في الصف. جمعت ثروة بالنسبة لطفل في عمري في ذلك الوقت". وتقول إنها تهتم بشكل خاص بالقدرة على المزج بين أدوات التحليل والإعلام الاجتماعي من أجل إنتاج محتوى إعلاني فعال.
و"قبيلة تي في"، مع حوالي 30 مهندساً ومعالجاً، هي شركة محتوى فيديو، تستفيد من مواد إعلامية يقدمها الجمهور وتعطيها لأي منظمة محتوى بسعر معقول. وتساعد الزبائن على استقطاب جماهير من أي شبكة إعلامية أو منصة على الإنترنت. وتشير إلى "أننا نضمن أن تصل رسائل زبائننا إلى الجمهور المستهدف بشكل فعال"، وهو كلام يعكس عملها السابق كاستراتيجية حسابات لدى "جوجل" Google.
وتشرح أنه "عبر دراسة سلوك الجمهور واعتماد نموذج يستند على التعهيد الجماعي ويتفاعل بنشاط مع الجمهور ويستقطبه لفهمه أكثر، نعتقد أننا نحدث ثورة في قطاع الإنتاج الإعلامي في مصر".
كان للثورة المصرية أثر عميق على تأسيس "قبيلة"، وأوضحت أبو زيد أن "الربيع العربي أثر بي كثيراً. وفي الواقع، استلهمت "قبيلة" من الثورة المصرية ومن أول فيديو التقط في ميدان التحرير. وأظهر لنا الربيع العربي الفجوة الكبيرة في القطاع الإعلامي والفرصة السانحة اليوم". وبدأت "قبيلة" منذ ذلك الوقت تطلق الفيديوهات التثقيفية عن الالتزام المدني والحوكمة. وبحسب مجلة Egypt Today (مصر اليوم) التي ترصد الإعلام المحلي، فإن "استخدام الفكاهة واللغة البسيطة وحتى الرسوم المتحركة البسيطة، أوصلت فيديوهات قبيلة إلى الشباب الذين بدأوا مؤخراً يهتمون بالسياسة، ولكن ما زالوا لا يفهمون عباراتها المعقدة". هذا كان النموذج والصوت اللذان قدماه للمسوقين في جميع القطاعات.
سابرين عاصم كانت تجري الأبحاث لشهادة الماجستير في الابتكار والتكنولوجيا في الجامعة الألمانية في القاهرة حين اكتشفت "إنوسنتيف" Innocentive، وهي منصة مشاركة جماعية مقرها الولايات المتحدة، سمحت لحوالي 200 ألف خبير في العلوم بنشر أسئلة ومشاريع حول البحث والتطوير عند بعضهم البعض. وعندها تعلقت بالمنصة
وقالت لي عاصم "أعتقد أن جميع المشاكل في مصر وفي أنحاء المنطقة يمكن أن تحل عبر التكنولوجيا من خلال التواصل مع خبراء في أنحاء العالم". وقررت إطلاق نسخة عربية وإنكليزية تحمل اسم "سولفر ماين" SolverMine في شركتها "فكرة سكويرد" Fekra Squared في الربيع الماضي.
ولدت عاصم في الإسكندرية، وكان والدها مستشاراً في خدمات تكنولوجيا المعلومات وريادياً في أواخر ستينيات القرن الماضي، حين كان قلائل في مصر يعرفون ما الذي يعنيه ذلك. وتتذكر قائلة "لطالما أراد أن يكون هو رب عمله. لذلك كان يشجعني دائماً على بدء مشاريعي الخاصة".
وبعد مشاهدة أختها الناشطة في استخدام الأدوات الاجتماعية في مبادرات تمكين الشباب، واستمداد الإلهام من زملائها في الجامعة، آمنت عاصم باكراً بأهمية المشاركة الجماعية. وعلى الرغم من ذلك، لم يكن إنشاء شركة ناشئة أمراً سهلاً. وقالت إنه "بشكل عام، من الصعب جداً أن أعيش بمفردي في القاهرة، صعب من الناحية المالية، ولكن أيضاً لأن بعض الناس يعتقدون أن المرأة لا يجب أن تعيش بمفردها، فكيف إذا كانت تعيش بمفردها وتنشئ شركتها الخاصة؟ ولكني تعلمت أن الأمر الوحيد الذي يهم هو رسالتي".
وقررت عاصم أن تشارك في واحدة من عدة فعاليات "ستارتب ويك آند" Startup Weekend في مصر، وهو تجمّع للرياديين للتفكير جماعياً وعرض أفكارهم وتذكرت لقاءً في مقهى "ستاربكس" Starbucks حيث أعجب رفاقها ومنظمو الفعالية بفكرتها. وتقول "أقمت شراكة مع امرأة أخرى التقيت بها هناك وعدت إلى القاهرة لتشكيل فريق. في البداية تشكل الفريق من طلاب ومن ثم أصبح يضم ثلاثة نساء شريكات ليشاركن في تأسيس المنصة، ومعرفة إذا كان باستطاعتهنّ العثور على خبراء يساعدونهنّ على إيجاد حلول لمشاكل النسخة التجريبية".
وسبق أن أقنع الفريق عدداً من الشركات كي تجرّب المنصة عند إطلاقها. وتقيم "Fekra Squared" شراكة في الوقت الحالي مع جامعات في مصر والعالم العربي، لمنح المستخدمين إمكانية الولوج إلى شبكاتها من الأكاديميين والطلاب والباحثين، ولدعوتهم إلى معالجة التحديات التي يواجهونها في خدماتهم.
بالتأكيد إن قوة الجماعة في الشركات الناشئة في الشرق الأوسط لا تقتصر على مصر فحسب. فشبكة "أبجد" Abjad في الأردن هي أول شبكة اجتماعية باللغتين العربية والإنكليزية على طراز "جود ريدز" Goodreads ،حيث يسجّل عشاق الكتب دخولهم ويتواصلون ويتشاركون توصياتهم بالكتب مع قراء وكتاب ومدونين آخرين. ومؤسّسة شبكة "أبجد" هي إيمان حيلوز، مهندسة برمجيات وخبيرة في البحث التسويقي، تحمل ماجستير في إدارة الأعمال، وقد بنت وفريقها أحد أكبر قواعد البيانات للكتب العربية. وتعتقد أن هذا سيحرّك الجماهير في أنحاء العالم العربي ويدفعهم لقراءة المزيد من الكتب وشرائها.
وقالت لي حيلوز "أردت منذ زمن بعيد أن أبدأ مشروعاً يتعلق بالكتب".
وأثناء عملها كمسؤولة عن التسويق لدى "كاي بي أم جي" KPMG في الأردن والسعودية، سمعت بأن حاضنة الأعمال "أويسيس500" Oasis500 التي تتخذ من عمّان مقراً لها، تقدّم دورة تدريب لستة أيام حول كيفية بدء شركة.
وقالت "كان ذلك نقطة تحوّل في حياتي. اكتسبت المعرفة لتحويل فكرتي إلى خطة عمل حقيقية. وعرضتها على "أويسيس" وفزت باستثمار تأسيسي لتنفيذ أفكاري. كان هذا في أيار/مايو 2012 وأطلقت النسخة التجريبية في 18 حزيران/يونيو. وبدءاً من ذلك الأسبوع حشدنا أكثر من 15 ألف عضو مسجّل وحوالي 2500 مراجعة مكتوبة أجراها الجمهور حول كتب معينة".
صحيح أن الموقع بني فقط من موظفين يعملون لحسابهم الخاص، إلاّ أن حيلوز ستسعى إلى الحصول على جولة استثمار من المرحلة الأولى. وستقوم في وقت لاحق هذا العام بافتتاح مكتب واستقطاب موظفين بدوام كامل والتوسّع إلى خارج الأردن والبدء في جني المال عبر مبيعات الكتب والإعلانات.
وقالت "لا بد أن أعترف بأني فخورة بأني إمرأة ريادية، فعادة ما تكون الريادة موجّهة أكثر نحو الرجال بشكل عام. ولكن حالياً تتغير الموازين والمزيد من النساء يتجهن لخوض هذا المجال. وربما أنا أحصل على فرص أكثر من الرياديات الأخريات، لأنهن يحببن دعم النساء أكثر".