عربي

هل يحقّق موقع مصري للتعهيد الجماعي نجاحًا واسعاً في المنطقة العربية؟

English

هل يحقّق موقع مصري للتعهيد الجماعي نجاحًا واسعاً في المنطقة العربية؟

لعلّني صادفت "الإنجاز المستقبليّ المحتمل"، أي الشركة الناشئة الجديدة التي تملك قدرة بمستوى "تويتر" Twitter أو "إنستاجرام" Instagram، بل حريّ بي ربما للمزيد من الدقّة أن أسمّيه "الإنجاز المستقبليّ الأوّل" على صعيد المنطقة، نظرًا إلى أنّ مصر والشرق الأوسط ككلّ لم يحظيا بعد بتطبيقات خاصّة بها شبيهة بـ"بينتريست" Pinterest أو "إنستاجرام". عنوان الإنجاز هذا "تراستشويس" Trustious (أي جدير بالثقة)، وهو موقع مراجعات مبنيّ على التعهيد الجماعي (Crowdsourcing)، يتميّز بأشواط عن كافة مواقع التعهيد الجماعي الأخرى المتكاثرة اليوم. 

"تراستشويس" من ابتكار عمر سلامة، يوسف صابر ومصطفى أبو سمرا، ويختلف عن معظم مواقع المراجعات، بل عن معظم الشركات الناشئة، بتصميمه العلميّ البحت وبإسمه صعب اللفظ نوعًا ما!   

تميّز "تراستشويس" على مستويين: أوّلاً، هو يسمح للمستخدمين بالتعليق على أيّ شيء وكلّ شيء، من السيارات، والمنتجات الإستهلاكيّة وصالات الرياضة، إلى الكتب، والمطاعم وطبق محدّد لمطعم ما، واللائحة تطول ولكم مراجعتها. يسجّل البرنامج الفئات التي تقع في دائرة اهتماماتك المفضّلة، إنّما مع المحافظة على فرصة مراجعة أي شيء آخر.

ثانيًا، كافة المراجعات من دون إستثناء تأتي من المستخدم، بحيث يستطيع تصنيف التعليقات وتقديرها، فضلاً عن الـ"وثوق" بمستخدم آخر. وهنا تحديدًا يلعب العلم دوره، إذ اعتمد الفريق الآليات البرمجيّة عينها التي تطبّق على الألعاب، بحيث يبحث المستخدم عن مراجعات معيّنة فتقدّم إليه عبر نظام تصنيف مشخّص مكيّف له ولتفضيلاته.

تستند التصنيفات على مبدأ "تيست" TEST، وهو اختصار في الإنجليزية لما يلي Trust, Experience, Similarity, Time، ما يعني تباعًا "الثقة، الخبرة، التشابه والوقت". باختصار، إنّ ثقتك في شخص ما، أو خبرة الشخص العالية في مجال معيّن، أو تشارككما إهتمامات متشابهة، أو كون مراجعته هي الأحدث، كلّها عوامل ستؤشّر لك أنت بالتحديد بتصنيف عالٍ لمراجعة هذا الشخص. أضف إلى أنّ البرنامج سيبرز أيضًا المراجعات الثلاثة التي تلائم بحثك، إنطلاقًا من نظامي ذكاء اصطناعي وهندسة معلومات.

الشقّ العلميّ لا يتوقّف عند هذا الحدّ... جميع أعضاء الفريق تقريبًا يحملون ماجستير في إدارة الأعمال. جدران مكتبهم في القاهرة الجديدة مملوءة بألواح تخطيط يبرز كلّ واحد منهم معالجة ناحية مختلفة من خطّة العمل. بصراحة، لم أرَ بحياتي قطّ هذا الكمّ من خطط الأعمال ولوائح المراجعة، وقد مازحت عمر حول التأثير الألماني الواضح في طريقة عملهم (بالإشارة إلى تخرّج معظم أعضاء الفريق من الجامعة الألمانية في القاهرة). ضحك عندها عمر وقال إنّهم ينوون "هزم" كلّ الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم.

الموقع حديث بالفعل، بتصميم حيويّ عمليّ، رغم وجود بعض العيوب البرمجيّة، نظرًا إلى أنّ البرنامج لا زال في نسخته التجريبية. بدأ الفريق عمله في شباط/فبراير 2012 برأس مال تأسيسي يبلغ مليون جنيه مصري (أي 167 ألف دولار أميركي)، ساهم فيه الأصدقاء والعائلة، ومن بينهم  رجال أعمال مهمّين ولا شكّ حذقين.

شدّد لي يوسف أنّهم دعوا إلى الإستثمار فقط أولئك الأشخاص الذين لن يتأذّوا في حال وقع الأسوأ أو فشلت الأعمال، غير أنّ الثقة في الفريق وفي الفكرة عمومًا كانت عالية، لذا إستثمر كثيرون بين 50 ألف و100 ألف جنيه مصري، فيما كانت الإستثمارات في أغلبها بمبالغ محدودة. بعد الإنطلاق، تبيّن أنّ الفوائد كانت مرتفعة لدرجة رفض الفريق عرضًا من قبل مستثمر رأس مال مخاطر من سويسرا حيث أكمل يوسف دراساته في إدارة الأعمال، لأنّه رأى أنّ هذا الخيار قد يسبّب "صداعًا" في هذه المرحلة المبكرة. لم يعتبر المستثمر السويسري أنّ سوق العمل المصري سيؤمّن موظّفين عالي الكفاءة، وربما ارتكز قرار المؤسسين النهائي في هذه الحالة على الجهات الوطنية وردود فعلها الإيجابية.

للفريق نموذجين لجني الأرباح. الأول يعتمد على التجارة الإلكترونية الاجتماعية المعدلة حسب ذوق كل شخص، من أجل جعل تجربة التسوق إلإكترونية أفضل. الثاني هو التأمين للشركات تحاليل مفصلة تقدّم عبر نموذج مجاني.

بعد دراسة استراتيجيات نمو أعمال مختلفة، قرّر الفريق اتباع مسار نمو "فايسبوك" Facebook المبكّر، عبر تنظيم مسابقات في الجامعات وفي مكتبهم، من أجل بناء مجتمع محلّي من المستخدمين الأوفياء. كما ودأب أعضاء الفريق على إيجاد "مستخدمين نينجا" لكلّ فئة، أي مستخدمين ينتجون أكبر نسبة محتوى. بطبيعة الحال، يعتمد نجاح الموقع على قاعدة مستخدمين عريضة تعتمد بدورها على عدد كبير من المراجعات والتعليقات.

تبدو إستراتيجية بناء سمعة واسعة ميدانيًّا جيدة، إلاّ أنّها في الوقت عينه فائضة الموارد وغير قابلة للنموّ. في الإطار نفسه، من حسنات الموقع الكبرى هي تغطيته لكلّ شيء، ومن كبرى سيّئاته هي تغطيته لكلّ شيء: يميل الناس عادةً إلى مراجعة مواقع متخصّصة في فئة أو اثنتين كحدّ أقصى.

أعتقد أنّ بإمكان الفريق اتّباع إستراتيجية أفضل عبر وضع واجهة برمجيّة التطبيقات (API) المبتكرة لـ"تراتشويس" بمتناول الجمهور، لكي يتمكّن أيّ موقع من الحصول على نظام المراجعات والتعهيد الجماعي هذا، ما سيجعل من "تراستشويس" موقع مراجعة عالميّ، تمامًا كما يؤمّن كلّ من "فايسبوك" و"تويتر" و"ديسكوس" Disqus اليوم أنظمة تعليقات عالميّة. خطوة كهذه ستدفع بالمستخدمين إلى استعمال "تراستشويس" من دون اضطرارهم إلى التخلّي عن المواقع التي يحبّونها ويتصفّحونها عادةً. لعلّ الفريق يركّز بمكان ما على جذب المستخدمين إلى موقع "تراستشويس" لدرجة غضّوا النظر عن جذب المستخدمين إلى البرنامج العمليّ بحدّ ذاته.

سحرتني فعلاً في بداية الأمر المقاربة العلميّة والخطط الدقيقة، لكنّي أرى أنّ على الفريق تحويل تكنولوجيّته المبتكرة إلى منصّة لا تحدّها خيارات مثل خيار "لايك" Like أي أعجبني المحدود من "فايسبوك" و"+1" من "جوجل". عندئذ يتطوّر المشروع على مستويات لم يشهد لها مثيل في مصر أو في المنطقة، وربما نحظى حينها بقصّة النجاح الحقيقية الأولى التي نطمح إليها جميعًا.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.