هل يمكن تحويل التوثيق الرقمي الى بزنس مربح؟
ظهرت بعض المبادرات المصرية في السنتين الأخيرتين لتوثيق التاريخ إلكترونيا والتحول لفهرسة التاريخ المعاصر، وتحديدا منذ ثورة يناير، على منصات رقمية، لتؤسس بذلك نمطا جديدا يتماشى مع عصر الانترنت الذي نعيشه، بل عصر الهواتف النقالة، وسرعة البحث أو نقل الحدث لحظه وقوعه.
ويختلف شكل التوثيق الإلكتروني، في هذه المبادرات، عن شكل التوثيق التقليدي؛ فهو يجمع موادا سمعية وبصرية إلى جانب النصوص المكتوبة، نظرا لأن مصادره تتنوع بين الهواتف المحمولة أو الأجهزة اللوحية (Tablet) أو كاميرات الـFlip Cam الصغيرة، فضلا عن الكاميرات وأجهزة الحاسب الآلي المتطورة الأخرى، والتي كانت محصلتها عشرات الآلاف من الصور والفيديوهات التي تم التقاطها منذ عام 2011، إلى جانب روايات شهود العيان على وقائع مختلفة وغالبا ما يكون مصدرها الأكثر مصداقية هي الحسابات الشخصية لهم على مواقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك وتويتر) إلى جانب المدونات.
أرشفة الثورة
وبالرغم من أن عملية التوثيق والفهرسة الإلكترونية بدأت في مصر قبل الثورة، وأبرز مثال على ذلك "ذاكرة مصر المعاصرة" الغنية بأرشيف قومي إلكتروني، وتتبع مكتبة الإسكندرية، والتطوير الذي حصل خلال السنوات الأخيرة بدار الكتب والوثائق القومية، رغم اتباعهما للشكل التقليدي في التحول للأرشيف الإلكتروني، إلا أن الثورة المصرية فتحت المجال بشكل كبير أمام التأريخ الإلكتروني خاصة وأن مصادر معلوماتها هي مصادر شعبية Crowdsourced وهي مصادر غير محدودة ولا يمكن حصرها، على عكس النموذجين السابقين.
إحدى المبادرات الجديدة كانت في فبراير/شباط 2011 من الجامعة الأمريكية بالقاهرة واسمها "جامعة على الميدان: توثيق ثورة مصر في القرن الحادي والعشرين"، وهي رغم عرضها بشكل تكنولوجي متطور إلا أن محتواها موثق من قبل العاملين بالأرشيف بالجامعة، وهو نفس ما تم في "18 يوم في مصر"، التي توثق أيام الثورة الثمانية عشر حتى إسقاط الرئيس المصري السابق، بخلاف "قُمرة" التي تهدف لبناء ساحة محتوى لأرشفة الثورة المصرية إلكترونيا عبر مداخلات شعبية تشاركية لا يوجد من يفحصها للتأكد من صحتها قبل النشر، اعتمادا على تشارك الجمهور في تصحيح الأخطاء أيضا.
وأخيرا، قاموس الثورة الذي يضم أول قاموس شعبى يضعه أشخاص عاديون، ميزتهم الوحيدة أنهم شاركوا فى الثورة وتحدثوا بلغتها، وبالتالي يعرفون كلمات مثل "ثائر" و"فلول" و"بلطجي" وغيرها من الكلمات والعبارات التي يفسرها كل فريق سياسي بشكل مختلف، وذلك سعيا لفهم الوضع السياسي.
أين البزنس؟
لكن الملاحظ في جميع هذه المبادرات أنها غير هادفة للربح فهي تعتمد على المنح المالية بشكل كامل ولا تخطط لخلق أي عائد يساعدها على الاستمرار، هل ما من بزنس في مجال الأرشيف الإلكتروني أم أن أصحاب المبادرات لا يهدفون لتأسيس مجال ريادي جديد؟
يقول محمود أبو الفتوح، مؤسس "قُمرة"، إن هناك خطة لاستخدام منصة نموذج الأرشيف الإلكتروني التشاركي الذي يصنعه المواطنون، في مجالات أخرى كروية ورياضية بشكل عام وأخرى صناعية وغيرها، خاصة الكيانات التجارية التي تفتقد أصلا وجود أرشيف لديها، وبذلك يدر دخلا على "قُمرة". سألته: لكن المشاركات لا يتم مراجعتها والتأكد من صحة ما ورد بها من بيانات، فأجاب:"صحيح ولكننا لا نريد أن نمارس نوعا من الرقابة ونخلق حالة من الجدل بين من يقول إن هذا صحيحا وهذا غير صحيح، فلهذا نترك الحكم للجمهور".
ويقول خالد البرماوي، صحفي حر ومستشار لبعض المشروعات الإعلامية، إن الشركات التكنولوجية تقريبا وحدها هي التي تملك الآلية والمنصات التي تمكنها من ترجمة المحتوى الى عائد مباشر عن طريق المحتوى المدفوع أو عن طريق الاعلانات. وأضاف ان "الخطوة الذكية الآن هي أن تبدأ شركات المحتوى بالتوصل الى صيغة تعاون وشراكة مع شركات الاتصالات ومزودي خدمات الاتصالات، في ظل تسارع نمو المحتوى على أجهزة المحمول، فقد تمثل هذه السوق الناشئة ارضا جديدة، يمكن لشركات المحتوى أن تجد فيها وضعاً تفاوضياً أفضل".
وطورت "قُمرة" برنامجا مجانيا ودمجته على موقعها الإلكتروني ليكون هناك QR code لكل صفحة أرشيف، وتتم دعوة المواطنين للمساهمة في هذا الأرشيف من خلال هذا الكود عبر ملصقات وضعت في منطقة وسط البلد بالقاهرة. ويقوم الفريق بإعطاء تدريبات على الأرشفة الرقمية وإعلام الموبايل وإدارة شبكات الإعلام الاجتماعي وغيرها من المجالات بشكل تطوعي.
يسعى أبو الفتوح لدى بعض الجهات التي يمكنها أن تمول المشروع، دون قلق من استمراريته، فهو ليس في حاجة للشكل التقليدي من العمل وبالتالي لا يحتاج لـ"موظفين"، لأن الفكرة أن يقوم المواطنون بتحميل مشاركاتهم بأنفسهم على الموقع، وهو ما سيحدث اذا نظمت حملة تسويقية كبيرة وبدأ المواطنون في التفاعل، وهنا فقط ستكون الحاجة للتمويل.