أين وصل قطاع البقالة الإلكترونية مقابل التقليدية في المنطقة العربية؟
كلنا نذكر كيف كانت جدّاتنا يصِحنَ لأبي أحمد البقال من بلاكينِهِنَّ ليملأ لهنّ سلاتهنّ المتدلية من الشرفات. هذه الذكرى الجميلة تثبت لنا أننا لطالما بحثنا عن طرق، وإن كانت بسيطة، لجلب السوق إلينا بدلاً من الذهاب إليه. فالبحث عمّا هو أسهل وأسرع ليس بجديد. ولعلّ سلة الجدة لم تعد مصنوعة في يومنا هذا من القش والقصب ولكنها لا تزال موجودة وستبقى موجودة كسلة إلكترونية تحوم بين طيّات الإنترنت.
أصبح التسوق الإلكتروني متعارفا عليه أكثر في المنطقة خلال العقد الماضي ولا يزال نطاقه يتوسع لضم شركات ودول أكثر. ومن الواضح أن توسعه ملحوظ في دول أكثر من دول أخرى. فيبدو أن الدول الخليجية هي الأكثر استقطاباً للقطاع خصوصاً الإمارات ودبي بالتحديد. ويعود السبب لعوامل مختلفة:
أولاً، تواجد الثقافة الغربية المُستقبلة لهذا النوع من التسوق على عكس الثقافة العربية.
ثانياً، أوقات العمل المتأخرة التي تشجع على الراحة بدلا من التسوق.
ثالثاً، النمط الحياتي المترف الذي يتحمّل دفع فاتورة أعلى قليلاً على حساب الراحة (هذا إن كانت أعلى بالفعل).
رابعاً وأخيراً، زحمة السير الخانقة والطقس اللذان لا يحفّزان على الخروج.
من الجدير بذكره أنّ جميع هذه العوامل معتمدة على بعضها ومكمّلة لبعضها البعض، ممّا يعني أن عاملاً واحداً لوحده ليس كافياً لإنجاح القطاع. وإذا نظرنا إلى مصر التّي تُعد زحمتها الأسوأ في المنطقة فلن نجد القطاع مزدهراً كما في الإمارات. إذ بالرغم من الزحمة التي لا تُشجّع المتسوقين على الخروج فهناك عوامل أخرى رادعة كالمستوى المعيشي ونمط الحياة.
وهناك ثلاثة نماذج للتسوق الإلكتروني: أولاً المنصة التابعة لسوبرماركت تقليدي متواجد أوف لاين، ثانياً المنصة التابعة للمخازن، ثالثاً المنصة الوسيط ما بين المتسوق والسوبرماركت.
1. المنصة التابعة لسوبرماركت تقليدي متواجد أوف لاين
الشركات المنتمية إلى هذه الفئة تدير متجراً تقليديّاً يمكن للمتسوّق زيارته بالإضافة إلى المنصة الإلكترونية التّي تتيح للمتسوق استلام طلبيته أينما تواجد. من ضمن هذه الشركات “الأسرة” في البحرين، و”جيانت” Geant في الإمارات، و”دكّان” في الأردن، و”جورميه” Gourmet في مصر، و”سبينيس” Spinneys في لبنان.
بينما قد يعتقد البعض أنّ نشر أسعار المتجر علناً قد يعطي نتائجاً عكسية، إلا أن كريم طبّاع الرئيس التنفيذي للعمليّات في “دكّان” لا يرى أنّ هذا الأمر يهددّه. "فالسوبرماركت الذي ينوي أن يدخل في السوق الإلكترونية يجب أن يدفع ثمن إعلان أسعاره. ولكن هذا الأمر لن يقلق من لديه سياسة أسعار منظّمة. نحن نرصد أسعارنا باستمرار لكي نبقى منافسين، ونطلق عروضا شيّقة للحفاظ على زبائننا." ويوّضح طبّاع أنّ السعر ليس العامل الوحيد لإرضاء الزبائن، فالخدمة والراحة مهمتان بالقدر ذاته.
2. المنصة التابعة للمخازن
الشركات المنتمية إلى هذا النموذج تتعامل مع الموردين بشكل مباشر فيتم الحفاظ على المنتجات في مخازن لتوزيعها من قبل الشركة نفسها حسب الطلب. ومن ضمن هذه الشركات “إيرلي بيرد” EarlyBird، و”ترولي” Trolley، و”ايزي ليفينج” Easy Living في الإمارات، و”خُضرجي” Khodarji في الأردن، و”بقالة” و”الخضري” el5odary في مصر، وعلى ما يبدو “فرش قطر” Fresh Qatar في قطر، و”دكّاني” في السعودية.
يعتقد كورنيليوس دورم الشريك الإداري لـEarly Bird وهي الشركة الأقدم في القطاع على الصعيد الإماراتي والمؤسسة عام 2006، أنّ هذا النموذج يتميّز عن النموذج التابع للتوصيل من سوبرماركت تقليدي بكميّة المنتجات التّي يمكن توزيعها. فعلى سبيل المثال إن تمّ طلب 200 عبوة ماء سيكون أسهل على هذا النموذج إيصال هذه الكميّة الكبيرة لأنه يوجد فائض في المخازن، أمّا السوبرماركت فأولويّته عرض المنتجات في المتجر ولذلك لا يمكنه الاستغناء عن هذه الكميّة الكبيرة على حساب المتجر.
بالمثل، يعتقد نصر شمّوط مؤسس “خضرجي” في الأردن أن نموذجه أفضل من النموذج التابع للتوصيل من سوبرماركت تقليدي لأنّه ليس بصالح السوبرماركت أن يعلن أسعاره علناً، فمن الممكن أن يخسر زبائن قد قارنوا الأسعار المعلنة بأسعار أقل في متاجر أخرى. أمّا هو فليس لديه ما يخسره لأنّه لا يملك متجراً أوفلاين. كما ويعتقد نصر أن المنتجات المتاحة ضمن هذا النموذج من المفترض أن تكون أرخص من الأسعار المتواجدة في المتاجر لأن تكاليف التوصيل أرخص من التكاليف التشغيلية اللازمة للحفاظ على متجر يزوره المتسوقون.
ويعتبر شمّوط أنّ سوق الأردن ليست ناضجة بما يكفي لتفعيل هذا القطاع لأنّ الكثيرين يفضلّون اختيار ولمس المنتجات بأنفسهم خاصة أنّ لديهم الوقت الكافي ولا يوجد زحمة سير خانقة كما في الإمارات. ولذلك ينوي شمّوط أن يفتتح فرعاً في دبي عمّا قريب.
ولكن حتّى في الإمارات يواجه دورم المشكلة نفسها، فالكثيرون يفضلّون التواجد في المتجر للتأكد من جودة المنتجات. وبدلاً من محاربة هذا التفكير قرّر دورم أن يتأقلم معه ويجد حلاً وسط. فأصبحت شركته تقيم بقالة متنقلّة حيث تركن الحافلة المحمّلة بالمنتجات في منطقة ما لتتيح الفرصة للمتجولين أن ينتقوا منتجاتهم كما يريدون. بالإضافة الى ذلك سيطلق دورم عرضاً بعد قرابة أسبوعين يمكّن المشتري من استلام المنتجات من المخازن بعد طلبها على الموقع مقابل تخفيض 7%، لكي يتأكد من الجودة في المكان نفسه.
3. الوسيط ما بين المتسوق والسوبرماركت
توّفر الشركات المنتمية إلى هذا النموذج خدمة عوضاً عن المنتجات المقدّمة من خلال النموذجين الآخرين. فالمنصة الإلكترونية عبارة عن متجر تسوق إلكتروني (mall) حيث يتم عرض متاجر مختلفة يقوم المتسوق الاختيار منها. وعندها يقوم المتجر المختار بتزويد المنتجات حسب الطلبية. من ضمن هذه الشركات “نيكست مارت” Next Mart والتي سيتم إطلاقها عمّا قريب في دبي، و”وأوفر ماركت” Awfar Market في مصر.
لقد طوّرت شركة Next Mart خطة عمل تجنبّها التأخير الذي ممكن أن يطرأ على التوصيل نتيجة الزحمة. فهي تعرض على منصتها المتاجر الأقرب إلى المتسوّق ليختار منها ويستلم الطلبية في أسرع وقت ممكن.
تختلف تفاصيل خدمة التوصيل من شركة إلى أخرى، فيمكن للشركة نفسها أن تملك طاقم عمل يقوم بالتوصيل مثل “أوفرماركت”، أوممكن للمتجر نفسه أن يرسل طاقمه كما في Next Mart، وفي هذه الحالة تكون الشركة مسؤولة عن الجانب الإلكتروني والوساطة ما بين الطرفين لا غير.
أمّا الشركات التّي لم نستطع أن نحدد نموذجها فهي “سوبر باسكت” Super Basket في السعودية، “سوبرمارت” Supermart في الإمارات، و”توصيل” taw9eel في الكويت وهي منصة تضم منتجات البقالة ولكنها لا تقتصر على ذلك.
مستقبل القطاع في المنطقة
وبالرغم من الإيجابيات التي يتميز بها التسوق الإلكتروني عبر الهاتف مثل رؤية المنتجات والدقة في الطلب حيث أنّه يتجنب المغالطات السمعية، إلا أن القناة الهاتفية لا تزال تستحوذ على القطاع. فيقول نصر إنه يتلقى العديد من الطلبيّات عبر الهاتف. وبالمثل يقول دورم إنه يتلقى غالبية الطلبات عبر القنوات التقليدية حيث أنّ الطلبات عبر القناة الإلكترونية تصل إلى 30%. ولربما يعود سبب استخدام القنوات التقليدية عوضاً عن الإلكترونية إلى نقص ما في التسويق، أو الأميّة الإلكترونية، أو الثقافة العربية التي تفضل التقليد التفاعلي ويصعب عليها التغيير.
"نحن لا نعمل فقط من خلال المنصة الإلكترونية" يقول دروم، "لأنه إذا حدّدنا طلباتنا بذلك، من المحتمل أن نفشل. وبالرغم من نمو القطاع إلا أننا لسنا في سوق إلكترونية ناضجة بحت. ولكن الطلبات الإلكترونية في تزايد مستمر. فلقد تزايدت لدينا في غضون السنة الماضية بما يقرب الـ40-50%". أمّا بالنسبة لمستقبل البقالّات التقليدية فيعتقد دورم أنّها "لن تزول مع تطوّر القطاع لأنها لا يمكن ان تعوّض، بالتأكيد سيصبح هناك بقالات إلكترونية أكثر بكثير ممّا يوجد الآن ولكن البقالة التقليدية لن تزول."