عربي

هل يمكن لدولة الإمارات أن تصبح مركزاً عالمياً للشركات الناشئة؟

English

هل يمكن لدولة الإمارات أن تصبح مركزاً عالمياً للشركات الناشئة؟

نموذج عن مدينة ‘المعرفة‘ في مدينة "مصدر". (الصورة من EfficientDesign.de)

ما زالت بعض التحديات الأساسية تُعيق روّاد الأعمال في دولة الإمارات العربية المتّحدة، فيما تسعى الحكومة الاتّحادية إلى إدراج الشركات الناشئة كبندٍ رئيسي من بنود خطّتها التنموية تحت عنوان "رؤية 2012" Vision 2021.

أعلنت الإمارات قبل أسابيع عن إطلاق صندوق تمويلٍ بقيمة 82 مليار دولار للعلوم والتكنولوجيا، يهدف لإيصال البلاد إلى صفوف اقتصاديات المعرفة التنافسية الرائدة دولياً. كما وتسعى "الوثيقة الوطنية لدولة الإمارات للعام 2021" UAE National Charter 2021 إلى تحويل الإمارات إلى مركزٍ عالمي لريادة الأعمال.

وبينما أصبحنا الآن في منتصف العقد الذي تطمح الإمارات في نهايته أن تصبح من أفضل الأماكن في العالم للقيام بالأعمال، حان الوقت لنلقي نظرةً أقرب على كيفية نموّ البيئة الحاضنة للشركات الناشئة كما وعلى العراقيل.

علامات النجاح

على مدى السنوات الخمس الماضية، نمَت البيئة الحاضنة للريادة في الإمارات بشكلٍ هائلٍ.

وباتت معظم الشركات الناشئة الشهيرة تختار دولة الإمارات لتنشئ فيها مقرّها الرئيسي، ومنها "دوبيزل" Dubizzle وموقع "كومبارت فور مي" compareit4me.com و"يوريكا" Eureeca.com و"فتشر" Fetchr و"جو نابت" GoNabit و"جادو بادو" JadoPado و"جست فلافل" Just Falafel و"نبّش" Nabbesh وموقع "بروبرتي فايندر" propertyfinder.ae و"سوق" Souq، على سبيل الذكر.

وفقاً للتقرير الذي نشرته "ومضة" عام 2015 عن الريادة في بعض البلدان، فإنّ 60 بالمئة تقريباً من كلّ المؤسسات الداعمة للريادة تمّ إنشاؤها في الإمارات في السنوات الأربعة الأخيرة، وذلك بعدما كُشف عن خطة "رؤية 2021".

من جهةٍ ثانية، يُعدّ سجّل الإمارات الاقتصادي ملفتاً مقارنةً بسائر بلدان المنطقة، فهي تتغلّب على كافة بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى في معظم التصنيفات العالمية، وتأتي بين البلدان الثلاثين الأولى في العالم من ناحية التنافسية العالمية وريادة الأعمال والازدهار والفرص المتاحة على الصعيد العالمي. 

00000001.jpg

وإذ تكمن قوة البيئة الحاضنة الإماراتية في تضافر جهود الجهات الحكومية والخاصّة والمؤسّسية، شكّل هذا الأمر عاملاً رئيسياً من عوامل دفع البيئة الحاضنة بالاتجاه الصحيح.

  • الحكومة تعزز دور الشركات الصغيرة والمتوسّطة

    في عام 2009، أعادت الحكومة تعريف الشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم لتعزيز فعالية السياسات الداعمة لها وزيادة الإقراض المصرفيّ. 

SME DEF.jpg

التعريف الجديد للشركات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات.

تلا ذلك قانون المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم في مطلع عام 2014، حيث بات بموجبه على السلطات الاتّحادية أن تخصّص 10 بالمئة من ميزانيات مشترياتها للمشاريع الصغيرة والمتوسّطة، وعلى المؤسّسات المملوكة من الحكومة أن تخصّص 5 بالمئة من هذه الميزانيات لهذه المشاريع.

ومنذ ذلك الحين، تشهد المشاريع الصغيرة والمتوسّطة في الإمارات تحسّناً ملحوظاً.

في هذا الإطار تحتفي مبادرة "أس أم إي 100" SME100 بأفضل المشاريع الصغيرة والمتوسّطة في دبي من حيث الأداء وتمنحها جائزةً سنوية ودعماً فردياً، وسبق لها أن كرّمت شركات ناشئة كثيرة منها "سوق المال" Souqalmal و"كريم" Careem و"دوبلايز" Duplays و"ذا بوكس"The Box .

  • شراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل الابتكار

عبر تسهيل الروابط والصلات بين الجامعات والشركات الكبرى والشركات الناشئة، تبذل الحكومة الإماراتية قصارى جهدها لتنمية مجمعات الابتكار الناشئة.

فعلى سبيل المثال، ضافرَت شركة "آي بي أم" IBM جهودها مع وكالة "مبادلة" Mubadala التنموية المرموقة في أبوظبي، بدءاً من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، لإنشاء شركة "كوغنيت" Cognit التي من شأنها أن تجلب الحاسوب الفائق "واتسن" Watson إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا ما سيُمكّن الشركات من الاستفادة من تقنيات البيانات الضخمة، كما يتوقّع أن يدفع عجلة الشركات الناشئة العاملة في مجالات من بينها تحاليل البيانات واستقصاء معلومات الأعمال التجارية.

  • علاقات تعاون ما بين الشركات الكبرى والشركات الناشئة

هذه الإمكانيات للبيئة الحاضنة الإماراتية كانت قد أقنعَت عدداً متزايداً من الشركات الكبرى لإبرام الشراكات مع شركاتٍ ناشئة.

ففي عام 2013، عندما دعمت "أرامكس" Aramex و"جوجل" Google  و"باي بال" PayPal منصّة "شوب جو" ShopGo لتقدّم لروّاد الأعمال خدمة تجارة إلكترونية تنافسية. كما أنّ عدداً كبيراً من مسرّعات النموّ وحاضنات الأعمال يلقى الدعم من شركاتٍ كبرى مثل "شركة الاتصالات السعودية" STC و"موبايلي" Mobily و"أم بي سي" MBC و"دي بي وورلد" DP world. وفي السياق، أبرمَت "أسترولابز" AstroLabs شراكةً مع "جوجل"، واستثمرت "مجموعة ماجد الفطيم" في "بيم ووليت" Beam Wallet التي عقدَت معها شركة الاتصالات الإماراتية "دو" du  شراكة أيضاً.

بالإضافة إلى ذلك، بات في هذه البيئة الكثير من الشركات الناشئة التي تُثمّن بأكثر من 100 مليون دولار، ومنها "سوق.كوم" Souq.com و"كريم" Careem و"ماركة في أي بي" Marka VIP و"نيوز جروب" News Group و"نمشي" Namshi.

كلّ هذا، بالإضافة إلى فرص التجارة الإلكترونية المتاحة، يُسهم في إقناع شركاتٍ ناشئة أخرى بالانتقال إلى الإمارات. وفي هذا الصدد، تتوقع شركة الاستشارات "فروست أند سوليفان"Frost & Sullivan لسوق التجارة الإلكترونية في دول الخليج أن تبلغ 41.5 مليار دولار في عام 2020، على أن تأتي 53 بالمئة من هذا المبلغ من الإمارات وحدها. 

00000002.jpg

موقع الإمارات متقدّم في عدّة مؤشرات.

الخطوات التي ما زالت تنقص

مع ذلك كلّه، إذا أرادت الإمارات أن تحقق رؤيتها بأن تصبح مركزاً عالمياً للشركات الناشئة، والانضمام إلى عصبة الدول المبتكرة مثل سنغافورة، ما زال عليها فعل الكثير.

والتحدّيات الكامنة في ‘الأمرَتة‘ emiratization والإنفاق على البحوث والتطوير والاندماج الاقتصادي، كلّها أمثلةٌ على الأهداف المتضاربة وعمليات صنع القرار البطيئة التي تقف عائقاً أمام تقدّم ريادة الأعمال.

  • بين العولمة والأمرَتة

على المديَين القصير والمتوسط، نجد تضارباً بين التنافسية الدولية والحاجة إلى رعاية مجتمع ريادة الأعمال الوطني.

فالإماراتيون يشكّلون حوالي 12 بالمئة من السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن بين موظّفي القطاع الخاص الذين يبلغ عددهم أربعة ملايين لا يشكّل الإماراتيون سوى 20 ألفاً منهم فقط.

كما أنّ رؤية 2021 التي تشمل مدناً ذكية والطاقة المتجدّدة وحتى برنامجاً فضائياً تتطلّب يداً عاملة هائلة في القطاع الخاص، حيث بين عامَي 2011 و2020 وفي مجال الهندسة وحده تدعو الحاجة إلى ما يقارب 60 ألف مهندس إضافي من ذوي الخبرة.

وبالتالي، لا يمكن لهذا الكمّ الهائل من المحترفين أن ينبثق على نحوٍ معقول من القوّة العاملة الوطنية خلال السنوات الخمس التالية.

وإذا كان بناء مركزٍ عالميٍّ للشركات الناشئة هو ما يتصدّر أولويات الإمارات، فإنّ "حرب المواهب العالمية" ستستوجب تقديم حوافز للمهندسين والعلماء والمبرمِجين المخضرمين كي يفكّروا في الانتقال إلى الإمارات، ليس فقط للعمل في الشركات الكبرى، بل أيضاً للعمل في الشركات الناشئة التي لا يمكنها أن تقدّم المنافع والرواتب عينها كالشركات الكبرى.

إلى ذلك، وبشكلٍ عام، فإنّ المهندسين والمبرمجين هم الذين يؤسّسون معظم الشركات الناشئة الناجحة، وندرتهم في الإمارات تشكّل خطراً على رؤية البلاد في أن تصبح فعلاً مركزاً تنافسياً للشركات ناشئة.

في تشيلي تقدّم الحكومة للأجانب 40 ألف دولار إذا انتقلوا إليها، وفي سنغافورة استحدثت الحكومة برنامج "أنتر باس" EntrePass الذي يسهّل على روّاد الأعمال الاستقرار فيها.

وهنا، لا يزال على الإمارات أن تقرّر ما إذا كان بإمكانها أن تقدّم إجراءً مماثلاً وكيف ستفعل ذلك، خصوصاً وأنّها التزمَت الصمت حتّى الآن بشأن تأشيرة ريادة الأعمال entrepreneurship visa التي كانت قد أعلنت عنها بشكل مبهمٍ في حزيران/يونيو 2014.

وعى خطٍّ موازٍ، قد يكون للصعوبات المحيطة بملكية الأجانب خارج المناطق الحرّة في الإمارات تأثيرٌ هائلٌ في قرار روّاد الأعمال العالميين بالانتقال إلى الإمارات. ذلك في وقتٍ لم تتمّ فيه بعد مناقشة قانونٍ محتمل، كان قد ذُكِر في آذار/مارس 2015.

  • البحوث والتطوير

تتصدّر الإمارات دول المنطقة من حيث تبني التقنيات، وأمّا من حيث البحوث والتطوير وحصّتها من الناتج المحلي الإجمالي فتحتل حالياً مرتبةً قريبة من دولتي المكسيك ورومانيا اللتين تنفقان القليل في هذا المجال، وفقاً لتصنيفات البنك الدولي.

ففي حين تُنفق بلدان "منظّمة التعاون والتنمية" OECD ما معدّله 2.3 بالمئة من الناتج المحلّي الإجمالي على البحوث والتطوير، تُنفق الإمارات 0.5 بالمئة منه فقط. ونظراً إلى هذا الإنفاق المنخفض على البحوث والتطوير، ليس من المستغرَب ألّا يزيد عدد براءات الاختراع عن معدل عشرين براءة اختراع في السنة في الإمارات مقارنةً بأكثر من ألف براءة في سنغافورة وأكثر من 100 ألف في كوريا الجنوبية.

ويُذكر هنا أنّ الحكومة تتولّى 49 بالمئة من الإنفاق على البحوث والتطوير، فيما الجامعات مسؤولة عن 44 بالمئة، والشركات الكبرى عن 7 بالمئة فقط، الأمر الذي يشير إلى أنّ الشركات لا تَعتبر الإمارات وجهةً جديرةً ببذل جهودٍ في البحث والتطوير.

لكي يصبح مجتمع الإمارات مجتمع معرفة، يحتاج الأمر إلى مضافرة الجهود لإقناع الشركات الكبرى بأن تصبح جهاتٍ معنيةً وأن تساعد بدرايتها ومواردها الجامعات والشركات التقنية.

وإضافةً إلى ذلك، يلزم أيضاً تحويل المناطق الحرّة إلى مجمّعات للمعرفة. وهنا تشكّل مدينة "مصدر" Masdar City، وهي منطقة حرة الخالية من الكربون carbon-neutral free zone في أبوظبي، مثالاً واعداً، غير أنّه ما زال من المبكر جدّاً قياس نجاحها باعتبارها صلة وصلٍ بين الجامعات والشركات في مجال الصناعة التقنية النظيفة Cleantech.

في المحصّلة، إنّ مفهوم التعاون بين الشركات الكبرى والشركات الناشئة يمثّل استراتيجيةً قادرة على إحداث تأثيرٍ كبيرٍ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما ستسلطّ المزيد من الضوء عليه دراسةٌ مرتقبةٌ يعمل عليها "مختبر أبحاث ومضة". 

00000003.jpg

على الإمارات أن تبذل جهداً في هذه المجالات لكي تعزّز النشاط الاقتصادي.

  • الاندماج الإقليمي: إمكانية التوصّل إلى وحدة اقتصادية

ريادة الأعمال لا تنشأ من العدم، وتجديد الجهود لرفع الحواجز التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي أمرٌ ضروري.

لقد أسّسَت كلٌّ من البحرين والكويت وسلطنة عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة "مجلس التعاون الخليجي" GCC في عام 1981 من أجل تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي. وفي عام 2001، تمّ اقتراح التداول بعملةٍ مشتركة بين دول المجلس، وهي "الخليجي" Khaleeji، غير أنّ ذلك ما زال حلماً بعيداً. ولكن في مطلع عام 2015، بات "الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي" GCC Customs Union واقعاً، وبات هناك نظامٌ جمركيّ موحّد ورسومٌ يجري تحصيلها مرةً واحدة فقط على السلع المستورَدة.

تأوي الإمارات أكثر من 10 ملايين نسمة، فيما تشكّل دول "مجلس التعاون الخليجي" معاً سوقاً تضم 50 مليون نسمة. وبما أنّ كسر حواجز التي تقف في وجه التوسّع أمرٌ ضروري لنجاح ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فكلّ خطوةٍ تسهّل التداول التجاري ضمن دول "مجلس التعاون الخليجي" من شأنها أن تخدم مصالح الشركات الناشئة.

ففي دراسةٍ سبق أن أجراها "مختبر أبحاث ومضة"، أشار واحدٌ من أصل رائَدي أعمال اثنَين من الذين تمّ استطلاعهم، إلى أنّ التوسّع في البلدان العربية المجاورة يشكّل واحداً من أبرز التحدِّيات.

ضرورة بذل المزيد من الجهود لتحقيق رؤية 2021

بات من الواضح أنّ تغلّب الإمارات على سائر بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتحولّها إلى مركزٍ عالميٍّ للشركات الناشئة يعتبَران هدفان مختلفان جداً. فالأوّل سبق أن تحقّق؛ والثاني، لتحقيقه، يجب اتّخاذ قراراتٍ جريئة وتنفيذها بشكلٍ أسرع والقيام بتخطيطٍ استراتيجي وطويل الأمد.

أمّا الحلّ الأكثر إلحاحاً لإحدى المشاكل التي يواجهها روّاد الأعمال فهو إصدار قانونٍ للإعسار (الإفلاس)، إذ بموجب التشريعات الحالية يمكن للمدينين المتعسّرين أن يواجهوا عقوبة السجن.

وبينما تردّدَت شائعات حول صدور قانون جديد منذ سنوات، نشرَت الصحيفة الرائدة في دولة الإمارات في تموز/يوليو 2015 مسودّة قانون الإعسار الجديد الذي حصل أخيراً على موافقة مجلس الوزراء. ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر 2015، لا يزال القانون ينتظر موافقة المجلس الوطني الاتحادي والمجلس الأعلى ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

في حال تمّ سنّ هذا القانون، سيحلّ ذلك عقبةً أخرى من العقبات الكامنة أمام ريادة الأعمال في الإمارات، أمّا إذا تباطأ نمط الإصلاحات فسيصبح تحقيق الرؤية الوطنية أقلّ احتمالاً أكثر فأكثر. 

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.