عربي

أنظار الاستثمار الأجنبي تتجه للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط، وعلى الشركات المحلية استغلال الفرصة

English

أنظار الاستثمار الأجنبي تتجه للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط، وعلى الشركات المحلية استغلال الفرصة

مقالة بقلم أولينا بيتروسيوك، المؤسس الشيركة بشركة Waveup، وهي شركة تقدم خدمات استشارية للشركات الناشئة

لم تستطع الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحقيق نجاحًا كبيرًا في مجال التكنولوجيا المالية لفترة طويلة من الزمن. فقبل خمس سنوات فقط، لم تبدِ شبكتنا من صناديق الاستثمار في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أدنى اهتمام بالاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لكننا نشهد اليوم تحولًا جذريًا في المشهد، وذلك مع تزايد اهتمام المستثمرين في الغرب بالاستثمار في قطاع الشركات الناشئة، حيث تحظى منطقة الشرق الأوسط باهتمام المجتمع المعني بمجال التكنولوجيا، وهو ما تجلى بوضوح في مؤتمر قمة الويب— وهو أكبر ملتقى تقني في العالم والذي استضافته قطر في عاصمتها الدوحة.

وقد برز هذا الاهتمام المتزايد عبر العديد القطاعات، لكن كان لقطاع التكنولوجيا المالية النصيب الأكبر. فخلافًا لوضع قطاع التكنولوجيا المالية العالمي الذي شهد انخفاضًا في التمويل بواقع 50%، فضلاً عن تشبع في هذا المجال وتناقص عائداته واختفاء شركات اليونيكورن منه، اتخذ قطاع التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منحى آخر. 

ففي عام 2023، تمكنت الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا المالية في كلٍ من السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وتركيا من حشد تمويلات بقيمة إجمالية تبلغ تقريبًا ملياري دولار. كما تخطى رأس مال خمس شركات مليار دولار خلال عام 2023 فقط.

كما شهدت شركة أبهي (Abhi) الناشئة في باكستان نموًا هائلاً، حيث بلغت قيمتها السوقية 90 مليون دولار في غضون عامين فقط. كما استطاعت مد خدماتها إلى خارج حدود باكستان—محققة بذلك نجاحًا ساحقًا قد لا تتمكن العديد من نظيراتها في الغرب من تحقيقه. 

في الآونة الأخيرة، لم نشهد ارتفاع عدد الصفقات فحسب، بل شهدت القيمة السوقية للشركات زيادة هائلة أيضًا. فقبل بضع سنوات فقط، شهد تمويل الشركات الناشئة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضًا بمقدار 30-40% مقارنة بنظيراتها في الغرب. والآن، تشير كل من بيانات القطاع وتجربة شركة (Waveup) مع العملاء المحليين إلى أن قيمة الشركات في المنطقة ظلت ثابتة أو تزايدت، حتى مع انخفاض قيمة العملة الذي تواجهه شركات التكنولوجيا المالية الأجنبية.

بدءًا من عام 2023، ارتفع متوسط مضاعف قيمة المؤسسة مقارنة بإيراداتها لشركات التقنية المالية المتخصصة في إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكثر من 29.19، مقارنة بمتوسط نظيراتها في أماكن أخرى من العالم والبالغة 8.88.

تتجسد هذه القصة من النجاح أمام أعيننا، ومن المتوقع أن يستمر الوضع على هذا المنوال في المستقبل المنظور، لذا يجب على الشركات الناشئة المحلية أن تستغل تلك الفرصة الاستغلال الأمثل.

كيف يمكن لشركات التكنولوجيا المالية المحلية الاستفادة من تدفق الاستثمارات الأجنبية؟ 

إن بروز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كأحد المراكز العالمية للتكنولوجيا المالية ليس من قبيل المصادفة، حيث أدت العوامل التالية المتمثلة في قوة الأداء الاقتصادي وتزايد عدد السكان وازدهار القطاع المصرفي وتزايد شعبية التجارة الإلكترونية إلى تمهيد الطريق نحو خلق سوق مثمر وغير مستغل على نحو كافٍ. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال العديد من الشركات التي نعمل معها في المنطقة تواجه صعوبة في جذب رأس المال الاستثماري، وذلك بالرغم من امتلاكها أسس عظيمة للعمل التجاري.

يكمن السبب الرئيسي وراء ذلك إلى افتقارها إلى المهارة التسويقية في سرد قصة مشوقة حول نشأتها وطموحها للمستقبل، والتي تمكنها من جذب الاستثمارات. لذا، من الأهمية بمكان فهم العوامل التي من شأنها جذب أنظار المستثمرين الأجانب للاستثمار في الشركات المحلية، سعيًا للاستفادة من هذه المعرفة في التسويق لجذب رأس المال الأجنبي.

تقديم رؤية شاملة حول الفرص الكامنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 

يكمن أحد أهم الأسباب لعزوف المستثمرين عن الاستثمار في المنطقة في انخفاض فرص النمو التي يرغب المستثمر في أن يراها، إذ يرغب الاستثمار الجريء في أن يرى ضمانات حقيقية حول العائد المتوقع، فالجميع يرغب في أن يضع استثماراته في شركة واحدة على الأقل قد تنضم لنادي الشركات المليارية.

وتحقيقًا لذلك، تبحث شركات رأس المال الجريء عن فرص استثمارية في الأسواق الضخمة، والتي تبلغ قيمتها السوقية عادةً أكثر من مليار دولار.

عادةً ما تواجه الشركات الناشئة التي تعمل في أسواق محدودة الحجم - مثل قطر والبحرين - تحديات في جذب الاستثمارات. يكمن حل هذه المعضلة في وضع التوسع عالمياً في الاعتبار منذ البداية، وذلك من خلال خلق منتج ووضع استراتيجية من شأنها مخاطبة وجذب شرائح خارج نطاقك الإقليمي، مما يسمح لك بالتوسع إلى أسواق أخرى.

في حال تبني الشركة استراتيجية رأس الشاطئ (البدء باستهداف سوق صغير الحجم)، ينبغي على الشركة الكشف أمام المستثمرين عن نيتها في التوسع على نطاق المنطقة بأكمها. حتى لو تم استهداف دولة واحدة في البداية، من الضروري إعداد واستعراض خارطة طريق تتضمن التوسع في أسواق أخرى. وفي تلك الحالة، ينبغي إجراء تحليلاً لفرص التوسع في العديد من الدول، وإنشاء مقترحات القيمة المحلية، وعرض استراتيجية الدخول إلى السوق وجدولها الزمني. كما ينبغي الكشف عن طموحات الشركة الكبيرة في المنطقة، ما من شأنه جذب المستثمرين على الفور.

فن رواية قصة فريدة

كما ناقشت بإسهاب في مقال سابق، لم تكن شركات الشرق الأوسط ماهرة في سرد قصة قوية كفاية لجذب المستثمرين الأجانب. يبدو أن مفهوم القصة قوية، التي من شأنها جذب انتباه شركات الاستثمار، فن لا تتقنه بعض الشركات المحلية، نظرًا لافتقارها إلى الخبرة في سردها.

وفي الوقت ذاته، لا تستطيع الشركة خلق هويتها دون امتلاك قصة؛ إذ قد تمتلك الشركة أسسًا عظيمة وفكرة رائعة، لكن لا يمكنها التسويق لكل ذلك دون امتلاك قصة مؤثرة تربط الأحداث ببعضها وتضفي عليها مصداقية. بل في الواقع لن تتمكن حتى من استرعاء انتباه المستثمرين لأكثر من ثلاثين ثانية. والأهم من ذلك، يعلم المستثمرون أنه إذا لم تكن الشركة قادرة على عرض رؤيتها لهم، فلن تكون قادرة على تقديمها للعملاء والشركاء المحتملين كذلك.

ثمة العديد من الاستراتيجيات التي من شأنها مساعدتك على خلق قصة مؤثرة لشركتك:

  • إظهار جوهر العلامة التجارية والرؤية: التـأمل في العوامل التي شجعتك على تأسيس شركتك وسبب أهميتها. وبناءً على هذا الإلهام، يمكن سرد قصة الشركة، مع الحرص على ما يلي في عرضك التقديمي:
  • صياغة (شريحة) افتتاحية قوية: تحدد المقدمة التي تصيغها الاتجاه التسويقي لباقي التفاصيل، كما تحدد إلى أي مدى يمكنك الحفاظ على اهتمام شركات رأس المال الاستثماري لمتابعة القراءة. التحلي بالشجاعة والتمتع بالحس الإبداعي للتمكن من جذب الانتباه وتمهيد السبيل لتحقيق المزيد.
  • ربط  الأجزاء (شرائح العرض) معًا عبر بناء حبكة قوية: فلا يمكنك عرض بيانات مبعثرة وغير مترابطة على المستثمرين، وأن تتوقع استيعابهم لها. بل يقع على عاتقك بناء الحبكة وخلق ذلك الرابط، حتى يتمكن المستثمرون من متابعة التفاصيل بسهولة.
  • اختر عناوين تعبر عن الجزء (الشريحة) المعني: يجب اختيار عناوين لافتة ومستقلة يمكن الاعتماد عليها لفهم محتوى النص وسرد باقي التفاصيل، مما يدفع المستثمرين على متابعة القراءة حتى النهاية.

التركيز على الأرقام بدلًا من الأوصاف

تميل الشركات المحلية إلى استخدام العديد من الشرائح التي تصف منتجاتها والقيمة المقترحة، بيد أنها بالكاد تذكر الأرقام - حتى لو كانت هائلة. تنمو العديد من الشركات في المنطقة بسرعة البرق، نظرًا لعدم وجود منافسة صريحة أو افتقار المنافسين للتمويل المناسب. كما تتمتع أغلب هذه الشركات بكفاءة عالية في استخدام رأس المال ويمكنها كذلك تحقيق النجاح بميزانية أقل— وهي مهارة يبحث عنها المستثمرون تحديدًا في الوقت الحاضر.

تمكن أحد عملائنا في مجال التكنولوجيا المالية في المملكة العربية السعودية من تحقيق إيرادات بلغت مليون دولار أمريكي في غضون بضعة أشهر فقط منذ بدء النشاط، مع تحقيق أرباح كبيرة للغاية في الوقت ذاته. يعد هذا النمو السريع المصحوب بتحقيق ربحية أمرًا نادرًا للغاية في عالم الشركات الناشئة. لذا، إذا كانت أرقامك قوية، تأكد من إبرازها واستخدامها في التسويق لشركتك، حينها فقط يمكنك ضمان التسويق لمنتجك بشكل أفضل، عوضًا عن استخدام أوصاف جذابة للمنتج.

إنه العصر الذهبي لشركات التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط

نشهد أزمنة لم يسبق لها مثيلًا في تاريخ شركات التكنولوجيا المالية. فمن المتوقع زيادة تدفق رأس المال الأجنبي مع إدراك المستثمرين الأجانب لجميع الإمكانات الغير مستغلة في مجال التكنولوجيا المالية في جميع أنحاء المنطقة. إنها سوق غنية لم يمض الكثير على ظهورها، مما يتيح المجال أمام تحقيق النمو السريع والفعال من حيث رأس المال وإحداث أثر كبير. إذا تمكنت الشركات المالية المحلية من لعب أوراقها بشكل صحيح والاستفادة من المزايا الفريدة التي تتمتع بها، حينها يمكننا أن نتوقع عقد المزيد من الصفقات الكبيرة والحصول على تقييمات مزدهرة أكثر من أي وقت مضى.

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.