هل تصير فلسطين مصدر مواهب التكنولوجيا للشرق الأوسط والعالم؟ الإجابة نعم!
بقلم راتب الرابي، الرئيس التنفيذي لانترسكت
دفعت التغييرات المتسارعة في عالم التكنولوجيا بالعديد من الشركات الكبرى إلى التوقف وإعادة النظر في استراتيجياتها المعنية باستقطاب المواهب؛ فبدلاً من التركيز على الوجهات التقليدية المصدّرة للكفاءات مثل وادي السليكون ومدينة بنغالور الهندية، التي أصبحت مكتظة بالمواهب ومرتفعة التكاليف في الوقت نفسه، أخذت أنظار الشركات تتوجه بسرعة إلى الأسواق الناشئة غير المستكشفة بعد. وتمثل فلسطين إحدى أبرز هذه الأسواق، ووجهةً مثالية للشركات في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما أنها غنية بالمواهب المتخصصة والخدمات معقولة التكلفة، فضلاً عن نظامها التعليمي الفعّال. وتؤدي العديد من البرامج والمبادرات اليوم دور الربط بين فلسطين وباقي الأسواق، بما فيها برنامج "لينك" لاستقطاب المواهب من شركة انترسكت للاستشارات الذي يقدم للكفاءات الفلسطينية فرص التعاون مع الشركات في الخليج.
تنامي مكانة فلسطين مركزاً للتكنولوجيا
يساهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في فلسطين بحوالي 4% في الناتج المحلي الإجمالي، ويحافظ على معدل نمو سنوي مركب بنحو 6%، مستنداً في ذلك إلى النظام التعليمي المزدهر في البلاد الذي يشهد تخريج حوالي 2500 متخصصاً بتكنولوجيا المعلومات كل عام. ويؤكد النمو المستمر للقطاع مرونته العالية في مواجهة التحديات، ودوره الاستراتيجي باعتباره أحد أهم عوامل التمكين الاقتصادي.
وتلعب الجامعات دوراً محورياً في صقل الكفاءات الفلسطينية، بما فيها جامعة بيرزيت وجامعة النجاح الوطنية والجامعة العربية الأمريكية. عمدت جامعة بيرزيت، على سبيل المثال، إلى التعاون مع معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد وغيرها من المؤسسات المرموقة عالمياً، للارتقاء بجودة المناهج التعليمية وفقاً لأفضل المعايير الدولية. وقد أثمرت هذه الشراكات بالفعل عن تعزيز مهارات الخريجين من جهة، وترسيخ مكانة الجامعات الفلسطينية بوصفها مراكز معتمدة عالمياً لتخريج أفضل الكفاءات.
شجع ازدهار هذه المنظومة التعليمية على نشوء العديد من حاضنات الأعمال والمراكز البحثية التي وفرت للخريجين الفرصة لمواصلة التعلم والابتكار؛ كما أطلقت الجامعات مبادراتٍ عديدة تمثلت في المشاريع الريادية ومشاريع البحث والتطوير، والتي استقطبت الطلبة والخريجين الجدد وأتاحت لهم تطبيق معرفتهم النظرية على أرض الواقع. وتبرز في هذا السياق البرامج الأكاديمية لجامعة بوليتكنك فلسطين التي توفر للشركات الناشئة ورواد الأعمال بيئةً تدريبية متكاملة، تشجع على الإبداع وحل المشكلات، وتتيح لهم الاستعداد للتعامل مع الفرص والتحديات الواقعية.
في الوقت نفسه، أسهم تزايد الشراكات بين المؤسسات التعليمية وشركات القطاع الخاص في تعميق الربط بين المشهد الأكاديمي وسوق العمل، مما أتاح للطلبة والخريجين فرصة المشاركة في برامج التدريب الداخلي، والتعليم التعاوني، والمشاريع البحثية المشتركة. وفي ضوء هذه الشراكات المتكاملة، تحظى الكفاءات الفلسطينية اليوم بفرصٍ مستمرة لتطوير مواهبها وتبادل المعارف ومواكبة أحدث التوجهات والتقنيات المتقدمة في القطاعات.
مستقبل العمل عن بُعد في فلسطين
أسهمت جائحة كوفيد-19 في تسريع التحول نحو ثقافة العمل عن بُعد في جميع أنحاء العالم، وترسيخها كجزءٍ لا يتجزأ من استراتيجيات الشركات على المدى البعيد. وقد تصدّرت فلسطين هذا التوجه استناداً إلى بنيتها التحتية الرقمية المتقدمة والشغف العميق بالتكنولوجيا لدى قوتها العاملة، فضلاً عن تجاربها الحافلة في تسخير أحدث التقنيات للوصول إلى السوق العالمية وتخطي القيود الجغرافية، لا سيما القيود التي فُرضت على السفر الدولي. وفي النتيجة، برزت فلسطين بوصفها من أكثر الأسواق المؤهلة للاستفادة من بيئة العمل عن بُعد.
كذلك تشكّل المنطقة الزمنية التي تتواجد فيها فلسطين، وهي توقيت غرينتش +2، عاملاً استراتيجياً محورياً في تعزيز ثقافة العمل عن بُعد في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إذ تتيح للكفاءات الفلسطينية التعاون بسهولة وفي الزمن الحقيقي مع مختلف الشركات في منطقتي الخليج وأوروبا، وبالتالي التواصل وإدارة المشاريع بكفاءة عالية. وتستفيد الشركات الخليجية بالشكل الأكبر من هذا التفاوت في ساعات العمل، حيث يمكنها تغطية وقت أطول في العمل على المشاريع، وتسريع عمليات تقديم الآراء والمقترحات والاستجابة لها.
يتميز قطاع التكنولوجيا الفلسطيني أيضاً بارتفاع معدلات الاحتفاظ بالكفاءات الصادرة عنه، مما يوفر على الشركات عناء إجراء التغييرات في فرقها بين الحين والآخر، لا سيما عند الاستعداد للمشاريع طويلة الأجل. كما تعتبر أجور المتخصصين الفلسطينيين معقولة للغاية، وقد تنخفض بما يصل إلى 70% عن نظيراتها في الولايات المتحدة، إلا أنهم يقدمون العديد من المزايا والإسهامات المهنية الملموسة أيضاً. ويسعى بنك فلسطين إلى تسليط الضوء على هذه المواهب في سوق العمل الخليجية، تماشياً مع التزامه بتوفير فرص العمل وإقامة شراكات مثمرة مع منطقة الخليج تعود بالنفع على جميع الأطراف المعنية. وتتمثل هذه المساعي في المبادرات التي تطلقها انترسكت للاستشارات التابعة للبنك بهدف توفير فرص العمل للمواهب التكنولوجية الفلسطينية لدى شركات الخليج.
المزايا الأوسع للكفاءات الفلسطينية
أصبحت اليوم معايير المسؤولية الاجتماعية للشركات والممارسات التجارية الأخلاقية علامةً فارقة في رحلة الشركات على مستوى العالم، مما يجعل توظيف المواهب الفلسطينية فرصةً ذهبية للشركات متعددة الجنسيات لإظهار التزامها بهذه المعايير النبيلة، فهي بذلك تساهم في دعم الاقتصاد الفلسطيني وتعزيز مساعي النمو والتطوير المحلية في ضوء التحديات الكبرى التي تشهدها البلاد.
ولطالما لعبت الشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية دوراً محورياً في تعزيز نمو قطاع التكنولوجيا الفلسطيني؛ كما أسهمت في خلق منظومة من العلاقات والمنافع المتبادلة، إذ تتيح للشركات الاستعانة بمجموعة واسعة من المواهب المتخصصة والموثوقة، وتسهم بالمقابل في تدفق الاستثمارات اللازمة إلى الاقتصاد الوطني وتعريف المواهب المحلية بأفضل الممارسات العالمية. وفي المحصلة، تعود هذه الشراكات بالنفع على جميع الجهات المعنية، بدءاً من تحفيز الابتكار والنمو الاقتصادي وصولاً إلى تحسين العلاقات العابرة للحدود.
أفضل السُبل لتوظيف المواهب الفلسطينية
توفر المراكز التقنية الناشئة، وعلى رأسها فلسطين، حلاً واعداً للشركات الراغبة باعتماد استراتيجية مبتكرة في تحقيق النمو المستدام، مهما كان قطاع عملها وفي مختلف أنحاء العالم، لا سيما أن هذه البلاد تحتضن مواهب متخصصة بأجور معقولة مع منظومة تعليمية متينة وعالية الفعالية.
وفي هذا السياق، يقدم برنامج "لينك" لاستقطاب المواهب من انترسكت للاستشارات خدماتٍ شاملة توفر فرص عمل وتلبي احتياجات السوق، بما يتيح للشركات تحقيق أفضل استفادة من المواهب الفلسطينية.
ويوفر برنامج "لينك" للشركات إطار عمل شاملاً لتأسيس مراكز تشغيلية خاصة بها في فلسطين، والذي يشتمل على إنشاء توصيف للوظائف، وتقييم المتقدمين، وإدارة عملية التعيين، وتقديم الدعم في مهام الموارد البشرية والإدارة. كما يقدم مساحاتٍ مكتبية وبنية تحتية متقدمة ومزودة بأحدث التجهيزات، بما فيها أدوات تكنولوجيا المعلومات والإنترنت فائق السرعة ومختبرات الابتكار، مما يمنح الشركاء خارج فلسطين حلاً شاملاً لتعزيز التكامل بين عملياتهم على اختلاف مواقعها، واحتضان فريقهم ضمن بيئةٍ عصرية تشجع على الإنتاجية والابتكار والتميّز.
لا تترددوا في التواصل معنا عبر rateb@intersecthub.org لمعرفة المزيد عن البرنامج وكيفية الاستفادة من خبرات المواهب الفلسطينية وإمكاناتهم المميزة.