ماذا يمكن لتركيا ان تتعلم من الربيع العربي
قد تعتقد تركيا أنها لعبت دوراً رائداً في تغيير
الشرق الأوسط، إلا أنه من دواعي الحكمة أن تتأمل دروس الربيع العربي.
إن الحركات التي تجمّع فيها مئات الآلاف من المواطنين رافعين قبضاتهم
في تحدٍّ للحكام المستبدين هي بالضبط الأمثلة التي يجب أن يتدارسها
الأتراك فحماية اقتصادهم المُتنامي بشكلٍ سريع يستلزم القليل من
اليقظة والحذر.
تصدّر الشركات التركية حاليّاً ما
يزيد عن 50 مليار دولار من البضائع والخدمات للشرق الأوسط. ووفقاً
لمركز هولينجز فإن "مشاريع الإنشاءات التركية في
الدول العربيّة تصل بمجموعها إلى 70 مليار دولار". كما أنه من الواضح
أن السوق العربية تعد سبباً كامناً وراء النهوض السريع لتركيا لتصل
إلى المركز السادس عشر بين دول العالم من حيث قوة النظام الاقتصادي.
لكن الاحتفاظ بهذه الهيمنة سيتطلب أكثر من مجرد حنكة اقتصادية، فتركيا
بحاجة لتأمين ديمقراطيتها.
لم تنعم تركيا بالديمقراطية على
الدوام، حيث كان جنرالات الأتراك والطبقات العليا يعتقدون أن الشعب
يجب أن يُحكم من قبل النخبة. ثم نجحت "سلطة الشعب" التركي مع صعود
نمور الأناضول، وتحوُّل مدن ظلت خامدةً طويلاً في قلب تركيا والتي
أصبحت بعد ذلك مراكز طاقة للمشاريع الريادية. لقد بنى نمور الأناضول
ثروات، ومن خلال هذه الثروات استقطبوا المزيد من المشاركة الشعبية في
السياسة التركية وبهذا حصل المواطن التركي العادي أخيراً على فرصة
تمثيله والإصغاء لمطالبه.
إن هذه الصورة، والقدرة الاقتصادية
المسؤولة عنها، هما اللذان قادا العديد ليقولوا عن حق بأن مصر وتونس
وليبيا يجب أن تحاكي النموذج التركي، ومع ذلك يجب عدم المغالاة في هذا
القول أو فهمه بطريقة واحدة.
على العالم العربي أن يتدارس
النموذج التركي باعتبارها دولة ذات أغلبية مسلمة. فقد أُجبِر الشرق
الأوسط لفترةٍ أطول من اللازم على تركيز اهتمامه تجاه الولايات
المتحدة الأمريكية بدلاً من التركيز بفخر على الداخل. وبالرغم من
توجّه تركيا في الغالب تجاه الغرب، إلا أنها لم تبدأ في النهوض
والتألق إلا عندما اتجهت أنقرة بنظرها إلى الشرق. وقد زاد صعودها
بمجرد أن تخلت الدولة عن حكم الحزب الواحد، وأزالت الغطاء عن القمع
الديني. لقد برهنت تركيا على أن الإسلام يحض على الديمقراطية، وبل
والأهم من ذلك أنه يحث على النمو.
لقد كان الإسلام على الدوام جزءاً
من التجربة العربية. إنما علينا أن ننتظر لنرى خطط الأحزاب السياسية
الإسلامية المعتدلة، مثل الأخوان المسلمون، لتحفيز الجموع، بيد أن
الأهداف الديمقراطية حتى الآن تلقى مناصرة شديدة. ويلاحظ الكاتب ريتشارد جافاد هيداريان، في مجلة "السياسة
الخارجيّة تحت المجهر" Foreign Policy in Focus أن الثورات في شمال
أفريقيا بُنيت على إحباطات شائعة دفينة مصدرها اقتصادات سوق لا
أخلاقيّة ومشوّهة أسسها قادتهم المستبدون". إن الذين قضوا شهوراً في
ميدان التحرير وفي شوارع بنغازي، إنما يريدون حياةً أفضل، ولكن ليس
على حساب الديمقراطية.
ويجب أن يتمسك الأتراك بنفس هذا
المبدأ. لكن حزب AKP التركي الحاكم انحرف مؤخراً عن مساره
الديمقراطي سواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ، حيث تعرضت حقوق الأقليات
للتهميش، وتدهورت حرية الصحافة. وفي غياب أي حزب حقيقي معارض يراقب
سياسة الحزب الحاكم، أصبحت الحكومة أكثر استبدادية في ظل القبضة
القوية لرجب طيب أردوجان. فقد بدّل نموذج النمو الخاص به من وادي
السيليكون إلى بكين، وهو ما يعد تهديداً غير مقبول للمكاسب الاقتصادية
التركية.
إن رواد الأعمال ينشطون عند وجود
مخاطر. وعلينا أن لا نقع في خطأ اعتقاد أن المخاطر تتأتى فقط فيما
يتعلق بالناحية النقدية. من الضروري وجود بيئة سياسية مفتوحة يُتاح
فيها النقاش والمعارضة والاختلاف فلا يمكن للابتكار التواجد إلا في
ظلّها.
وبينما يشقّ العالم العربي أيضاً
طريقه نحو الإصلاح والديمقراطية، دعونا لا ننسى أن منطقة الهلال
الخصيب، كمركز للدراسات الحسابيّة والعلميّة، كانت مجمعاً للابتكار
قبل وادي السيليكون بفترة طويلة.