شركة ناشئة سورية تلجأ إلى المملكة المتحدة لتطوير أعمالها
في الشهر الماضي، كان عدنان الخطيب سعيداً أكثر من المعتاد وهو يتابع الأخبار القادمة من مسقط رأسه دمشق. فمن مكتبه في لندن حيث الطقس سيئ، كان يتابع التغريدات والتدوينات عن أول فعالية ستارتب ويك آند في العاصمة السورية، محاولاً أن يقيّم عن بعد وضع البيئة هناك "التي كانت معدومة تقريباً" حين غادر في صيف 2012.
الخطيب هو رائد الأعمال الشاب وراء "روتال" Rootal، شركة ناشئة دمشقية تشق طريقها في المملكة المتحدة الآن. تقدم "روتال" برنامج تحديد المواقع الجغرافية للمطورين الذين يريدون دمج خدمات تعتمد على الموقع في برمجتهم. وبدلاً من أن تقوم الشركات بكتابة رموز تشفيرية لأدوات تحديد المواقع الخاص بها من الصفر، بإمكانها أن تستعين ببرنامج "روتال" الذي "ينجز 95% من عملها" لفترة مؤقتة أو دائمة، اعتماداً على خطة الدفع التي تحدّدها الشركة".
هناك بالطبع شركات أخرى تقدم خدمة مماثلة، وقد سمّى الخطيب اثنتين وهما "كوالكوم" Qualcomm و"أوربن ايرشيب" Urban Airship، كمنافستيه الرئيسيتين. غير أن ما يميّز "روتال" هو أنها لا تحدّد المواقع الجغرافية لأفراد فحسب، بل لمجموعات أيضًا. وبالنتيجة، لا تقتصر تطبيقاتها المحتملة على الإعلان بإشعارات الضغط التي تحقق الأرباح لمنافسيها (مثلا من خلال السماح للمطاعم بإرسال إشعارات عبر الهاتف الذكي إلى أفراد موجودين في نطاقها الجغرافي عند وقت العشاء). ولأن "روتال" تساعد المسوّقين على فهم تحركات الناس جغرافيًّا، فإن الخطيب يعتقد بأنها قادرة على احتكار سوق إدارة الفعاليات حيث يريد المنظمون تحديد تحركات المجموعات والأفراد الذين تسعى إلى استهدافها.
وتمامًا مثل جميع رواد الأعمال، لدى الخطيب أحلام كبيرة. وهو يأمل بأن يتمكن يوما ما من العثور على مطوّر يريد استخدام "روتال" لإنشاء تطبيق يضمن سلامة سير الحجّ. فبرأيه إن القدرة على تحديد مكان الفرد بالنسبة للمجموعة سيريح الحجاج. قال لي الخطيب "سيكون هذا التطبيق في الواجهة"، غير أنه يقرّ بأنه في الوقت الراهن عليه التركيز على أهداف أصغر بقليل.
يدرك الخطيب مخاوف الخصوصية المرتبطة بتقنية تحديد المواقع، والتي يقر بأنها قد تكون "مثل جهاز تتبّع في جيبك" إذا استعملت بشكل سيئ. ويشدد على أن "روتال" اعتمدت أفضل الممارسات في هذا القطاع، فالبيانات مشفرة ويستحيل أن يتم تحديد هوية أي فرد. ويشير إلى أنه "نحن كسوريين، مهووسون بهذه الأمور الخاصة بالتطفّل".
ولكنّ الردود التي حصل عليها الخطيب من الأشخاص الذين اختبروا "روتال" كانت إيجابية بشكل واسع، ويعتقد بأن المطوّرين الذين يصممون تطبيقات تستخدم "روتال" بإمكانهم تقليص وقت التطوير بثلاثة إلى أربعة أشهر، أي نصف الفترة العادية التي يتطلّبها تصميم هذه التطبيقات.
ولكن نظراً إلى جميع إمكانياته، فإن تقدّم البرنامج باتجاه الجدوى التجارية يستغرق وقتاً. فهو يحتاج إلى المزيد من الاختبار والاستثمار قبل أن يتم إطلاقه تجارياً وهو ما يأمل الفريق بأن يحصل عليه خلال الأشهر القليلة المقبلة.
لم تكن بداية الشركة السورية سهلة البتة وخرجت الأمور عن سيطرة الخطيب. فحين نشأ المشروع أساسًا عام 2010، اضطرّ المؤسّس إلى التعامل مع فريق يتفكّك تدريجيًّا. في نيسان/ أبريل 2010 فرّ المطورون من سوريا والأمر نفسه تكرّر عام 2012 واضطر الخطيب شخصيا إلى الهروب أولا إلى دبي ومن ثم إلى المملكة المتحدة حيث يحمل جنسيتين.
وبدءاً من كانون الأول/ ديسمبر 2013، عادت الأمور إلى مسارها مع فريق جديد ملتزم إلاّ أنّ الاجتماعات الشخصية كانت قليلة. ويتوزّع الفريق المؤلف من سوريين في أنحاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا وله وجود قوي في السعودية.
يؤمن الخطيب بقوة بأهمية تأمين وظائف للمطوّرين والمبرمجين السوريين النازحين، ولكنه يعترف بأن العمل دائماً عن بعد أمر صعب وله تحدياته. ويقول إنه "من المستحيل التقليل من أهمية التواجد الشخصي من أجل المعنويات، ولكننا نتواصل عبر "جوجل هانج أوت"، ولدينا مهل نهائية ولا نزال لا نعرف كيف نحفّز بعضنا البعض على البقاء مستيقظين طوال الليل للعمل على خطأ تقني هامّ".
غير أن الانقطاع الذي سببته الحرب الأهلية المستمرة في سوريا ليس السبب الوحيد الذي جعل "روتال" تستغرق وقتاً لتقف على قدميها. وعلى الرغم من أنها شركة ملتزمة بقوّة بهويتها الشرق أوسطية، إلا أنّ الاستثمارات في المنطقة العربية لم تظهر بعد ترحيبًا كبيرًا بابتكارات مثل "روتال". ويشرح الخطيب أن شركته "ليست مثل فايسوك أو توتير، بل نحن نعدّ خدمة معقدة تستهدف المطورين" بدلاً من مستخدمي الإنترنت العاديين". ويصف المنطقة العربية بأنها حذرة بشكل عام حين يتعلق الأمر بالاستثمار في التقنية المجردة. ويضيف "إذا كنت تبحث عن التمويل في الشرق الأوسط، فعليك التركيز على إصدار نسخ من شركات ناشئة موجودة وجعلها محلية. الرغبة في أخذ تقنية غير تقليدية واختبارها هو أمر ممكن بين الناس ولكن صعب في البيئة الاستثمارية".
إذاً هذه الفجوة بين البيئة الاستثمارية المحافِظة والميل الشعبي إلى المخاطرة، هو موضوع يتكرر في وصف الخطيب للساحة الريادية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بشكل عام، وسوريا بشكل خاص. وهو يراقب بإعجاب ميدان الشركات الناشئة ينمو شيئاً فشيئاً وسط الدمار الذي يسببه الصراع الدموي في بلاده، من دون أي دعم حكومي أو حتى إطار عمل قانوني يسمح بالاستثمار. ويقول إنه "قبل عام 2011، لم يكن من رواد أعمال ناشئين ولا شركات ناشئة. برأيي إذا انتهت الأمور بسرعة في سوريا، سيكون لدينا أحد القطاعات الأكثر تقدماً وديناميكية في الشرق الأوسط وربما في العالم".
وينسب الخطيب النجاح الأخير لمواطنيه في أول "ستارتب ويك أند" إلى المواهب الخلاقة والبيئة المؤاتية، على الرغم من واقع "أننا نحن السوريون شهدنا ظروفًا قاهرة". وتفرض منصات رئيسية للمطورين مثل "جيت هاب" GitHub و"جوجل كود" Google Code، و"سورس فورج" Source Forge، حظراً داخل سوريا ومن المستحيل الحصول على بطاقة ائتمانية محلية.
ويعتقد الخطيب أيضاً بأن هذه الريادة التقنية مؤشر على روح الريادة المنتشرة في سوريا ولو كانت جذورها تعود إلى الضرورة وليست أمراً اختياريا". ويشير إلى أن "الكثير من المدن في سوريا تدير نفسها بنفسها، فتنتخب مجالس محلية خاصة وتؤمن أمنًا وخدمات ذاتية وتتخلص من النفايات". وهذا يعكس روحًا ريادية موجودة في المجتمع. قد لا نكون على علم بذلك ولكن هذه هي الحقيقة".
رغم أنه يأمل بأن يتمكّن من أن يكون شاهداً على ولادة قطاع سوري للشركات الناشئة، لا يسع الخطيب سوى أن يشيد بالاستقبال الذي حصل عليه في المملكة المتحدة والذي تضمن حتى الآن دعوة لمناقشة التقنية وريادة الأعمال في 10 Downing street (مقر رئيس الوزراء). وبالفعل يتوجه الآن نحو حاضنات الأعمال والمنح في بريطانيا بدلاً من المستثمرين في الشرق الأوسط، مع سعيه إلى تلقي رأس المال الذي يحتاجه من أجل طرح النموذج الأولي التجاري لـ "روتال" في السوق.
سيكون نجاح "روتال" خبراً سعيداً ونادراً ولكن مرحباً به من قبل الكثير من المتخصصين الشباب اللامعين في بلاد الشتات، وتذكيراً بوجود رواد أعمال متمكنين مستعدين وقادرين على القيام بمهمة إعادة بناء الاقتصاد الضعيف، حين يأتي وقت ذلك.