English

لِمَ لا يمكننا التخلي عن دعم المغتربين العرب؟

English

لِمَ لا يمكننا التخلي عن دعم المغتربين العرب؟

ملاحظة: الشرق الأوسط/العرب في هذه المقالة تشير إلى بلاد الشام (لبنان، سوريا، فلسطين، والأردن).

يكاد المغتربون العرب يشبهون الفسيفساء بحقّ، فالبعض غادر الشرق الأوسط بحثاً عن حياةٍ أفضل، والبعض الآخر فرّ من الحروب والنزاعات. بعضهم ترك المنطقة للأبد، وبعضهم لبضع سنوات لا غير. بعضهم ترعرع في العالم العربي، وبعضهم ولد خارج المنطقة. كما أنّ بعضهم لا يتكلّم اللغة العربية بتاتاً، أو لم يرَ بلاد أجداده قط. ولكن خلف كلّ هذا التباين الشديد، فإنّ الجاليات أشبه بمناجم ذهب سواء من حيث الموارد أو المهارات أو الصِلات أو الوقت.

لكنّ الجاليات ليست عصاً سحريةً يمكنها أن تبدّل البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط بلمح البصر (ولا أن تبدّل اقتصاد المنطقة)، حيث أنّ إشراك المغتربين العرب يشكّل بحدّ ذاته تحدّياً للمؤسَّسات الإقليمية، وذلك لعدّة أسباب. ومع ذلك، تكمن في الجاليات العربية أهمّية كبرى.

غالباً ما يتمّ الاستخفاف بالفرص المتاحة لإشراك الجاليات في البيئة الحاضنة في الشرق الأوسط، وفيما يلي أربعٌ من هذه الفرص.

يمكن العثور على المغتربين العربي في جميع أنحاء العالم، وبعضهم مستعدّون وقادرون على مساعدة مجتمعاتهم في بلدانهم الأمّ. (الصورة من My Home Improvement)

1.    دعم قوي عبر التاريخ

تُظهر الجاليات العربية تعلقاً قوياً ببلدانها الأم، وبالتالي فقد فعل المغتربون الكثير ولا يزالون لخدمة المنطقة من تلقاء أنفسهم.

ووفقاً للبنك الدولي، شكّلت التحويلات الرسمية (التحويلات المالية إلى الأقرباء والأصدقاء) أكثر من عُشر (1/10) الناتج المحلي الإجمالي في بلاد الشام، في عام 2013 (18% في لبنان، 14% في فلسطين، 11% في الأردن، وما من إحصاءات لسوريا). وفي ذلك العام، بلغت التحويلات أكثر من 13 مليار دولار في تلك الدول وحدها.

هذا وتُنشئ الجاليات العربية مؤسّساتها الخاصّة، سواء للأعمال الخيرية أو الأنشطة التجارية أو غيرها. وقد بنَت هذه الجاليات جسور تواصل بين روّاد أعمال الشرق الأوسط وغيرها من الأسواق والبيئات الحاضنة، وبالأخصّ في الولايات المتحدة. وأطلقوا هيئات وكيانات مثل "تك وادي" TechWadi (للشركات الناشئة في العالم العربي) و"رايز إيجيبت" Rise Egypt (للمشاريع الاجتماعية في مصر).

لم تساعد هذه الجاليات المنطقة على طريقتها فحسب، بل استجابت لطلبات المساعدة أيضاً.

في عام 1991، عندما كان لبنان غير قادر على الوقوف على قدميه بعد الحرب الأهلية، جمعَت البلاد 52 مليار ليرة لبنانية (35 مليون دولار) على شكل سندات خزينة من المغتربين لتخفيف أعباء ديون الحكومة (كما تشرح غيتا حوراني).

ومن جهةٍ أخرى، أشعلت الحرب في سوريا حملة إغاثة طبية وخيرية واسعة النطاق بقيادة المغتربين. فــ"اتحاد المنظّمات الطبّية الإغاثية السورية" (UOSSM)، هو تجمّع للمؤسّسات يجمع كياناتٍ طبّية عدّة من المغتربين السوريين، أطلِق في بداية الحرب. وقد تمّ في الواقع إنشاء الكثير من الكيانات الاغترابية السورية خلال النزاع – 20 إلى 30 منظّمةً في أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط، وفقاً لتقرير صدر عام 2015 عن "فريق السياسات الإنسانية" (HPG) و"معهد التنمية الخارجية" (ODI).

ظاهرة مشابهة حدثت في لبنان في العام الذي تلا حرب تموز/يوليو 2006، حيث زادت التحويلات لتبلغ مستوياتٍ غير مسبوقة نسبياً – لتصل نسبتها إلى 24% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

2.    فرصة القومية العربية

لحسن الحظ أنّ الجاليات الشرق الأوسطية تتشارك على اختلافها قاسماً مشتركاً ثقافياً ولغوياً (على الرغم من اختلاف اللهجات).

تضمّ الولايات المتّحدة عدداً من مثل هذه الكيانات، ومنها "جمعية المصرفيين العرب في أمريكا الشمالية" ABANA، شبكةٌ للعاملين المحترفين في الشؤون المالية من المغتربين العرب؛ و "بيت أم إيه" PITME، وهي برنامج تسريع نمّو للشركات الناشئة الشرق الأوسطية (أطلقتها الألمانية – الإيرانية نيما عادل خاني في كاليفورنيا).

حسّ العروبية هذا الذي يطغى على المغتربين من الشرق الأوسط، يشكّل فرصةً في هذه المنطقة التي يندر فيها التعاون ما بين البلدان، سواء من حيث التعريفات الجمركية أو معايير الأعمال.

فمبادرات المغتربين العرب المشتركة تتيح أوّلاً وفوراتٍ في حجم الاقتصاد وتعزيزاً لبروز المؤسّسات. وينطبق ذلك بشكلٍ خاصّ في حالة الشركات الناشئة، حيث يكافح روّاد الأعمال ليزيدوا من إدراك الناس لهم، سواء محليّاً أو عالمياً. وفي بلاد الشام حيث الأسواق الفردية صغيرة الحجم، إنّ الحاجة إلى ذلك أكبر بعد. فلو تمّ استبدال منصّة "ومضة" بعدّة مواقع إلكترونية وطنية مثلاً، كان سيتمّ إغفال روّاد أعمال كثر ومبدعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وثانياً، المعارك الداخلية تضرّ بمبادرات المغتربين أيضاً، غير أنّ حسّ القومية العربية هذا يحدّ من مخاطر التسييس والصراعات. مثلاً، "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم" WLCU التي كانت المنظّمة الوحيدة للمغتربين اللبنانيين في الماضي، حُرمَت من قوّتها ومصداقيتها في الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت من 1975 إلى 1990. وبالمثل، فإنّ الحرب السورية تشكّل مصدر توتّر في صفوف الجالية السورية – بين السوريين السنّة والعلويين والأكراد على سبيل المثال، كما وداخل هذه المجموعات نفسها أيضاً، كما أشارت "حركة اليقظة الدولية" International Alert عام 2015 في تقريرٍ لها. ومع ذلك، تشكّل المبادرات الشاملة للعالم العربي فرصةً لكلّ جالية قومية بأن تبتعد عن الصراعات الداخلية في بلدها الأمّ.

يمكن أن يكون المغتربون العرب خارج بلدانهم، لكنّ بعضهم يُظهِر تعلّقاً ملحوظاً بالوطن. (الصورة من Morocco World News)

3.    حلفاء في الأوساط الأكاديمية والحكومات الأجنبية

وفّرت الجامعات والدول المضيفة في السنوات الأخيرة مساعدةً كبيرةً لمبادرات المغتربين العرب. ومثل هذه المبادرات تكثير في الدول المضيفة كما هو الحال في الولايات المتّحدة مثلاً. ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: "مؤتمر نهاية الأسبوع العربي في جامعة "هارفارد" Harvard Arab Weekend السنوي، و"منتدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لريادة الأعمال في المنطقة العربية" MIT Pan-Arab Enterprise Forum، و"الشبكة الأمريكية الشرق أوسطية للحوار في جامعة ستانفورد" AMENDS.

وبدورها، شكّلت بعض جامعات العالم العربي مثل "الجامعة الأمريكية في بيروت" AUB و"الجامعة الأمريكية في القاهرة" AUC مفتاحاً لربط المغتربين بالشرق الأوسط.

فجامعات المنطقة موثوقةٌ بشكل عام، وهي تتمتّع بحيادٍ نسبيّ سياسياً ودينياً، وبالاهتمام العام في أوساط المغتربين العرب بشأن التعليم والشباب. وبذلك تبرم جامعات الشرق الأوسط شراكاتٍ مع هيئاتٍ للمغتربين وتحافظ على علاقاتٍ جيّدة مع شبكات خرّيجيها السابقين أينما كانوا في العالم. وعلى الصعيد المحلّي، تدعم الطلاب العرب كما روّاد الأعمال (على نحوٍ متزايد) من خلال مبادرات عدة مثل مختبر "فنتشير لاب" في "الجامعة الأميركية في القاهرة" AUC Venture Lab.

بالإضافة إلى ذلك، يزداد يوماً بعد يوم اهتمام حكومات الدول المضيفة ومشاركتها في مشاريع أعمالٍ تتضمّن مغتربين: وما يضاعف ازدياد الاهتمام العامّ بمجتمعات المغتربين هو التعطّش المتزايد للشركات الناشئة والابتكار بشكلٍ عام.

فقد دعمت الولايات المتّحدة البيئة الحاضنة للأعمال وريادة الأعمال الأردنية عبر إشراك المجتمع الأردني المقيم في الولايات المتحدة، لا سيما من خلال "برنامج التنافسية الأردني" Jordan Competitiveness Program الذي أطلقته "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" USAID في عام 2013.

وفرنسا تدير برنامجاً بعنوان "برنامج المساعدة في إنشاء مؤسّساتٍ مبتكرة في منطقة المتوسط" PACEIM لاحتضان شركاتٍ ناشئة من المنطقة أطلقها خرّيجون جامعيون من لبنان ومنطقة المغرب العربي.

وقد أطلقت المملكة المتّحدة بالاشتراك مع لبنان (بما في ذلك مصرف لبنان المركزي) "المركز اللبناني البريطاني للتبادل التقني" UK Lebanon Tech Hub في العام 2015، لتسريع نموّ الشركات الناشئة والشركات المتوسّطة الحجم اللبنانية. وينوي "المركز اللبناني البريطاني للتبادل التقني" أن يبرم شراكات مع المغتربين اللبنانيين في المملكة المتّحدة، علماً أنّ جزءاً من تسريع النموّ يتمّ في لندن.

أعضاء "كونكت.جو" Connect.JO، جوليا نشيوات (يساراً) ورامي رحاني (يميناً)، خلال فعالية "مينا سوشال جود" MENA +SocialGood في واشنطن؛ إلى جانب المتحدّثة ربا الزعبي. (الصورة من Connect.JO)

4. بيئة حاضنة مواتية

باتت البيئة الحاضنة العالمية قادرةً الآن على تسهيل بلوغ المغتربين. فالآن، أصبح من السهل منح الهبات للمبادرات الفنية على "أفلامنا" Aflamnah مثلاً، أو المساهمة المالية في مشاريع مبتكرة على "ذومال" Zoomaal، أو الاستثمار في مؤسّسات صغيرة على "يوريكا" Eureeca. زد على ذلك، الشبكات إلكترونية لوصل المغتربين العاملين في المجال التقني التي تمّ إطلاقها، مثل شبكة "ليب نت" LebNet الأمريكية اللبنانية وشبكة "كونيكت.جو" Connect.Jo الأمريكية الأردنية.

وفي حين لا تزال غيرها من الأدوات ضيّقة التخصّص، مثل "نمسور" Namsor، إلاّ أنّها واعدة. فـ"نمسور" منصّة برمجيّات خدمية software as a service تلجأ إلى تحليل البيانات للتعرّف إلى البلد الأصلي لأّي شخص استناداً إلى الأسماء، بنسبة نجاحٍ تتراوح بين 80 و95%. وتقدّم المنصّة خدمات عدّة تستند إلى خوارزمية رسم خرائط مواقع المغتربين التي طورّتها، والتي تتألّف من مزيجٍ من التعلّم الآليّ واللغويات الاجتماعية. وقد استخدمها العملاء في بلدان عدّة (مثل ليتوانيا وإيرلندا وفرنسا) لأسباب مختلفة، من بينها جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتعرّف إلى رؤوس الأموال المغامرة/التأسيسية وإعادة العلماء إلى موطنهم.

ومع ذلك، بعيداً عن كل تلك التقنيات، يتم الآن اللجوء أكثر فأكثر من جديد إلى المساحات الفعلية لإشراك المغتربين.

عادةً ما يشتري أفراد الجاليات المأكولات من متاجر البقالة ويتناولون أطباقاً تقليدية من بلدانهم في المطاعم، وفي بعض الحالات يزورون بلدانهم الأم أيضاً لأسباب عائلية أو لمجرّد السياحة، وحتّى أنّ بعضهم لديه حسابات مصرفية في هذه البلدان. كلّ هذه الأماكن – من متاجر مأكولات ومطاعم وشركات طيران ومطارات ومصارف وغيرها – تشكّل نقاط تواصل محتملة مع المغتربين، ويتمّ الآن استغلالها أكثر فأكثر على مستوى رسمي.

عام 2013، بدأت "الخطوط الجوية التركية" برنامج "استثمر على متن الطائرة" Invest on Board لعرض الشركات الناشئة التركية على متن طائراتها، وزيادة بروز روّاد الأعمال الأتراك في أوساط المسافرين والمغتربين الأتراك.

من خلال الشركاء الخارجيين والابتكارات والدعم الذي أبداه المغتربون في السابق، يَظهر كم يمكن فعله مع المغتربين العرب. ولا شكّ في أنّ اقتصادات الشرق الأوسط ومجتمعاته سوف تستفيد الكثير من ذلك. فمتى سيصبح المغتربون أولوية طويلة الأمد في الشرق الأوسط، ولا تقتصر على فترات الانتخابات أو جمع الأموال فحسب؟

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.