English

الشركات الاجتماعية في المنطقة: مفهوم مربح مرتين

English

الشركات الاجتماعية في المنطقة: مفهوم مربح مرتين

Dumyé dolls

عند شراء‘دمية‘ Dumyé تقدّم دمية أخرى إلى طفل يتيم. (الصورة من "دمية")

تعريف "الشركات الاجتماعية" ليس أسهل من إيجاد تعريف للمصطلح نفسه؛ فهو يرمز إلى الشركات التي تبغي الربح وتتبنّى رسالة إنسانيّة لا تبغي الربح، أي إلى نموذج شركة مستدامة لا تعتمد على التقديمات الخيريّة لإحداث فرق إيجابي في المجتمع، أو شركة تجعل من رسالتها الاجتماعية ركيزة لبناء استراتيجيتها. وهذه التعريفات كلّها لا تشكّل إلّا جزءاً ممّا هي عليه الشركات الإجتماعيّة.

بحسب مؤسِّس ومدير "مجموعة تريبيكا للإستشارات" TriBeCa Consulting Group، سوشانت زنجاني Soushiant Zanganehpour (الصورة أدناه)، فإنّ تعريف الشركة الاجتماعية واضح وبسيط.

ويفسّر ذلك قائلاً إنّ "الشركة الاجتماعية تتمتّع بهيكليّةٍ واضحة ومغلقة، فهي تحتاج أن تأتي بحلولٍ لجذور المشكلة. واليوم، كلّ من يهدف إلى القيام بفعلٍ جيّد تجاه الآخرين في شركته، فهو في خانة ‘الشركات الاجتماعية‘. غير أنّ الاختلاف يجب أن يقع في التمييز بين نسبة ‘الجيّد‘ التي تؤديه الشركة بحسب نموذج عملها، والنتائج التي تحققها، ومدى التغيير الذي تُحدثه."

ريادة الأعمال الاجتماعية في المنطقة العربية

لطالما شكّلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مكاناً لبيئةٍ رياديّة متنامية، ولطالما شهدَت تحديّاتٍ اجتماعيّةً وتنموية كبيرة. وفي هذا الإطار، يحدّد رائد الأعمال الاجتماعية مشكلةً اجتماعيّة أساسية ومهمّة ليبني حولها مشروع عملٍ يُقاس نجاحه بالتطوّر والأثر الإيجابي الذي يؤدّيه.

ولكن الريادة الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال في مراحلها الأولى، بحسب الشريكة المؤسّسة والمديرة التنفيذية لمنصة "ذي سيستاينابيليتي" The Sustainability Platform، تينا بيك (الصورة أدناه)، التي تضيف أنّه "منذ عشر سنوات لم نكن نعلم ماهية الشركة الاجتماعية. [الآن] لا يزال هذا الحقل صغيراً، ويتخلله مشاكل عدّة أهمّها الاستخفاف بالأثر الاجتماعي الذي يمكن أن تتركه هذه الشركات وكيفيّة إنشاء نموذجٍ يبغى الربح لشركةٍ اجتماعيّة."

أمّا بالنسبة إلى ميدييا نوسينتيني، الشريكة المؤسِّسة لـ"الاستشارة والتدريب من أجل قضية" Consult and Coach for a Cause (أو C3)، فإنّه منذ تأسيس هذه الشركة عام 2012 ازداد مصطلح الشركة الاجتماعيّة شهرةً في المنطقة العربية اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. وتشرح قائلةً إنّ "روّاد الأعمال مطّلعين على المبادئ الأوليّة لهذه الشركات، فحتى لو جاء إلينا روّاد أعمالٍ لا يزالون في مرحلة الفكرة الأوليّة، ستكون أفكارهم أفضل مما كانت عليه منذ بضعة سنوات."  

ومن ناحيةٍ أخرى، تلفت بيك النظر إلى أنّ "الشركة الاجتماعية لوحدها لا يمكنها أن تحلّ أية مشكلة، ويجب أن تحتضنها بيئة رياديّة مزدهرة لتفعيل الوقع الذي تتركه في المجتمع."

بالإضافة إلى منصة "ذي سيستاينابيليتي" و"الاستشارة والتدريب من أجل قضية" ومجموعة "تريبيكا للاستشارات"، تشمل البيئة الرياديّة في المنطقة شركاتٍ اجتماعيةً ناجحةً أخرى منها "دمية" Dumyé، و"جلوورك" Glowork، و"بالستايل" Palestyle، و"سوشل تنت" Social Tent، و"أستاد موبايل" Ustad Mobile.

كذلك، تضفي منافسات برامج العمل التي تنظّمها "جوائز هولت" The Hult Prize، أو "ذي فينتور" The Venture، أو "مؤسسة شواب" The Schwab Foundation طابعاً جديداً لثقافة الشركات الاجتماعية تاركةً أثراً إيجابيّاً في المنطقة.

ومن "إمباكت هب دبي" Impact Hub Dubai، إحدى مسرّعات الأعمال التسعين في العالم التي تعنى بالريادة الاجتماعيّة بشكل خاص، يقول مدير التسويق والاتصالات، شبهانج بهاتاشاريا، إنّهم يتعاملون مع "الشركات الاجتماعية بشكلٍ حصري تقريباً ويعملون معها بشكلٍ جدّ فعال من حيث التكلفة؛ فعلى هذه الشركات أن تتمتع بثباتٍ مالي لتُبقي على الحماسة والزخم والمحافظة على سير أعمالها." ويضيف أنّه لذلك، تعمل "إمباكت هب دبي" "كمنصّةٍ لنشر هذه الشركات الناشئة من أجل الحصول على التمويل والمساعدة في تنظيم هيكليتها."

الحصول على التمويل

بصرف النظر عن البيئة الريادية الفتيّة، تواجه الشركات الاجتماعيّة معضلة التمويل، تماماً مثل الشركات الناشئة كافةً، إذ إنّها لا تتمتع بقوانين مختلفة للحصول عليه. وبالتالي، على الشركات الاجتماعيّة أن تتوجّه إلى المموِّلين الداعمين للشركات الناشئة أنفسهم.  

وفي هذا الصدد، تقول بيك إنّ "المموِّلين يريدون عائداتٍ كبيرة على استثمارهم، فرأس المال هنا ليس صبوراً."

و‘رأس المال الصبور‘ patient capital (استثمار في مشاريع اجتماعية يحرص على أن تحقق نتائج في المجتمع قبل استرداد العائدات المالية)، ((،في المقابل،)) بحسب "أكيومن" Acumen،  لا يرمز إلى استثمارٍ تغيب عنه المساءلة، بل إلى استثمارٍ "يتمتع بقدرة تحمّلٍ كبيرةٍ للمخاطرة ويصبر على تحقيق النتائج ويتكيّف مع حاجات روّاد الأعمال فيما يحافظ على حاجات العملاء قبل مصلحة المساهمين في الشركة."

وتقول نوسينتيني إنّ الاستثمارات كهذه تفيد أيّ محفظة استثماريّة وتشكّل طريقة مثالية لتنويعها، كذلك توازن بين المخاطر في استراتيجيات الاستثمار كونها تقابل الاستثمارات التقليدية الكثيرة المخاطر والكبيرة العائدات. وتشرح قائلةً إنً "الشركات الاجتماعيّة أكثر متانةً وثباتاً واستدامةً على المدى البعيد، كونها تخدم الحاجات الأساسية للمجتمع التي تعمل فيه."

في المقابل، وبالمقارنة مع بيئاتٍ ريادية أقدم، يقول زنجاني إنّ المشاريع التي تخرج من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست عالية الجودة. لذلك، على روّاد الأعمال في هذه المنطقة بذل المزيد من الجهود للحصول على اهتمام المستثمِرين.

ويضيف قائلاً إنّ "المستثمرين لا ينظرون فقط إلى الصفقات [...] بل إلى عددٍ كبيرٍ من المقاربات للمشكلة نفسها، الصادرة من بلدان عدّة. فإذا كنتَ رائد أعمال مقتنعاً بإيجاد حلٍّ لمشكلة ما، وفّر على نفسك الوقت الذي يتطلبه الذهاب إلى مستثمر، وقُم بأبحاثٍ حول 10 مقاربات أخرى للمشكلة نفسها، لكي تعرف موقعك في المنافسة."

هل من مستقبل لهذه الشركات؟

كما هي الحال مع الشركات التقليديّة، تصبّ الاستثمارات في الأفراد وليس فقط في الأفكار.

في هذا السياق، تتعاون منصّة "فينتشر فين" VentureFin للاستثمار العالمي والتمويل الجماعي مع "جوائز هولت" للجمع بين المصلحة الاجتماعية ومعايير ريادة الأعمال الناجحة، وتسهيل الحصول على استثماراتٍ للشركات التي تحقق هذا التوازن.

ويفسّر الشريك ((المؤسّس،)) ومدير العمليات في المنصّة، جوشوا راجكومار، أنّ "فينتشر فين" "تأخذ بعين الاعتبار "عدّة جوانب من نموذج الشركة التقليدية، ثمّ تقدّر إذا كان الطرح قابلاً للتحقيق، وناتجاً عن حسن فهمٍ للمشكلة، وإذا كان السوق جاهزاً لتقبّله، كما تقدّر مدى تفاني القيمين على هذا المشروع."

جوشوا راجكومار يقدّم ورشة عمل في "مجلس سيّدات أعمال دبي" Dubai Business Women Council. (الصورة من جوشوا راجكومار)

في حديث مع "ومضة"، تنصح بيك روّاد الأعمال بتجنّب الإحباط الناتج عن نقص التمويل في المنطقة، فعلى رائد الأعمال الاجتماعي أن يتحلّى بالثقة أوّلا لتحقيق خطّته ونشر فكرته.

من جهةٍ ثانية، يمكن أن تشكّل مبادرات المسؤولية الاجتماعية CSR التي تطلقها الشركات الكبرى دعماً صغيراً وفعالاً في تقوية بيئة الشركات الاجتماعيّة في المنطقة. فبحسب نوسينتي التي تعمل أيضاً كنائبة رئيس التطوير المؤسّسي في شركة "أو أس أن" OSN، فإنّ شركاتٍ كبرى عدّة قد بدأت بإدخال الأثر الاجتماعي إلى استراتيجياتها.

"عندما يتعلّق الأمر بالمسؤولية الاجتماعية للشركات الكبرى،" تقول نوسينتي، "فإنّه يوجد ترابط بين الحاجات والأفكار يشجع الشركات على اعتمادها. فالأثر الاجتماعي ليس حكراً لا على المسؤولية الاجتماعية للشركات ولا على الشركات الاجتماعية، وكلّ مبادرة تترك أثراً إيجابيّاً في المجتمع تعتبر خطوة جيّدة لو لم تكن من أولويّة الشركات."

من ناحية أخرى، ((تهتّم )) يعدّ تمويل الشركات الاجتماعيّة من الأمور التي تصبّ في صالح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويقول راجكومار عن هذا الأمر، إنّ "الشركات الاجتماعية في المنطقة لا تزال في بداياتها ولكنّها لا تفتقر إلى الوسائل. ورغم أنّ الناس هنا يتجنّبون المخاطرة وأنّ الطريق ما زال طويلاً أمام الشركات الاجتماعيّة، إلاّ أنّ المستثمرين التأسيسيين يتمتعون بالفضول تجاهها."

لا يخفى على  زنجاني، وهو المدير السابق للعمليات في "مركز سكول للريادة الاجتماعيّة" Skoll Centre for Social Entrepreneurship في جامعة "أوكسفورد" University of Oxford، أنّ إيجاد مشكلةٍ اجتماعيةٍ أساسيّة والعمل على حلّها قد يشكّل عمليّة فريدة من نوعها. فبالنسبة إليه، يعتبَر "العمل على مشروعٍ اجتماعي أو شركةٍ اجتماعية صعباً بسبب الجوّ المشحون بالحزازيات السياسية."

ولكن على الرغم من ذلك، تقوم "جلوورك" Glowork، الشركة الاجتماعية في السعودية، بتأدية هذا الدور من خلال تقديم خدماتٍ لتوظيف للمرأة.

توظيف المرأة في سوق العمل السعوديّة (الصورة من جاسنيا بدشاش من "نيويورك تايمز" New York Times)  

وبحسب المدير المؤسس لهذه الشركة، خالد الخضير، حين بدأت هذه الشركة بالعمل كان هذا الموضوع محظورا، لأنّ "الناس كانوا يعتبرون توظيف النساء عبئًا عليهم، ولذلك بدأنا قبل كلّ شيء بتسويق فكرة توظيفهنّ للرجال والعائلات."

وبالتالي، نجحَت هذه الشركة في توظيف 27 ألف امرأة، منذ خمس سنوات على المباشرة بعملها. وبغية تقييم الأثر الذي تتركه في المجتمع، تأخذ "جلوورك" بعين الاعتبار عدد الوظائف التي ((وجدت وشغرت، )) أنشئت ومُلئت وعدد الشركات التي باتت توظّف الآن نساء فيما لم تكن نفعل ذلك من قبل.

في ظلّ المناخ الواعد بالتمويل، يبقى على رائد الأعمال إيجاد مشكلةٍ تحتاج إلى حلّ.

فوفقاً للخضير، إنّ الشركات العاملة من أجل هدفٍ اجتماعيّ لها مستقبل واعد، و"الرؤية التي تشمل الأثر الاجتماعي لا يسيّرها الربح، وهذا ما سيؤدّي خلال السنتين القادمتين إلى استحداث فرص عمل كثيرة. سيدفع الأثر الاجتماعي بالشباب للمشاركة في السوق ويزيد فرص العمل، والمشاريع الساعية لإحداث أثرٍ في المجتمع ستكون كثيرة."

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.