English

السنة التي ارتقى فيها الاقتصاد الرقمي في المغرب

English

السنة التي ارتقى فيها الاقتصاد الرقمي في المغرب

هذه المقالة هي الثانية من أصل ثلاث مقالات حول وضع المدفوعات الإلكترونية في المغرب. اقرأ الأولى من هنا.

يتطوّر مجال الخدمات المالية في المغرب في الوقت الذي اتّخذَت فيه الحكومة أخيراً خطواتٍ لدفع الاقتصاد الرقميّ قدُماً.

حتّى هذا التاريخ، ما زال يؤخّر المغرب عدّة عوامل فيما خصّ المدفوعات الإلكترونية: قوانين صارمة، واحتكار، وحجم الاقتصاد غير الرسميّ، وعملة محلّية غير قابلة للصرف في الخارج.

هذه الأمور ستصبح قريباً شيئاً من الماضي، فالسُلطات تريد الاستفادة من المدفوعات الرقمية بهدفٍ اقتصاديٍّ كما تعمل على دعم اللاعبين في هذا القطاع بهدف الحثّ على إيجاد الحلول.

قانونٌ مصرفيّ جديد

في عام 2015، أصدر "بنك المغرب" (المصرف المركزيّ في المغرب) القانون المصرفيّ الأوّل منذ عام 2006، بهدف تحديث القطاع الماليّ والترويج للدفع الإلكترونيّ.

يكمن الهدف الأوسع في مواجهة أنشطة المال غير الرسميّ وتبييض الأموال، وتمويل الإرهاب، وأيضاً تعزيز الاقتصاد الرقمي الذي ساهم في حوالي 2.2 مليار دولار أو 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012، وفقاً لشركة استشارات الأعمال العالمية "ماكينزي" McKinsey.

(العملة الصعبة ليس مرجّحاً أن تكون من الماضي في أيّ وقتٍ قريب، ولكنّ المال الرقميّ قد يكون في ازدياد. (الصورة من "العالم"

 هناك تدبيران سيبدأ العمل بهما في نهاية عام 2016 سوف يؤثّران على الاقتصاد الرقميّ على وجه الخصوص.

التدبير الأوّل يتمثّل في الاعتراف بالعملات الرقمية مثل "بيتكوين" Bitcoin أو "الأثير" Ether، واستخدام العملات العادية المستخدَمة رقمياً، مثل المحافظ الرقمية ومنها "باي بال" PayPal. كما يحدّد التدبير أيضاً الطريقة التي يمكن فيها استخدام العملات رقمياً عن طريق المعاملات، والمدفوعات، والتحويلات، ما يفتح الباب أمام الاستخدام القانوني للعملات المشفّرة cryptocurrencies سابقة الذكر.

التدبير الثاني هو مقدّمة لمفهوم "مؤسَّسات الدفع". قبل هذا، كان يحقّ للبنوك فقط، أو مؤسَّسات الائتمان، إنشاء البطاقات المصرفية أو البطاقات المدفوعة مسبقاً التي يمكن الشراء بها رقمياً. أمّا القانون الجديد فهو يسمح للّاعبين من غير البنوك بتقديم البطاقات وحلول الدفع الأخرى، مثل تحويل الأموال عبر المحمول.

عصرٌ جديدٌ للدفع عبر الإنترنت

هناك عاملٌ آخر يعيق عقد المدفوعات عبر الإنترنت، هو تطوير أنظمة الدفع بواسطة البطاقة في المغرب، وبخاصّةٍ بطاقات الائتمان.

حتى هذا العام لم يكن يوجد منافسةٌ في هذا القطاع: شركةٌ واحدةٌ تسيطر على تقديم محطّات الدفع في المتاجر فضلاً عن معالجة البيانات للمعاملات الرقمية.

ولكنّ الحقلين أصبحا مفتوحَين ويسمحان للاعبِين جدد، سواء كانوا شركاتٍ متعدّدة الجنسيات قائمة أو شركات ناشئة للتكنولوجيا، بتقديم خدمات أفضل وأكثر.

واعتباراً من هذا العام، بات يمكن تأمين محطّات الدفع بواسطة شركة برمجيات الدفع المغربية "أش بي إس" HPS، وشركتي "ماستركارد" MasterCard و"فيزا" Visa. وحسبما قال نائب رئيس "المركز المغربي للابتكار" CMI، اسماعيل بلالي، في مؤتمر "إر دي  في" للتجارة الإلكترونية RDV du E-Commerce 2016، فإنّ معالجة المعلومات باتت أيضاً مفتوحةً، بحيث يمكن للاعبين جدد دخول المجال.

بالنسبة لأصحاب المحلات، فإنّ المنافسة في الطريقة التي يتمّ بها توفير خدمات الدفع لهم ومعالجتها قد تؤدّي إلى انخفاض في رسوم العمولة للمدفوعات عبر بطاقات الائتمان، وتحسين جودة الخدمة من مقدّمي خدمات الدفع إلى كلٍّ من المتاجر الفعلية والمتاجر عبر الانترنت.

وبالتالي من الأسلم أن نتوقّع قفزةً إلى الأمام من حيث الخيارات، مثل الدفع على عدّة دفعات والدفعات المتكرّرة، وهي ما طلبه الباعة على الانترنت. (توضيح: الكاتب يعمل مع شركة خدمات الدفع "أمانة باي" AmanPay).

الانفتاح على الأسواق العالمية

يتّضح في المقالة الأولى من هذه السلسلة كيف كان الدرهم المغربي غير قابلٍ للتحويل إلى أيّ عملةٍ أخرى خارج المغرب - وبعبارةٍ أخرى لا يمكن لحاملي العملة المحلّية تحويلها إلى الدولار أو اليورو أو أيّ شيءٍ في الخارج - كما أنّ قوانين الحصول على العملات الأجنبية كانت صارمةً وتغلق البلاد.

هذا تغيّر.

لإتاحة الدفع بالعملات الأجنبية على مواقع إلكترونية أجنبية، أنشأت البنوك المغربية بطاقةً خاصّةٍ للدفع الإلكترونيّ e-pay.

ولاستخدام هذه البطاقة، يتوجّب على المستخدِمين طلبها من البنك الذي يتعاملون معه وإعادة شحنها في كلّ مرّةٍ يريدون فيها شراء شيءٍ عبر الإنترنت أو القيام بمعاملةٍ عبر الإنترنت، مثل تحويل الأموال عبر "باي بال".

ظلّ معدّل اعتماد هذه البطاقات متواضعاً. ووفقاً لتقرير "بنك المغرب" السنويّ لعام 2015، فإنّ عدد البطاقات المصرفية المغربية التي يمكن استخدامها في الخارج (وهي فئة تندرج تحتها بطاقات الدفع الإلكتروني) لا يزال منخفضاً جداً بالمقارنة مع إجمالي عدد البطاقات المصرفية عموماً (200 ألف بطاقة من أصل 11 مليون بطاقة مصرفية أصدرَتها البنوك في البلاد).

في الوقت الحاضر، يمكن للمغربيين الدفع بالعملات على المواقع الأجنبية أو الخدمات الأجنبية مباشرةً بواسطة البطاقات المصرفية، على الرغم من أنّه لدى كلّ مستخدِمٍ حدّاً أقصى لمقدار ما يمكن أن يُنفقه من عُملاتٍ غير الدرهم المغربي. ومن شأن هذا ان يسهّل عمليات شراء تطبيقات المحمول باستخدام الخدمات القانونية والتسوّق الإلكترونيّ.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ "مكتب الصرف" المغربي قد أعلن مؤخّراً أن جميع المواطنين والشركات المغربية سيكونون قادرين على فتح حسابٍ مصرفي بالعملات الأجنبية منفصلٍ عن حسابهم بالدرهم المغربيّ، وبناءً على طلبٍ يُقدَّم للبنك المعنيّ. أمّا مخصّصات هذا الحساب فلن تكون ثابتة ولكنّها تُحتسَب على أساس عائدات الفرد أو عائدات الشركة.

بشكلٍ ملموس، يعني هذا أنه سيصبح من الممكن دفع ثمن المشتريات في الخارج مباشرةً من حسابٍ واحد، ما يؤدّي إلى إلغاء العقبات التي يواجهها المستخدِم عند استخدام خدماتٍ مثل "باي بال"، وعند الدفع للمقاولين أو العاملين لحسابهم الخاص الأجانب، أو ببساطةٍ عند شراء الخدمات المهنية مثل استضافة المواقع الإلكترونيّة أو البريد الإلكترونيّ.

كلّ هذه التغييرات ستستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذها ولإيجاد أماكن لها في عروض البنوك، وفي عقليات صنّاع القرار، وفي ثقافة المستهلك. كما أنّها تحتاج إلى أن تكون معروفةً ومفهومةً من الهيئات الناظمة. وعندما يحصل هذا الانتقال، سيكون المغرب عندها قادراً حقّاً على مواكبة الثورة الرقمية.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.