English

لماذا ينبغي دعم شركات الرعاية الصحّيّة الناشئة في المنطقة؟

English

لماذا ينبغي دعم شركات الرعاية الصحّيّة الناشئة في المنطقة؟

نُشِرَت هذه المقالة أساساً على "مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي"Stanford Social Innovation Review.

"عالم هيلث" AlemHealth، الشركة الناشئة الطبية الإماراتية، يمكنها تشخيص الأمراض وعلاج المرضى عن بُعد وبمساعدة تكنولوجيا الاتصالات، ما يسمح للمرضى في المناطق الريفية بتلقّي الرعاية في الوقت المناسب بطريقةٍ لم تكن ممكنةً من قبل.

 حتى الآن، ساهمَت "عالم هيلث" في تشخيص أمراض أكثر من 3 آلاف حالة، بمعدّل 600 حالة شهرياً، مع أكثر من 100 طبيبٍ على المنصّة. وبالرغم من حداثة نشأتها، تعمل "عالم هيلث" ومجموعةٌ من الشركات الناشئة الأخرى للرعاية الصحّية على التصدّي لتحدّياتٍ تتعلّق بإتاحة الرعاية الصحّية وجودتها وبتكلفةٍ منخفضةٍ من خلال مجموعةٍ متنوّعةٍ من النماذج الجديدة. ومع ذلك، تواجه هذه المنظّمات عقباتٍ دائمةً تؤثّر على قدرتها على التوسّع وتعزيز أثرها في بيئة ريادة الأعمال التي لا تزال في طور النموّ.

استطلع "مختبر ومضة للأبحاث" Wamda Research Lab مؤخراً، بالشراكة مع "جنرال إلكتريك" General Electric، أكثر من 120 رائد أعمال وخبيراً في قطاع الرعاية الصحّية في المنطقة لاستكشاف ديناميات هذا القطاع وانعكاساته على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبيئتها الريادية.

أنظمة رعايةٍ صحّيةٍ ضعيفة

تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحدّياتٍ كبيرةً فيما خصّ الرعاية الصحّيّة، تتراوح بين الاختلال بين العرض والطلب، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحّية - بفعل النموّ السكّاني - وارتفاع أعداد المرضى المسنّين، وانتشار السمنة والأمراض غير المعدية التي يتوقّع أن تزداد خلال السنوات الـ15 المقبلة.

وبحلول عام 2030، سوف تصبح الأمراض غير المعدية مثل داء السكري مسؤولةً عن 87% من جميع الوفيات في دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت والبحرين والإمارات وعُمان وقطر) و81% من الوفيات في دول المنطقة خارج دول مجلس التعاون الخليجي. كما يتوقّع الخبراء أنّ المنطقة ستحتاج إلى 360 ألف سريرٍ في المستشفيات و150 ألف طبيبٍ جديد لتلبية الاحتياجات الطبية في المنطقة خلال خمس سنوات فقط.

وفي حين ستعمد الحكومات في المنطقة إلى رفع الإنفاق على الرعاية الصحيّّة إلى مستوياتٍ تاريخيةٍ على مدى السنوات الـ10 المقبلة، فإنّها لن تتمكّن بالكامل من استيعاب مثل هذا الارتفاع على طلب الخدمات ومعالجة هذه المسائل بنفسها.

هذه التحدّيات المتزايدة تكوّن صورةً واقعية، ولكنّها أيضاً تمهّد الطريق امام اللاعبين الأصغر والأكثر مرونةً لدخول قطاع الرعاية الصحّيّة.

البيئة الريادية النامية وحلول الرعاية الصحية

في السنوات الأخيرة، ازداد عدد الكيانات التي تدعم ريادة الأعمال في المنطقة (صناديق استثمار مخاطر، ومسرّعات نموّ، وفعاليات) بمقدار ثلاثة أضعافٍ تقريباً - وضمن هذه الحركة نشأ الجيل الأوّل من روّاد الأعمال الصحّيّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في المقابل، فإنّ الانفتاح العام على الرعاية الصحّيّة الرقميّة يتزايد أيضاً، حيث أنّ 48% من الشباب (الفئة العمرية بين 15 و35 عاماً) يعتقدون بأنّ تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات ينبغي أن تُستخدَم لتحسين جودة أنظمة الرعاية الصحّيّة وجودتها وخفض تكاليفها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بحلول عام 2030، سوف تصبح الأمراض غير المعدية مثل داء السكري مسؤولةً عن 87% من جميع الوفيات في دول مجلس التعاون الخليجي. (الصورة من "هارتمان.إنفو" Hartmann.info)

الشركات الناشئة تستفيد من البيئة الريادية الناضجة ونموّ التوجّه نحو التكنولوجيا. في هذا الإطار، يقوم 90% من روّاد الأعمال الذين قابلناهم بإدارة شركاتٍ تمّ إنشاؤها في السنوات الخمس الأخيرة - حيث تشهد مصر والإمارات أكثر الشركات الناشئة نشاطاً في مجال الرعاية الصحّية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يليهما فلسطين ولبنان والأردن والسعودية - وعدد هؤلاء الروّاد يدلّ بوضوح على الإمكانات الموجودة.

من بين هذه الشركة الناشئة، نذكر شركة "الطبي" Altibbi الأردنية التي تقدّم بوابةً إلكترونية صحّية باللغة العربية، تمكّن الناس من التواصل مباشرةً مع أفضل خبراء الطبّ في المنطقة. والشركات مثل "الطبي" و"ويب طب" WebTeb (فلسطين) و"صحتي" Sohati (لبنان) و"عيشوا" 3eesho (الإمارات)، وغيرها، تهدف إلى مساعدة المرضى على الاستعلام عن الأمور الصحّية والانتباه إلى صحّتهم والتقليل من المضاعفات الصحّية، من خلال توفير إمكانية الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت وتقليص الطلب على الرعاية الصحّية في المستشفيات.

بالإضافة إلى ذلك، يعالج روّاد الأعمال أيضاً النقص في موظّفي المرافق الطبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على سبيل المثال، توفّر "نبضة كير" Nabda Care (مصر) منتَجاتٍ رقميةً لرعاية مرضى السكّري في المنزل، وأدواتٍ لإنشاء واستخدام السجلات الصحية الإلكترونية الشخصية.

وهناك شركاتٌ ناشئةٌ أخرى لعبَت دوراً في مجالاتٍ متخصّصةٍ أكثر مثل الصحّة العقلية وأمراض القلب. ومنها على سبيل المثال، شركة "شيزلونج" Shezlong (مصر)، وهي منصّةٌ للعلاج النفسي عبر الإنترنت تسهّل التواصل بين المرضى والمعالجين؛ وشركة "كارديو دياجوستيكس" Cardio Diagnostics (الولايات المتحدة الأميركية ولبنان) التي تقدّم أوّل نظامٍ في العالم يعمل عبر الحوسبة السحابية لرصد القلب ومتوافقٍ مع معايير قانون المساءلة وقابلية التأمين الصحي HIPAA، ويمكن الوصول إليه من أيّ جهازٍ متّصلٍ بالإنترنت.

هذه الشركات الناشئة وروّاد الأعمال، أظهروا، بشكلٍ جماعيّ، كيف يمكن للابتكار في القطاع الخاص أن يحقّق أثراً اجتماعيّاً. الاستثمار ذو الأثر نادرٌ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلّا أنّ الشركات الناشئة التي كانت موضع الدراسة يمكنها أن تحفّز النشاط في هذا المجال.

ويُظهِر تقرير عام 2015 الصادر عن "الشبكة العالمية للاستثمار ذي الأثر"Global Impact Investment Network و"جيه بي مورغان" JP Morgan أنّ شركات الرعاية الصحّيّة تشكّل نسبةً متناميةً من محفظة الاستثمارات ذات الأثر عالمياً - وهي تساوي ما لا يقلّ عن 5%.

يمكن للشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تُعنى بالرعاية الصحّيّة الرقميّة أن تؤسّس لبؤرة اهتمامٍ تنافسية لجذب النشاطات الناشئة للاستثمار ذي الأثر في المنطقة. وبالإضافة إلى توفير خدمات رعاية صحّيّة قابلةٍ للتوسّع وبأسعار معقولةٍ أكثر، يمكن لهذه الشركات أن تساعد في تعميم مزج الأثر الاجتماعي مع الأعمال التي تبغي الربح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

العقبات

في حين يبدو نموّ هذه الشركات واعداً، غير أنّها تواجه تحدّياتٍ فريدةً من نوعها.

الشركات التي قابلناها توفّر خدماتٍ ذات تأثيرٍ مباشر على الصحّة البدنية، وبالتالي يجب أن تكون خدماتها ومنتَجاها مضمونة. والطبيب أو المريض الذي يلجأ إلى الشركة الناشئة للحصول على حلٍّ صحّيٍّ أكثر دقّةً وفعاليةً، لا يمكنه أن يتحمّل الأخطاء. على الرغم من أنّ الكثير من الشركات الناشئة في قطاعاتٍ أخرى يمكن أن تطلق منتَجاتٍ تجريبيةً ("بيتا" beta) ومن ثمّ تعمل على تحسينها بعد تلقّي تعليقات وملاحظات العملاء، فإنّ فرص إنشاء النماذج الأوّلية الفعالة في قطاع الرعاية الصحية تكاد تكون معدومة، مع وجود هامشٍ صغيرٍ للخطأ. لذا فإنّ تمويل المفاهيم المقترَحة واختبارها والتحقق من صحّتها في وقت مبكرٍ أمرٌ بالغ الأهمّيّة - ومكلفٌ أيضاً. ومع ذلك، أشار 80% من الشركات الناشئة في دراستنا إلى محدوديّة رأس المال كعقبةٍ تقف أمامها، ولا سيما في مرحلة الاختبار.

العثور على أصحاب المواهب يشكّل تحدّياً آخر. وفي دراسةٍ لـ"مختبر ومضة للأبحاث" نشرها عام 2013، ذكر 60% من روّاد الأعمال الـ800 الذين تمّ استطلاعهم أنّ الوصول إلى أصحاب المواهب يشكّل عائقاً أمامهم، فيما أشار 77% من روّاد الأعمال الصحّيّة في دراستنا الأخيرة إلى أنّه يتعذّر عليهم العثور على أصحاب المهارات اللازمة لضمّهم إلى فرَقهم. سوف يحتاج روّاد الأعمال في هذا القطاع إلى العثور على موظّفين يمتلكون على حدٍّ سواء خبرةً وشهاداتٍ طبّيّة ومعرفةً بالتكنولوجيا - وهو مزيجٌ فريدٌ يصعب في كثيرٍ من الأحيان أن تجده في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

من العقبات الأخرى التي تعيق هؤلاء، هي عدم القدرة على الوصول إلى المعلومات والبحوث والسياسات المخصّصة للقطاع الصحّيّ والشراكات التي تسهّل دخول السوق. وهذه الموارد المهمّة جدّاً لمساعدة هذه الشركات على التوسّع، غالبا ما تتطلّب أقصى درجات التعاون بين الجهات المعنية مثل المستشفيات والأطباء وصنّاع القرار. بالإضافة إلى ذلك، ومع البيئة الريادية التي لا تزال في طور النموّ في المنطقة، فإنّ العثور على الخبراء والمؤسَّسات الذين يمتلكون معرفةً معمّقةً في قطاع الرعاية الصحّيّة ويستطيعون توفير فرصٍ تجاريةً للشركات الناشئة هو من الأمور صعبة المنال. وعليه، تحتاج هذه الشركات إلى موارد وشراكات مصمّمة لمساعدتها على التوسّع.

ماذا في الأفق؟

في عام 2015، أطلقت "دبي 100" Dubai 100 برنامج ما قبل تسريع الأعمال لتطوير الشركات الناشئة للرعاية الصحّيّة الرقمية. في موازاة ذلك، أطلقت "شركة أدوية الحكمة" Hikma Pharmaceuticals في الأردن صندوق استثمارٍ مخاطرٍ بقيمة 30 مليون دولار يركّز على الأعمال الرقمية والرعاية الصحّيّة (وهو صندوق الاستثمار الوحيد من نوعه في المنطقة).

وبالتالي، تشير هذه التطوّرات إلى أنّ بعض قادة القطاع العام والخاص عازمون على تعزيز أثر الريادة في مجال الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إمكانيّة إقامة شراكاتٍ لتحسين الأوضاع في هذا المجال مرتفعة، إذ يمكن للشركات والحكومات والجامعات أن تلعب أدواراً متميّزةً في تسهيل الحصول على رأس المال، وتحصيل المعرفة، والوصول إلى أصحاب المواهب، وتوفير البنية التحتية العامة اللازمة لدعم هذه الشركات.

هناك مجموعةٌ من العوامل الأخرى التي تساعد أيضاً على تعزيز البيئة الحاضنة لريادة الأعمال، خصوصاً مع تحسّن استعداد المنطقة أكثر للتكنولوجيا. فالتطوّرات في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D printing وعلوم المواد والحوسبة الكمومية، يمكن أن تذلّل العقبات أمام روّاد أعمال الرعاية الصحّيّة، في حين ستعزّز الرعاية الصحّيّة عبر المحمول أساليب تطوير هذه الرعاية على نطاقٍ واسع.

في حين أنّ لكلّ منطقةٍ ديناميكيةً فريدةً من نوعها ونسيجاً ثقافيّاً خاصّاً بها، يمكن للدروس المستفادة من هذا المجتمع أن تساعد في تعليم البيئات الحاضنة للشركات الناشئة في مجال الرعاية الصحية في المناطق النامية الأخرى بما أنّه يتمّ العمل على معالجة مسائل تمويل اختبار المنتَج، والتعاقد مع أصحاب الخبرات الطبّيّة من ذوي المهارات العالية، وبناء الشراكات بين مجموعةٍ واسعةٍ من اللاعبين.

على الرغم من حداثة نشأتها والعقبات التي تواجهها، فإنّ شركات الرعاية الصحّيّة الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد وضعَت حجر الأساس الذي يمكن أن تنطلق منه الشركات الناشئة الأخرى ومؤسَّسات الدعم لبناء مجتمعٍ قويٍّ وحيويّ. فزخمها وقاعدتها المعرفية المتناميان يمكن أن يساعدا في تحصين أنظمة الرعاية الصحّيّة في المنطقة، وفي نشر وتعزيز أفضل الممارسات لكي تتّبعها الجهات المعنية داخل وخارج المنطقة.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.