English

جوناثان شوفاني: هذا ما أعرفه عن الكذب

English

جوناثان شوفاني: هذا ما أعرفه عن الكذب

تسحرنا الأكاذيب وتفتننا، وحتى الأطفال يجربون هذه الأكاذيب ويحاولون اختبار حدودهم معها. فلا ضير من كذبةٍ بيضاء لتلطيف المطبات التي نواجهها في حياتنا اليومية (فجدّتك مثلًا ليست بحاجةٍ إلى معرفة مدى كرهك لتلك الجوارب التي أحضرَتها لك). ولا يمكننا أن ننسى أنّ هذه الأكاذيب كانت مصدر إلهامٍ للأعمال الأدبية والسينمائية الجيدة والسيئة منها كفيلم "البوتقة" The Crucible وفيلم "اكذب عليّ"Lie to Me.

أمّا في عالم المال والأعمال، فقد يكون للكذب عواقب وخيمة. الأزمة المالية التي شهدها العالم في عام 2008 حدثت نتيجة عدم الكفاءة، ولكنّها كذلك حدثت نتيجة أكاذيب الشركات والبنوك حول الأصول القائمة على ديون الرهن العقاري، والتي بيعت لمستثمرين غافلين. ولربما يعتبر انهيار شركة "إنرون" Enron في عام 2001 من الأمثلة الصارخة على الضرر الذي قد يقع عندما تقوم شركةٌ عملاقةٌ بنسج الأكاذيب بشأن سجلاتها.

وهنا تقع النقطة التي يتدخّل فيها المختصّون في كشف الأكاذيب!

بدأ بول أيكمن، الباحث في مجال علم النفس، بدراسة التعابير الدقيقة في سبعينات القرن المنصرم، على خلفية المباشرة بمسيرته الأكاديمية بدراسة لغة الجسد. وبالتالي، شكّلت دراساته، وكتابه المؤلّف لاحقًا بعنوان "نسج الأكاذيب" Telling Lies في عام 1985، الأساس الذي يتمحور حوله رصد الكاذبين.

في لبنان، يعمل جوناثان شوفاني كـمختصٍّ في "كشف الكذب"، ويقوم بدراسة التعابير الدقيقة ولغة الجسد والاستماع بعناية إلى كلّ كلمةٍ يتلفّظ بها الأشخاص – ممّا جعل حوارنا معه صعبًا وغريبًا بعض الشيء.

يوضح شوفاني أنّ المعلومات "المتسرّبة" من هذه السلوكيات تشكّل دلالاتٍ بالنسبة للشخص المدرَّب على المراقبة وكشف الكذب، إذ يستطيع من خلالها الكشف بدرجةٍ من الدّقة إن كان المتحدّث كاذبًا أم لا.

ولا يمكننا أن ننكر أنّه ليس واقعيًا أن نتوقّع من المختصّ في كشف الكذب أن يتسبّب في إحباط عمل شركة "إنرون" ومثيلاتها، أو الكشف عن الأزمة المالية، لأنّ ذلك يحتاج الى محاسبين ومشرّعين بارعين الذين يصغون بانتباه إلى المعلومات المقدّمة من المبلِّغين عن التجاوزات والمخالفات. ولكن عند التعامل بشكلٍ شخصي، قد يكون هذا الأمر مفيداً عند التعامل مع شريكٍ تجاري أقلّ صدقًا.

جميعنا كاذبون. نسمع الأكاذيب وننسجها كلّ يوم؛ وفي بعض الأحيان قد لا تحظى أكاذيبنا بأهمّيةٍ كبيرةٍ، ولكنها في أحيان أخرى تنطوي على مخاطر عالية لاسيما عندما يتعلق الأمر بالمال أو العلاقات. عندما ندرس كيف يُكشَف الكاذبون، نلاحظ أنّ هناك بعض الإشارات والدلالات التي تفضحها أجسادنا. نحن نكذب من خلال الكلمات التي نتفوّه بها، ولكنّنا لا نفكر كيف نكذب من خلال لغة الجسد.

كشف الكذب من خلال تفاصيل صغيرة. يمنحك عقلك شعورًا إيجابيًا أو سلبيًا حول أحد الأشخاص، لكنّ معرفتك به لا ترقى إلى إدراك التفاصيل، إذ تعلم أنّ هناك أمرًا غير صحيح، ولكنّك لا تستطيع الإشارة إليه بوضوح. الأهمية بلا شك تكمن في التفاصيل، ويمكننا أن نعرف كلّ هذه الأمور إذا ما لاحظنا هذه التعابير الدقيقة فقط.

لا تثق في مَن يُظهِر اللامبالاة وعدم الاكتراث. إذا كان الشخص الذي تتحدّث معه يطيل التفكير بالسؤال الذي طرحتَه أو يماطل في الإجابة عليه، فإنّه يستغل الوقت في نسج كذبةٍ أو في التفكير في الأمر الذي يريد أن يخفيه عنك. وعادةً ما يشير هز أحد الكتفين بلا مبالاة أو عدم اكتراثٍ وصولاً إلى عدم اليقين. أمّا إذا كان الشخص يقول شيئًا ما بأسلوبٍ مفعم بالثقة، فإنّ هزّ أحد الكتفين بلا مبالاة إظهارًا لعدم الاكتراث قد يشكّل إشارةً دقيقةً بنسبةٍ تزيد عن 90% تدلّ على الكذب.

كان بيل كلينتون مذنباً بشكلٍ واضح. في مؤتمره الصحفي الشهير، فضح الرئيس الأميركي الأسبق نفسه من خلال التعابير الدقيقة التي أشارت إلى خوفه. لم يستخدم التعابير المختصرة، إذ لم يستخدم لفظة "I didn't"، بل استخدم لفظة "I did not" بدلًا منها، بالإضافة إلى قيامه بتوجيه وجهه نحو هدفٍ محدّدٍ والإشارة إلى مكانٍ آخر؛ باختصار لم يكن منسجمًا في حديثه. ومثل هذه الأمور تُعتبَر دلالات على الكذب.

الأشخاص الأذكياء هم أفضل الكاذبين. ترتبط إجادة الكذب بمعدّل الذكاء الذي لا يُعتبَر مهمّةً سهلةً على الإطلاق. يحتاج المرء إلى التفكير أولًا في قصّةٍ معقولةٍ ومقبولة، وتقليد العواطف المرتبطة بالقصة، والتدقيق فيما إذا كانت الكذبة تنطلي على الأشخاص الموجودين، بالإضافة إلى تغيير لغة الجسد بناءً على ذلك كله.

يصعب إخفاء الحقيقة. هناك بعض الأمور التي تأتي بشكلٍ تلقائي؛ التعابير الدقيقة التي تأتي وتذهب وتختفي في غضون نصف ثانيةٍ تُعَدّ من المؤشّرات الأكثر مصداقية على وجود الكذب، فهي تشير الى الحالة العاطفية الحقيقية للفرد. عندما نكذب، نعمد أحيانًا إلى الميل رجوعًا للخلف لننأى بأنفسنا عن الألم.

الكاذبون المختلّون اجتماعيًا ليسوا كثر. لقد تعاملتُ مع عددٍ قليلٍ من المختلين اجتماعيًا sociopaths  – وهم الأشخاص الذين يمارسون الكذب على نحو ٍسلس ولهم من السحر ما يجعلك تصدق الكذبة. ولكنّني في المقابل تعاملتُ أكثر مع النرجسيين، وهم فئةٌ تزداد أعدادهم باستمرار. لا أعرف السبب الكامن وراء هذا الزيادة، ولكن ربما يكون ذلك لأنّ الأشخاص أصبحوا أكثر أنانية والمجتمع يشجّع على ذلك.

الشركات تكافئ السِّمات المختلّة اجتماعيًا. عندما تراقب مديرًا تنفيذيًا أو صاحب سلطة واسعة، فإنك تخلص إلى أنّهم يتطلعّون في كثير من الأحيان إلى تحقيق النتائج ولا يهتمّون كثيراً بالجانب الإنساني في شركاتهم. هذا النوع من الأشخاص يحقّقون النتائج، ونحن بحاجة إليهم بلا شك، ولكن إذا كنتَ ترغب في تحقيق الاستدامة لشركتك يجب أن تختار تعيين شخصٍ مؤثّرٍ أو قائدٍ يعرف كيف يعمل مع الأشخاص.

الشركات ترغب بتعيين المؤثرين وليس المعتلّين اجتماعيًا. أصبح مفهوم القيادة يتّجه بعيدًا عن القادة المهيمنين ويتحوّل أكثر نحو استقطاب المؤثرين. إذا كان لديك شركة غير ناجحة، يمكنك الاستعانة بقائدٍ مهيمن (لربما يحمل سمات المعتل اجتماعيًا)، لأنّه سيُحدِث التغيير المطلوب بلا شكّ، فهو سيطرُد الموظّفين دون أن يتأثّر عاطفيًا. ولكن المدير المؤثّر يبقى هو النوع الذي تريد الاستعانة به على المدى الطويل.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.