English

كيف يمكننا إنشاء بيئة تعزز الابتكار؟

English

كيف يمكننا إنشاء بيئة تعزز الابتكار؟

يظهر الابتكار كعنصرٍ حيويٍّ في كافّة الأجندات وبرامج التحوّل الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي. حتى أنّ نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد المكتوم، يعتبره أحد المكوّنات التي لا غنى عنها لتحقيق التقدم.

وبعد أن أدركت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أهمّية الابتكار والتحوّل إلى اقتصادات قائمة على المعرفة في النموّ المستدام، بقي السؤال: كيف يمكننا الاستفادة من البيئات الريادية لتسريع دورة الابتكار؟

نرى أنّ وضع إطار عملٍ متكاملٍ وسياساتٍ داعمة لنشاطات البيئة الحاضنة، هو جلّ ما نحتاج إليه لتحفيز دورة الابتكار.

كيف نبني إطار العمل هذا؟

المطلوب بكلّ بساطة هو أن تعمل كافة أجزاء البيئة الحاضنة بانسجامٍ وتوافقٍ تامّ فيما بينها، تفاديًا لتضييع الجهود وتأخير التقدّم. ولتحقيق هذا الانسجام في العمل، لا بدّ من الحصول على بياناتٍ عن البيئات الريادية تتمحور حول ما يلي:

  • التمويل (عدد صناديق التمويل النشطة، وعدد الاستثمارات وصفقات البيع وقيمتها، وكذلك الشركات التي تخطّت قيمتها الميار دولار "يونيكورن")
  • توافر المهارات
  • البنية التحتية (مساحات العمل المشتركة/حاضنات الأعمال/ مسرّعات الأعمال)
  • التكاليف (رأس المال البشري، إنشاء الشركات وإدارتها)
  • الترابط والتفاعل (داخل كل بيئة حاضنة وفي ما بينها)
  • ثقافة التعاون، وتقديم الدعم والمساعدة، وتكافؤ الفرص بحسب الجدارة، وتقبّل الفشل.

كذلك، تقدّم الدراسات التي قام بها "مختبر ومضة للأبحاث" WRL حول تعزيز طرق الوصول إلى التمويل، والمهارات، وإزالة العقبات أمام الأعمال الريادية، صورةً شاملةً عن مختلف أوجه التحديات التي يواجهها روّاد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي حين لا يمكن أن تحدث السياسات والمبادرات الحكومية تأثيرًا ما لم تأخذ بعين الاعتبار حاجات روّاد الأعمال والشركات في البيئة الريادية، يسمح نموذج "ثري آي" 3i Model بتحليل وقياس واقتراح الأعمال التي تعزّز الابتكار عبر دمج المستويَين الكلّيّ (السياسات) والمتوسّط (البيئة الريادية).   

تجزئة البيانات

الخطوة الأولى هي تصميم نموذجٍ نظري، ثم تحليل التقدم وقياسه باستخدام مؤشّرات الأداء الرئيسية KPIs، وأخيرًا مقارنة هذه المؤشّرات مع نتائج الدول الأخرى ممّا يمكننا من تحديد الجوانب التي تحتاج كلّ دولةٍ إلى تعزيز الابتكار فيها.

(الصور من ألكساندروس بباسبيريديس وتاتيانا زلان)

تُعتبَر دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل مستخدمي مؤشّرات الأداء الرئيسية على المستوى الكلّيّ، وذلك في رصد التقدّم المُحقّق في الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021، مستخدمةً مقاييس دولية ومحلية. إلّا أنّ مقارنة التقدّم بشكلٍ عام وليس على مستوى الدول يتطلّب استخدام مقاييس عالمية. لذلك اعتمدنا في بحثنا السابق نموذج مؤشر اقتصاد المعرفة KEI التابع للبنك الدولي، والذي يقيّم النظام الاقتصادي والمؤسّساتي، والنظام التعليمي، والابتكار، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دولةٍ معينة.

وقمنا بمقارنة مؤشرّات دولتي الإمارات وقطر بثلاث دول ضمن النطاق نفسه لعدد السكان، وهي سنغافورة والنروج وسويسرا:

  • تقدّم سنغافورة نموذج تنمية تقوده الحكومة ويتّسم بنهجٍ ابتكاري
  • النروج هي دولة غنيّة ومتنوّعة الموارد
  • سويسرا تتميّز بنهجٍ ابتكاريّ، وهي دولة غنية ونادرة الموارد

بيّنت نتائج المقارنة أنه في حين تتميز دولة الإمارات بتقدّم تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، إلّا أنّها تحتاج إلى تطوير الجوانب الثلاثة الباقية، بينما يشكّل النظام التعليمي والابتكار أبرز التحديات التي تواجه دولة قطر.

وتوافقت هذه الاستنتاجات مع نتائج دراسةٍ قامت بها "دائرة التنمية الاقتصادية" في أبوظبي بالتعاون مع "المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال" INSEAD ("إنسياد")، والتي أظهرت فجوتين أساسيّتين تعاني منهما أبوظبي ودولة الإمارات، وهما:

  • توليد المعرفة: وهي القدرة على إنتاج معرفةٍ جديدةٍ على شكل أفكار واكتشافات وتصاميم واختراعات للعالم
  • استقطاب المعرفة: قدرة اقتصاد معيّن على جذب مصادر المعرفة مثل المهارات الدولية، والاستثمار الخارجي، وإعادة تمركز الشركات الأجنبية في المنطقة؛ وترتبط هذه القدرة بالبيئة المؤسساتية للابتكار. 

وضع هذه البيانات في إطار عمل

يتألّف إطار عمل الابتكار "ثري آي" 3i من ثلاثة عناصر أساسية، هي الأفراد والأفكار والتمويل. وترتكز هذه العناصر على بنيةٍ تحتية (قانونية ومادية ورقمية)، وتكتمل بثقافة واستراتيجية. كما يفصّل إطار العمل هذا مبادئ قائمةٍ حالياً ويضيف مبادئ جديدة، ملقيًا الضوء بشكلٍ أساسيّ على البعدين الاقتصاديّ والماليّ.

يوسّع إطار العمل نطاق البنية التحتية بحيث لا تقتصر على تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، إنّما تتضمّن عناصر أخرى مثل البنية التحتية المادية، وبيئات العمل وأماكن السكن بمستوى معيشي مغري وبتكاليف متاحة تستقطب إليها الأفراد الفاعلين في مجال الابتكار.

ويضيف عنصرين حيويين غالبًا ما يكونا مهمَلين، هما الثقافة والاستراتيجية: فالثقافة عاملٌ أساسيّ يسهم في إنجاح المجموعات مثل وادي السيليكون، وبرلين، وبنغالور؛ فيما تهدف الاستراتيجية إلى توحيد جهود مختلف أصحاب المصلحة من جهة والحكومة التي تؤدي دورًا فاعلا من جهةٍ أخرى، كسبيلٍ وحيد لإنجاز التقدّم.  

ويتناول إطار العمل أيضًا بعدًا آخر، فيقدّم قضايا وأعمال تخصّ أصحاب المصلحة وترتبط بالحكومة، وروّاد الأعمال، والهيئات التربوية، والبيئات الداعمة (مثل مسرّعات الأعمال والمراكز والمستثمرين المخاطرين) والشركات الداعمة (من أجل تكريس التعاون في ريادة الأعمال).

كما يحدّد الأولويات في هذه الأعمال وفقًا للتأثيرين القصير والبعيد الأمد. ومثال على ذلك، تضع دولة الإمارات خطط الإصلاح التربوي بعد أن أدركت أهمية ودور التعليم في تشكيل بيئةٍ حاضنةٍ ذات تأثيرٍ قوي. وبما أنّ نتائج هذه الجهود والإصلاحات لن تظهر إلا بعد مرور أعوام، لا بدّ من أن ترافقها أعمالٌ يَظهر تأثيرها في الأمد القريب.

السبيل الوحيد

من أجل تحقيق الرؤية الابتكارية في دول مجلس التعاون الخليجي، لا بدّ للحكومات والبيئات الريادية والهيئات التربوية من توحيد جهودها وإرساء خطط التعاون فيما بينها. ومن أجل ذلك، تحتاج إلى رؤيةٍ صلبة، وإطار عمل مشترك، ومسارٍ يحدّد تطوّر المؤشرات الفردية المؤدية إلى إنجاز الأهداف المشتركة.

وإطار عمل الابتكار في نموذج "ثري آي"، يتطلّع إلى توفير هذا النموذج المتكامل.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.