ساحل العاج لقيادة بيئة ريادية في الدول الإفريقية الفرنكوفونية
حدّدت مراجعة قام بها المنتدى الاقتصادي العالمي ثلاثة أنماط رئيسية يتوقع أن تدفع عجلة التنمية الاقتصادية في إفريقيا خلال العقود القادمة. وتتمثل هذه الأنماط أولا بالتعداد السكاني الكبير من الشباب في القارة والأعداد المتزايدة للقوى العاملة، وثانيًا بتحوّل المجتمعات الإفريقية إلى مجتمعات أكثر تحضراً وثالثِا بالفرصة المتاحة أمام الاقتصادات الإفريقية للاستفادة من التطورات التقنية السريعة. ومما لا شك فيه أن التقنية تعد مفتاحاً رئيسياً للتنمية الاقتصادية لأنها تمكن رواد الأعمال من تجاوز العقبات وتغنيهم عن تحمل تكاليف البنى التحتية.
وبحسب معلومات تعود لعام 2017، يُعد اقتصاد ساحل العاج الأكثر ازدهاراً بين الدول الإفريقية (يزيد معدل التنمية عن سبعة بالمئة وفقاً للبنك الدولي)، إلا أن الظروف ليست مواتية بعد لظهور الشركات الناشئة في مجال التقنية في ساحل العاج. ويعود ذلك إلى عوائق كثيرة تمنع ساحل العاج من القيام بانطلاقة فعالة في مجال التقنية وريادة الأعمال، منها افتقار ساحل العاج إلى البنية التحتية المناسبة لدعم رواد الأعمال والمبتكرين. أما العائق الرئيسي الآخر، فهو عائق لغوي لأن اللغة الفرنسية ليست ’لغة التقنية‘، مما يعتبر عقبة أخرى تواجه رواد الأعمال الطموحين في الدول الفرنكوفونية أثناء سعيهم للحصول على التمويل.
بالرغم من هذه التحديات، تشير ثلاث ميزات إلى وجود احتمالية كبيرة لنمو السوق في ساحل العاج وهي: البيئة المنفتحة والخبرة الدولية التي جلبتها الشركات الناشئة الناجحة في ساحل العاج واهتمام الصناديق الدولية باكتشاف بيئة العمل في ساحل العاج مؤخراً.
بيئة ريادية مزدهرة مع وجود بعض المشاكل التنظيمية
بحسب مؤشر "سيدستارز" Seedstars Index، حازت ساحل العاج على المرتبة السادسة بين الدول الإفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى في مجال قوة بيئة ريادة الأعمال فيها. وفي مقابلة أجرتها مع ومضة، قالت كلوديا ماكادريستو المدير الإقليمي لإفريقيا في سيدستارز، أنه بالرغم من هذا النمو إلا أن البيئة الريادية في ساحل العاج ما زالت في بداياتها ولم تنتج بعد العدد المطلوب من المشاريع الناشئة. وتعزو ماكادريستو هذا العجز إلى الثقافة والعقلية السائدة في ساحل العاج وغياب التدريب المناسب على ريادة الأعمال والفشل في الحصول على التمويل.
رغم ارتفاع أعداد الجهات المعنية بريادة الأعمال في ساحل العاج كحاضنات ومسرعات الأعمال (ثمة 13 مبادرة من هذا النوع حالياً)، ما زلنا نلاحظ غياب التعاون الذي يؤدي إلى إبطاء عملية التنمية وإعاقة تطور بيئة الأعمال في ساحل العاج. وقالت ماكادريستو إنّ الدول الإفريقية الفرنكوفونية وعملتها الموحدة تمثل فرصة كبيرة للتعاون وساحل العاج مرشحة لتكون المركز الحيوي له. وأضافت قائلة: "ثمة بعض المشكلات التنظيمية التي يجب حلّها على المستوى المحلي".
وأوضحت ماكادريستو، بالنسبة للكثير من الجهات المعنية التي تهتم بمواجهة التحديات المحلية في ساحل العاج، أصبحت فرص النماذج التجارية والابتكارات الكاسحة واضحة بشكل متزايد. ويطمح المساهمون -مثل أكاديمية سيدستارز- إلى زيادة المصادر التعليمية الفعالة والبنى التحتية والحلول التي تحقق الابتكار الكاسح، وذلك بواسطة الوصول قليل التكلفة إلى التقنية المتاح عبر منصتها الخاصة بتأسيس مشاريع المخاطرة. "لإحداث التأثير المطلوب، يمكن للجهات المعنية من القطاع الخاص إنفاق الأموال بشكل أكثر تعقلاً، ففي البيئة التقنية، تبرز الحاجة إلى التكامل والتعاون مع عالم المؤسسات والشركات. وتهدف البرامج مثل أكاديمية سيدستارز إلى ردم هذه الفجوة".
أجرت ومضة لقاءً مع إدريس مارسيال مونت مهندس حاسوب والرئيس التنفيذي لشركة "سينيت باي" CinetPay شركة ناشئة في مجال التقنيات المالية في ساحل العاج. تجمع شركة "سينيت باي" جميع وسائل الدفع عبر الأجهزة المتنقلة في إفريقيا وتسمح للتجار بقبول الدفعات الإلكترونية أو غير الإلكترونية. كما تمكن المنصة الأشخاص الذين لا يحملون بطاقة الائتمان من استخدام حساباتهم المالية عبر الهاتف النقال لإجراء المعاملات المالية عبر الإنترنت. وبحسب مونتي، "يجب على جميع الجهات المعنية والحكومات ورواد الأعمال والمستخدمين والشركاء العمل معاً لخلق بيئة قادرة على تبني المنتجات والخدمات التي توفرها الشركات الناشئة".
سنذكر مثالاً على مشاركة القطاع الخاص اللازمة في هذا المجال، وهو مبادرة شركة "إم تي إن" MTN للاتصالات. في نوفمبر الماضي، أطلقت شركة "إم تي إن" النسخة الأولى من برنامج حاضنة الأعمال "ييلو ستارت أب" Y’ello Startup الذي يساعد رواد الأعمال الشباب على تصميم وتنفيذ الحلول المبتكرة بهدف إحداث تأثير قوي على البيئة الاقتصادية والاجتماعية في ساحل العاج.
بالإضافة إلى تعزيز التعاون يجب إيلاء الاهتمام للكمية والنوعية في هذه البيئة الريادية. ومن الضروري تخصيص الاستثمارات الوطنية لتشجيع رواد الأعمال الناشئين على المشاركة مع التعامل مع نقص المهارات الريادية في الوقت نفسه. كما يجب تناول مسألة القدرة على استيعاب المزيد من التمويل. ورغم التحديات الراهنة، تؤكد ماكادريستو على أن مشاركة الحكومة ارتفعت بشكل ملحوظ في مجال تزويد الشباب بالمهارات اللازمة لتأسيس الأعمال الجديدة.
اللغة: عائق أمام الشركات الفرنكوفونية الناشئة
بحسب ماكادريستو، جمعت الشركات التقنية الإفريقية 195 مليون دولار أميركي عام 2017- فيما يعتبر ارتفاعاً بنسبة 51 بالمئة عن عام 2016 وهو مستوى غير مسبوق تحققه الشركات الناشئة الإفريقية. اتجه الجزء الأكبر من هذا الاستثمار نحو دول مثل كينيا وغانا ونيجيريا وجنوب إفريقيا، وذلك بحسب ما أوضحته ماكادريستو. "إذا نظرنا إلى الأنماط العامة ما بين الأعوام 2010 و2017، نجد أن ساحل العاج استوعبت 10 بالمئة من حجم صفقات الأسهم الخاصة و2 بالمئة من قيمة صفقات الأسهم الخاصة في غرب إفريقيا، وذلك مقارنةً بنسبة 42 بالمئة و73 بالمئة في نيجيريا، و27 و20 بالمئة في غانا". وأكدت ماكادريستو على أن الدول الإفريقية الفرنكفونية تواجه صعوبات في جذب الاستثمار في الشركات الناشئة بسبب التحيز اللغوي- وهو موضوع مثير للجدل يتسبب بإحباط رواد الأعمال في المنطقة. "من جهة، يبدو أن المستثمرين لا ينجذبون إلى الدول الإفريقية الفرنكفونية لأنهم لا يتقنون التحدث بلغتهم. ومن جهة أخرى، يجب على رواد الأعمال في الدول الإفريقية الفرنكفونية إعادة النظر إلى طريقة تواصلهم مع المستثمرين وتعلم كيفية إعطائهم الإجابات السريعة حول التأثير المتوقع ليتمكنوا من تقييم الفرصة" على حد قول ماكادريستو.
في مقابلة مع ومضة، تحدث فرانسيس يابوبي مؤسس شركة "إير شوب" Airshop حول تجربته في ريادة الأعمال. تهدف شركة "إير شوب" إلى رقمنة الأسواق الحرة من خلال تسهيل الطلب المسبق لسلع السوق الحرة. يقول فرانسيس يابوبي "إن المشكلة الكبرى ليست في نقص الأموال، ولكن الأمر هو أن هذه الأموال ليست موجهة لنا". تمكنت شركة "إير شوب" من جمع رأس مال قيمته 100,000 دولار أميركي، وتراهن على شراكتها الحالية مع الخطوط الفرنسية "إير فرانس" (وشراكات مستقبلية أخرى) لتنفيذ خدماتها. وأضاف قائلاً: "لم يتخلص القطاع المالي من النماذج التقليدية للتمويل. تتوفر لدينا الأسهم الخاصة ولكنها تمول المباني والبنى التحتية وليس الشركات الناشئة".
وأوضح يابوبي أنه خلال السنوات الأخيرة تعرفت بعض الشركات الإفريقية الناشئة الناطقة بالإنجليزية - وخاصةً النيجيرية والكينية- على طريقة العمل في وادي السيليكون. وأصبح رواد الأعمال هؤلاء أكثر قابلية لفهم ريادة الأعمال وكيفية العمل ضمن البيئة الريادية. والأمر الأهم هو أن هذه التجربة قد مكنتهم من "التحدث بلغة" المسؤولين عن الصناديق التمويلية التي تترجم لاحقاً إلى القدرة على جذب المزيد من الأموال.
يقول مونتي إنه من الصعب إيجاد رأس المال المبدئي في السوق. بالرغم من اهتمام الكثير من المستثمرين بالمنطقة الإفريقية، إلا أن ساحل العاج ليست ناضجة بما فيه الكفاية لجذب الاستثمارات. ولكن هناك بعض التغيرات التي تلوح بالأفق بالنسبة لرواد الأعمال الذين يبحثون عن التمويل في ساحل العاج، وذلك مع تزايد اهتمام شركات الاستثمار بإفريقيا. ومن هذه الشركات شركتي رأس مال المخاطرة في وادي السيليكون "بارتيك فينشرز" Partech Ventures وآمثيس فاينانس Amethis Finance. أطلقت شركة "بارتيك فينشرز" صندوق تمويل متخصصاً بإفريقيا سينظر في تقديم التمويل في المراحل المبكرة. وحتى الآن جمع الصندوق 70 مليون دولار أميركي من المبلغ المستهدف بقيمة 100 مليون دولار مما يجعله من أكبر صناديق التمويل الموجهة للاستثمار في إفريقيا.
ينجح رواد الأعمال في ساحل العاج في شق طريقهم رغم التحديات
أوضح مونتي أن التحديات التي واجهوها عند إطلاق شركة "سينيت باي" كانت مشابهة لأي تحديات تواجهها الشركات الناشئة في أي مكان في العالم. وتتضمن هذه التحديات التطوير المبدئي وإنتاج النماذج الأولية وإثبات صحة الفكرة وإطلاقها في السوق بالإضافة إلى إيجاد المواهب المناسبة لتحسين المنتج. وقال مونتي "أخيراً، يجب تثقيف الجمهور ورفع الوعي حول هذا الابتكار وهو أمر صعب جداً ويستغرق الكثير من الوقت"، معلقاً على مسألة اعتياد السوق على التفاصيل التقنية.
كما أكد يابوبي على الافتقار إلى الوعي تجاه الثقافة الريادية والشركات الناشئة. يقول يابوبي، "إن المشكلة الكبرى التي نواجهها في ساحل العاج هي مشكلة الثقافة السائدة. كما أن هناك مشكلات تنظيمية ومتعلقة بالبيروقراطية وعدم رغبة الشركات الكبرى بمساعدة الشركات الناشئة"، معتقداً أن بلاده تشهد تزايداً في الجيل الأول من الشركات الناشئة.
دفعت هذه الظروف الشركات الناشئة إلى تمهيد الطريق لتحقيق النجاح والتعامل مع التحديات الموجودة في السوق. وأوضح مونتي أن حلول التقنيات المالية التي تقدمها شركته كانت بسبب المشكلات التي واجهتها في إجراء الدفعات الإلكترونية في إفريقيا خلال مسيرة ريادة الأعمال التي خاضها. لم تحصل الشركة الناشئة على تمويل ثابت حتى الآن، ولكنها تلقت منحة قيمتها 5,000 دولار أميركي من "برنامج توني ألوميلو لريادة الأعمال" The Tony Elumelu Entrepreneurship program. بالرغم من هذه التحديات الموجودة في بيئة ريادة الأعمال، تجاوزت شركة "سينيت باي" جميع العقبات وتمكنت من تأسيس علامتها التجارية الخاصة بها. في عام 2017، فازت الشركة الناشئة في مجال التقنيات المالية بمسابقة "سيدستارز" ممثلةً عن ساحل العاج في المرحلة النهائية من المسابقة. تخطط شركة "سينيت باي" التي تتواجد في السنغال والكاميرون ومالي للتوسع إلى 14 دولة في غرب ووسط إفريقيا بحلول عام 2020، وذلك بفضل النجاحات التي حققتها.
ماذا يخبئ المستقبل لرواد الأعمال في ساحل العاج؟
ما تزال بيئة ريادة الأعمال في ساحل العاج في مراحلها المبكرة. ومع الانفتاح المتزايد للشركات الناشئة في ساحل العاج على المزيد من الأسواق الدولية، ستتمكن من جذب المزيد من الانتباه إليها والحصول على رأس المال الذي يلزمها من المستثمرين- وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالفائدة المتحققة من الصناديق الدولية.
يعبر مونتي عن تفاؤله تجاه المستقبل ويقينه بأن بيئة ريادة الأعمال في ساحل العاج ستتطور خلال السنوات الخمس القادمة. ونظراً إلى التحديات الراهنة والفرص المتاحة، يبدو أن أموراً كثيرة ستحصل وبسرعة كبيرة. وعلى حد تعبيرها قالت ماكادريستو، "...تحتل ساحل العاج مكانة مناسبة تمكنها من أن تصبح قوة دافعة للتعاون ما بين الدول الإفريقية الفرنكفونية".