English

من إبداء الإعجاب إلى الشراء: كيف تطوّر قطاع التجزئة في الشرق الأوسط؟

English

من إبداء الإعجاب إلى الشراء: كيف تطوّر قطاع التجزئة في الشرق الأوسط؟
الصورة عبر Shutterstock

في الوقت الذي كان المتسوّقون في الشرق الأوسط يستمتعون بالتسوّق على الإنترنت في الجمعة الأسود/الأبيض/الأصفر، قدّم العديد من تجّار التجزئة الفعليين عروضهم الخاصة لجذب العملاء إلى متاجرهم.

لم تعد النقاشات حول تجارة التجزئة تضع التجارة الإلكترونية في مواجهة التسوّق في المحلات التجارية، فقد تطوّر المشهد ليشمل النوعين ضمن رحلة تسوّق واحدة في الشرق الأوسط.

وتقول نورما تاكي، مسؤولة صفقات التجزئة في "بي دبليو سي" PwC الشرق الأوسط إنه "قبل خمس سنوات، كانت الضجة كبيرة حول عادات التسوق الإلكتروني وفي المتاجر. أما اليوم فالأمر يتعلّق أكثر بتجربة العميل ورحلة التسوّق التي تشمل النوعين".

في تقرير لـ"بي دبليو سي" حلّل عادات التسوّق في مصر والسعودية والإمارات، حصل انخفاض ملحوظ في التسوّق الفعلي عندما انتشرت التجارة الإلكترونية في المنطقة، ولكنّ هذا الاتجاه انعكس الآن.

عام 2013، اشترى 37% من المستهلكين في الأسواق الثلاثة، فقط من متاجر فعلية بينما ارتفعت النسبة إلى 43% عام 2017.

إلمس المنتج وتحسّسه

لا يزال المتسوّقون في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يفضلون أن يلمسوا المنتجات ويشعروا بها قبل أن يلتزموا بالشراء، وهي عادة تعززت لديهم بسبب الإحباط الناجم عن اضطرارهم كثيراً لإعادة منتجات اشتروها عبر الإنترنت وهو شعور استفاد منه تجّار التجزئة.

وتقوم العديد من العلامات التجارية التي تهدف إلى الجمع بين وجودها على الإنترنت والمتاجر الفعلية. وقد أثبت لدى شعار "إضغطوا واستلموا" الذي يدعو المتسوّقين لشراء منتج ما عبر الإنترنت والتوجّه إلى متجر أو مكان محدد لاستلامه، شعبية كبيرة بين المستهلكين.

على سبيل المثال، تبيّن لموقع "لاغجري كلوزيت" Luxury Closet للتجارة الإلكترونية لمنتجات المصممين، أن 30% من مبيعاته في الإمارات هي عبارة عن منتجات اشتراها المستهلكون على طريقة "اضغطوا واستلموا" لذلك تسعى الشركة الآن لافتتاح مساحة فعلية لعرض منتجاتها.

ويقول كونال كابور، الرئيس التنفيذي لـ"لاغجري كلوزيت" "نخطط لبناء تجربة ونستعمل تجارة التجزئة لهذا الغرض. نسعى لتوسيع فكرة الضغط والاستسلام وإقامة صالة عرض فعلية والتركيز على منتجات معينة يرغب المستهلكون في لمسها وتحسّسها".

ويضيف أن المساحة الفعلية هي حيث "يتم إحياء" العلامة التجارية والشركة، وهي اتجاه لاحظته شركات أخرى أيضاً.

كذلك شهدت منصة "شير ذيس سبايس" Share This Space للحجز على الإنترنت التي تستهدف المصممين والشركات الصغيرة والمتوسطة للعثور على مساحات فعلية للإيجار والمساحات المؤقتة pop-ups، ارتفاعاً في الطلب من مواقع للتجارة الإلكترونية. وكانت المنصة التي انطلقت قبل ثلاث سنوات، أطلقت مساحة خاصة في مول دبي تقدّم لتجار التجزئة الإلكترونيين مساحة فعلية لـ"تفعيل علامتهم التجارية".

ويقول شهبز باتي، مؤسس "شير ذيس سبايس" إنّ "ثمة إقبالاً كبيراً على هذه المساحات ونحن نجعلها في متناول الشركات الناشئة الصغيرة التي لم يكن لديها يوماً إمكانية للوصول إلى مساحات كهذه. وأتحنا لبعض العلامات التجارية الأصغر، الوصول فعلاً إلى مساحات رائعة واليوم نحن نسير قدماً حيث نحاول دمج التجارة الإلكترونية بالمساحة الفعلية".

وبالفعل، من الصعب جذب عدد كبير من العملاء وتحقيق ولائهم وضمان تميّز العلامة التجارية، عن طريق الإنترنت وحده. ويقول باتي إن "بيئة تجارة التجزئة تتغير، فالناس يأتون من أجل التجربة ويريدون رؤية ما أعجبهم على الإنترنت أو على الشبكات الاجتماعية ومن ثم إجراء عملية الشراء في متجر فعلي. وتتيح المنصة الإلكترونية لهم بالتخطيط مسبقاً وفي داخل المتجر يمكنهم تجربة المنتج قبل اتخاذ القرار بالشراء".

التأثير على المتسوّقين

يقدّر تقرير صادر عن "باين أند كومباني" Bain and Company و"غوغل" Google، قيمة سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بـ8.3 مليار دولار تشكّل الإمارات والسعودية معاً 60% منه. وحوالي 80% من المنتجات المتوفرة على الإنترنت في المنطقة تتركّز في قطاعات الإلكترونيات والموضة والجمال.

ومع تجاوز معدل الاتصال بالإنترنت 90% في الإمارات والسعودية، ومعدل استخدام الهواتف الذكية 60%، فإن المتسوقين يبدأون رحلة التسوّق على الإنترنت سواء عبر البحث على محركات البحث أو عبر الإعجاب على الشبكات الاجتماعية.

وأظهر تقرير "باين أند كومباني" و"غوغل" أيضاً أن نسبة استخدام الشبكات الاجتماعية يبلغ في الإمارات 90% و75% في السعودية. وبالمقارنة، يبلغ استخدام الإنترنت في الولايات المتحدة 85% والشبكات الاجتماعية 71%.

ويبدو أن المؤثّرين على الشبكات الاجتماعية لديهم تأثير كبير على قطاع التجزئة في المنطقة. وتكشف بيانات إنستاغرام أنّه كان هناك أكثر من 63 مليون مستخدم على المنصة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا عام 2017 ما يساوي 10% من مجمل مستخدميها على نطاق العالم.

ويقول تاكي إنه "من وجهة نظر إقليمية، نحن نقفز عبر الإنترنت والشبكات الإجتماعية في رحلة المستهلك".

وعلى النطاق العالمي، يستخدم 37% فقط من المتسوّقين الإعلام الاجتماعي للعثور على الإلهام بالشراء، وفقاً لتقرير "بي دبليو سي"، بينما يصل هذا الرقم إلى 78% في الشرق الأوسط، ويتقاضى المؤثرون في المنطقة أعلى رسوم في العالم على منشور واحد بمعدّل 274 دولار للمنشور مقارنة بـ214 دولار في الولايات المتحدة التي تحلّ ثانيةً في الترتيب. وقد تبيّنت قيمة هؤلاء في التسويق في وقت سابق هذا العام في الإمارات حين ألزم المجلس الإعلامي الوطني المؤثرين على الشبكات الاجتماعية الحصول على تراخيص للعمل.

وتقول رانيا المصري، مسؤولة التغيير في شلهوب غروب، أحد أكبر مشغّلي الامتياز في العالم العربي للعلامات التجارية الفاخرة، إن "مرحلة الاكتشاف تحصل على الإنترنت حيث ننفق ملايين الدولارات على التسويق، والتسويق على الشبكات الاجتماعية. فإذا كان التسوّق في المتاجر الفعلية لا يعكس التجربة الكاملة، فأنت تضيّع وقتك".

الجمع بين النوعين

أطلقت شلهوب أخيراً حاضنتها الخاصة "ذا غرينهاوس" Greenhouse للتواصل مع الشركات الناشئة التكنولوجية في قطاع التجزئة في محاولة لإدراج حلول مدعومة بالتكنولوجيا في عروضها. وفي وقت سابق هذا العام، أقامت الشركة شراكة مع "فارفتش" Farfetch البريطانية لتجارة التجزئة عبر الإنترنت لتعزيز حضورها على الشبكة.

وتقول المصري إن على "تجّار التجزئة التقليديين أن يتطوّروا، فإذا أرت المنافسة خارج الشبكة العنكبوتية بسرعة وسعر وسهولة التجارة على الإنترنت، فستخفق. عليك إكمال تجربتك بالعناصر التي لا يمكنك أن تمنحها للمستهلك على الإنترنت، أي أن يتفاعل ويشم ويجلس ويُذهل برؤية البضائع داخل المتجر". 

ولكن هذه استراتيجيا تبدو فعالة أكثر بالنسبة للمنتجات الفاخرة التي لا تتأثر مبيعاتها بسعرها.

تستحوذ الأجهزة الإلكترونية على أكبر حصة من مبيعات التجارة الإلكترونية تبلغ قيمتها 2.9 مليار دولار بحسب "باين" و"غوغل". ويميل المستخدمون إلى التوجه إلى المتاجر لتجربة هاتف خلوي مثلاً قبل اتخاذ قرار الشراء على الإنترنت بأدنى سعر ممكن.

وبغض النظر عما سبق، يستمر التقارب بين التجارة عبر الإنترنت والتجارة الفعلية. ففي الآونة الأخيرة، استحوذت مجموعة ماجد الفطيم، مطورة مول الإمارات، على موقع "وادي" wadi.com الإلكتروني للبقالة. واستحوذت شركة إعمار الإماراتية على حصة 51% في "نمشي" namshi.com مقابل 151 مليون دولار العام الماضي. كما يخطط محمد العبار، رئيس مجلس إدارة إعمار، لبناء مجمّع بقيمة 10 مليارات درهم، وهو ضعف حجم مول دبي، كأول مركز تسوّق في العالم مدعوم رقمياً، يدعمه بمشروعه الخاص للتجارة الإلكترونية الذي تبلغ قيمته مليار دولار.

نمو التجارة الإلكترونية

لا تزال التجارة الإلكترونية تشكّل 1.9% من مجمل مبيعات التجزئة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لذلك هناك مجال واسع للنمو. وأحد أكبر العراقيل أمام التجارة الإلكترونية في المنطقة هي الدفع عند التسليم بسبب الثقة المنخفضة لدى المستهلك وغياب حلول الدفع الإلكترونية. ففي السعودية، لا تزال هذه الوسيلة هي الأكثر شعبية للدفع حيث تجري 90% من التعاملات في مجال التجزئة عن طريق الدفع عند التسليم.

يمكن للوجستيات أن تكون صعبة في المنطقة في ظل خدمات بريد متخلّفة وأنظمة تحديد عناوين تعيسة بينما ترتفع أسعار التسليم بشكل كبير بشكل عام.

كما أدت الخيارات المحدودة للمنتجات أيضاً إلى إعاقة نمو التجارة الإلكترونية وفقاً لتقرير "باين" و"غوغل"، لكن ذلك سيتغير بلا شك حيث أن تجّار التجزئة الصينيين بدأوا تركيز اهتمامهم على سوق الشرق الأوسط. فـ"علي إكسبرس" aliexpress مع منتجاتها التي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار قد أحدثت بالفعل ثغرة في السوق. فالشركة التي انطلقت في آب/أغسطس من هذا العام، وحشدت 150 مليون مشترك في الشهر الأول من بدء عملياتها.

ولكن مع تطوّر البيئة الحاضنة، من المرجح أن تزدهر المبيعات عبر الإنترنت، على يد الشريحة الشبابية في المنطقة.

 

يقول مات تشانغ، رئيس قسم الشرق الأوسط في "علي إكسبرس" إن "الشباب يستعملون أحدث التقنيات وأكثرها تقدماً، مما يريحهم في كل جوانب حياتهم. ومع التجربة التي خاضتها العديد من البلدان، يواصل التسوّق عبر الهواتف المحمولة في التوسّع، ويميل سلوك التسوّق تدريجياً نحو تطوير قطاع التجارة الإلكترونية".

هذه هي المشاعر التي يتقاسمها عمار واجانه، الرئيس التنفيذي لـ"دكان أفكار"، موقع التجارة الإلكترونية الذي يبيع منتجات فريدة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، انطلاقاً من قاعدته في جدة.

ويضيف وجانه أن "التجارة الإلكترونية هي المستقبل، فستشهد ازدهاراً في المنطقة، في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم. كل ما نحتاجه لتحقيق الطفرة هو البنية التحتية، وهو ما يحدث الآن فبوابات الدفع تنتشر والخدمات اللوجستية تدخل السوق وتتحسن".

يبقى أن نرى حجم التأثير الذي سيتركه نمو التجارة الإلكترونية في نهاية المطاف على متاجر التجزئة الفعلية، وحتى ذلك الحين، يبدو أنهما سيواصلان السير جنباً إلى جنب.

ومضة كابيتال تستثمر في "لاغجري كلوزيت"

 

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.