English

هل ينجح العصر الرقمي في ردم الفجوة بين الجنسين؟

English

هل ينجح العصر الرقمي في ردم الفجوة بين الجنسين؟
الصورة عبرShutterstock

مع حلول يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار/مارس، من الجيّد التذكير بالفجوة الكبيرة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تشرح رشا منّاع، المديرة الإدارية السابقة لـ"إنديفور" الأردن، كيف يمكن للعصر الرقمي أن يساهم في ردمها.

يتجاوز عدد الطالبات في جامعات الشرق الأوسط عدد الطلاب ويشكّل ثلث العدد الإجمالي للطلاب في أقسام العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الجامعات العربية. غير أن مشاركة النساء في القوة العاملة لا تزال بين الأدنى في العالم. وتحلّ المنطقة في مراتب دنيا على المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين ويتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن تستغرق المنطقة 153 عاماً لردم هذه الفجوة. 

إذاً ما الذي تعنيه الفجوة بين الجنسين؟ من ناحية المشاركة الاقتصادية، ليس حضور النساء في القوة العاملة سوى عنصراً واحداً فيها. فالفجوة ترتبط أيضاً بالمساواة في الأجور ومستوى الدخل ونسبة النساء في الوظائف المهنية والتقنية وكذلك نسبة النساء في مواقع المسؤولية والمواقع القيادية. إذاً، من الجيد أن تقوم الشركات الفخورة بالإعلان عن بلوغ نسبة توظيف النساء لديها 40% وحتى 50%، أن تتحقق من المؤشرات الأخرى قبل أن تهنئ نفسها حقاً على سياسة الشمولية التي تتبنّاها.

تاريخياً، اختارت النساء أو أجبرن على البقاء خارج القوة العاملة. ويعود انخفاض هذه المشاركة النسائية في الشرق الأوسط بشكل كبير إلى عوامل اجتماعية ثقافية. فالفتيات من عمر يافع يُلقّنّ أنه ليس من الضروري أن يكنّ منتجات للدخل وأنّ على الرجل أن يعيل أسرته.

ومن العوامل الأخرى التي تعيق مشاركة النساء في سوق العمل هي المفاهيم المسبقة عن المهن التي تعتبر "مناسبة للنساء"، وغياب خدمات  رعاية الأطفال بأسعار معقولة في المنطقة فضلاً عن غياب فرص العمل للنساء لا سيما في المناطق الريفية. وكل ذلك يتفاقم أكثر مع غياب شبكات نقل عامة آمنة وموثوقة في العديد من المدن.

يتمثل التحدّي الآخر في الفجوة في الأجور. فالمرأة في معظم الدول تتقاضى ما معدّله 60 إلى 75% من أجر الرجل. وفي حين يساعد المجال الرقمي في تجاوز بعض العقبات السابقة الذكر، إلاّ أننا نحتاج إلى تذليل عقبات أخرى في العالم غير المتصل بالإنترنت إذا أردنا أن نقلّص الفجوة.  

الطريق الرقمية إلى المساواة بين الجنسين

يقدّم العالم الرقمي بيئة عمل أكثر مرونة للنساء لكي يصبحنَ منتجات، وذلك من خلال:

1.    الاتصال بالإنترنت ـ يمنح مجرّد الاتصال بالإنترنت النساء القدرة على الوصول إلى المعلومات لاكتساب المهارات والفرص لتحسين مستوى حياتهنّ مثل الرعاية الصحية والخدمات المالية وفرص التوظيف.

2.    الحركة ـ يتيح الاقتصاد الرقمي ظروفاً أكثر مرونة للعمل وإمكانية العمل عن بعد. فكلما زادت مرونة ظروف العمل، كلّما كان معدل توظيف النساء أعلى حيث تشير الدراسات إلى أن الفجوات في الأجور بين الجنسين تصبح أقل في المجالات التي تتيح ظروف عمل أكثر مرونة.

3.    أدوات رقمية ـ ثمة فائض في الأدوات الرقمية التي تعزز المرونة والسهولة في ممارسة الأعمال. فالإدماج المالي هو مفتاح لتمكين المرأة. إلا أنه عالمياً، لا تزال 42% من النساء من دون حسابات مصرفية بينما ترتفع النسبة إلى 65% في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لذلك تتيح أدوات مثل المحفظات الرقمية للنساء تسديد الدفعات أو تلقّيها من دون الحاجة إلى حسابات مصرفية. وتقدّم صفحات على فيسبوك وقنوات الإعلام الإجتماعي للنساء إمكانية الوصول إلى الأسواق كما تتيح لهن قنوات للتوزيع انطلاقاً من بيوتهنّ.

4.    نماذج جديدة للأعمال ـ غيّر اقتصاد العمل المستقل العلاقات التقليدية للتوظيف وحوّلها إلى تبادلات تجارية مبنية على التكنولوجيا. وبرزت تطبيقات خاصة بالعمل المستقل مثل "بيلفورون"Bilforon  الأردنية التي تربط الزبائن بطباخين منزليين أي من يشترون الخدمة بمزوّديها. وفي هذه الحالة، إن مزوّدي الخدمة هم عمال مستقلّون يمكنهم الوصول إلى فرص عمل، عبر التطبيق، وأن يكون لديهم المرونة لاختيار متى وأين يقبلون العمل الحر والتحكّم بمدخولهم ومراقبته.

الفجوة الرقمية

نظرياً، يبدو أن العصر الرقمي يحمل إمكانيات كبيرة للنساء. غير أن الفجوة الرقمية موجودة وتحتاج إلى معالجة وإلاّ فإنها ستتّسع أكثر. فالعالم الرقمي مهيأ ليهيمن عليه الرجال للأسباب التالية:

1.    التفاوت في الوصول إلى الإنترنت ـ يمكن للنساء أن يستفدن أكثر من الاقتصاد الرقمي إذا اتصلن بالإنترنت. فبحسب تقرير صادر عام 2018 عن اتحاد مشغلي وشركات الهواتف المحمولة GSMA، فإن عدد النساء اللواتي يملكن هواتف محمولة أقل بـ184 مليون من الرجال و1.2 مليار إمرأة لا يستخدمن الإنترنت. وتبلغ الفجوة في استخدام الإنترنت على الهاتف المحمول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 21% مقارنة بـ4% في أوروبا ووسط آسيا. 

2.    انخفاض عدد النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ـ صحيح أن نسبة الطالبات في أقسام العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات صحية، إلّا التحدي يكمن في انتقالهن من نظام الجامعة إلى سوق العمل. فلا يزال هناك عراقيل تعيق وصول النساء إلى مواقع مسؤولة وقيادية في مجال العلوم.

3.    ضعف الوعي بالأدوات الرقمية ـ لدى النساء إلمام أقل بالأدوات الرقمية من الرجال ومعرفة أقل بكيفية استخدامها ما يحد بشكل كبير من اعتمادها. وتشير تقارير إلى أن النساء أقل ترجيحاً لاعتماد المحفظة الرقمية من الرجال بحوالي النصف. 

4.    غياب القدوات ـ إن لم ترَ الفتيات نساء ناجحات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفي مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فلن يتمكنّ من تصوّر أن هذه المجالات تشكّل طرقاً صالحة لهنّ.

5.    الحصول على التمويل ـ من الصعب حصول النساء على التمويل سواء كان على شكل دين أو مقابل أسهم. وقد أظهرت الدراسات أن النساء يتلقّين تمويلاً أقل بنسبة 23% من الرجال ويمكنهن الحصول على صفقة تخارج إيجابية أقل من الرجال بنسبة 30%.

اغتنام الفرصة

إذاً ماذا يمكننا أن نفعل لضمان أن تكون النساء في مكانة مؤاتية لاستغلال هذه الفرصة؟ يمكننا أن نبدأ بما يلي:

1.    تسليط الضوء على قصص نساء في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفي مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ـ من شأن ذلك أن يساعد في تحدّي المفاهيم المسبقة عمّا هي المهن التي تعتبر مناسبة للنساء وفي إلهام الفتيات الصغار.

2.    زيادة انخراط النساء في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفي مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ـ نحتاج إلى زيادة الوعي بالخيارات المهنية المتاحة للفتيات إذا التحقن بهذه المجالات، ونحتاج إلى وضع أهداف وطنية محددة زمنياً وتقديم حلول مالية مبتكرة لزيادة التحاق النساء والفتيات بهذه المجالات مثل تشارك المدخول بعد بدء النساء بالعمل. نحتاج أيضاً إلى تعريف الناس بأهمية العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات للفتيات التي تعلّم طريقة مختلفة للتفكير بما في ذلك محو الأمية الرقمية وفهم الأدوات الرقمية. فمواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تزوّدهنّ بمهارات مثل التفكير الإبداعي وحل المشاكل وصناعة القرار والتي يحتجنها ليقدّمن أداء جيداً في العالم الرقمي.

3.    تطوير برامج تدريب على الإنترنت على المهارات التقنية والشخصية ـ تشكّل النساء والفتيات 40% من المنخرطين في منصات التعلّم الرقمي مثل "كورسيرا" Coursera و"إيد إكس" EdX. وهذه النسبة أفضل بشكل طفيف في المنطقة حيث 49% من المسجلّين في برامج التعليم على منصة "إدراك" Edraak نساء وفتيات. وإذا أخذنا النساء في المناطق الريفية، فليس بالضرورة أن يكون التدريب على التقنية العالية هو المطلوب، بل تدريب أساسي أكثر مثل محو الأمية الرقمية وخلق المحتوى الرقمي والسلامة الرقمية.

4.    تعزيز ثقافة التعلّم مدى الحياة ـ إذا ما أخذنا الوتيرة السريعة للتغيير التكنولوجي، لا يمكن للجامعات تعليم الطلاب كل ما يحتاجون تعلّمه في مجمل مسيرتهم المهنية. وأهم مهارة يحتاجها المرء اليوم هي "كيفية التعلّم" والتي يمكنها أن تساعده بأن يبقى دائماً على صلة ومطلوباً في سوق العمل.

5.    تمكين النساء لكي يتقدّمن في سلسلة القيمة ـ علينا أن نعزز التنوّع الجندري على كافة المستويات من أجل تجاوز التحيّزات الاجتماعية الثقافية بين الجنسين. وهذا الأمر لا ينتهي بمجرّد إدراج المزيد من النساء في سوق العمل، بل أيضاً إطلاق العنان للإمكانيات التي قد تحملها الشركات التي تؤسسها نساء. فرائدات الأعمال يملن أكثر إلى توظيف نساء أخريات وإلى توفير شروط عمل أكثر مرونة. كما نحتاج أيضاً إلى رؤية المزيد من المستثمرات. فالدراسات تظهر أنه في عالم رأس المال المخاطر، فإن الشركات الاستثمارية التي تضم بين شركائها امرأة واحدة على الأقل من المرجح أن تستثمر في شركات تؤسسها نساء أكثر بثلاث مرات من الشركات الاستثمارية التي لا تضم نساء بين شركائها. نحتاج إلى المزيد من الباحثات والمبتكرات والمخترعات. فكلما زاد عدد النساء في مجال الابتكار، كلما كان الابتكار مصمماً بشكل يأخذ حاجات النساء في الاعتبار. 

عطّل المستوى المنخفض لمشاركة الإناث، التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وهذه ليست مشكلة تحلّ بنفسها بل يجب اتخاذ خطوات ملموسة لسد الفجوة الرقمية. من الضروري النظر إلى هذه المسألة من منظور جندري لأن السياسات والمبادرات التي لا تأخذ حاجات الجنسين بالاعتبار ستؤدي إلى نتائج غير متكافئة. وتُظهر الأبحاث التي أجراها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وجود علاقة قوية بين تقدّم البلد على مستوى سد الفجوة بين الجنسين وبين قدرته التنافسية التجارية ونموّه الاقتصادي. علاوة على ذلك، فإن المساواة الاقتصادية بين الرجل والمرأة، جيدة ومفيدة للشركات. فتشير التقديرات إلى أن الشركات التي تضم ثلاث نساء أو أكثر في إدارتها العليا تكون متقدّمة على مستوى الفعالية التنظيمية. عند مناقشة الأدوات اللازمة لتمكين المرأة وعندما تبلغ نسبة توظيف الإناث في العالم 48%، فإن هذه المسألة لا تخص النساء فقط، بل هي مصلحة وطنية. ينبغي أن يكون من الأولويات الوطنية الاستفادة من التحوّل الرقمي لسد الفجوة بين الجنسين في كل مكان ودعم مصدر جديد للنمو الاقتصادي الشامل.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.