English

الخدمات المالية للفئات المستبعدة مصرفيا: نمو التكنولوجيا المالية في مصر

English

الخدمات المالية للفئات المستبعدة مصرفيا: نمو التكنولوجيا المالية في مصر
Image courtesy of Shutterstock

تفيد دراسة أجراها البنك الدولي بأن 10-15% فقط من المصريين لديهم حسابات مصرفية، وهي واحدة من أكثر النسب انخفاضا في العالم. وتأكد الدراسة أن هذه النسبة المنخفضة سببها القطاع المصرفي نفسه، لأن خدماته لا ترقى إلى المستوى المطلوب. ففي مصر بلد المئة مليون نسمة عدد منخفض من الفروع المصرفية وأجهزة الصراف الآلي لكل فرد مقارنة بالدول ذات الدخل الفردي نفسه.

حيث تتركز غالبية هذه الخدمات في المدن أكثر منها في المناطق الريفية وتعاني البنوك المملوكة للدولة من بطء في الابتكار والتحديث ورداءة في المنتجات والخدمات.

وتفيد الدراسة ايضاً أن التطور في القطاع المصرفي أمراً في غاية الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق الوظائف في دولة تتجاوز فيها معدلات البطالة بين الشباب نسبة 30%. كما إن زيادة الوصول الى الخدمات المالية ستساعد على خفض التفاوت الاقتصادي ومعدل الفقر الذي يصل نسبته الى 30%.

وأصبح الان لدى المصريين فرصة أفضل للارتقاء بالخدمات المالية المتاحة من خلال التكنولوجيا المالية والتي يسهل تطبيقها مقارنة بالخدمات التقليدية بسبب معدل انتشار الهواتف المحمولة بنسبة 102% ووجود 28 مليون مستخدم للهواتف الذكية.

الشمول المالي

على مدى السنوات القليلة الماضية، تصَدَّر الشمول المالي المشهد في مصر باعتباره وسيلة لتنمية القطاع المالي. ومع زيادة الحاجة إلى الابتكار والتحول الى التكنولوجيا الرقمية ظهرت الكثير من الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية في البلاد. قال رامي الدوكاني الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة برايد كابيتال Pride Capital، وهي أول شركة مصرية عاملة في التكنولوجيا المالية: "لم يعد الشمول المالي أمراً يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات بل إنه فرصة استثمارية لأن شريحة كبيرة من المصريين محرومين من الخدمات المالية الأساسية التي لا تتوفر من خلال العمليات المصرفية العادية. لذلك فالاستثمار في التكنولوجيا المالية سوف يزيد من الشمول المالي في مصر ويشجع المستخدمين على استعمال أكبر للخدمات المتاحة على هذه التطبيقات المالية".

ومن أبرز الشركات المصرية الناشئة في التكنولوجيا المالية هي شركة فوري التي تقدم خدمات المدفوعات الإلكترونية عبر أكثر من 100،000 موقعاً. أتمت شركة فوري أولى معاملاتها في عام 2009، وتخدم الآن 20 مليون زبوناً وتُجري 2.1 مليون معاملة يومياً.

علّق محمد عكاشة، الشريك المؤسس والعضو المنتدب في شركة فوري على هذا الأمر قائلاً،  "يستخدم معظم الناس فوري لأنهم وجدوا فيها حلاً لمشاكلهم. سوف لن يصغي الي أحد لو تحدثت عن الشمول المالي وغيره من الأمور، ولكن إذا سهّلنا عليهم أمور حياتهم وقدمنا لهم حلولاً سيكونوا على استعداد لدفع مبلغ من المال مقابل تلك الخدمات".

ويستطرد عكاشة قائلاً، "من الأشياء التي لاحظتها فوري هو أن الناس مستعدون لدفع 2-3 جنيهات إضافية على فواتير هواتفهم المحمولة لسدادها في كشك قريب لمحل عملهم بدلاً من الذهاب الى متجر فودافون لسداد الفاتورة، فللراحة ثمن، لا يمانع الناس في دفع ذلك المبلغ الإضافي بدلاً من صرف مبالغ أكبر ذهاباً وإياباً الى المتجر، وبهذا نحن نقدم حلاً فعالاً الى الجميع، الى الشركات والتجار والمستهلكين. تستفيد جميع الأطراف من هذا النظام، فيه توفير للوقت والمال"

التحديات 

ولكن بينما حققت شركة فوري ومثيلاتها من الشركات الناشئة شهرة واسعة ويسرت سداد مبالغ كبيرة من المدفوعات، ما زالت الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية تشق طريقها بصعوبة 

يقول خالد خليل الشريك المؤسس في شركة أجرة، وهي شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية تقوم على توفير خدمات المدفوعات الرقمية لمبالغ أقل من 50 جنيه عبر الهواتف المحمولة، " تواجه هذه الشركات صعوبات كبيرة في التعامل مع بنوك ليست جاهزة للابتكار. وتفرض البنوك وبوابات السداد رسوماً عالية على المعاملات وعمولات على المدفوعات الإلكترونية. يمثل هذا الأمر مشكلة أمام المدفوعات البسيطة التي لا تزيد على 100 جنيه، على سبيل المثال، شراء بطاقات المترو وبطاقات الخدش أو شراء البضائع من الأكشاك. فلا يمكن أن نفرض عمولة مرتفعة على المستخدمين لقاء المعاملات الصغيرة تلك.

ونظراً للحداثة النسبية لقطاع التكنولوجيا المالية في مصر، تواجه الشركات أنواعاً مختلفة من التحديات التنظيمية والمجتمعية التي قد تعيق نمو الشركات الناشئة في هذا المجال.

يعلق السيد رامي الدوكاني على هذا الأمر قائلاً: "ثمة تحديات عديدة، من بينها عدم وضوح القوانين والإندماج المالي مع البنوك. وكذلك، لا يوجد لدى رواد الأعمال إطلاع واف عن قطاع الخدمات المالية. قد يتمتعون بذكاء خارق في مجال التكنولوجيا ولكنهم يجهلون سير العمليات وإقتصاديات المعاملات. وثمة تحديات تواجه المستخدمين، منها عدم إستقرار شبكة الإنترنت والمشاكل الموجودة في البنية التحتية ".

علاوة على العقبات من جانب الحكومة ورواد الأعمال، ثمة عقبات أخرى من جانب العملاء والثقافة المصرية التي تفضل وتثق بالمدفوعات النقدية.

يقول أيمن حسين، وكيل محافظ البنك المركزي المصري لقطاع نظم الدفع وتكنولوجيا الأعمال" إن أكبر صعوبة تواجهها التكنولوجيا المالية هي ثقافتنا التي تعتمد على المدفوعات النقدية، فغالبية المعاملات نقدية. علينا العمل بقوة على توعية الناس لنتمكن من جذب أكبر عدد منهم وكسب ثقتهم في استخدام هواتفهم المحمولة في إجراء المعاملات. وعلى الجانب الآخر، لا بد من تحقيق التوافق التشغيلي والترابط بين النظم وهذا ما حدث عندما ربطنا بين جميع نظم المدفوعات عبر الهواتف المحمولة. وأيضاً لابد أن نعمل شيئاً تجاه الرسوم لأن الكثير من الناس يعتقدون بأنها عالية جداً. لذا علينا أن نقدم المحفزات والبرامج للمستهلكين والتجار لنشجعهم على الانضمام للنظام".

مركز التكنولوجيا المالية

إدراكاً منه بقيمة الشمول المالي، اتخذ البنك المركزي خطوات حثيثة نحو التقدم في القطاع المالي وقدموا العديد من المبادرات والضوابط وكذلك صندوق التكنولوجيا المالية للشركات الناشئة بقيمة مليار جنيه مصري (58 مليون دولار أمريكي)

لكي تُصبِح مركزاً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في المنطقة، تضع مصر نفسها في منافسة مع  البحرين وأبو ظبي وفنتك هايف في دبي. ولكن على عكس تلك الدول، سيستفيد سكان مصر بشكل مباشر من الشمول المالي للشركات الناشئة.

قال المهندس أيمن حسين: "نحن بصدد تطوير استراتيجية للتكنولوجيا المالية مدتها ثلاثة سنوات برؤية أن نصبح مركزاً للتكنولوجيا المالية في المنطقة في السنوات الثلاثة القادمة. نحن نعمل على إنشاء مركز للتكنولوجيا المالية حيث يلتقي رواد الأعمال بالمستثمرين للحصول على التمويل الملائم".

استطرد حسين قائلاً: "وإضافة الى التمويل ستكون هناك بيئة تجريبية sandbox لاختبار البيئة التنظيمية. ويمكن لمن لديهم أفكار جديدة الحضور لاختبار أفكارهم لكي نتأكد من أنها ليست مُضِّرة وتعمل في نطاق برنامج تنظيمي سليم، وبعد ذاك البرنامج، يمكنهم بدء العمل في السوق. ولأننا لسنا المنظمين الوحيدين ستتم الإجراءات بالتعاون مع جميع الجهات المعنية بما فيها الهيئة العامة للرقابة المالية وغيرها من المؤسسات".

التوقعات 

وفقاً لاستطلاع رأي الشباب العربي 2019، 35% من الشباب فقط في شمال أفريقيا يفضلون الدفع عبر البطاقة الإئتمانية على الإنترنت. ولكن مع ارتفاع معدل إنتشار الهواتف المحمولة، يتزايد اعتماد الشركات الناشئة على مدفوعات الهواتف المحمولة لتيسير تجربة المستخدم وسهولة الوصول الى الخدمات المالية.

أضاف عكاشة، نعتقد أن الهواتف المحمولة تؤدي دوراً أساسياً وستكون وسيلتنا في مصر للدخول في التكنولوجيا المالية وستكون الطريقة الرابحة بين طرق الدفع المقترحة. نحن نؤمن بتقليل المعاملات النقدية  وليس التخلص من المعاملات النقدية بالكامل، فالأمور تتم بطريقة انتقالية، ولم تنجح تجربة فوري بين ليلة وضحاها، لذا تأخذ الأمور وقتها حتى تؤتي ثمارها".

يعتقد عكاشة أن صناعة التكنولوجيا المالية في مصر سوف تزدهر على مدار العقد التالي: "ولكن سيتغير شكلها جذرياً. إن ما نعتبره اليوم ابتكاراً سيكون سلعة في غضون عامين وسوف تظهر أفكاراً جديدة وحلولاً للمشاكل"

أما رامي الدوكاني، يقول أن التغيير قد بدأ بالفعل: "أرى الكثير من المستثمرين يتجهون إلى القطاع تحديداً. وتتجه أعين المراكز الإقليمية التي يتم إنشاؤها لخدمة التكنولوجيا المالية صوب الشركات الناشئة المصرية. سيغير ذلك مجرى الأمور، وستهيمن التكنولوجيا المالية على الساحة بسرعة كبيرة لأننا نستخدمها كل يوم وسيسهل الأمر لدى توفر منصة رقمية لها. ستظل التحديات بارزة طالما بقي النقد سيد الموقف، ولكن عندما تقدم حلاً بسيطاً يضاهي بساطة النقد، سيتغير مجرى الأمور." 

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.