English

مدن الشرق الأوسط تتسابق لتكون الوجهة المثالية للشركات الناشئة

English

مدن الشرق الأوسط تتسابق لتكون الوجهة المثالية للشركات الناشئة
Image courtesy of Shutterstock

لسنوات طويلة استطاعت دبي، بفضل موقعها الاستراتيجي واستقرارها، أن تكرّس نفسها كمركز ووجهة مثالية للقطاع الخاص في الشرق الأوسط وشمال إفريفيا. وبفضل بنيتها التحتية المتفوقة ونمط الحياة الثقافي والترفيهي الحيوي، نجحت الإمارة في جذب المغتربين من مختلف أنحاء العالم إليها وإلى ما تضمه من جزر مستحدثة وناطحات سحاب متلألئة.

وآخر المعنيين وأصحاب المصلحة بهذه الوجهة هي الشركات الناشئة، وتعمل الحكومة بجد للمحافظة على وجودها. واستغلت دبي منتدى الاقتصاد العالمي الذي انعقد في الأردن في مطلع نيسان/أبريل الماضي، لتعلن أنها ستمنح أفضل مئة شركة عربية ناشئة (اختارها المنتدى) تأشرات دخول لخمس سنوات.

وتحتضن الإمارات في الوقت الراهن عشرين من هذه الشركات. وقال الأمين العام لمجلس الوزراء الإماراتي عبد الله بن طوق في بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) إن الخطوة تعكس التزام الإمارات بـ"تسهيل مزاولة الأعمال وخلق بيئة جاذبة ومشجعة على نمو ونجاح الشركات ويؤكد مكانة الإمارات كوجهة عالمية لاستقطاب المواهب والكفاءات".

ولكن دبي مُكلفة لا بل تعتبر المدينة الأغلى في المنطقة بالنسبة للشركات الناشئة نظراً إلى ارتفاع أسعار العقارات والتراخيص ورسوم الاتصالات. وقد صنّف تقرير لـ"غوغل" و"استراتيجي آند" دبي كواحدة من بين مدن العالم الأغلى لإطلاق شركة ناشئة، إذ تبلغ كلفة ذلك 13.4% من الدخل الفردي مقارنة بـ6.8% في السعودية و1.1% في الولايات المتحدة.    

وبالتالي، تحاول العديد من المدن في المنطقة تكريس نفسها كوجهة بديلة للشركات الناشئة في المنطقة.

أبوظبي

آخر هذه المدن هي أبوظبي التي تخطط لتقديم حزمة بقيمة مليار درهم (272 مليون دولار) للشركات الناشئة كجزء من المساحة الخاصة بريادة الأعمال "هاب71" Hub71 التي انطلقت بالشراكة مع صندوق الثروة السيادية "شركة مبادلة للاستثمار" و"سوفت بنك" الياباني فضلاً عن "مايكروسوفت" و"سوق أبوظبي العالمي".  

سوف يستخدم نصف هذا الاستثمار لتأمين المساكن والمساحات المكتبية والتأمين الصحي، بينما تخصص الـ535 مليون درهم المتبقية لصندوق استثمار للشركات الناشئة وشركات الاستثمار المخاطر التي سوف تنشأ في السنوات الثلاثة إلى الخمسة المقبلة. وتشجع الحكومة شركات الاستثمار المخاطر لتأسيس قاعدة لها في "هاب71" من خلال الاستثمار المشترك عبر نظام مطابقة حكومي.

تأمل الحكومة من خلال هذا المشروع في جذب شركات ناشئة من حول العالم إذ تعدها بشبكة تضم "سوفت بنك" والشركات المنضوية تحت لواء "مبادلة" بينما "أوبر" و"ديدي" Didi الصينية و"أويو" Oyo الهندية.

يقول ابراهيم عجمي رئيس "وحدة الاستثمارات في الشركات الناشئة" لدى "مبادلة" إن "ما يجعل ‘هاب71’ مختلفة عن مبادرات أخرى في المنطقة هي استراتيجيا الشراكة".

من شأن العمل مع الحكومة والجامعات وشركات التكنولوجيا العالمية مثل "مايكروسوف" أن تتيح لأبوظبي  إنشاء بيئة حاضنة تأمل أن ترفعها إلى مصاف الوجهة النهائية لرواد الأعمال.

ويقول عجمي إن رواد الأعمال سيحظون بفرصة "العمل جنباً إلى جنب مع شركات تكنولوجيا رائدة من حول العالم ما يتيح إمكانية الحوار والمشاركة. ويقوم سوفت بنك بدور آخر في استراتيجيتنا للمشاركة. والبنك يعمل مع بعض من كبرى الشركات العالمية والعديد منها تبحث عن كيفية التوسّع إلى المنطقة".

السعودية

على الرغم من فائدتها، إلا أن إقامة شبكة علاقات مهنية، ليست لوحدها كافية لضمان النجاح. فمعظم الشركات الناشئة تفضل الوصول السريع إلى السوق. وتعتبر السعودية بالنسبة إلى الكثيرين، السوق الأكثر ربحية في المنطقة.

وأعادت رؤية السعودية 2030 تكريس قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة كعنصر بالغ الأهمية للازدهار الاقتصادي للمملكة. وقد أطلقت السعودية "الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة" التي تعرف بإسم "منشآت" والتي يقوم عملها على مساعدة هذه المؤسسات وتمكينها ولتكون محطة متكاملة تجد فيها هذه المؤسسات كل ما يلزم.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، أعلنت "منشآت" عن مجموعة من المبادرات الجديدة التي تضمنت إطلاق شركة استثمار تابعة للحكومة هي "شركة فينشر كابيتال الاستثمارية السعودية" التي تنوي استثمار 5 مليارات ريال (1.33 مليار دولار) مباشرة في الشركات الناشئة في البلاد إضافة إلى صناديق استثمار مخاطر.  

وقعت "منشآت" أيضاً اتفاقيات مع 20 صندوق استثماري عالمي وإقليمي بينها "ومضة كابيتال" لتسهيل منح تأشيرات الدخول وعملية منح التراخيص للشركات المنضوية تحت مظلتها.

تملك السعودية أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وناتج محلي إجمالي يتجاوز 680 مليار دولار وعدد سكان يبلغ 33 مليون نسمة 70% منهم دون الثلاثين من العمر. وتعتبر هذه الفئة شغوفة بالتكنولوجيا وتتمتع بقدرة شرائية عالية وضمانة لنمو الشركات الناشئة التي تلج السوق السعودية.

غير أن الشروط الاجتماعية والثقافية المقيِّدة في السعودية تصعّب جذب المواهب. وقد فكّرت شركة "سلاسة" للشحن ومقرها الرياض، الانتقال إلى دبي في محاولة لجذب المواهب التي تفتقدها السعودية.  

ويقول عبد المجيد اليمني، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لـ"سلاسة": "اعتدنا أن نقول إن النقص في التمويل كان مشكلة ولكنه لم يعد كذلك لا سيما مع توفّر الدعم الحكومي. فالمشكلة الكبيرة اليوم هي العثور على أشخاص موهوبين يريدون العمل في شركة ناشئة. لذلك نفكّر أحياناً في الانتقال إلى دبي حيث من السهل علينا جذب هذه المواهب".

عمّان والقاهرة

غير أنّه في المقابل، ثمة بلدان يتباهيان بالمواهب التي يملكانها هما الأردن ومصر. وخلال الجلسة الافتتاحية العامة لمنتدى الاقتصاد العالمي، شدد الملك عبد الله الثاني أمام جمهور ضم كبار رجال وسيدات الأعمال وصناع السياسات في المنطقة على أنّ بلاده جاهزة للاستثمار وهي وجهة للشركات الناشئة.

وقال إن "المصدر الأكثر أهمية لقوتنا هو مواردنا البشرية الأردنية، التي تتمتع بمهارات عالية. فشبابنا منفتحون على العالم ويتقنون استخدام التكنولوجيا بمهارة، بالإضافة إلى إتقانهم لغات متعددة، وهم عاقدون العزم على النجاح. شبابنا مكسب لأي مؤسسة، وقد رأينا بالفعل نتائج ذلك في نجاح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأردن، والذي وفر الآلاف من فرص العمل الجديدة وفتح آفاق الوصول إلى أسواق المنطقة والعالم".

تزوّد عمّان العديد من الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا في المنطقة بالمهندسين لمكاتب الدعم الخلفية التابعة لها، ومن بينها "أمازون". ولكن هؤلاء المهندسين يكونون أعلى كلفة من المهندسين في القاهرة حيث تقوم هذه المدينة الأكثر اكتظاظاً في المنطقة بإعادة تكريس أسلوبها الريادي وسط موجة من النشاط.

ومن الشركات التي تفكر حالياً بافتتاح مكتب دعم لها في القاهرة، شركة "بوتيكات" Boutiqaat الكويتية. ويقول فهد منّاع، مدير تكنولوجيا المعلومات فيها "يمكنني توظيف 10 مهندسين في القاهرة بكلفة مهندس واحد في الأردن".

ولكن الكلفة وحدها ليست كافية لجذب الشركات الناشئة لتأسيس مقرات لها في مصر أو الأردن اللتين تفتقدان لمعايير الحياة نفسها في الخليج. ومن المرجح أن يبقى البلدان مركزين لمكاتب الدعم الخلفية لباقي المنطقة.

البحرين

أما البلد الذي يبذل الجهد الأكبر ليحل مكان دبي كوجهة ومركز للشركات الناشئة، فهو البحرين. فهذا البلد الخليجي الصغير يتيح الوصول السهل إلى السعودية، ويتمتع بقانون إفلاس يسمح للشركات الناشئة بالفشل ثم البدء من جديد ولديه صندوق الصناديق "الواحة" برأسمال بالغ 100 مليون دولار استثمر نصفها حتى الآن. وتبنّت البحرين أيضاً استراتيجية "السحابة أولاً" وتضم البنية التحتية العالمية لشركة "أمازون لخدمات الإنترنت" التي ستبصر النور هذا العام وتستحدث الآلاف من الوظائف وفقاً لـ"أمازون".

وقد قاد معظم التقدّم الذي تحقق، مجلس التنمية الاقتصادية البحريني الذي أطلق مؤخراً برنامجاً خاصاً للشركات الناشئة يزوّدها بخدمة متابعة سريعة لطلبات التأسيس في البلاد وفرصة لعرض مشاريعها والحصول على تمويل من صندوق الثروة السيادية البحريني ومن الشركاء الاستثماريين في "الواحة".

تعمل البحرين أيضاً بجد كي تكون وجهة إقليمية لشركات التكنولوجيا المالية مع تأسيس "خليج البحرين للتكنولوجيا المالية" الذي يضم هيئة تنظيمية ومساحات عمل مشتركة ومصارف إقليمية وعالمية.

إذاً هل ستتوّج مدينة أخرى كوجهة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط بعد دبي؟ ربما، ولكن في منطقة حيث الأسواق مجزأة جداً، من الأفضل لو ركّزت هذه الدول على قطاعات أو تكنولوجيات معينة وتحوّلت إلى مراكز لها بدلاً من أن تحاول جذب جميع الشركات الناشئة للشرق الأوسط.

يقول عبد القادر لمع، نائب رئيس الشؤون الرقمية في "مختبرات ماكنزي الرقمية" الشرق الأوسط، "اليوم، تعتبر دبي المركز نظراً لسهولة جذب المواهب إليها وممارسة الأعمال ولكن السوق صغيرة بعض الشيء ومن الصعب للشركات الناشئة أن تزدهر في دبي وحدها".

وأضاف "من الصحي أن يكون هناك المزيد من المراكز الجاذبة للشركات الناشئة والمزيد من الاستثمارات ولكن أحد مساوئ وجود العديد من المراكز هو مشاركة المعلومات. لذلك سيكون من المفيد أكثر التركيز على قطاعات وتكنولوجيات معيّنة. فنحن كمنطقة، سوف نستفيد من بعض التخصيص".   

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.