English

‎ما أثر الصفقات الإماراتية الصينية الأخيرة على قطاع الشركات الناشئة في الشرق الأوسط؟  

English

‎ما أثر الصفقات الإماراتية الصينية الأخيرة على قطاع الشركات الناشئة في الشرق الأوسط؟  

ناقشتُ في مقال نشرته مؤخراً على منصة "ومضة" القرار الذي سيتعين على الشرق الأوسط اتخاذه في نهاية المطاف للاختيار بين التكنولوجيا الأمريكية والصينية. ويبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد اتخذت قرار الاختيار الشهر الماضي، فقد وقّعت عدة صفقات رفيعة المستوى مع العملاق الأسيوي.

والتقى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين الشهر الماضي في زيارة استغرقت ثلاثة أيام وكان الهدف منها توطيد أواصر التعاون وإقامة شراكات استراتيجية بين البلدين. وقد حضر المنتدى أكثر من 240 شخصية من كبار المسؤولين السياسيين ورجال الأعمال الإماراتيين، وتم توقيع 16 مذكرة تفاهم بلغت قيمتها مليارات الدولارات.

وكان من بين أبرز مذكرات التفاهم تلك التي وقعها رجل الأعمال محمد العبار، رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية في دبي، ومنصة نون للتجارة الالكترونية، وشركة سيمفوني للاستثمار. فعقدت شركة إعمار العقارية، مالكة دبي مول، صفقة بقيمة 11 مليار دولار مع مطار بكين داشينغ الدولي لتطوير منشآت سكنية وترفيهية في جميع أنحاء المطار.

وأقامت منصة نون للتجارة الإلكترونية شراكة مع شركة "نيوليكس" الصينية للتكنولوجيا لتجربة سيارات توصيل ذاتية القيادة مصممة لتوصيل منتجاتها. وستقوم منصة "نون" بطرح وتجربة هذه السيارات في كل من الإمارات والسعودية في غضون الأسابيع القليلة القادمة في سابقة فريدة من نوعها حيث تُستخدم هذه التكنولوجيا لأول مرة في الشرق الأوسط. وقد تأسست شركة "نيوليكس" في عام 2015، وقامت الشركة منذ ذلك الحين بتطوير وتصنيع وإنتاج سيارات ذاتية القيادة بهدف استخدامها في أغراض تجارية. وسوف تُثبت هذه الشركة التي تشتهر بقوتها في البحث والتطوير في مجال المركبات ذاتية القيادة أنها شريك مهم في ابتكار حلول لوجستيات التوصيل إلى العملاء النهائيين في المنطقة.

مركبات توصيل جديدة ذاتية القيادة من "نون"

واصل محمد العبار توقيع مذكرات التفاهم بتوقيع صفقة شراء كبيرة بين شركة "سيمفوني للاستثمار" وشركة "ديدي تشوشينغ" الصينية البارزة محلياً في توصيل الركاب لإقامة "شراكة صناعية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والصين". وسوف يؤسس الطرفان مشروعاً مشتركاً يقع مقره الرئيسي في أبوظبي لتعزيز الاقتصاد التشاركي وخدمات مستخدمي الإنترنت في المنطقة. ومن المرجح أن تنضم شركة مبادلة للاستثمار في أبوظبي إلى هذا الاتحاد لمساعدة شركة "ديدي تشوشينغ" على التوسع في المنطقة. ومن الجدير بالذكر أن شركة "ديدي تشوشينغ" لديها نحو 550 مليون مستخدم على منصتها، وتوفر 10 مليار رحلة توصيل سنوياً. وقد استطاعت هذه الشركة أن تتوسع بوتيرة مذهلة منذ انطلاقها في حزيران/يونيو 2012. وإذا قدمت هذه الشركة خدماتها في المنطقة، فستكون منافساً قوياً لشركة "أوبر" الأمريكية التي استحوذت على شركة "كريم" الكائن مقرها في دبي في مطلع هذا العام.

ولا تقتصر قيمة هذه الشراكات على ما تحققه من تجارة واستثمار، وإنما تشمل ما ستجلبه معها من مهارات وخبرات. فحينما شجعت آيرلندا الشركات التكنولوجية العالمية مثل "فيسبوك" و"دروب بوكس" و"باي بال" على فتح مقارها الأوروبية في منطقة "سيليكون دوكس"، فقد فعلت ذلك بغرض تطوير منظومة قادرة على أن تنمو نمواً ذاتياً، وهو ما أدى إلى خروج شركات ناشئة إلى النور مثل "ساوند ويف" التي استحوذت عليها شركة "سبوتيفاي"، وشركة "موفيديوس" التي استحوذت عليها شركة "إنتل"، وشركة "إنتركوم" التي تزيد قيمتها حالياً على مليار دولار.

كما أن وصول الشركات التكنولوجية الصينية سيؤدي على الأرجح إلى خلق فرص للاستحواذ على الشركات الناشئة في جميع القطاعات في المنطقة، مما يزيد من المصداقية ويعزز المنظومة التجارية. وقد قامت شركة رؤوس الأموال الاستثمارية "إم إس إيه كابيتال" الكائن مقرها الرئيسي في الصين بترسيخ وجودها في البحرين متطلعةً إلى الاستثمار في المجال التكنولوجي بمنطقة الشرق الأوسط. وتلك "الأموال الذكية" بالإضافة إلى المزيد من التعاون لن يؤديا فقط إلى إيجاد مزيد من فرص العمل وزيادة المنافسة هنا، لكن الصينيين حتماً سيجلبون معهم قدراتهم في مجال البحث والتطوير، مما سيحفز النمو الاقتصادي والابتكار في منظومة تشعر حالياً بمزيد من الارتياح لمضاهاة الأفكار العالمية.

لقد برز الذكاء التكنولوجي الصيني في تحديده وفهمه لرغبات واحتياجات المستهلك الصيني، وتقديم المنتجات والخدمات التي تناسب متطلباته. وفي ظل غياب مؤسسات أمريكية كبرى مثل "جوجل"، خلت الساحة أمام رجال الأعمال الصينيين الذين عكفوا على تطوير منتجات وخدمات أصبحت من أكبر الشركات من حيث القيمة في العالم. ولعل هذا هو السبب الذي جعل تطبيقاً مثل "وي تشات" يتمكن من النمو الهائل حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. ففي الوقت الذي يكتفي فيه بقية العالم باستخدام تطبيقات مختلفة من أجل الحصول على خدمات مختلفة، كاستخدام "واتس آب" لإرسال الرسائل و"أوبر" للتوصيل و"أمازون" للتسوق، نجح تطبيق "وي تشات" في دمج كل هذه الخدمات وغيرها في منصة واحدة ليصبح هو الإنترنت على الجوال.

ويرغب كثير من شركات التكنولوجيا في محاكاة هذا النموذج، حيث تمثل كمية البيانات الهائلة التي تتكون لدى الشركة عن المستخدمين قيمةً كبيرةً لدرجة لا تصدق، وقد أبدت شركة "كريم" رغبتها في أن تصبح "وي تشات" الشرق الأوسط.

وفي بيان بشأن هذه الشراكات، قال رجل الأعمال محمد العبار: "نحن أمة متعطشة وموهوبة وطموحة. وآمل أن يلهم ذلك شبابنا المهتم بالتكنولوجيا لتكون لهم أحلام كبيرة وأن يحققوا تلك الأحلام، فكل شيء ممكن في منطقتنا".

ولا تقتصر هذه الصفقات الجديدة على دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، فالصين تنظر إلى دولة الإمارات على أنها طريقها للوصول إلى الأسواق المربحة الأخرى في المنطقة، وهي المملكة العربية السعودية ومصر. وتعد الصين حالياً ثاني أكبر شريك تجاري لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث اتسع نطاق التعاون الثنائي من التجارة إلى التمويل والتصنيع والتكنولوجيا المتقدمة. واستثمرت الصين منذ عام 2005 ما يقرب من 189 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأنفقت القدر الأكبر من هذا المبلغ بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق لأول مرة عام 2013، وتعهدت في جزء منها ببناء طريق حرير رقمي لدعم "خطط عمل مبتكرة للتجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي والمدن الذكية ومجمعات العلوم والتكنولوجيا".

وذكر معهد أميريكان إنتربرايز أن أكبر المستفيدين من هذه الاستثمارات هم المملكة العربية السعودية بمقدار 37.55 مليار دولار، والإمارات العربية المتحدة بمقدار 32.82 مليار دولار، ومصر بمقدار 25.06 مليار دولار. ورغم أن الغرب كثيراً ما ينفر ويتراجع إذا ذُكرت التكنولوجيا الصينية، فإن الشرق الأوسط قد تبناها بحلوها ومرها.

وقد تمكنت الصين من كسب الثقة بإحجامها عن التدخل في الشؤون السياسية والأمنية في المنطقة. فلا تشارك الصين في الحروب الدائرة في سوريا أو اليمن، على عكس دول فاعلة أخرى في العالم. ورغم أن من مصلحة الصين ضمان أمن واستقرار الشرق الأوسط بسبب اعتمادها على المواد الهيدروكربونية الموجودة في المنطقة، لم تتدخل الصين في شؤون الدول، على الأقل في ظاهر الأمر.

وقد تناول بإيجاز الشيخ محمد بن زايد في كلمته التي ألقاها في بكين حتمية تعزيز العلاقات بين البلدين قائلاً: "إن دولة الإمارات وجمهورية الصين تجمعهما تطلعات وطموحات ورؤى مشتركة للاستثمار في بناء الإنسان والتطلع إلى مستقبل يسوده الأمان والسلام والاستقرار في العالم أجمع... والإمارات والصين ماضيتان نحو مستقبل واعد".

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.