English

مساهمة الجامعات في تطوير الشركات الناشئة

English

مساهمة الجامعات في تطوير الشركات الناشئة
(من اليسار إلى اليمين) مصطفى موسى، وأحمد دحوة، وإدوارد كانيبا، طلاب جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية الذين أسسوا شركة سديم الناشئة في الجامعة. الصورة من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية

في تسعينيات القرن العشرين، طرح الأستاذان هنري إيتزكويتز ولويت ليديسدورف فكرة إطار ثلاثية الابتكار (Triple Helix) الذي أوضح أن المؤسسات الأكاديمية إلى جانب الشركات والحكومات هي ركائز الابتكار الأساسية في المجتمع القائم على المعرفة.

ولا يزال للجامعات دور بالغ الأهمية كما كان دائماً عندما يتعلق الأمر بتعزيز بيئةٍ داعمة لريادة الأعمال. ولأن جائحة فيروس كورونا قد تسبَّبت في جعل الكثيرين بلا عمل، ويبدو أنها تدفع الناس دفعاً إلى إقامة مشروعاتهم الخاصة، فإن الطلاب الحريصين على معالجة بعض مشاكل المجتمع الحالية الأكثر إلحاحاً يتزايد أيضاً تطلعهم إلى دخول عالم الشركات الناشئة قبل أن يسلكوا طريق التوظيف التقليدي. 

وبالنظر إلى أن شركات عملاقة مثل غوغل وتيسلا وأبل لم تعد تشترط الحصول على شهادات جامعية للعمل فيها، أصبحت الجامعات مُضّطرةً إلى التكيف مع هذا العالم المتغير وتوفير بيئة ابتكارية داخلها. ومن ثمّ، يتيح ذلك للجامعات فرصةً لتوسيع نطاق دعمها لريادة الأعمال خارج الأوساط الأكاديمية، بل ويسمح لها بأن تصبح عامل فاعل في التنمية الاقتصادية من خلال دعم إنشاء مشروعات تجارية جديدة والاستفادة التجارية من نتائج البحوث.

وقد شهدت السنوات القليلة الماضية قيام جامعات عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بإضافة ريادة الأعمال والابتكار إلى مناهجها الدراسية في شكل دورات بنظام الساعات المعتمدة وبرامج لنيل الشهادات الجامعية. ولكن، كما هو الحال في كثير من الأوساط الأكاديمية، قد ينصبّ التركيز في أغلب الأحيان على درجة الطالب، بدلاً من الاكتساب والإتقان الفعلي للمهارات اللازمة لإنشاء مشروع تجاري ناجح.

وأقامت بعض الجامعات مراكز داخلية للابتكار وريادة الأعمال في محاولة لتعزيز مهارات ريادة الأعمال، وذهبت جامعات أخرى إلى أبعد من ذلك فأنشأت مجمعات بحثية وحاضنات أعمال وأحياناً صناديق استثمارية تدعم الاستفادة التجارية من أفكار الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين في مراحلها المبكرة. كما أن هذه الجامعات توفر أنشطة مثل معسكرات التدريب، وبرامج التوجيه، ومراكز موارد ريادة الأعمال التي تتيح للطلاب فرصاً للالتقاء بمُمولي المشروعات والمستثمرين الملائكة وكبار رواد الأعمال والمرشدين.

يقول راميش جاجاناثان، الأستاذ الباحث في الهندسة ونائب رئيس قسم الابتكار وريادة الأعمال في جامعة نيويورك أبوظبي والمدير العام لمنصة الابتكار وريادة الأعمال "ستارت إيه دي" في الجامعة: "تشير البيانات إلى أن التعليم وحده لا يكفي. بل يلزم إدخال بعض التغييرات على نظام التعليم العالي. ونحن نُعلِّم طلابنا أن مجرد امتلاك فكرة لا يجعلك رائد أعمال، ولكن هناك إجراءات لتحويل تلك الفكرة إلى منتج يتمتع بالحد الأدنى من مقومات النجاح".

وقد وضعت منصة "ستارت إيه دي" برامج منتظمة لتوفير حاضنات أعمال لطلاب الجامعات، كما أنها تنظم معرضاً لمشاريع التخرج وتسمح للطلاب الجامعيين بالمشاركة في أحد برامج المعرض وعرض أفكارهم مثل الشركات الناشئة. وبذلك يحصل الطلاب على درجات دراسية ويتعلمون من التجربة الواقعية، إلى جانب تعرُّفهم على المستثمرين والمؤسسات التجارية الشريكة، فالتعاون مع المستثمرين والشركاء التجاريين يُعتبر عاملاً حيوياً ورئيسياً لدعم ريادة الأعمال بالجامعة من خلال توفير الدراية الصناعية والاستثمارات.

وهذا هو النهج الذي اتّبعه أيضاً برنامج «تَقَدَّم» السعودي التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. ويسعى برنامج «تَقَدَّم» إلى تمكين الشركات الناشئة من الاستغلال التجاري لأبحاثها، ومتابعتها حتى بعد تخرج الطلاب، علاوة على أنه يُعدّ بمثابة اختبار للأفكار والمواهب قبل الانطلاق الفعلي. ويُركِّز برنامج "تَقَدَّم" على الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة جداً، لأنه يؤمن بأن هذه المواهب الشابة تعلم كيف ينبغي أن تسير الأمور، ولكنها تفتقر إلى الخبرة في التنفيذ.

تقول أروى الشافي، وهي منسقة مشاريع في مركز ريادة الأعمال بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية: "إننا نتواصل مع الخبراء والجهات الفاعلة في القطاع الصناعي. ونود أن نكون نحن مَنْ يطرح تكنولوجيات جديدة في السوق. ونتطلع إلى أن يأتي الطلاب بأفكار شركات ناشئة، ولكننا أيضاً نُسلِّحهم بالمهارات والموارد والعلاقات التي نعرف أنها ستوصلهم إلى ما يريدون في نهاية المطاف".

وقد أثبتت دراسات حديثة وجود فجوة بين تدريس ريادة الأعمال ونقل المعرفة، لأن الاستغلال التجاري للتكنولوجيا في الجامعات يحدث في بيئات محكومة ولا يتلقى دائماً الدعم اللازم لتطوير ذلك الاستغلال خارج هذا السياق من أجل الاستفادة التجارية من الابتكارات القابلة للتحويل إلى منتجات ملائمة للسوق. 

وعادة ما يرغب الطلاب والباحثون بشدة في العمل مع زملاء من القطاع الصناعي، ولكن البيئة المؤسسية هي التي تمنعهم من القيام بذلك على نحو أكثر فعالية. تقول الدكتورة نهال شبراك، المديرة التنفيذية لمجمع جامعة الإمارات للعلوم والابتكار: "إننا نتّبع أسلوب الدفع من أجل الابتكار، حيث يمتلك الطلاب أفكاراً ويحاولون إيجاد حاجة لها، بالإضافة إلى أسلوب السحب، حيث نجعل الجهات الفاعلة في القطاع الصناعي تجتمع مع الطلاب والشركات الناشئة لتكوين فريق متعدد التخصصات، فتُطرح وجهات نظر مختلفة من أجل التوصل إلى حلول لتحديات فعلية".

ويهدف مجمع جامعة الإمارات للعلوم والابتكار إلى اتخاذ المسابقات وسيلةً للخروج بأفكار يمكن تحويلها إلى منتجات قابلة للطرح في السوق. ومن خلال المنتزه، تتيح جامعة الإمارات للشركات الناشئة فرصاً لتجريب الفكرة داخل الجامعة إن أمكن. وتوضح الدكتورة نهال ذلك فتقول: "هذه طريقة تسمح لهم بدخول السوق في بيئة ودية للغاية، وهي أيضاً فرصة لنا لاختبار الحل ومعرفة ما إذا كان مناسباً أم لا".

التصدي لجائحة كوفيد-19

نظراً إلى أن الإجراءات المُتخذة في جميع أنحاء العالم لوقف انتشار كوفيد-19 قد أثَّرت بشدة على أعمال الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإن مراكز الابتكار وريادة الأعمال في مؤسسات التعليم العالي تضطلع الآن بدورها في دعم البيئة الحاضنة.

وإضافةً إلى قيام منصة "ستارت إيه دي" بتقديم برامجها الحالية عبر الإنترنت ووضع خطط لدعم مجتمعها بعد انتهاء أزمة كوفيد-19، أطلقت المنصة أيضاً برنامج "Runway Grants"، بالتعاون مع "VentureSouq" و"Scalable CFO"، بقيمة دعم إجمالية تبلغ 30 ألف دولار أمريكي ستُمنَح لخريجي المنصة في دولة الإمارات الذين تأثروا بشكل استثنائي بالتبعات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا.

ويُقدِّم أيضاً مجمع جامعة الإمارات للعلوم والابتكار مساحات مكتبية مجانية للشركات الناشئة، إلى جانب علاقات وثيقة مع المُرشدين وشبكة من الخبراء للتعاون مع مؤسسي الشركات لاكتشاف الفرص السانحة في خضم هذه الأزمة. تقول الدكتورة نهال شبراك: "معظم الشركات الناشئة لا تستطيع رؤية الفرصة، وتظن أن الحل الذي تقدمه لا يعمل بشكل جيد. ونحاول مساعدتها على تحويل مسارها وإيجاد الفرصة".

كما أطلق مجمع جامعة الإمارات للعلوم والابتكار مبادرةً لإنتاج واقيات للوجه، بالتعاون مع شركة صحة ومجلس التوازن الاقتصادي، لحماية العاملين الصحيين. وساعد المنتزه أيضاً في إطلاق شركة ناشئة جديدة تسمى MetaTouch تستخدم تكنولوجيا حاصلة على براءة اختراع استحدثها باحثون في الجامعة لتطوير تقنيات لتشغيل المصاعد بدون لمس، وذلك بغرض الحد من انتقال العدوى. وقد استُخدمت هذه التقنيات في مطار أبوظبي الدولي، وسوف تُعمَّم في جميع المباني الحكومية في أبوظبي بدايةً من شهر حزيران/يونيو.

وأما برنامج "تَقَدَّم"، فإنه يساعد الشركات الناشئة على التكيف مع الواقع الجديد من خلال إمدادها بتوجيهات وإرشادات بشأن كيفية تحسين التواصل بين فرق العمل، والتركيز على جذب العملاء المحتملين، وتغيير مسار نماذجها التجارية لتلبية متطلبات السوق. وأقام برنامج "تَقَدَّم" عدة مسابقات برمجية (هاكاثون) ومعسكرات تدريب ركزت على كيفية التصدي لمرض كوفيد-19. تقول أروى شفي: "بعض الشركات الناشئة تضررت بشدة، لكن البعض الآخر يحاول التأقلم مع الوضع. وبعض شركاتنا الناشئة تطلق حالياً خدمات وخطوط إنتاج جديدة".

وبفضل امتلاك البحوث والأدوات اللازمة للتطوير والابتكار، يمكن للجامعات أن تدعم الابتكارات التي توجد حاجة ماسة إليها. ولكن بالإضافة إلى حاضنات الأعمال والصناديق الاستثمارية، تحتاج مؤسسات التعليم العالي إلى زيادة الاستثمار في مكاتب نقل التكنولوجيا المسؤولة عن إقامة مشروعات تجارية مُشتركة بين الطلاب والباحثين من ناحية والجهات الفاعلة في القطاع الصناعي من ناحية أخرى، وذلك من أجل تعزيز الاستفادة التجارية من البحوث. ولا بد أن تدرك الشركات والجامعات أن العمل في مجال البحوث التكنولوجية التعاونية يسهم في تحويل البحوث التطبيقية إلى ابتكارات تكنولوجية تستطيع إحداث تحوُّل في المجتمع.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.