English

طلب الطعام عبر الإنترنت: الاضطراب الذي يسبق الانهيار

English

طلب الطعام عبر الإنترنت: الاضطراب الذي يسبق الانهيار
Image courtesy of Shutterstock

أعلنت شركة أوبر عن خروج خدمة "أوبر إيتس" من الشرق الأوسط، وإن شئت قل: سلَّمت الراية لشركتها التابعة في الإقليم المملوكة لها بالكامل، ألا وهي شركة كريم. وجاء إعلان شركة أوبر المُدرجة بالبورصة قُبيل إعلان شركة كريم عن خفض العمالة بنسبة 31% وتعليق خدمة الحافلات. ومن الواضح أن الشركات المليارية لا تملك عصى سحرية تحميها من الأثر الناجم عن تفشي فيروس كورونا.

وإجمالاً، أوقفت أوبر نشاطها في مجال توصيل الطعام في ثماني أسواق (هي مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الجمهورية التشيكية وهندوراس ورومانيا وأوكرانيا وأوروغواي)، وهذه الأسواق مجتمعةً لا تمثل سوى 1% من مجموع إيرادات الشركة. وعلى الرغم من أنه جزء ضئيل من أعمالها التجارية، فإنه يدل على انهزام الشركة في أحد أكثر القطاعات تنافسيةً في المجال التكنولوجي، ألا وهو قطاع طلب الطعام عبر الإنترنت.

وليست "أوبر إيتس" وحدها هي التي عانت، بل إن غالبية منصات طلب الطعام حول العالم لم تَجنِ ربحاً حتى الآن، باستثناء منصة "جاست إيت" البريطانية التي كانت حتى وقت قريب تترك للمطاعم مهمة التوصيل الفعلي للطلبات. وتعمل بقية المنصات بالخسارة مدعومةً بمبالغ طائلة من رؤوس أموال المخاطرة، ولا يزال المستثمرون حتى الآن سعداء بضخ مئات الملايين في شركات مثل Deliveroo البريطانية وشركة Grubhub الأمريكية في محاولة للفوز بأكبر حصة سوقية. إلا أن جائحة كورونا تتسبب في أضرار لهذه الشركات. فها هي شركة Deliveroo تتعرض حالياً لخطر الانهيار  وهي التي حصلت في الشهر الماضي على موافقة الجهات التنظيمية على استثمار من شركة أمازون.

وبدلاً من توصيل البوريتو والبرغر، بدأت الآن تلك المنصات في توصيل مواد البقالة، إذ أصبح الناس في جميع أنحاء العالم يُراقبون نفقاتهم بعناية ويستغلون الوقت الطويل الذي يقضونه بالمنزل في طهي الطعام. ولكن هذا التحوُّل لم يكن كافياً لحمايتهم من الانخفاض العام في الطلب بسبب الجائحة.

إن نموذج الأعمال الذي "يلتهم الأموال" ويُركِّز على النمو السريع من أجل السيطرة على السوق ومن ثمَّ تحقيق الأرباح في نهاية المطاف، هو نموذج مدعوم بتغيير "مُزعزع" وأمل يُبشِّر بتجقيق أرباح. كما أن شركات رأس المال المخاطر، لا سيما في وادي السليكون، لم تفتتن بكاريزما رواد الأعمال ذوي الشخصيات الجذابة فحسب، بل أيَّدت أيضاً التقييمات العالية التي استندت إلى زيادة إجمالي الإيرادات وليس الأرباح، على أمل أن تحقق استثماراتها عائداً مجزياً في المستقبل. ولكن هذا النموذج التجاري قد انهار. وبدأ هذا الانهيار بشركة "وي وورك"، وهو الآن يدق أبواب منصات طلب الطعام عبر الإنترنت. والشركات الناشئة التي تستنفد موارد نقدية كبيرة ليست في مأمن من الجائحة، كما أن المستثمرين الآن يطبقون سياسة الفرز والانتقاء، ويطالبون بمسارات أوضح للوصول إلى الأرباح، ويميلون إلى تقييم الشركات الناشئة بأنفسهم.

عمولات كبيرة

إذا نظرنا إلى منصات طلب الطعام على وجه الخصوص سنجد أن التغيير المُزعزع الذي أحدثته تلك المنصات في سوق المأكولات والمشروبات في البداية قد جلب معه الكفاءة والسهولة، وأدى في كثير من الأحيان إلى الظهور الكبير للمطاعم. ولكن نسب العمولة التي تبلغ 30% من كل طلب، والتي يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى 35%، قد تسببت في الاختناق التدريجي لسلسلة الإمداد.

يقول إيان أوهان، مؤسس شركة كروش براندز، الذي قرر أن يبتعد عن منصات طلب الطعام الخارجية وأن يُنشئ بدلاً منها منصته الخاصة: "في البداية يثيرون اهتمامك ويأتون لك بكثير من العملاء، ثم يبدأ ذلك يتلاشى، ثم يقولون إن عليك تخفيض السعر. كم شركة تستطيع أن تتنازل عن 30% من دخلها؟ إنهم يعتقدون أننا ملك لهم، لكننا في الواقع زبائنهم، وهذا أمر مدهش، فهم لا يعاملونك على أنك عميلهم".

وأما منصات طلب الطعام التي تتولى توصيل الطلبات للعميل النهائي، فإن خسائرها أكبر. فتبلغ تكلفة التوصيل في دولة الإمارات نحو 25 درهماً (7 دولارات) لكل طلب، ويدفع العملاء الآن نحو 7 دراهم. بل حتى الشركات الأخرى التي تقدم خدمة التوصيل للعميل النهائي تعمل بالخسارة، إذ تتقاضى ما يتراوح من 13 إلى 18 درهماً عن توصيل كل طلب. ويجري تكبد خسائر في كل مرحلة من مراحل العملية، ويقدم المستثمرون حالياً دعماً مالياً لهذه الخسائر.

يقول إيان: "التوصيل للعميل النهائي مركز من مراكز التكلفة، ولا يدر ربحاً. فتوصيل طلب واحد يكلفني 20 درهماً، ويكلف شركة Deliveroo أكثر من ذلك لأن السائقين لديهم يظلون بلا عمل إلى أن يأتيهم طلب، وليس ذلك من نماذج العمل الفعالة للغاية".

إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تصبح فعالة هي التوصيل بالجملة، حيث يقوم سائق واحد بتوصيل عدة طلبات لعدة عملاء في رحلة واحدة. والشركة الوحيدة التي تفعل ذلك في المنطقة هي شركة "لانش أون" في الإمارات وشركة "ديلي ميلز" في السعودية.

وتعاني المطاعم أشد المعاناة منذ فرض حالة الإغلاق العام وفرض قيود على مواعيد فتح المطاعم وقدرتها التشغيلية. في دبي، وقَّع 100 عضو في قطاع المأكولات والمشروبات –ومنهم شركة ماريوت الدولية وسلسلة مقاهي تيم هورتونز– على خطاب مفتوح ذكروا فيه أن المطاعم والمقاهي التي تواصل فتح أبوابها خلال هذه الجائحة تتكبد خسائر أكبر من تلك التي تظل مُغلقة. وحثّوا الحكومة على "التدخل وإيجاد حل"، مطالبين بتمديد تراخيصهم وإعفائهم من الضرائب وتخفيض الرسوم التي تتقاضاها منصات طلب الطعام. وتزعم المطاعم أنها تخسر مليار درهم (272 مليون دولار) شهرياً خلال الجائحة.

وأطلق أحد مدوني الطعام الذي يحمل الاسم المستعار "شيخ الطعام" حملةً على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو منصات طلب الطعام إلى خفض عمولتها. واستجابت "كريم ناو" بتخفيض عمولتها بنسبة 15% في جميع أسواقها، ولكن لم تتراجع منصات أخرى مثل "طلبات" و"ديليفرو" عن عمولتها. فأطلق شيخ الطعام، بالشراكة مع شركة "تشات فوود" الإماراتية، موقع deliverdxb.com الإلكتروني الذي لا يتقاضى أي عمولات ويسمح للمستهلكين بطلب الطعام مباشرة من المطعم. وفي غضون أيام معدودات، اشترك 300 مطعم في منصة deliverdxb.com، ويوجد اليوم أكثر من 1,000 مطعم مشترك بها.

يقول شيخ الطعام: "هناك عدة مطاعم صرحت بأن معدل طلبات الطعام المباشرة لديها يضاهي المعدل الذي كانوا يتلقونه من كبرى شركات توصيل الطعام وهو أمر إيجابي حقاً. والبعض الآخر وصلت معدلات الطلبات لديهم ثلاثة أضعاف. وقد اضطر البعض إلى الإغلاق لأنهم تلقوا العديد من الطلبات – هذه حقاً ردود فعل إيجابية".

الاشتراكات

يشير موقع "ستاتيستا" للإحصاءات إلى أن السوق العالمية لطلب الطعام عبر الإنترنت تبلغ قيمتها 123 مليار دولار، ويبلغ عدد مستخدميها 1.1 مليار مستخدم. وفي العام الماضي، بلغت قيمة هذه السوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من 3 مليارات دولار، وبلغ عدد مستخدميها 22.7 مليون مستخدم. وعلى الرغم من التباطؤ الذي حدث في الآونة الأخيرة، لن يتوقف المستهلكون عن طلب وجباتهم عبر الإنترنت، ولكن هذا القطاع مهيأ حالياً لتغيير مُزعزع آخر تتحسن فيه اقتصاديات الوحدة.

ويتمثل أحد الحلول في تطبيق نموذج قائم على الاشتراكات، حيث تدفع المطاعم رسوماً شهرية نظير استخدام برنامج لطلب الطعام عبر الإنترنت بدلاً من أن تدفع عمولة عن كل طلب. وقد ظهر هذا النموذج في بادئ الأمر في منطقة الشرق الأوسط، حيث طورته شركة "تشات فوود" التي تسمح تقنيتها للمستهلكين بالطلب مباشرةً من الموقع الإلكتروني للمطعم أو من قنواته على مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول بنيامين مولفارد، أحد مؤسسي شركة "تشات فوود": "لقد أنشأنا تشات فوود لمساعدة المطاعم على استعادة السيطرة، حيث شهد قطاع توصيل الطلبات انتعاشاً كبيراً من خلال "ديليفرو" و"أوبر إيتس"، وكان ذلك بمثابة قناة مبيعات جديدة ورائعة، ولكن المطاعم تراجعت أعمالها وفقدت علاقتها بعملائها. ويعني ذلك انتقال جزء كبير من إيراداتها إلى طرف آخر يتقاضى رسوماً تبلغ 30% من كل طلب".

وتهدف شركة "تشات فوود" إلى مساعدة المطاعم على "تحقيق التوازن الصحيح" بين امتلاك قنوات مباشرة للتواصل مع عملائها إلى جانب الحفاظ على حضورها على منصات طلب الطعام الخارجية. وتختلف منصة "تشات فوود" عن غيرها من منصات طلب الطعام في أنها تمنح المطاعم إمكانية الاطلاع على بيانات قيّمة بشأن سلوك العملاء.

يقول بنيامين: "إن ذلك يسمح بوجود بيئة حاضنة قوية ومستدامة. وأنشأنا مفهوم المجتمع الواحد، فيمكنك أن تطلب طعامك من جميع المطاعم الأخرى التي تستخدم تقنيتنا دون إدخال تفاصيل بطاقة الائتمان في كل مرة. وهذا هو أكبر عيوب الطلب عبر الإنترنت، ألا وهو عناء التسجيل في كل مرة عند الطلب من مطاعم فردية. فنحن نقدم تجربة الطلب الموحد في جميع المطاعم".

وتقلّ في الوقت الحالي تكلفة اكتساب العميل التي تتكبدها منصات طلب الطعام عبر الإنترنت، مما يُرجِّح كفة ميزان القوة لصالحها، إلا أن ذلك يتغير ببطء، إذ بدأت المطاعم تتحد معاً ضد الشروط التي تفرضها هذه المنصات. يقول إيان أوهان: "كنا مشتركين في تلك المنصات جميعها لنرى مدى استفادتنا منها، واكتشفتُ منذ البداية أن ذلك لن يعود علينا بأي خير".

وبغض النظر عمّا ستنتهي إليه المعركة الدائرة بين الجانبين، فإن المستهلك هو الذي سيُحدِّد الفائز. وتشير الدراسات إلى أن المستهلكين يميلون إلى الطلب بانتظام من أربعة أو خمسة مطاعم، ولذلك فإن المطاعم إذا استطاعت أن توفر لعملائها نفس القدر من السهولة والراحة الذي توفره لهم منصات مثل Deliveroo، فقد يتغير المشهد. فمن الأسهل، على كل حال، أن تطلب وجبتك المفضلة من مطعمك المفضل عبر تطبيق واتسآب، بل إنه أيضاً أقل استهلاكاً للوقت وأفضل من تصفح مجموعة كبيرة من الأسعار والمطاعم على منصة تضم مطاعم كثيرة.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.