English

مستقبل الفعاليات.. إلى أين؟

English

مستقبل الفعاليات.. إلى أين؟
الصورة من مكتب دبي الإعلامي

عقب أربعة أشهر من إجراءات الغلق الإجباري جرّاء تفشي جائحة كورونا، استضافت دبيّ أول فعالية "حيّة" الأسبوع الماضي، حيث عقد مؤتمر عالم الذكاء الاصطناعي في مركز دبي التجاري العالمي في 16 من يوليو/تموز، إيذانًا بمواصلة دبي لأجندة فعالياتها الجماهيرية بعيدًا عن العالم الافتراضي.

اقتصر حضور الفعالية على المدعوين فقط ولكنها شهدت إقبالًا كبيرًا فضلًا عن فرض إجراءات وتدابير السلامة مثل فحص درجة الحرارة ومراعاة التباعد الاجتماعي بين المقاعد وجمع الشارات بدون ملامسة واستخدام أغذية جاهزة مسبقة التغليف.

وفي هذا الشأن صرح عصام كاظم، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للسياحة والتسويق التجاري: "تمثل صناعة الفعاليات واحدة من أهمّ القطاعات الرئيسية وأكثرها رواجًا في دبيّ، ولطالما كانت مكونًا رئيسيًا للإمارة. والآن علينا التفكير في الفرص الجديدة التي تبرز من هذه التحديات."

يرى الكثيرون أن هذه الفرص الجديدة ستظل في طيات العالم الافتراضي، لأنه لحين اكتشاف لقاح فعال لفيروس كورونا، سيظل التردد والقلق يعتري الكثيرين حول العالم بشأن السفر أو التفاعل مع أعداد كبيرة داخل أماكن مغلقة.

وجدير بالذكر أنه منذ بداية جائحة كوفيد-19 وتشهد صناعة الفعاليات التي يُقدر دخلها بـ 1.5 تريليون دولار تغييرًا كبيرًا حيث ألغيت بعض الفعاليات وتغير موعد الكثير منها أو تقرر إقامتها عبر الإنترنت أثناء فترة تفشي الجائحة. ومثال على ذلك هو إلغاء أبرز المؤتمرات والمعارض رفيعة المستوى جرّاء هذه الجائحة بما في ذلك المؤتمر العالمي للجوال، ومؤتمر ساوث باي ساوث ويست (SXSW)، ومؤتمر فيسبوك F8.

وربما جاءت استضافة مركز دبي التجاري العالمي لهذه الفعالية من منطلق الجرأة أو الرغبة الملحة في عودة الفعاليات الجماهيرية مرة أخرى. وهناك عددًا متزايدًا من الشركات التي تخوض غمار الفعاليات الافتراضية لأول مرة، بينما يتجه آخرون نحو الانتقال بخدماتهم الرقمية إلى آفاق جديدة. فقد حولت جوجل مؤتمر Cloud Next إلى مؤتمر افتراضي بالكامل تحت عنوان Google Cloud Next ’20: Digital Connect.

التفاعلات الافتراضية

مع تزايد الإقبال على الإنترنت أثناء تفشي جائحة كوفيد-19، اتجهت معظم الفعاليات إلى تبني هذا النهج الافتراضي، ويبدو أن الأمر قد أتى بثماره. فقد سجلت منصة إدارة الفعاليات Eventbrite زيادة بنسبة 1,100% في الفعاليات التجارية والمهنية الإلكترونية المقامة في شهر أبريل 2020 مقارنة بأبريل العام السابق، كما ينفق المستهلكون الأموال لحضور تلك الفعاليات.

وفي هذا الأمر يقول كريستال فالنتين، كبير مسؤولي إستراتيجية البيانات في Eventbrite: "تُظهر بياناتنا ارتفاعًا كبيرًا في الطلب على الفعاليات الإلكترونية، ورؤية الطرق المبتكرة التي يستفيد بها منظمي الفعاليات من منصتنا كان أمرًا ملهمًا لنا. ونتوقع أن تستمر الفعاليات الإلكترونية في لعب دور كبير في المشهد بعد انتهاء جائحة كورونا."

يرى راي درغام، أحد مؤسسي مؤتمر Step، أن الفعاليات والمؤتمرات الافتراضية تخلق فرصًا أفضل على المدى الطويل في هذا القطاع. ومن المقرر أن يُعقد مؤتمر Step السنوي لهذا العام عبر الإنترنت تحت عنوان "Step Anywhere"، والذي على حدّ قول درغام، يُتيح فرص وصول أكبر للأفراد الذين لم يتمكنوا من الحضور شخصيًا في السنوات السابقة، فضلًا عن توفير تجربة أفضل من خلال البيانات والتكنولوجيا والحدّ من النفايات البيئية وانبعاثات الكربون.

يقول درغام: "عندما ننظر إلى الصناعات التي تأثرت بالتكنولوجيا - مثل Uber في النقل وAirbnb في الضيافة - نرى أن التكنولوجيا قد أوجدت حلولًا لأوجه القصور في هذه القطاعات. فصناعة الفعاليات لم تتغير كثيرًا على مدار المئة عام المنصرمة ولا يزال هناك الكثير من المجالات التي بحاجة للتطوير. "

تنظيم وإقامة الفعاليات الكبرى، ونفايات الطعام والبلاستيك تُشكل جزءًا من القضايا الرئيسية التي تواجهها صناعة الفعاليات، فضلًا عن تكاليف السفر والإقامة لحضور الفعاليات والمؤتمرات العالمية.

وفي معرض حديثه عن هذا الأمر يقول درغام: "إذا قمت بتحليل الأمر إلى نقاط أساسية، فإن المغزى من إقامة المعارض والمؤتمرات هو مقابلة أشخاص- سواء عملاء محتملين أو موردي خدمات- أو تعلم شيء جديد، ويُمكن تحقيق هذين الأمرين أيضًا عبر الإنترنت".

عقب الاستثمار الذي أعلنت عنه مؤسسة إيفنتوس مؤخرًا لإطلاق منصة فعاليات افتراضية، ترى مي مدحت مؤسسة منصة إيفنتوس (Eventtus) أن الفعاليات الافتراضية يمكن أن تكون بنفس كفاءة الفعاليات الجماهيرية الحيّة.

وتقول "لا شيء يمكنه أن يحل محل مقابلة الناس وجهًا لوجه ومصافحتهم، إنه احتياج إنساني. ولكن فيما يتعلق بالمهام الأساسية للفعاليات، مثل التواصل والتفاعل مع مختلف الجهات الفاعلة في الصناعة، أعتقد أنه يمكن القيام بكل ذلك إلكترونيًا بطريقة فعّالة للغاية.

"الفعاليات الإلكترونية أقل تكلفة، ويسهل تنظيمها، ويمكن لأي شخص حضورها بكل سهولة. فقد قمنا بتنظيم فعالية قبل ثلاثة أسابيع وشهدت حضورًا أكبر بثلاثة أضعاف من الجمهور المستهدف وتمكنّا من إحضار متحدثين من 12 دولة، وهو ما لم يكن ليحدث لو كانت الفعالية حيّة.

بدأ منظمو الفعاليات في مرحلة ما يفقدون إيرادات من عروض الرعاية، ليس بسبب إقامة فعاليات أخرى أو التوجه إلى الفعاليات الإلكترونية، ولكن بسبب المشغلين الرقميين، مثل خدمات Google Ads. ومن شأن الفعاليات الإلكترونية أن تُحافظ على اهتمام هؤلاء الرعاة بالفعاليات عن طريق تمكينهم من تتبع عائد الاستثمار وتحليل إنفاقهم من خلال المزيد من البيانات.

المحاكاة مقابل الابتكار

على الرغم من تبني التقنيات والأساليب المبتكرة، لم يتم التوجه إلى البدائل الرقمية لتقديم تجارب مطابقة للفعاليات الجماهيرية الحيًة، بل أصبح يتوقع من تلك الحلول الإلكترونية أن توفر محتوى وخبرات جديدة بطرق مختلفة لا تبدو وكأنها مُجرد محاكاة رقمية للقاءات الجماهيرية الحية.

وفي هذا الشأن يقول درغام "التكنولوجيا ليست مُفعلة في هذا الشأن بنسبة 100 في المئة كي تُقدم مثل هذه التجارب. بل يقوم الناس بالاستكشاف؛ بعضهم يحاول محاكاة الفعاليات الحيًة، لكنني لا أؤمن بذلك. علينا إدراك ما يبحث عنه الناس وتحقيقه بطريقة جديدة، وليس مجرد وضع تصور ثلاثي الأبعاد يُحاكي العالم الحقيقي.

واستضافة مؤتمرات عبر الإنترنت ليس ببساطة بثّ فعاليات القاء الخطابات على المسرح على موقع YouTube. إن تنظيم فعالية عبر الإنترنت يكلف الوقت والمال، ويتطلب تكنولوجيا للمجموعات الصغيرة، ووسائل اتصال، ومنصات افتراضية، وقاعات عرض وحيز للربط الشبكي.

تواصل مي حديثها قائلة "نرى الكثير من منصات الفعاليات الافتراضية التي لا تزال بحاجة إلى ابتكار خصائص مختلفة تمنح تجربة مماثلة للفعاليات الجماهيرية".

كما تنطوي الفعاليات الافتراضية على تحديًا آخر يتمثل في عدم وجود جمهور حبيس مُجبر على المشاهدة والاستماع.

تُعقبّ مي على ذلك متسائلة "كيف لنا أن نجذب الجمهور ونحثه على التفاعل والمشاركة أثناء حضور الفعالية؟ إذا كانوا يحضرون من المنزل فهم بحاجة إلى رعاية الأطفال والقيام بالمهام المنزلية في نفس وقت الفعالية".

أفضل التجارب عبر الإنترنت هي تلك التي تتضمن استخدام الألعاب الإلكترونية أو ما يُسمى بـ "التلعيب" وأساليب الشكر والتقدير وإجراء السحوبات والمكافآت لجذب انتباه الجمهور وحثهم على المشاركة.

ووفقًا لـ Data Connectors، أفاد 85 في المئة من المشاركين في الاجتماعات عبر الإنترنت عن مستويات مشاركة متساوية أو أعلى مقارنة بالاجتماعات واللقاءات الشخصية

وطبقًا لما قاله درغام "استغرقت إقامة صناعة الفعاليات الجماهيرية الحيّة سنوات عديدة، والآن صار هناك بيئة جديد لإقامة الفعاليات عبر الإنترنت. ولكن لا يمكن أن يحدث هذا التحول بين عشية وضحاها. فتقنيات الفعاليات الإلكترونية لا تتوقف عند استخدام تطبيقات مثل زووم (Zoom)، ولكنها ستواصل التطور باستمرار. وهناك ملايين من الشركات الناشئة التي تعمل الآن لبناء منصات افتراضية مناسبة لهذا الغرض، وهو ما سيشهد تطورًا هائلًا"

المستقبل الهجين

ووفقًا لمركز دبي التجاري العالمي، فإن 96 في المئة من المتخصصين في صناعة الفعاليات لا يعتقدون أن الحلول الافتراضية ستحل محل الفعاليات الجماهيرية المباشرة و54 في المئة من منظمي الفعاليات يخططون لاستضافة المزيد من الفعاليات في المستقبل.

من المرجح أن تعود العديد من الفعاليات إلى نشاطها الطبيعي، ولكن نظرًا للتكاليف التي ينطوي عليها السفر والحضور والخيارات الإلكترونية التي يمكنها أن توفر تجربة مماثلة، فإن صناعة الفعاليات سوف تتغير إلى الأبد.

تلجأ العديد من الشركات في ظل الأوضاع الراهنة إلى الاجتماعات الافتراضية كضرورة. ولكن بدأ معظمها أن ينظر جديًا في تغيير خطط إقامة الفعاليات على المدى البعيد بعد انتهاء هذه الأزمة. وتركز الشركات والمؤسسات الآن على كيفية الاستفادة من النهج الافتراضي حتى مع رفع إجراءات الإغلاق، ومن هنا جاءت فكرة اتباع نهج هجين يجمع بين الواقع الفعلي والافتراضي.

يقول درغام "سيظل عدد قليل جدًا من الفعاليات يُقام في الواقع الفعلي، وسيرغب الأشخاص في بذل الجهد وتحمل تكاليف الحضور، ولكن ستخلق الفعاليات الإلكترونية مزيد من الإمكانات لإنشاء فعاليات جديدة وستتيح فرص أكبر للوصول إلى مزيد من المعلومات. وهذا أمر بالغ الأهمية خاصة في البلدان التي لا يمكن لمواطنيها تحمل مبالغ بالدولار الأمريكي لحجز رحلة طيران وشراء تذكرة حضور فعالية ما”

يمكن أن تشمل الفعاليات الهجينة استضافة حدث رئيسي في موقع ما وإقامة فعاليات عبر الأقمار الصناعية في مواقع أخرى لتجنب تجمع آلاف الأشخاص في مكان واحد. حتى في الفعاليات التي تُقام وسط حضور جماهيري، ستركز الشركات أيضًا على توفير بث إلكتروني للجمهور الافتراضي عبر الانترنت.

ومن المحتمل أن تتضمن جميع الفعاليات المباشرة في المستقبل عنصرًا افتراضيًا، ولكن هذا سيتطلب من المنظمين إعادة النظر في خطط أسعارهم لأن تكاليف المقصورات ومصاريف الرعاية لا تُعادل رسوم المنصات الافتراضية.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.