English

كيف تعافى قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة بالمملكة ومن هم أكبر الرابحين؟

English

كيف تعافى قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة بالمملكة ومن هم أكبر الرابحين؟

بقلم خالد سليماني ولولوة بكر، شريكان رئيسيّان، كروم المشورة

لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً  يتوقع سرعة تعافي قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة بعد فترة الحظر بسبب جائحة الكوفيد-١٩ وما تلاه من رفع ضريبة القيمة المضافة، ولم يتوقع أحد التغييرات التي حدثت على نماذج العمل إضافة للتطور والنمو السريع لبعض شرائح هذا القطاع ولكنه حدث بالفعل  ويعود الفضل في ذلك للتدخل الحكومي السريع بحزمة من المبادرات بثت روحا جديدة في القطاع.

واجهت الشركات المتناهية الصغر الناشطة في قطاع التجزئة في البلاد صعوبات جمّة بعد فرض حظر التجول في جميع مدن المملكة العربية السعودية في 23 مارس بغية الحد من تفشّي جائحة الكوفيد-19، وما تلاه من إغلاق جزئي في 26 أبريل، ، شأنها شأن الشركات والمؤسسات الأخرى.مما أدى  إلى نشوء تحدّياتٍ جمة بالغة التأثير في تجار التجزئة في المملكة العربية السعودية وفي العالم على حدّ سواء فيم يلي أهمها:

  1. أصبح دفع الرواتب يشكل تحديا كبيرا، فقد أسفر الإغلاق المفاجئ للمتاجر وتوقّف المبيعات نتيجةً لإغلاق مراكز التسوّق في المملكة وتعذّر على التجار الوصول إلى متاجرهم الواقعة داخل هذه المراكز أو إلى بضائعهم في المستودعات. من هنا، شكَّل توقف المبيعات التامّ التحدي الأول. ولما كانت الرواتب تمثل مالا يقل عن 25 ٪ من النفقات كمتوسط لهذا القطاع، بات تسديد هذه الرواتب هو الهاجس الأول لهذه المنشآت.
  2. تعادل تكلفة الإيجار نسبة 35 إلى 40 في المئة من المصاريف العامة للمنشأة تقريبا ، وقد توجب تسديد أقساط الإيجار خلال فترة توقف الأعمال ، الأمر الذي صعّد الضغط على هذه المنشآت بسبب تباطؤ المبيعات أو توقّفها المفاجئ، وأدى إلى نقص التدفقات النقدية.
  3. من جهة أخرى، أدى تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى تقلص القوة الشرائية لدى المستهلكين بسبب تراجع الوضع الاقتصادي وحالة الطوارئ العامة التي ولدتها هذه الجائحة، الأمر الذي شكّل تحدياً آخر في وجه عددٍ كبيرٍ من التجار، إن لم يكن جميعهم. فقد بات من غير المرجّح أن يرغب المستهلكون في شراء أو طلب أي منتجات كماليّة غير أساسيّة، فهم يفضّلون ادّخار أموالهم بالإضافة إلى  الإنفاق لشراء المواد الأساسية، لا سيّما خلال شهر رمضان الكريم.
  4. وجد التجار بعد ذلك فرصة بيع منتجاتهم عبر الإنترنت، بالرغم من  تعثُر وصولهم إلى البضاعة الكامنة في مستودعاتهم  خلال فترة الإقفال .  وقد  إستمر  تحول التجار الرقمي حتى في فترة ما بعد رفع حظر التجول نظرا لتعليمات التباعد الاجتماعي والإجراءات الوقائية التي فرضتها الحكومة على كافة القطاعات. وهذا ما أدى إلى زيادة الإقبال على المنصات التي تقدم الحلول الرقمية للمتاجر الالكترونية مثل "سلة" و "زد".
  5. على صعيد آخر، عانى التجّار الذين ينتجون بضائعهم محلياً من صعوبة توريد المواد الخام من المورّدين العالميين بسبب تعطل سلاسل التوريد حول العالم.

المبادرات الحكومية و حلول التمويل المُصمّمة خصيصاً للشركات المتناهية الصغر في قطاع التجزئة

واجه  أصحاب المنشآت المتناهية الصغر حول العالم هذه التحديّات مجتمعةً، لا سيّما أولئك الذين يعملون في قطاعات السلع الكماليّة غير الأساسيّة. وعلى الرغم من ذلك، ثمة فرص متعدّدة وبرامج حكوميّة مختلفة أُطلقت في المملكة العربية السعودية بهدف دعم شركات الأعمال هذه ومساعدتها على تجاوز أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19) ومن ثم الازدهار مجدداً بعد انتهاء هذه الأزمة.

فمنذ بدء الأزمة، سارَعَت الجهات الحكومية والهيئات التنظيمية في المملكة العربية السعودية، إلى جانب قطاع المصارف، للاستجابة إلى هذه التحديات ودعم القطاع الخاص. فقد خصّصت الحكومة السعوديّة مبلغاً يناهز 51 مليار ريال سعودي  على هيئة حزم دعمٍ وصناديق مخصصة لدعم القطاع الخاص خلال هذه الفترة الصعبة غير المسبوقة. وقد اتُخذت هذه الخطوات بهدف الحدّ من تأثير جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) على الاقتصاد السعوديّ في المدى القريب والبعيد. و  في الجدول أدناه  قائمة بأهم هذه المبادرات التي تنطبق على قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.

 المبادرات الحكومية لتحفيز القطاع الخاص خلال أزمة كورونا

الجهة المقدمة للمبادرة

نوع الدعم

تفاصيل المبادرة

البنك المركزي السعودي

أولًا : دعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة

  1. برنامج تمويل الإقراض

Funding for Lending Programme

2. برنامج دعم ضمانات التمويل(كفاله) Loan Guarantee Programme

الجهة المقدمة للمبادرة

نوع الدعم

تفاصيل المبادرة

الهيئة العامة للزكاة والدخل

 

1. تأجيل مهلة تقديم الإقرارات والسداد للمنشآت المسجلة في ضريبة القيمة المضافة

 

3. تمديد فترة تقديم إقرارات الزكاة وإقرارات ضريبة الدخل المستحقة عنالسنة المالية المنتهية في عام 2019 م - 1441 ه لمدة ثلاثة أشهر.

 

5. تعليق فرض غرامات التأخر في سداد الأقساط وغرامات تعديل الإقراراتوغرامة عدم تعاون للمكلفين وغرامات الفحص.

 

6. . منح الشهادات الزكوية بلا قيود عن إقرارات عام 2019 م.

برنامج "ساند"

التأمين عن الإنقطاع عن العمل والمتوفر لجميع أصحاب العمل

دفع نسبة 60 في المئة من رواتب الموظفين السعوديين العاملين في القطاع الخاص لمدّة ثلاثة أشهر

 

جدول بأهم المبادرات الحكومية التي تنطبق على قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة

  1. بعد فرض منع التجول الإلزامي في المملكة العربية السعودية، عمدت الحكومة إلى تخفيف الإجراءات المفروضة على التجّار واستثناء بعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية من الحظر، سامحةً لهم بالعمل في أيّام محدّدة من الأسبوع قبل أن تعود وترفع حظر التجوّل بالكامل، لتلبية حاجات المستهلكين المحليين.
  2. تم رفع الضمان لبرنامج "كفالة" المصمّم من أجل البنوك لضمان قروض المنشآت المتوسطة والصغيرة إلى ٩٥٪ (مقارنة بـ٨٠٪ في السابق) وتحمُّل الرسوم البالغة (١-١.٥٪) عن المنشات. وتجدر الإشارة إلى أنّ البرنامج يقدم قروضاً بمبلغ بحوالي 2.5 مليون ريال للمنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر، و15 مليون ريال للمنشآت المتوسطة.
  3.  بادرت بعض البنوك إلى تسهيل الإجراءات الخاصة بالاقتراض فيما يتعلق بالأوراق والمستندات المطلوبة التي تفرضها أغلبية المؤسسات الماليّة. كما تدعم بعض البنوك السعودية شركات الأعمال من خلال توفير قروض مخصصة لشراء المواد الخام وتسديد تكاليف الإيجار وتنفيذ مشاريع توسيع الأعمال، مع فترة سماحٍ تصل إلى 6 أشهر.
  4. ثمة خيارات تمويل بديلة باتت متاحة أيضاً للمنشآت متناهية الصغر. على سبيل المثال، تسهل شركات التقنية المالية (الفينتك) العاملة في المملكة العربية السعوديّة مثل "الرائدة" و "ليندو" و "رقمية" للشركات الصغيرة والمتوسطة والمنشآت المتناهية الصغر إمكانية الحصول على التمويل، بشروط أيسر و ضمانات غير تقليدية تقلل من المتطلبات الورقية مقارنة بالوسائل التقليديّة.
  5. سهّل برنامج "ساند" التابع للدولة والخاص بالتأمين عن الإنقطاع عن العمل والمتوفر لجميع أصحاب العمل عملية حصول شركات الأعمال على تعويضات لتحقيق الاستمراريّة ودفع الرواتب، وذلك بتعديل شروطه لينطبق على فترة التوقف خلال الجائحة. فقد أعلنت الحكومة السعودية عن دفع نسبة 60 في المئة من رواتب الموظفين السعوديين العاملين في القطاع الخاص لمدّة ثلاثة أشهر، مع سقفٍ يساوي 8.96 مليار ريال. وسيتم تسديد التعويض بموجب الشروط المنصوص عليها في برنامج ضمان البطالة (ساند). 
  6. بالانتقال إلى منصات التجارة الإلكترونيّة، يُتاح للتجار فرصة بلوغ شريحة أكبر من العملاء عن طريق الإنترنت. فقد حقّقت قطاعات متعددة تعمل في مجال فئات "المنتجات الأساسيّة"، مثل المواد الغذائيّة وخدمات التوصيل، ارتفاعاً كبيراً في الإيرادات ونشاط الأعمال منذ بدء تفشّي فيروس كورونا (كوفيد-19).

السبيل قُدُماً أمام المنشآت المتناهية الصغر في المملكة العربية السعوديّة وحول العالم

لقد عملت الكثير من المنشآت المتناهية الصغر خلال فترة الجائحة على التعايش مع الواقع الجديد و العمل من أجل توفير التدفق النقديّ الكافي لضمان استمراريتها وبقائها حتى انقضاء هذه الأزمة، وكذلك تعديل أساليب عملها بما يتناسب مع هذه المرحلة وربما للأبد. بحسب دراسةٍ أجرتها شركة إرنست أند يونغ، فقد بدّلت نسبة 92 في المئة من المستهلكين في الإمارات العربية المتحدة وفي المملكة العربية السعوديّة عاداتها من حيث التسوّق وانتقلت إلى التسوّق عبر الإنترنت، الأمر الذي يرغم أغلبية تجار التجزئة على المسارعة إلى اعتماد استراتيجيات تحول رقمية للتمكّن من مواكبة السوق ومواصلة ممارسة الأعمال (المزيد في تقريرنا المنشور في ومضة). فعلى سبيل المثال،  يتوقع أن يستمر استخدام وسائل الدفع الإلكترونية كبديل عن النقد حتى بعد انقضاء الجائحة. هذا بالإضافة لانتعاش قطاعات التجارة الإلكترونية والتوصيل والتعليم والتكنولوجيا الصحيّة عن بعد، وجميعها اعتمدت الدفع الإلكتروني مما أنعش قطاع المالية الإلكترونية.

فقد واجه قطاع التجزئة في ظل الجائحة برمته من منشآت متناهية الصغر إلى منشآت كبيرة، تحديّات متعدّدة للحفاظ على مستوى المبيعات واستدامة ونشاط الأعمال. على الصعيد العالميّ، كافحت الشركات الصغيرة والمتوسطة والمنشآت المتناهية الصغر للصمود أمام تداعيات ما بعد فتره منع التجول وتراجُع القوة الشرائية وتدل إحصائيات البنك المركزي السعودي أن حجم الإنفاق عبر نقاط البيع في السعودية انخفض خلال الشهري أبريل و مايو بنسبة 32.95% و15.7% على التوالي مقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2019. ثم عاد و قفز خلال شهر يونيو بنسبة 78.3% على أساس سنوي، ليبلغ 37.02 مليار ريال متخطيا أعلى مستوى تاريخي سابق للمبيعات والمسجل خلال شهر ديسمبر من عام 2019 والبالغة خلاله 27.93 مليار ريال.

ولوحظ أن ترقب زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة (من ٥ إلى ١٥٪ في غرة يوليو ٢٠٢٠م) قد حفز المواطنين على تكثيف عمليات الشراء مجدداً، مما جعل محصلة تأثير جائحة كورونا على مبيعات نقاط البيع في المملكة بالربع الثاني من عام 2020 هي انخفاض لا يتجاوز نسبته 3.3% مقارنة مع مبيعات الربع السابق (الأول من العام الجاري) وكذلك إرتفعت مستويات الاستهلاك في نقاط البيع  بنسبة 52.64٪ في الربع الثالث (96.99 مليار ريال) مقارنة بالربع الثاني (63.54 مليار ريال) من عام ٢٠٢م  مما يؤكد على فعالية الإجراءات الوقائيّة و ملائمة التدابير الماليّة التحفظيّة التي اتخذتها الدولة وعودة معدلات إنفاق المستهلكين إلى طبيعتها.

 

 توزيع الاستهلاك عبر نقاط البيع حسب القطاعات المختلفة خلال الربع الثالث من العام ٢٠٢٠م.

المصدر: التقرير الأسبوعي لعمليات نقاط البيع الصادر عن البنك المركزي السعودي

ومن المتوقع أن تتاح للمنشآت المتناهية الصغر التي تعايشت وتأقلمت مع الواقع الجديد فرص قيمة للاستمرار والنمو في مرحلة ما بعد الأزمة. علما بأن إنفاق المستهلكين بالمملكة العربية السعودية  لم يتجاوز انخفاضه  نسبة 5.57% خلال الـ9 أشهر الأولى من عام 2020 على أساس سنوي، وبتراجع يعادل 42.52 مليار ريال عن الفترة المماثلة من العام الماضي مما يدل أن قطاع التجزئة في طريقه للتعافي وأن تأثير الجائحة كان محدودا ولله الحمد.

 

 

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.