English

هل بدأت التكنولوجيا الصحية في الإستحواذ على استثمارات الطب التقليدي بمنطقة الشرق الأوسط؟

هل بدأت التكنولوجيا الصحية في الإستحواذ على استثمارات الطب التقليدي بمنطقة الشرق الأوسط؟

شهد قطاع التكنولوجيا الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تطورًا كبيرًا خلال العقد الأخير؛ مما جعل البعض يرجح ان تستحوذ التطبيقات الصحية المتنوعة على معظم الاستثمارات والتمويل من نظيرتها التقليدية خلال الفترة المقبلة، وبالرغم من تلك الفرص المتعددة إلا أن ذلك القطاع مازال يواجه عددًا من العقبات الرئيسية التي قد تؤثر على نموه وتوسعه مثل قلة الوعى الجماهيرى وأنخفاض سرعات الإنترنت في بعض الدول، والحاجة لتدريب الأطباء على تلك التقنيات الجديدة بالنسبة للعديد منهم، فضلًا عن بعض القيود التنظيمية المرهقة التي تواجه بعض شركات التكنولوجيا الطبية الناشئة.

تحديات رئيسية

يمتلك قطاع التكنولوجيا الصحية عدد من المميزات والفرص التي يمكن أن تجعله على رأس قائمة الاستثمارات بالمنطقة، إلا أنه يواجه بعض العقبات للنمو والتوسع، وهو ما جعل "ديانا أبو عبيد" مديرة وحدة تسريع الأعمال بـ VentureX، تؤكد ان هناك بعض التحديات التي تواجه القطاع الطبي بالمنطقة مثل ضعف القدرة على تغطية كافة المناطق بسبب العجز الشديد في الطواقم الطبية، بالتوازي مع وجود العديد من المناطق البعيدة والغير مخدومة، فضلًا عن صعوبة ضمان قدرة المستفدين من الخدمات المقدمة على تحمل تكاليفها، لذلك مع التطور الملحوظ في التكنولوجيا والعمل على دمجها بكافة القطاعات ومن ضمنها قطاع الرعاية الصحية، فقد أدى ذلك إلى تحول تركيز الحكومات الإقليمية من على التطورات التقليدية إلى مجالات قطاعية جديدة، مثل الصحة الرقمية، مما يمكن القطاع الصحي للقيام بالمزيد بتكلفة أقل، وتسمح التكنولوجيا للمرضى بتلقي الرعاية المناسبة من خلال دمج الذكاء الاصطناعى، وإنترنت الأشياء والتعلم الآلي، لذلك يجب تنظيم عمل جميع الجهات ذات الصلة في قطاع الرعاية الصحية، والتغلب على بعض القيود القانونية والتنظيمية التي تحكم ذلك الإطار، مع تركيز الموارد المتاحة على الاستثمار فى مجال التكنولوجيا للتوفير من التكلفة الكلية.

يشار إلى إنه قد أطلقت VentureX مؤخرًا مسرعة الأعمال "ستارت اب أفيسينا"، والتي تهدف إلى تحويل الأردن إلى مختبر مفتوح لتبني الأفكار الريادية، والتأكد من صحتها وخلق إطار استراتيجي لاستغلال منظومة ريادة الأعمال والمسرعات لجعل قطاع الرعاية الصحية مساهماً مطلقاً في الاقتصاد المحلي؛ بحيث أنها تعمل كرابط وسيط لتحديد احتياجات المنشآت المرتبطة بقطاع الرعاية الصحية وإيجاد أفكار ريادية وحلول مقترحة لسد هذه الإحتياجات، بالتوازي مع بناء بيئة استراتيجية متكاملة تجمع بين المهارات والخبرات المنبثقة بين المتخصصين في القطاع الصحي والخبراء في مجال الأعمال.

تدفقات تمويلية

جذبت التكنولوجيا الصحية عشرات ملايين من الدولارات خلال عام 2020، مما جعل البعض يرجح أن ينجح ذلك القطاع في منافسة نظيره التقليدي خلال الفترة المقبلة، وهو ما أعلنه تقرير  Magnitt، الذي أشار إلى تربع تطبيق "فيزيتا" على رأس استثمارات التقنيات الصحية بالمنطقة وتلقيه تمويل بقيمة 40 مليون دولار من السلسلة D في الربع الأول من عام 2020 ، مما زاد إجمالي تمويله المعلن إلى 64.1 مليون دولار، كما تمكنت شركة Okadoc التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها،  من جمع 10 ملايين دولار أمريكي من الجولة التمويلية من السلسلة A في الربع الأول من عام 2020 أيضًا، وهو ما جعل إجمالي تمويلها يصل إلى 12.3 مليون دولار.

وفي ذات السياق حصلت منصة Altibbi للرعاية الصحية على  8.5 مليون دولار من التمويل المعلن منذ إنشائها من مستثمرين مثل MEVP و DASH Ventures و Endeavor Catalyst، أما الشركة الأردنية  WebTeb، استطاعت جمع ما يقرب من 5.1 مليون دولار من التمويل المعلن من Sadara Ventures و Siraj Company ومستثمرين آخرين. وهو ما يبرهن أن ذلك القطاع استطاع أن يجذب إليه حجم واسع من الاستثمارات والتمويل الذي كان معظمه اقليمي خلال عام واحد فقط، وهو مؤشر على التوسع بمجال التكنولوجيا الصحية خلال الفترة المقبلة بالمنطقة بل دخل الاستثمار في الصحة النفسية على القائمة من خلال منصة Shezlong، للعلاج النفسي والتي تمكنت من جمع نصف مليون دولار من الاستثمارات خلال الفترة الأخيرة.

وإذا قارنا حجم الاستثمار في المستشفيات التقليدية بين 700 ألف دولار إلى 1.1 مليون دولار لكل سرير في المستشفى، مع التكاليف الاستثمارية للعلاج عن بُعد؛ سنجد أن تلك الأخيرة حققت طفرة تمويلية وجذب جماهيري واسع خلال العامان الأخيران بالتحديد، وهو ما يشير إلى مستقبلها الواعد بالمنطقة متحدية بقوة الطب التقليدي.

تطويرات جديدة

أدت جائحة كورونا إلى انتشار موسع للتكنولوجيا الصحية بالمقارنة مع الطب التقليدي المعروف، وهو ما يوضحه "محمود عبدالله" مدير عام منصة "Elbalto" التي تقدم خدمات الاستشارات الطبية عن بًعد، الذي أشار إلى أنه مع بداية جائحة كورونا أصبح الطب عبر الإنترنت من الوسائل الضرورية في ظل انتشار الفيروس؛ بخاصة مع إعتبار المستشفيات من أكثر الأماكن لنشر العدوى. خلال الفترة الأخيرة أصبح للتكنولوجيا الصحية دور كبير في كافة مراحل كشف المرض وعلاجه ومتابعته، كما أصبح الوعي بأهميتها كبير سواء من مقدمي الخدمة "الأطباء" أو مستقبليها "المرضي".

 إلا أن الأمر لا يخلو من عدة تحديات تواجه نشر تلك التقنيات بشكل أسهل وأسرع، والتي يشير إليها "محمود" موضحًا أنها تتمثل في ضعف الوعي بأهمية التكنولوجيا الصحية، وتقديم دعم حكومي لها مع تنظيم إطار موحد يعظم الفائدة من تلك التطبيقات، وفي نفس الوقت ذلك لا يمنع أن القطاع قد شهد اهتمامًا متزايدًا من جانب المستثمرين بالدول العربية؛ خاصة في الاستثمار بالتطبيقات الصحية الناشئة، وهو ما جعل هناك توقع أن يصبح ذلك القطاع من أكثر القطاعات جذبًا للاستثمار في السنوات المقبلة.

 تطور مذهل شهده ذلك القطاع الذي أصبح على رأس قائمة الاستثمارات بالمنطقة، وهو ما أشار إليه تقرير أبحاث سوق الصحة الإلكترونية في الشرق الأوسط وأفريقيا، الصادر عن Market Data Forecast، في فبراير 2020، الذي أوضح انه يُقدر حجم سوق الصحة الإلكترونية في الشرق الأوسط وأفريقيا بـ 989 مليون دولار في عام 2020؛ لينمو بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.8٪، ليصل إلى 1806 مليار دولار بحلول عام 2025، مع إمكانية ارتفاع ذلك الرقم نتيجة استمرار التقدم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مع النمو السكاني الكبير في المنطقة، كذلك انتشار استخدام الهاتف المحمول والإنترنت، بشكل واسع بين مختلف الفئات واتجاه العديد من الأفراد لاستخدام التقنيات الحديثة في أمور حياتهم اليومية، بشكل لم يكن معهود من قبل، فضلًا عن تزايد الاستثمارات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي و البرمجيات وتطبيقات الهاتف الجوال والروبوتات بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير.

اتجاهات حديثة

لم يقتصر تقديم الخدمات الطبية عن بُعد على تقديم العلاج أو الوصفات الطبية فقط بل تعداه للدخول في مجالات صحية جديدة لم تكن منتشرة من قبل مثل الصحة النفسية والعقلية التي نافست بقوة العلاج النفسي على أرض الواقع بشكل لم يتوقعه البعض؛ وهو ما يؤكده "محمد علاء"، المدير الإداري لتطبيق""Shezlong، الذي يقدم  خدمات العلاج النفسي عن طريق الإنترنت، حيث أوضح أنه قد أصبحت الفرص المتاحة أمام التقنيات الصحية أكثر من ذي قبل خاصة بعد الجائحة؛ حيث أصبح وعي الناس بأهمية الصحة النفسية وبمخاطر الإستهانة بها أعلى، مما دفع عدد أكبر من الأشخاص إلى استشارة أطباء ومتخصصين نفسيين، فهناك فرصة كبيرة لازدهار تكنولوجيا الصحة والعلاج عن بُعد بمنطقة الشرق الأوسط، حيث أتاحت الجائحة الفرصة لاكتشاف آفاق جديدة لمستقبل الرعاية الصحية والاعتماد على التكنولوجيا بشكل أكبر من أجل توفير الرعاية الصحية لكل أفراد المجتمعات في كل المناطق دون تمييز، إلا أنه هناك بعض العقبات في الطريق مثل وعي الأشخاص بخدمات الرعاية الصحية عن بُعد، مع ضعف كفاءة خدمات الإنترنت في بعض الدول، وخصوصاً المناطق النائية بها، كما أن هناك تحدي هام يتمثل في قدرة الأطباء والمعالجين على استخدام التكنولوجيا بشكل محترف يُمكنهم من أداء مهامهم بشكل كامل.

يضيف "علاء" أن هناك عدد كبير من المستثمرين العرب والأجانب يستثمرون في التطبيقات الصحية، نحن على سبيل المثال حصلنا على مساهمات في رأس المال من مصر، السعودية، أوروبا، الولايات المتحدة الأمريكية، وجنوب شرق آسيا، وايضا خلال المستقبل من المرجح أن يكون هناك اهتمام إضافي بزيادة الاستثمار في المجال الطبي، وخصوصاً بعد ما مر به العالم في جائحة كورونا.

بالرغم من العديد من الفرص الموجودة بالمنطقة في ذلك المجال، إلا أن هناك أيضا بعض العقبات التي تواجه نمو الاستثمار البحثي في ذلك التخصص، وهو ما توضحه "ماريا دي فريتاس" مؤسس تطبيق uMore، وهو متخصص في الرعاية وتقديم الفحوصات العقلية والنفسية- تأسس في الإمارات العربية المتحدة -، والتي تؤكد أنه على الرغم من أن الناس مستعدون وقادرون على الوصول إلى هذه التكنولوجيا الصحية، إلا أن المؤسسات الشريكة مثل مقدمي الرعاية الصحية ومؤسسات التأمين لا تزال بطيئة مقارنة بما نراه في الغرب، وبشكل ملحوظ في الولايات المتحدة، لا يزال هناك تفضيل للبناء "داخل المنزل" ، وهو التفكير المدرسي القديم بدلاً من البحث عن شراكة مع الشركات الناشئة، علاوة على ذلك، لا يزال الوصول إلى الرعاية مقصورًا على التطبيب عن بُعد، ولا يزال البحث المتاح محدودًا. يأتي معظمها من خارج المنطقة ، لذلك يجب على الشركات الناشئة والشركات الكبيرة على حد سواء نشر أفكارهم ومشاركتها؛ مما سيسمح بتشجيع العلم والابتكار الجديد.

لا يزال الاستثمار الإقليمي محدودًا في مجال الصحة النفسية، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن رأس المال الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر قابلية للمقارنة مع الشركات الخاصة الصغيرة التي تستثمر في نماذج أعمال مجربة، وليس في مجالات جديدة. إذا ركزنا علي قصص النجاح التي حدثت بالمنطقة، فسنجدها تدور في الغالب حول عمليات الاستحواذ التي قامت بها الشركات الكبرى ... ولكن على الرغم من ذلك، في uMore ، تمكنا من جذب المزيد من رأس المال من خلال التواصل مع المستثمرين الأمريكيين والأوروبيين؛ الذين لديهم شهية حالية للنظام البيئي؛ لأنهم هنا يركزون على نمو المستخدم بدلاً من مجرد مقاييس الإيرادات.

توقع تقرير التكنولوجيا الصحية الصادر عن Arabia Monitor، لعام 2020، أن يشهد سوق الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا توسع كبير، حيث أصبح إنفاق الدول أكبر على ذلك القطاع، حيث تنفق البلدان أكثر على هذا المجال بالتوازي مع دخول استثمارات جديدة يقودها القطاع الخاص، حيث أنه من المتوقع أن ينمو سوق الرعاية الصحية في المنطقة ليصل إلى 243 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بمعدل نمو سنوي مركب 11.7٪، كما أنه من المقدر أن تنمو القيمة السنوية لسوق التكنولوجيا الطبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 11 مليار دولار أمريكي في نهاية العام الحالي، بالتوازي مع تشجيع حكومات المنطقة للقطاع الخاص بالاستثمار في ذلك القطاع مع منحه تسهيلات وقروض تمويلية ميسرة، حيث يوجد حاليًا أكثر من 60 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا الصحية في دبي، مما يجعل الإمارات العربية المتحدة رائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى جانب مصر.

تطور قطاع التكنولوجيا الصحية بشكل كبير بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العقد الأخير بخاصة بعد انتشار جائحة كورونا، وهو ما أدى لزيادة إقبال الشركات الناشئة والمستثمرين على إنشاء التطبيقات والمنصات الإلكترونية لتقديم مختلف الخدمات والاستشارات الطبية عن بُعد، والتي من المتوقع أن تشهد نموًا قياسيًا خلال السنوات المقبلة، بخاصة مع انتشار التطبيقات الجديدة وحلول الذكاء الاصطناعي، لتدخل في منافسة حامية في جذب الاستثمارات تشهدها المنطقة لأول مرة بين ذلك المجال الجديد نسبيًا، والطب التقليدي المنتشر بالفعل منذ عقود ماضية.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.