يجب على الشركات العائلية دعم الشركات الناشئة في فلسطين
مجد زغير هو مسؤول الإستراتيجية في uMake ، وهي منظمة لدعم ريادة الأعمال مقرها رام الله ، فلسطين.
شهدنا في السنوات الأخيرة اهتماماً أكبر توليه الشركات العائلية لقطاع ريادة الأعمال عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بشكل عام، فإنّ الرغبة المتزايدة للشركات العائلية في الاستثمار والدخول في شراكة مع الشركات التكنولوجية الناشئة يمكن أن تفتح فرصاً جديدة للنمو الاقتصادي حيث تندمج الخبرة مع الابتكار لخلق فرصٍ واعدة في المستقبل. في الواقع أننا نسمع دائماً عن جولات استثمارٍ ضخمة في شركات ناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مدعومةٍ من شركات ومؤسسات تابعة لعائلاتٍ مؤثرة اقتصادياً، بالأخص من شركاتٍ عائلية في دول مجلس التعاون الخليجيّ، حيث تساهم الشركات العائلية بما يقارب ال60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجيّ و توظّف حوالي 80 بالمئة من القوة العاملة فيها.
يتضمن هذا الدور المتنامي للشركات العائلية في دعم قطاع ريادة الأعمال أمثلةً ملهمة، مثل الاستحواذ الأخير لمجموعة تمر جروب في المملكة العربية السعودية على Mumzworld، والاستثمار الرئيسي لمكتب عائلة ساويرس في الشركة المصرية الناشئة في مجال تكنولوجيا الملكيات العقارية Nawy. إلا أنّ دور الشركات العائلية لا يقتصر على توفير رأس المال فقط، حيث يمكنها أن تلعب دوراً أكبر وأكثر تأثيراً – من خلال توفير الخبرات، العلاقات، سلاسل التوريد والقدرات التكنولوجية المتطورة – في رعاية وتنمية الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة. تعمل مجموعة الهلال للمشاريع في الإمارات العربية المتحدة على تطوير نموذج ناجح لما سبق ذكره من خلال منصتها CE-Creates والتي تهدف إلى تحويل مشاريع في مرحلة الفكرة إلى شركات مجدية اقتصادياً وملائمة لبيئتها تستطيع أن تُكَمِّل عمليات المجموعة وتولّد أثراً إيجابياً مستداماّ.
أصبحت الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - التي قامت ببناء ثروتها من خلال الاستثمار في الصناعات التقليدية مثل الطاقة، التجارة، اللوجستيات، السياحة والعقارات - تدرك أهمية الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في عالم اليوم والفرص الهائلة التي يمكن الوصول إليها من خلال تنويع محافظهم الاستثمارية. بالإضافة إلى الفرص الاقتصادية، تلعب شركات الأعمال العائلية هذه دوراً أساسياً في رعاية نمو البيئات الريادية المحلية في بلادهم من خلال توفير النصح والإرشاد، الثقة، المعرفة السوقيّة، الموارد ورأس المال للشركات الناشئة. والأهم من ذلك أنّ الشركات العائلية ترى المشاريع الناشئة والمنشآت الريادية كفرصٍ واعدة بدلاً من تهديدات، الأمر الذي يزيد من احتمالية الدخول في شراكات رابحة للطرفين تؤدي إلى فرصِ نموٍ متينة على مستوى الاقتصاد الكلي.
الشركات العائلية الفلسطينية: القطعة المفقودة من الأحجية؟
بشكل مشابهٍ للدول العربية الأخرى، فإن الشركات العائلية في فلسطين – من متناهية الصغر، الصغيرة ومتوسطة الحجم إلى الكبيرة – تمثّل عماد الاقتصاد الوطني وتساهم بشكل كبير في خلق الوظائف والنشاطات الانتاجية المضيفة للقيمة. للأسف لا يوجد ما يكفي من البيانات عن العدد الدقيق للشركات العائلية الفلسطينية ومساهمتها في الاقتصاد الوطني، إلا أن بحثاً أجرته مجلة الشرق الأوسط للأعمال يبيّن أنّ الشركات العائلية تشكل حوالي 85 بالمئة من المنشآت العاملة في فلسطين.
تمكنت الشركات العائلية الفلسطينية من بناء نماذجَ عملٍ ناجحة ومتينة عبر أجيال عديدة بالإضافة إلى خدمة المجتمع المحلي من خلال النشاطات الخيرية وسياسات فعالة للمسؤولية الاجتماعية. على سبيل المثال، أسست عائلة الشوا بنك فلسطين – والذي يعتبر أحد أكثر الشركات تأثيراً وتطوراً في فلسطين – في غزة في بداية الستينيات من القرن الماضي. تمكن بنك فلسطين من المحافظة على الجذور العميقة لعائلته المؤسسة ولعب دور مهم في تمكين الاقتصاد الفلسطيني من خلال التزامه بالاندماج المالي والممارسات المالية المبتكرة والحديثة بالرغم من كونه شركة عامة مدرجة في سوق البورصة الفلسطيني. يمكن رؤية أمثلة على أدوارٍ مؤثرةٍ مشابهة عبر عدة قطاعات أخرى مثل دور مجموعة نصّار في قطاع الحجر والرخام، مجموعة المسروجي في قطاع المستحضرات الدوائية وسنقرط القابضة في قطاع الأغذية والمشروبات. الأمثلة الناجحة حقاً لا نهاية لها ويمكن ملاحظتها عبر أبعادٍ اجتماعية واقتصادية مختلفة. بينما تفتقد الشركات العائلية في فلسطين للموارد المالية والتكنولوجية الهائلة التي تمتلكها نظيراتها في مصر أو دول مجلس التعاون الخليجي، ما زال بإمكاننا أن نعتبرها مورداً هائلاً غير مستغلّ نحتاجه بشكل كبير لتطوير البيئة الريادية الوليدة في فلسطين مستقبلاً.
نجحت العائلات الفلسطينية من قبل في التغلب على التحديات الفريدة التي تواجه أغلب مشاريع الأعمال في فلسطين وبناء شركات ناجحة ومندمجة عالمياً مع أساساتٍ اجتماعية وتجارية راسخة في الوقت ذاته، وبالتالي فإن خبراتهم في تفاصيل السوق الفلسطيني بالإضافة إلى علاقاتهم في الأسواق الإقليمية والدُوَلية هي بالذات الخبرات التي يحتاجها المؤسسون الفلسطينيون بشدة لدعم رحلتهم الريادية. من جهة أخرى، فإن التبعات الاقتصادية للثورة الصناعية الرابعة تتطلب من الشركات العائلية أن تستثمر في الابتكار وتبني طرقٍ جديدة لإدارة أعمالها للمحافظة على حيويتها في خِضَّمّ التغير السريع الحاصل في عصر التحول الرقمي. وبالتالي لا يجب أن تُرى العلاقة بين الشركات العائلية التقليدية والشركات الناشئة في مراحلها المبكرة كلعبة صفرية (بنتيجة خسارة أو ربح لأحد الطرفين)، بل يجب أن نَنظُر إليها كنوعٍ من الشراكة الاستراتيجية حيث يفيد التعاون جميع الأطراف المعنية.
والأهم من ذلك فَإن فهم الدور المحوري الذي تلعبه الشركات العائلية في بنية الاقتصاد الفلسطيني يمكن أن يؤدي بالتأكيد إلى تحقيق العديد من الفرص غير المستغلة والتي يمكن الاستفادة منها من خلال زيادة اندماج الشركات العائلية في منظومة ريادة الأعمال. على وجه التحديد، فإن تعاوناً أكبر بين الشركات العائلية والرياديين من شأنه أن يوفّر فرصاً إضافية من تطوير الأعمال والابتكار. يمكن أن تساعد القيمة المكتسبة من تعزيز التعامل مع الشركات العائلية أيضاً في مواجهة التحديات وملئ الفجوات التي لا يمكن للحكومة او مشاريع دعم الريادة الممولة من المانحين ملؤها لوحدهم. بشكل أساسيّ يمكن أن تتحقق هذه القيمة المضافة من خلال النواحي التالية:
- المصداقية والثقة: يتسلّم الجيل الثاني أو الثالث إدارة الشركات العائلية في فلسطين في السنوات الأخيرة، مما يعني أنّ هذه الشركات قد تواجدت في السوق لأكثر من 20 سنة حتى الآن. عندما يكون هناك تاريخ طويل من الصفقات التجارية الفعالة فيمكن للمشاريع الناشئة التي ما زالت في مراحلها المبكرة الاستفادة من علاقات الشركات العائلية المحلية، الإقليمية والدُوَلية والوصول إلى فرص جديدة للنمو بثقة أكبر.
- المعرفة السوقيّة: تشغل الشركات العائلية عدة قطاعات إنتاجية مثل الأعمال المصرفيّة، الملكيات العقارية، التأمين، اللوجستيات والتجارة بالإضافة إلى قطاعات أخرى. ستكون هذه الخبرة الخاصة بقطاعات معينة مهمة جداً للشركات الناشئة التي تُعنى بتوفير حلولٍ وابتكاراتٍ مُمّكنة بالتكنولوجيا لمشاكل وعوائق في هذه القطاعات. بالأخص، يمكن للشركات الناشئة أن تتعلم من الفهم العميق الذي تملكه الشركات العائلية لقطاعاتهم بينما تستفيد الشركات العائلية بالمقابل من ديناميكيّة الشركات الناشئة الأمر الذي يمكنها من تعزيز قدراتها بحلولٍ مبتكرة ومتقدمة كي تبقى في أطار المنافسة والمحافظة على حصتها السوقيّة.
- النصح والإرشاد: المؤسسون الأوائل للشركات العائلية هم قادةٌ ناجحون في إدارة الأعمال وقد تمكنوا من تحقيق النجاح في جوانبَ حياتيةٍ مختلفة أيضاً، لذا فإنّ معرفتهم ونصائحهم الاستراتيجية يمكن أن تشكل ميزة لا تقدر بثمن بالنسبة للرياديين الطموحين الذين يبحثون عن النصح والإرشاد عبر مراحلَ مختلفة من رحلتهم الريادية.
- الاستفادة من سلاسل التوريد: قد تمكنت معظم الشركات العائلية من بناء نماذج ذات سلاسل توريد معقدة وبنية تحتية لوجستية متطورة. يمكن للرياديين أن يشكلوا شراكات مع مشاريع أعمال متمرسة كي يتمكنوا من الاستفادة من هذه الشبكة المتطورة ودمج الابتكار في سلاسل التوريد الخاصة بهم بهدف توفير الوقت والموارد الثمينة وتحقيق تأكيدٍ للجدوى في الوقت ذات.
- رأس المال الصبور: تُعرف الشركات العائلية باستثماراتها الطويلة الأمد عبر الأجيال على عكس صناديق رأس المال المُخاطِر التقليدية التي تعمل ضمن إطار زمني محدد. لذا يمكن للموارد المالية الهائلة للشركات العائلية الناجحة أن توفر مصدراً إضافياً لرأس المال الصبور والاستثمار الاستراتيجي للشركات الناشئة في مراحلها المبكرة.
بالرغم من التحديات المرتبطة ببيئة الأعمال في فلسطين، فإن الشركات العائلية تتغير وتتبنى نماذج عمل تعاونية أكثر ومتطلعة للمستقبل. في الحقيقة، إن المحرك الأكبر لهذا التغيير هو استلام الجيل الثاني والثالث زمام الأمور في شركاتهم العائلية حيث أنّهم يقدرون أهمية الابتكار والتحول الرقميّ لاستمرارية شركاتهم واستدامتها. بالإضافة إلى ذلك، فقد تغيرت الشركات العائلية وأصبحت تتخذ منحى طويل الأجل وأكثر تنوعاً في الاستثمار. أحد هذه الأمثلة صندوق "ازدهار" الذي اجتمعت عدة عائلاتٍ تجارية في مدينة الخليل لإنشائه، وهو عبارة عن صندوق أموال خاص برأس مال مستهدف بقيمة 100 مليون دولار أمريكي. وبالرغم من أن معظم استثمارات هذا الصندوق ستخصص لمشاريع بنية تحتية إلا أنه سيتم الاستثمار أيضاً في قطاع التكنولوجيا وتكوين شراكاتٍ مع الشركات الفلسطينية الناشئة. في النهاية، نتمنى أن نرى تفاعل أكبر في قطاع الريادة من قبل الشركات العائلية الفلسطينية عبر البلاد خلال السنوات القادمة، حيث سيساعد مزيج الخبرات والابتكار في الكشف عن فرص جديدة للازدهار والأثر المُستدام في الاقتصاد الفلسطيني.