English

الأتمتة... على مفترق طرق، الازدهار أو الاندثار

الأتمتة... على مفترق طرق،  الازدهار أو الاندثار

بقلم: هاني ويس، الرئيس التنفيذي لشركة "ماجد الفطيم للتجزئة"

يشهد قطاع تجارة التجزئة تطورات مذهلة وبوتيرة متسارعة، مدفوعة بالتحولات المستمرة في التوجهات وصعود وسيطرة تقنيات الأتمتة والأدوات الرقمية الجديدة التي تواكب تطلعات واحتياجات المستهلكين. لكن معدلات التغير السريعة والمتلاحقة هذه، تعني في ذات الوقت صعوبة التنبؤ بالعقبات المستقبلية والقدرة على تحديد الفرص. وأعتقد جازماً أننا في قطاع تجارة التجزئة وفيما يخص قدرتنا على الخروج بأفكار مبتكرة، قد وصلنا إلى محطة تمثل مفترق طرق، فإما الطريق نحو الازدهار أو الاندثار. فإذا ما نظرنا نحن رواد هذا القطاع إلى الوراء قليلاً، سندرك فوراً أن هذه اللحظة التي نعيشها اليوم، هي النقطة الفارقة لتحولنا جميعاً نحو النجاح والنمو مستقبلاً أو التلاشي دون رجعة. 

وفي حين أن هناك حالة من عدم اليقين ومحدودية القدرة على التنبؤ بالنتائج التي ينتجها عالم اليوم المدفوع بالتقنيات المتقدمة، فإننا ندرك في ذات الوقت أهمية الاستعداد لمستقبل تهيمن فيه الأتمتة والذكاء الاصطناعي على مشهد المبيعات في قطاع التجزئة. خصوصاً في ظل الارتفاع المتواصل لسقف التوقعات لدى المستهلكين فيما يخص دمج التقنيات مع تجربة التسوق بطريقة سلسة. وإذا ما نظرنا إلى معدل الإنفاق على التجارة الإلكترونية، سنرى ارتفاعًا بنسبة 41% مقارنًة بذات الفترة من عام 2021. وبشكل عام تشكل المبيعات الإلكترونية اليوم 11% من اقتصاد التجزئة الكلي، وبمعدل نقطتين مئويتين أعلى من الفترة ذاتها العام الماضي.

ومع ذلك، وكما أتوقع في هذا المقال، فإن الطريق نحو الأتمتة لن يكون سلسًا أو مستقيمًا أو آمنًا. وآمل كأحد أعضاء مجتمع قطاع التجزئة، أن نتمكن جميعاً من مشاركة الأفكار وتبادل الاستفادة من الدروس التي تعلمناها والمعارف التي اكتسبناها من واقع خبراتنا وتجاربنا. فمخاطر التلاشي من مشهد القطاع التي تهدد مستقبلنا الجماعي اليوم، تمثل خطراً كبيراً لا تعادله بأي حال من الأحوال محاولات البعض للمحافظة على وضعهم الراهن.

تطورات متسارعة تدفعنا للتفاؤل بالنمو المتسارع

تنبأ "غوردون مور" أحد مؤسسي إنتل عام 1965 أن قوة الحوسبة ستتضاعف كل عامين تقريبًا. ونشأ عن ذلك "قانون مور" الذي ما زال يثبت صدق توقعاته حتى اليوم. وقد تم إثبات ذلك عبر القفزات الهائلة والمستمرة لتطور التقنيات والتي أصبحت اليوم جزءًا أساسيًا من كل أنشطتنا اليومية، ومن بينها التسوق في قطاع التجزئة. وحتى وقت قريب كانت فكرة وجود مراكز آلية لتلبية الطلبات والروبوتات المتنقلة المسيرة آلياً التي تعمل داخلها، والتسوق بدون تلامس عند الدفع، لا تتعدى كونها مجرد أمثلة من محض الخيال لمشهد قطاع التجزئة. أضف إلى ذلك الدخول الحديث لقدرات الذكاء الاصطناعي وتقنية "بلوك تشين" على الخط، فيما يشبه سيناريوهات الخيال العلمي. 

فإذا كنت مثلي، مِن مَن يتابعون المشهد عن كثب فستتولد لديك مشاعر متساوية بين التفاؤل والفزع. وبناء على ذلك، علينا معرفة كيف يمكننا في قطاع التجزئة الاستفادة من هذه الموجة العاتية من التقدم التقني أو ربما بصراحة أكبر، كيف يمكننا تجنب التخلف عن الركب؟

دخول الروبوت إلى قطاع التجزئة

أدت الشراكات مع شركات التقنيات إلى ظهور الروبوتات في العديد من الشركات الكبرى في قطاع مبيعات التجزئة. واليوم، تتعاون "ماجد الفطيم" مع شركة "Takeoff" الأمريكية، الرائدة في ابتكارات "التجزئة الإلكترونية"، لتقديم أحدث تقنيات الانتقاء الآلية إلى "كارفور"، والتي تستطيع اختيار ما يصل إلى 2000 صنف في الساعة لكل مركز تلبية طلبات آلي. وتعتمد هذه التقنية الرقمية على أتمتة أوامر الإدارة، مما يقلل وبشكل كبير من وقت المعالجة بنسبة تصل إلى نحو النصف. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك "كارفور" أسطولاً مكوناً من 12 روبوتًا في متاجر السوبر ماركت التابعة لها في دولة الإمارات للمساعدة في إدارة المخزون والتحكم فيه، ومن بينها الروبوتات "تالي" التي تزن 30 كجم وبارتفاع 163 سم، والتي تم تجهيزها بكاميرات وأجهزة استشعار تجعلها قادرة على مسح ما يصل إلى خمسة عشر ألف منتج ثلاث مرات يومياً. ويتم استخدام أسطول "تالي" للتحقق من وجود أي أخطاء في المخزون، مثل عدم توافر المخزون أو عدم تطابق الأسعار أو الرموز الشريطية الخاطئة أو وضع المخزون في غير مكانه. وتساعد هذه الروبوتات أيضًا في تدقيق المخزون باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يقلل من أعباء الزملاء في المتجر، بالإضافة إلى تقليل هامش الخطأ البشري بشكل كبير. 

وكأني وأنا أكتب عن هذا "الواقع"، أصف مشهداً قادماً من أفلام الخيال العلمي المستقبلي.

رأي لا يرحب به الكثيرون

لا شك أن مشاريع الأتمتة تمثل تحديات فريدة من نوعها لأن تنفيذها أكثر صعوبة من الابتكارات الأخرى. ولذا، أعتقد أن الطريق إلى الأتمتة لن يكون سلسًا أو مباشرًا أو آمنًا. كما أعتقد أننا نقاتل على جبهة جديدة، حيث يفتقر قطاع التجزئة إلى الخبرة اللازمة لمعالجة تعقيدات التصميم والهندسة والتنفيذ من الناحية التقنية. علاوة على ذلك، وعلى ضوء "قانون مور" فالكثير من الأفكار الرائعة لا يمكن اختبارها وتطويرها وتفعيلها بالسرعة الكافية عبر أعضاء مجتمع تجارة التجزئة وحدهم. وهنا، يتطلب الأمر جرعة من الشجاعة لتجربة الأفكار الجديدة. لكن ذلك أيضاً يحتاج إلى ثقة كبيرة. وبناء على ذلك، فنحن في قطاع التجزئة اليوم، نحتاج إلى قادة يتحلون بالشجاعة والثقة وعلى استعداد لاتخاذ قرارات جريئة قد تُعتبر في البداية مثيرة للجدل وربما تتعرض للفشل في مرحلة التنفيذ. ولذا فلابد وأن تكون تحركاتهم نابعة من التزامهم بدفع قطاعنا إلى الأمام. فلا يوجد خيار آخر لأن قطار التطور التقني لا ينتظر أحداً.

خطواتنا التالية

حتى نتمكن من مواكبة التطورات التقنية وتلبية متطلبات وتطلعات المستهلكين سريعة التغير، فنحن الآن نقود شراكات واستثمارات جديدة تهدف إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية من خلال الأتمتة، سواء في الخلفية أو عند نقاط التماس مع العميل. وبفضل قدرتنا على الاستفادة من أحدث التقنيات من قبل العديد من الشركات الرائدة حول العالم، أشعر بالفخر كوني في قلب قطاع يشهد مثل هذا التحول الهائل. ولا أعتقد أن السؤال المطروح حول الأتمتة وهل هي المفترق بين الازدهار أو الاندثار! فيه مبالغة كبيرة. فنحن نقترب من التحول الأكثر أهمية في تاريخ قطاع التجزئة على الإطلاق. وقد حان الوقت الآن لفتح قنوات اتصال جديدة مع شركات التقنيات، والاستفادة من مهارات وإبداع شركاء التقنية المتخصصين في هذا المجال، والاستماع بآذان مصغية إلى متطلبات المستهلكين المدفوعة بتوجهاتهم نحو عنصر الراحة. وآمل أن يأخذ جميع أعضاء مجتمع قطاع التجزئة هذه الدعوة على محمل الجد وأن يتخذوا خطوات منسقة في هذه الرحلة الحاسمة، فالأتمتة عنصر أساسي لنجاحنا مستقبلاً. ويتوجب علينا جميعاً الأخذ بزمام المبادرة وتطوير قطاعنا نحو واقعه الجديد غير المسبوق.

 
 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.