بين الفرص والعقبات.. رحلة رواد الأعمال العرب لتمويل شركاتهم الناشئة خلال الأزمات الاقتصادية
يبحث عنه جميع رواد الأعمال.. صعب الحصول عليه.. يتسابق معظم أصحاب الشركات الناشئة للحفاظ عليه بل وزيادته.. أنه "التمويل" الذي ربما قد يكون تحول خلال الفترة الأخيرة - بالتحديد العامين الماضيين- لعملة ليس من اليسير الحصول عليها، ومع خروج العالم، وبالتبعية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تبعات أزمة كورونا، ليدخل الجميع في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تسببت في أزمة اقتصادية عالمية ضربت العديد من الشركات الكبرى منها والناشئة، وربما لن تتعجب عندما تقرأ تقرير "ومضة" عن "نشاط الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2023"، والذي أوضح أنه قد شهد نشاط رأس المال المخاطر للشركات الناشئة في المرحلة المتأخرة تباطؤاً كبيراً، حيث لا تزال الشركات الناشئة ذات رأس المال الجيد مقتصدة في الإنفاق والحفاظ على النقد وسط بيئة أكثر إحكاماً لجمع التمويل. لينخفض الاستثمار نصف السنوي - بما في ذلك بالدين - بأكثر من 21%، من 2 مليار دولار في عام 2022 إلى أقل بقليل من 1.6 مليار دولار هذا العام، وبدون الديون يكون هذا الانخفاض أكبر ليصل إلى 46%. البعض قد يقف صامتاً أمام تلك الأزمة ويقرر الانسحاب من المشهد، بينما هناك آخرون يقررون المضي قدماً ومحاربة العقبات، هنا كان يجب أن تُبحر سفينة "ومضة" مع رواد الأعمال في محيط أزماتهم لنتعرف سوياً على جذور الأزمة، وأنسب الطرق للتعامل مع تحديات الحصول على تمويل خلال فترة الأزمات الاقتصادية.
جذور الأزمة
لم يُعد يُخفى على أحد من رواد الأعمال حجم الأزمة الاقتصادية التي تواجه الشركات الناشئة التي تحاول الحصول على تمويل أما لبدء نشاطها أو للنمو والتوسع وتقديم خدمات ومنتجات جديدة، فقد أشار تقرير "ومضة" – السابق ذكره – أنه تم ملاحظة تردد المستثمرين في الربع الأول من عام 2023 بعد عواقب الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفوائد وتباطؤ النمو الاقتصادي على مستوى العالم، حيث يمكن رؤية التأثير الحقيقي بوضوح في الربع الثاني. وانخفض الاستثمار على أساس ربع سنوي بنسبة 56%، مع انخفاض عدد الصفقات بنسبة 30%، كما انخفضت استثمارات الربع الثاني هذا العام بنسبة بلغت 83% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، ليشهد النصف الأول من العام الحالي خروج 24 شركة ناشئة من السوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يقول "علي الشلقاني"، الشريك المدير لشركة "أكاسيا فينتشرز"، التي تُدير صناديق استثمار في الشركات الناشئة بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا: "في عامي 2020 و2021، قررت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والصين مكافحة تأثيرات كورونا، حيث قاموا بخفض سعر الفائدة، وضخوا سيولة كبرى بطرق مختلفة بالسوق لمحاولة تجنب التعثر المالي، مما انعكس في زيادة السيولة وأصبح الاستثمار في الديون غير مُربح، لذلك توجهت الاستثمارات لرأس المال المُغامر، وكان هناك ضخ أموال في صناديق استثمار تستثمر بالشركات الناشئة بالاقتصاديات النامية، لذلك تُعتبر تلك الفترة من أفضل سنوات الاستثمار بذلك القطاع والمنطقة".
أضاف: "اتُخذت خطوات بالمنطقة خاصة من جانب الإمارات والسعودية تعمل على تحفيز الشركات الناشئة، مما أثر إيجابيا على الفرص الاستثمارية، وهو ما انعكس على الأسواق بالمنطقة، حيث بدأت تلك الأسواق بالبحث عن الكفاءات والمواهب والخبرات بالدول المجاورة مثل مصر، كما رأينا مصريين قاموا بتأسيس شركات بالامارات والسعودية، أما اليوم، بسبب التضخم الكبير في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قررت الحكومات تغيير مسار السياسات الاقتصادية، وقامت برفع الفائدة بصورة غير مسبوقة، مما أثر سلباً على جاذبية استثمار رأس المال المغامر، وهو ما قلل من السيولة، لتتراجع الاستثمارات بالقطاع، كما أن سعر النفط قد انخفض عالمياً بشكل كبير مما أثر على السيولة بالسوقين السعودي والاماراتي".
"أحمد النجار"، شريك مؤسس لشركة "بلستكه"، التي تتخذ من مصر مقراً لها، وهو عبارة عن تطبيق يعمل بنظام بالذكاء الاصطناعي في سلسلة التوريد لإدارة النفايات، يوضح أن أبرز المعوقات التمويلية التي واجهتهم عن بداية نشاطهم تلخصت في صعوبة الحصول على جولات استثمارية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية والتضخم، حيث أن تلك الأزمة أدت الي توجه المستثمرين للبلاد ذات رأس المال المرتفع بدلاً من الاستثمار في الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تعامل المستثمرين بحذر من الاستثمار فيها بسبب الوضع العالمي، وتأثيراته المختلفة على تلك الأسواق.
للتحديات التمويلية أيضاً جانب تنظيمي هام، وذلك ما يوضحه "شريف أمجد"، محامي بمكتب "ليفاري" للمحاماة، والذي يرى أن هناك تشريعات قديمة نسبياً، والتي قد لا تتماشى مع طبيعة الشركات الناشئة الحديثة ومع متطلبات المستثمرين، وكذلك عدم التعامل بمرونة مع تلك الشركات ومعاملتها معاملة قانونية مماثلة للشركات القائمة والمستقرة في السوق لسنوات، كما أشار إلى أن الأزمة العالمية أثرت سلباً بشكل كبير على فرص تمويل الشركات الناشئة، وخاصة مع اتجاه بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة لرفع أسعار الفائدة، ولكن... بالنظر الى تاريخ ريادة الأعمال نجد أنه من قلب الأزمات عادة ما تظهر الشركات الناشئة التى تقدم حلول مبتكرة خلال تلك الأزمات، وبالتالي فإن الشركات التي سوف تقدم حلولاً إبداعية سوف تجذب الاستثمارات، وذلك بالرغم من وجود أزمات اقتصادية عالمية.
المواجهة
الاختباء من الأزمة وتبعاتها أم المواجهة وتحدي العقبات وهزيمة الصعاب التي قد تعترض طريقك؟.. ذلك القرار الذي يجب أن يتخذه / تتخذه رائد/ة الأعمال.
يعود "الشلقاني" ليوضح أنه كانت هناك من قبل سياسة اقتصادية خاطئة انتشرت في العالم، تتعلق بزيادة مبيعات الشركات على حساب الربحية خلال الفترة الماضية، ورأينا بعض الأساليب غير المستدامة مثل تحفيز المبيعات بخصومات وعروض عالية بغض النظر عن ولاء العملاء للمنتج، وكان ذلك بغرض تضخيم المبيعات بصورة مُفتعلة على حساب بناء قاعدة مستدامة من العملاء.
يتمنى "الشلقاني" أن يرى شركات مثل أمازون وجوجل تخلق من المنطقة، وهو يعتقد أن ذلك لن يحدث بصورة عشوائية بل عن طريق بناء منتجات مفيدة للعملاء، وقائمة على أسس مالية ثابتة وطريق واضح للوصول للربحية.
بينما يشير "النجار" أنه يُمكن التغلب على المعوقات التمويلية التي تواجه الشركات الناشئة بالمنطقة من خلال زيادة الحوافز، تعديل التشريعات الخاصة بقطاع ريادة الأعمال، وتشجيع الاستثمار المحلي، فضلاً عن أنه يرى أنه تلعب شركات رأس المال المغامر ومسرعات وحاضنات الأعمال دوراً حيوياً في مواجهة تلك المعوقات التمويلية من خلال تشجيع الاستثمار و دعم قطاع الشركات الناشئة، عن طريق بناء علاقات مع المستثمرين والحكومات والجهات التنموية، بالإضافة لدورهم في تنمية قدرات المشروعات الناشئة لتصبح جاذبة للاستثمارات مع خلق حلقة وصل بين رواد الأعمال والممولين.
ينصح "أمجد" بإصدار تشريعات تضمن للمستثمرين والممولين حد أدنى من الحماية في حال ضخ استثمارات في الشركات الناشئة، وكذلك وضع آليات سريعة وفعالة لحل النزاعات الخاصة بالاستثمار فيما يتعلق بالشركات الناشئة، ويُمكن الاستعانة ببعض الحلول التي قدمتها دول مثل الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في ذلك الشأن.
هل يمكن أن تدخل في صفقة عمل وأنت غير مستعد لها؟.. بالطبع سوف تخسر، لأن التخطيط والاستعداد للقيام بأي عمل هو أولى خطوات النجاح، كذلك هو الحصول على تمويل، فقد يُسارع البعض خلال بداية خطواتهم الاستثمارية بالبحث عن تمويل لشركاتهم الناشئة بدون التخطيط السليم ووضع القواعد التسويقية والإدارية وبناء الكفاءات الأولية التي ستعتمد عليها شركاتهم الناشئة، وهنا تكون مهمة الحصول على تمويل صعبة وتصبح مستحيلة خلال بعض الأحيان خاصة في حال وجود أزمات اقتصادية وظروف عامة قاسية، لذلك ربما يعتقد البعض أن ندرة التمويل أو صعوبة الحصول عليه هي الأزمة بحد ذاتها ولكن... في الحقيقة ربما يكون السبب الغائب عن أذهان البعض هو غياب التميز، وإهمال بناء خطة تسويقية واقعية، ينتج عنها توليد إيرادات معقولة، فدائماً يُقال أن "التميز يخلق الفرص".