المحافظ الإلكترونية وأثرها في تغيير مستقبل قطاع المدفوعات
مقال بقلم أحمد وهدان، مدير التسويق في شركة عزرا، إحدى الشركات الرائدة في مجال الإقراض الصغير والتكنولوجيا المالية.
أصبحت المحافظ الإلكترونية واحدة من حلول الدفع الأكثر شعبية في العالم، وخصوصًا بالنظر لقدرتها على توفير إمكانية أداء المدفوعات بلمسة زر واحدة. وازدادت شعبيتها على وجه الخصوص خلال أزمة كورونا (كوفيد-19)، حيث وفرت آلية دفع آمنة ومريحة وفعالة من حيث التكلفة، ما حفّز الكثيرين على التحول إلى طرق الدفع عبر الإنترنت لإجراء المعاملات اليومية. وبينما نمضي قدمًا في هذه الصناعة، من المتوقع أن تشكل المدفوعات عبر الهاتف المحمول 70% من إجمالي قيمة المعاملات عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول عام 2025، ويشير ذلك إلى نقلة نوعية في طرق الشراء والاقتراض وإجراء المعاملات المصرفية وأداء المدفوعات التي يتبعها المستهلكون.
وقبل أن ننظر في الاتجاه الذي تسلكه المحافظ الإلكترونية، لِنَعُد إلى البدايات. تعود نشأة المحافظ الإلكترونية إلى فترة زمنية أقدم بكثير مما تظن، ففي عام 1997، قامت شركة كوكا كولا بتركيب آلتين للبيع في فنلندا تقبلان الدفع عن طريق الرسائل النصية، وبهذا فقد نشرت الشركة أول حل على الإطلاق يشبه المحفظة الإلكترونية الحديثة، ومنذ ذلك الحين، قطعت هذه الحلول شوطًا كبيرًا.
ازدادت شعبية المحافظ الإلكترونية شيئًا فشيئًا بسبب تمكينها للمستخدمين من إجراء الدفعات وتخزين الأموال والوصول إلى مختلف الخدمات المالية الأخرى بكل سهولة عن طريق استخدام هواتفهم المحمولة أو الأجهزة اللوحية. وتُقدم خدمات المحافظ الإلكترونية عادةً من قبل المؤسسات المالية (البنوك)، والتجار، والمنظمات الحكومية، ومشغلي الخدمات المالية عبر الأجهزة المحمولة، وهناك ثلاثة أنواع رئيسية نستخدمها اليوم:
المحافظ الإلكترونية المفتوحة (Open-loop)، وتصدرها البنوك أو المؤسسات الشريكة مع البنوك، وترتبط مباشرة ببطاقة الائتمان أو الخصم الخاصة بالمستخدم. من الأمثلة على ذلك Apple Pay أو GPay أو PayPal.
المحافظ المقيدة (Closed-loop)، ويقدمها تجار منتج أو خدمة محددة، وتتيح للمستخدمين إنشاء حساب في تطبيق التاجر وإضافة أموال إليه باستخدام بطاقة ائتمان أو خصم. ويتم بعد ذلك تخزين القيمة في التطبيق لاستخدامها في أداء المدفوعات. ومن الأمثلة على ذلك تطبيق MAF Carrefour.
المحافظ شبه المقيدة (Semi-closed loop)، وتُقدمها عادةً شركات التكنولوجيا المالية أو مشغلو الخدمات المالية عبر الأجهزة المحمولة، ولا تتطلب بالضرورة حسابًا مصرفيًا وتسمح للمستخدمين بالشراء من تجار محددين وافقوا على قبول المدفوعات من جهة إصدار المحفظة. كما يتيح هذا النوع من المحافظ تحويل الأموال إلى مستخدمين آخرين داخل نفس شبكة المحفظة. ومن الأمثلة على هذه المحافظ Paytm، وMobikwik، وAlipay.
ومنذ تفشي جائحة كورونا، اعتاد المستهلكون على سهولة وكفاءة حلول الدفع الرقمية. ومن المتوقع أن تُنفذ أكثر من نصف مدفوعات التجارة الإلكترونية هذا العام على مستوى العالم باستخدام المحافظ الرقمية. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2026، سيكون هناك أكثر من 5.2 مليار مستخدم للمحافظ الرقمية في جميع أنحاء العالم، ما يمثل قفزة هائلة من 3.4 مليون مستخدم تم تحقيقها في عام 2022.
لا شك بأن المحافظ الرقمية أصبحت ذات جذور راسخة في حياتنا اليومية. وإلى جانب مدفوعات المشتريات، تقدم المحافظ عادةً خدمات التحويل من نظير إلى نظير (P2P)، والتحويلات المالية عبر الحدود، والقروض الصغيرة، وإدارة العملات المشفرة، وغيرها الكثير، ويعكس ذلك الطبيعة الديناميكية التي يتمتع بها المشهد المالي اليوم. ومع تطور هذا المشهد، ستستمر المحافظ الإلكترونية في إحداث ثورة في القطاع المالي بطرق مختلفة.
تعزيز الشمول المالي
هناك ما يقرب من 22% من سكان دول مجلس التعاون الخليجي لا يتعاملون مع البنوك، ويفتقرون إلى الوصول بصورة آمنة إلى الخدمات المالية. وهنا يمكننا القول بأن المحافظ الإلكترونية قادرة على إحداث فرق حقيقي، فهي تقدم مجموعة من الخدمات التي تسمح لعدد أكبر من الأشخاص بأن يصبحوا جزءًا من النظام المالي في المنطقة.
وتضم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعضًا من أكبر مسارات التحويل المالي الدولي، حيث تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية على مستوى العالم. ويُعزى ذلك إلى أن العديد من هذه الدول تضم عددًا هائلاً من المغتربين الذين يرسلون الأموال بانتظام إلى موطنهم الأم. إلى جانب ذلك، فإن نسبة كبيرة من سكان العديد من هذه الدول، مثل الهند والفلبين وباكستان وبنغلاديش، لا يملكون حسابات مصرفية. ولهذا، ازدادت شعبية المحافظ الإلكترونية التي تُمكّن أصحاب العمل من تحويل الرواتب مباشرة إلى محافظ موظفيهم الذين يستفيدون بدورهم من خدمات التحويلات المالية السريعة والمجدية التي تتم عبر الحدود.
تشجيع الإقراض الأصغر
وتقدم بعض المحافظ الرقمية أيضًا قروضًا صغيرة وأشكالًا أخرى من الائتمان، غالبًا مقابل رسوم أقل من تلك التي تتقاضاها البنوك التقليدية، لتفيد هذه الخدمة الفئة غير المؤهلة للحصول على قرض بالطرق التقليدية. وتسهم هذه القروض في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين نوعية الحياة، وتُمكن الأشخاص من إنشاء مشاريع تجارية خاصة، ودفع فواتير الخدمات العامة، ودعم أسرهم، والمشاركة في بناء الاقتصاد.
ومن الأمثلة التي تجدر الإشارة إليها محفظة M-Pesa الرقمية، حيث يستخدم ملايين الأشخاص في كينيا خدمة M-Pesa لإرسال الأموال واستلامها وسداد المدفوعات ودفع الفواتيرـ ما يسهم في تعزيز الشمول المالي والحد من الفقر في هذه الدولة.
وبناءً على تجربتي مع Ezra، يمكن أن يكون للإقراض الأصغر أثر كبير على تقليص الفجوة في الثقافة المالية عالميًا بين الدول المتقدمة والنامية. وقد ساعدت الخبرة التي تتمتع بها شركة Ezra مشغلي الخدمات المالية عبر الأجهزة المحمولة على تصميم وإطلاق خدمات القروض النقدية منخفضة المخاطر وتشغيلها والتوسع فيها في جميع أنحاء العالم. حاليًا، يستطيع أكثر من 40 مليون مستخدم شهريًا الوصول إلى حلول الإقراض السريعة والآمنة والمريحة التي تدعمها Ezra، كما قدمنا حلول الإقراض لمحفظة M-Pesa في كينيا.
تحسين الأمن السيبراني
يقترن الانتشار المتزايد للمحافظ الرقمية بتفاقم مخاطر الاحتيال السيبراني، ويتطلب ذلك حث المستهلكين على تعزيز تدابير الأمن السيبراني. لحسن الحظ، أصبحت كلمات المرور ضربًا من الماضي، حيث أصبحت المصادقة البيومترية (الاستدلال البيولوجي) منتشرة بشكل واسع في معاملات المحافظ الرقمية. وسواء تم استخدام تقنيات مسح بصمات الأصابع أو التعرف على الوجه أو حتى أنماط الصوت، تضمن المصادقة البيومترية توفير درع حمايةٍ لا يمكن اختراقه في حالة حصول شخص ما على جهازك المحمول.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكما هو الحال في العديد من الصناعات الأخرى، يحفر الذكاء الاصطناعي بصمته بسرعة في القطاع المالي، ليضيف مستوىً جديدًا من الأمن والحماية إلى المحافظ الرقمية. وبإمكان المحافظ المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تتعلم من سلوكك بمرور الوقت وترصد معاملاتك بصورة مستمرة بحثًا عن أي نشاط مشبوه. وتستطيع هذه التقنية التعرف على أنماط الإنفاق التي تتبعها عادةً ورصد أي انحرافات عنها ومن ثم الإبلاغ عن النشاط الاحتيالي في الوقت الفعلي- وهو تقدم مبتكر لمكافحة الاحتيال المالي المنتشر بكثرة والذي يعاني منه المستخدمون في دولة الإمارات العربية المتحدة.
المسار التحولي الذي تشهده المحافظ الإلكترونية يتجاوز حدود التحول في طرق الدفع فحسب- فهو يمثل خطوة إلى الأمام في جهود تمكين الوصول المالي والأمن. وبعد أن تطورت المحافظ الإلكترونية لتصبح أكثر بكثير من مجرد أدوات لتنفيذ المعاملات، تدفعنا هذه المحافظ الآن إلى مستقبل مزدهر يعزز الشمول والتقدم التقني في قطاع التمويل.