English

كيف تساهم مساحات الصنّاع في الثورة الصناعية الرابعة في المنطقة

English

كيف تساهم مساحات الصنّاع في الثورة الصناعية الرابعة في المنطقة

الطلاّب في الجامعة اللبنانيّة الأمريكيّة LAU يشاركون في ورشة عمل لتصميم الأجهزة مستخدمين أدوات الثورة الصناعيّة الرابعة (الصورة من "وايت لاب" White Lab)

نحن في خضمّ أعظم ثورة صناعيّة في تاريخ البشريّة، إذ أنّالثورة الصناعيّة الرابعةThe Fourth Industrial Revolution هي تحوّل اقتصادي أكبر وأوسع بآلاف المرات أكثر من كلّ ما سبقه.

يقولكلاوس شواب، مؤسِّس ورئيس مجلس إدارة "المنتدى الاقتصادي العالمي" World Economic Forum، إنّ "التغيرات عميقة للغاية، على مرّ التاريخ الإنساني لم يكن هناك زمن يفوق هذا الزمن من ناحية الوعود أو الأخطار المحتمة."  

تتميز الثورة الصناعيّة الرابعة 4ID بالتقاء تكنولوجيّات الجيل القادم مثل الحوسبة الكمية quantum computing؛ والذكاء الاصطناعي AI، وتعلّم الآلات؛ ووسائل النقل ذاتية القيادة والروبوتات؛ وإنترنت الأشياء IoT؛ والتصنيع بالإضافة additive manufacturing مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد 3D printing، والتكنولوجيا الحيوية biotechnology؛ وبشكلٍ عام، جمع العالمَين الحسّي والرقميّ معاً.

بالتزامن مع التغييرات الاقتصادية الأساسيّة، نشهد تحوّلات تلقائيّة في أنواع المهارات المطلوبة للحصول على عملٍ مربحٍ في عصر الثورة الصناعية الرابعة. فالباحثون عن عملٍ المطّلعون على كيفية استخدام تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة لأهداف إنتاجيّة، سيتمكّنون في القرن الواحد والعشرين من إيجاد فرص عمل أكثر من الذين لا يتأقلمون مع هذا التغيير أو الذين لا تُتاح لهم فرصة التأقلم معه.

الثورات الصناعيّة (تصميم"مختبر ومضة للأبحاث"  Wamda Research Lab)

من أهمّ الأسئلة التي علينا أن نطرحها اليوم، هي كيف نتأكّد من أنّ الثورة الصناعية الرابعة وثورة المهارات المرفقة ستحقّق بها نتائج إيجابيّة للذين لم يتسنَّ لهم فرصة التأقلم معها؟

كما يجب أن نفكّر بكيفيّة ضمان انتشار المواهب المناسبة والتكنولوجيا المناسبة في مجتمعنا ومساهمتها في زيادة إنتاجنا وقدراتنا الابتكاريّة، عوضاً عن استبدال اليد العاملة وتسهيل تحويل الوظائف إلى وظائف أوتوماتيكيّة.

"فاب لابز" جزء من الحلّ

"فاب لابز"Fab Labs (أي المختبرات الصناعيّة) هي مساحات عمل حيث يلتقي أصحاب الاهتمامات المشترَكة، ويبنون صداقاتٍ، ويتعاونون، ويبتكرون، ويخترعون. وغالباً ما تكون هذه الاهتمامات في حقل علوم الحاسوب، وتشغيل الأجهزة وصناعتها، والعلوم والمجالات الرقميّة. كما تُعتبَر مساحات العمل هذه عنصراً أساسياً في المجتمع إذ تساهم في تنمية المهارات والمواهب الأساسيّة للعمل وسط "التدمير الخلّاق الذي تُحدثه الثورة الصناعية الرابعة.

"من أجل منع احتكار القدرة والسلطة من قبل مجموعةٍ معيّنة من الناس،" حسبما كتب شواب فيما يتعلّق بالتداعيات الاقتصاديّة للثورة الصناعيّة الرابعة، "علينا إيجاد طرق للتوفيق بين منافع المنصّات الرقميّة (ومنها المنصّات الصناعية) ومخاطرها، من خلال ضمان الانفتاح وفرص الابتكار التعاوني  collaborative innovation."

بدأت فكرة "فاب لابز" مع نيل جرشنفلد عام 2005، في "مركز القطع والذرة" Center for Bits and Atoms التابع لـ"المختبر الإعلامي لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT's Media Lab، بوحيٍ من صفّ دراسي في هذا المعهد بعنوان"كيف تصنع أيّ شيء (تقريباً)" How to Make  (Almost) Anything.  وبالتالي نشأت من هذا المركز في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"،مؤسسة "فاب" The Fab Foundation وهي منظّمة أمريكيّة لا تبغى الربح.

تقدّم مختبرات التصنيع هذه باسم "فاب لابز" للمجتمعات فرصاً للتعاون والابتكار، وبحسب مؤسَّسة "فاب"، فإنّ "الأهمّ هو قدرة عامة الشعب على الوصول إلى ’فاب لاب‘ الذي يقوم على تسهيل الوصول إلى أدوات التعبير والابتكار الذاتي."

وبالفعل، باتت هذه الحركة العالميّة في نموّ مستمرّ، إذ وفقاً لموقع"فاب لابز" Fablabs.io وبيانات"هاكر سبايس" Hackerspaces.org، يتراوح عدد المساحات المشابهة لـ"فاب لاب" حول العالم بين 1200 وألفَي مساحة. كذلك، وجد المحللون في"بوبولر ساينس" Popular Science أنّ مساحات الصانعين (التي تشبه "فاب لابز") تضاعفت 14 مرّة على المستوى العالمي منذ عام 2006.

حرصت "فاب لابز" منذ تأسيسها على مبدئها الواضح في تأمين مجموعة أدوات أساسيّة ارتكزت في معظمها على تكنولوجيا الثورة الصناعيّة الرابعة، ويمكن إيجاد لائحة شاملة بهذه الأدوات علىموقع مؤسَّسة "فاب". كما تشمل هذه الأدوات الطابعة الثلاثية الأبعاد، والمحرّكات، وأجهزة الحفر بالليزر، وأجهزة تقطيع الفينيل vinyl cutters، وغيرها.

بحسب "المنتدى الاقتصادي العالمي"، "ستؤدّي [التحوّلات الاقتصادي التي ستنتج عن الثورة الصناعية الرابعة] إلى فقدان 5 ملايين وظيفة في 15 اقتصاد متقدّم وناشئ بحلول عام 2020." وحتّى اليوم، تسجّل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقياأعلى معدّلات بطالة بين الشباب في العالم.  ناهيك عن ذلك، وبالمقارنة مع مناطق أخرى، تُخرّج هذه المنطقة سنويّاً عدداً أقل من الطلاب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM.

في الوقت عينه، يزداد الطلب على وظائف مرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة. فبحسبتحليلات "وانتد" WANTED Analytics، ازداد عدد الإعلانات المبوبة التي تطلب موظّفين موهوبين في الطباعة الثلاثيّة الأبعاد بنسبة 1834% في 4 سنوات، وازدادت بنسبة 103% بين عامَي 2013 و2014.

مواهب هائلة تظهر في المنطقة بالرغم من ندرة مساحات "فاب لابز"


عدد لا بأس به من المختبرات الصناعيّة "فاب لابز" يظهر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الصورة من "فاب لابز")

"ثري دي مينا" و"ريفوجي أوبن وير" 

لؤي ملاحمة ( إلى يمن دايف ليفن من "بوبسي" Popsci)، الشريك المؤسِّس والرئيس التنفيذي لـ"ثري دي مينا" 3Dmenaوأيضاً الشريك المؤسِّس لـ"ريفوجي أوبن وير"Refugee Open Ware، يقول إنّ المختبر الصناعي "فاب لاب" في عمّان "يركّز على الابتكارات الرياديّة والتدريبات التي يحتاجها المجتمع في تقنيات الصناعة الرقميّة، أي التي تعتمد على التصنيع المُضاف والعوامل الحديثة الأخرى التي نتجت عن الثورة الصناعيّة الرابعة."

وبدورها تعمل "ثري دي مينا" أيضاً على إنشاء "فاب لاب" في منطقة إربد، بهدف التفاعل مع السوريين وربطهم بالشركات الصغيرة والمتوسطة الأردنيّة.

ديف ليفن، المؤسِّس والمدير التنفيذي لـ"ريفوجي أوبن وير"، الجمعيّة الإنسانية للابتكار التي تدير مختبرات تصنيع في عمّان وإربد، يقول إنّ جزءاً كبيراً من "أهداف ’ريفوجي أوبن وير‘ هو المساهمة في حلّ أكبر التحدّيات التي أحدثت ضرراً في المنطقة تاريخياً، وعلى وجه الخصوص التعليم والبطالة."

بدأت "ريفوجي أوبن وير" عملياتها من خلال المساهمة في إنشاء طرفٍ اصطناعيٍّ بطابعة ثلاثية الأبعاد، وجعله نموذجاً مفتوح المصدر، لطفل يمني عمره 6 سنوات تعالجه منظّمة "أطبّاء بلا حدود" Doctors Without Borders. وعندما سُئل الصبي عن بطله المفضّل،أجاب بأنّه "بن 10" Ben 10.


اليدّ ثلاثيّة الأبعاد المطبوعة باستخدام مادة من البوليستر المعدّل المقوّى بالكربون التي تبلغ كلفتها أقلّ من 75 دولار على طابعة ثلاثية الأبعاد قيمتها 1700 دولار، والتي طبعها عاصم حسنة، اللاجئ السوري في فريق "ريفوجي أوبن وير" الذي تعلمّ الطباعة الثلاثية الأبعاد في 3 أسابيع. (الصورة من 3ders.org)

"فاب لاب البحرين"

الشريكان المؤسِّسان علي رجائي (إلى اليسار) وسلمان العريبي من "فاب لاب البحرين" يتعاونان في تصميم ابتكارات في الأجهزة. (الصورة من "فاب لاب" البحرين)

بدأت رغبة سلمان العريبي بنشر ثقافة "فاب لاب" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من عمر صغير، والآن بات الشريك المؤسِّس لـ"فات لاب" البحرين، التي أُطلِقَت عام 2014 في حيّ العدلية وشارك في تأسيسها كلٌّ من رافد المناعي وعلي رجائي.

ويقول العربي إنّه "منذ صغرنا ونحن نحمل شغف الابتكار بطريقتنا الخاصة، ولكن لم تكن هناك منصّة تساعد الناس على تحويل الأفكار إلى أمرٍ ملموس وحسّي، [واليوم] غيّرنا ذلك."

يؤمن هذا الرياديّ أنّ "فاب لابز" قد تتمتّع بتأثيرٍ كبير على بلاده، "بخاصّةٍ من خلال توجيه الاقتصاد نحو تصنيع منتجات ابتكاريّة"، ويعلم أنّ "هذا النوع من الابتكار يتطلّب أوّلاً إعطاء جيل من الأفراد نفاذاً إلى هذه الموارد [أدوات الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجياتها]."

هذه الحركة أكبر من البحرين، بحسب العريبي الذي يشير إلى أنّ "’فاب لابز" موجودةٌ في كلّ أرجاء العالم، في أفغانستان والهند وأفريقيا، ونحن فخورون بأنّنا عنصر نشيط في هذه الشبكة العالميّة. وحتّى لو كنّا نركّز على نشر قيم هذه الحركة في مجتمعنا، فنحن لا نزال نهتمّ بالوصول إلى شبكة عالميّة."

"فاب لاب البحرين" هي واحدة منخمسة مختبرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقدّم (أو سوف تقدّم قريباً) شهادة من أكاديميّة "فاب" Fab Academy التي تمثّل شبكةً تعاونيّة تعليميّة موزّعة تستخدم تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة في مساحات "فاب لابز" حول العالم. وبالتالي، يحقّ لخرّيجي هذه الأكاديميّة افتتاح وإدارة مختبر "فاب لابز".

"فاب لاب البحرين" تسمح للناس من كل ّالفئات العمريّة ومن مختلف المجالات بتحويل أفكارهم إلى منتَجات ساحرة (الصورة من "فاب لاب" البحرين)  

يحصل المشاركون في برنامج "فاب لاب البحرين" على دورة تعليميّة لمدّة 16 أسبوع عن تقنيّات الصناعة الرقميّة. ويتعلّم الساعون إلى الحصول على شهادة "فاب لاب" كيفيّة تصميم الدارات الإلكترونية، وصناعتها، وتلحيم المكوّنات الإلكترونية، وبرمجة المشروع، وإضافة الحسّاسات، وكلّ ذلك بهدف أن يتمكّن هؤلاء الذين يحصلون على الشهادة من تأدية هذه الوظائف كلّها بأقلّ من أربع ساعات.

"فاب لاب مصر"

"فاب لاب مصر" هو أحد أقدم مساحات ـ"فاب لابز" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأكثرها تطوّراً. فهذا المختبر الذي كان أوّل ما أسّسته أكاديميّة "فاب" في المنطقة، استمرّ في دعم 5 خريجين من هذه الأكاديميّة.

منذ ذلك الحين، عملت "فاب لاب مصر" و"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" سويّاً لتأسيس مختبرين في أول مدرستين تركّزان على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في مصر. فضلاً عن ذلك، أخذت "فاب لاب مصر" على عاتقها مسؤوليّة تعليم الأساتذة وأكثر من 850 تلميذاً حول كيفية استخدام الآلات والأدوات.

 

تقدّم "فاب لاب مصر" مجموعة واسعة من ورش العمل للبالغين. (الصور من "فاب لاب مصر")

 

كما تقدّم "فاب لاب مصر" ورش عمل للأطفال بين 11 و16 عاماً تحت اسم "يونج مايكرز كامب" Young Makers Camp.   

يقول الشريك المؤسِّس والمدير العام لـ"فاب لاب مصر"، عمر الصفطي، إنّه "بعد الثورة، كنّا متحمّسين للقيام بشيءٍ يفيد مجتمعنا وبلدنا." وبالتالي بدأت لحظات تأسيس "فاب لاب مصر"، وفقاً للصفطي، عندما تعرّف أعضاء فريق "هاكر سبايس القاهرة" Cairo Hackerspace على رائدَي أعمال يريدان الحصول على شهاداتٍ من أكاديمية "فاب"، فتعاونوا سويّاً لإنشاء "فاب لاب مصر".

ويضيف الصفطي قائلاً: "بدأنا بهدف تمكين المصريين من تحويل أفكارهم إلى واقع، وتغيير العقليّة من عقليّة المستهلِك إلى عقليّة المنتِج... وكانت دوافعنا الأساسيّة: النقص في خيارات فرص التعليم العملي في مصر، والفرص المحدودة للتعلّم التطبيقي في مجال الهندسة."

"في ذلك الوقت لم مجتمع ’فاب لاب‘ موجوداً، واعتقد الناس أنّنا نتصرّف بسذاجةٍ وأنّنا لن ننجح أبداً."

والآن، "نحن فخورون بأنّنا بعد عامين غلى الانطلاق بأموالنا الخاصة، أصبحنا شركة مستدامة... وتأتي مواردنا بشكلٍ أساسيٍّ من ورش العمل وبرامج التدريب. في مصر، لدينا أكثر من 5 مواقع، والطاقة الاستيعابيّة لورش العمل والبرامج التي نقدّمها تصل إلى حوالي 80%."

في المستقبل، سوف تأسِّس "فاب لاب مصر" 5 مختبرات صغيرة في 5 محافظات مصريّة صغيرة، بالتعاون مع "موبينيل" Mobinil. ويلفت الصفطي إلى أنّهم يخططون لبناء تطبيق "فاب لاب" على الأجهزة المحمولة كذلك، ليتوسّعوا إلى المحافظات الفقيرة في مصر.

"يجب أن يتمكّن الجميع من الوصول إلى هذه التكنولوجيا،" يختم الصصطفي، شارحاً أنّ "هذا الأمر يتعلّق بتحسين نوعيّة التعليم في مصر لكي نشارك في اقتصاد القرن الواحد والعشرين، فبالرغم من أنّ من يتحكّم بالمعلومات يتحكّم بالعالم، إلّا أنّ من يُمكنه تحفيز المخيّلة يتحكّم بالمستقبل."

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.