هل أنت سعيد؟ البيانات قد تقرّر ذلك
خلال افتتاحية قمّة "عرب نت" دبي 2016. (الصورة لـ جاكلين صوفيا)
"السعادة أمرٌ شخصيّ للغاية؛ إلى أيّ مدى تريدنا أن نعمل لنجعلك سعيداً؟" قالها ماركو كريستيان يانسن خلال قمّة "عرب نت الرقمية" Arabnet Digital Summit لهذا العام، محوِّلاً جلسة النقاش التي سُمّيت بـ"نهوض الآلات" Rise of the Machines إلى محادثةٍ بنّاءة حول استخدام البيانات لتحويل المدن الذكية إلى مدن سعيدة.
في حين كان روّاد الأعمال يعرضون خارج قاعة المؤتمر أحدث الأدوات وتطبيقات الأجهزة المحمولة التي جاؤوا بها، تمكّنت حلقة النقاش هذه من تقييم التكنولوجيا بصورةٍ أشمل بالإضافة إلى دورها في حياة الناس الذين يعيشون في دبي.
قبل ذلك، كان حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قد أعلن عن هدف دبي لتصبح أسعد مدينةٍ على وجه الأرض بحلول عام 2017؛ كما أنّ دولة الإمارات عيّنَت وزيرةً للسعادة، ناهيك عن وجود حديقةٍ في دبي تهدف إلى حثّ مشاعر السعادة لدى زوّارها.
ولكنّ السؤال الذي طرحه يانسن، مدير مشروع الشبكة الذكية التابعة لـ"هيئة كهرباء ومياه دبي" DEWA، قد أثار نقطةً هامّة: السعادة لا يمكن قياسها بمجموعة معايير أو تطبيقات، إذاً كيف يمكن للمرء أن يجعل مدينةً بأكملها سعيدة؟
أزمة التكنولوجيا
من الطرق الكفية بإسعاد المدينة بأكملها، بحسب الرئيس التنفيذي لـ"أميكس+" Amyx+، سكوت أميز، هي تحديد مثبطات السعادة التي تسبب "الاحتكاكات" بين الناس وإزالتها.
فهذه الاحتكاكات التي تنجم عن مشاكل تدور حول ثلاثة عناصر - الناس، والعمليات، والأدوات - حالما يتمّ التخفيف منها في "الحقيقة" تصبح السعادة قابلةً للتحقيق.
هل هذا فيلم "تيرمينايتور"؟ لا، بل جلسة نقاشٍ في "عرب نت". (الصورة من "عرب نت")
طرح أميز "دبي مول" Dubai Mall كمثالٍ: عندما تسير في مركز تسوّق ضخمٍ، فإنّ عدداً لا يحصى من المشاعر تختلجك، مثل الدهشة لوجود الكثير من خيارات التصفّح والشراء؛ والرضا في العثور على ما تحتاج إليه بالضبط؛ وحتّى الارتباك والشعور بالإجهاد.
وبالتالي، فأنت تُنشئ نظاماً عشوائياً يضمّ مكوّناتٍ غير متجانسة"، حسبما قال أميز في جلسة النقاش عن "نهوض الآلات".
في البداية هناك ’الأداة‘؛ وقد شبّه أميز "دبي مول" بأداةٍ مماثلة لـ"إنستجرام" Instagram أو "تويتر" Twitter. فوسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة هذه يمكنها أن تكون مفيدةً من أجل الترويج لعملٍ ما أو الحصول على أسئلة المستهلِكين، ولكنّها أيضاً قد تصرف الانتباه عن المهمّة الرئيسية والتقليل من عامل ’السعادة‘.
وبالمثل، فإنّ "دبي مول" أداةٌ رائعةٌ للتسوّق، ولكنّك عندما تتوه في طريقك إلى متجر "ليفيس" Livis، أو عندما يستحوذ الشلال الكبير على انتباهك، يمكن لهذا أن يثير القلق ويتجاوز جاذبية هذه الأداة.
أمّا العناصر الأخرى، الناس والعمليات، فعندما يتمّ إدخالها يمكن تجنّب هذه ’المشاكل‘ وتحقيق المزيد من السعادة الفردية.
"عندما أذهب إلى أكبر مركز تسوّقٍ في العالم، فأنا أضيع. واللجوء إلى مكتب الاستعلامات أو الأكشاك هو أمرٌ مرهق،" بحسب أميز الذي اقترح زيادة التركيز على الناس والعمليات المرتبطة بهذه الأدوات، بحيث يمكن لذلك أن يكون مثلاً عبر إنشاء تطبيقٍ مفيدٍ يسمح لمرتادي مركز التسوّق بتحديد وجهاتهم قبل الدخول، وتحديد المواقع الجغرافية لوجهاتهم المقصودة من أجل رسم خريطةٍ شخصية تقلّل من القلق الذي يرافقنا عند التجوّل في مراكز التسوّق الضخمة.
إتاحة البيانات أمام الجميع
المدير التنفيذي لقطاع خدمات الدعم التقني المؤسّسي، في "هيئة الطرق والمواصلات بدبي" Dubai Roads and Transport Authority، عبدالله علي المدني، شرح أهمّية إتاحة البيانات أمام الجميع من أجل إدراك ما يحتاجه الناس للتخفيف من هذه الاحتكاكات.
وقال صراحةً أمام الجمهور إنّ "الحكومات لا يوجد لديها إدارات [معنية بالبحث والتطوير]، ونحن لسنا جيّدين من هذه الناحية"؛ لكنّ حكومة دبي تدرك تماماً الموارد المتاحة لها من بين مواطنيها.
فهذه الأخيرة تريد الاستعانة بموارد خارجية في مجال التقنيات والتطبيقات التي من شأنها تلبية احتياجات ورغبات الناس من خلال العمل مع القطاع الخاص. والوكالة الجديدة، "مؤسسة بيانات دبي" Dubai Data Agency، تأخذ زمام المبادرة في تركيز البيانات وإتاحتها للجماهير كموردٍ لتعزيز البحث والتطوير.
تصوّر للمدينة الذكية.
في هذا السياق، استشهد المدني بالنهج الذي اتّبعته لندن من أجل تأمين تجربةٍ أكثر سلاسةً في نظام النقل، على اعتبار البيانات وسيلةً يمكنها أن تساهم في جعل المستخدم أكثر سعادة.
لقد فتحت مدينة لندن مجموعات بياناتٍ أمام مبتكري تطبيقات الجوال، ما أدّى إلى إنشاء ما يقرب من "400 تطبيقٍ لمساعدة الناس... في التنقل بواسطة نظام النقل في لندن". وفي نهاية المطاف، تمّت غربلة هذه التطبيقات ليؤلّف ما بقي منها جزءاً من الأدوات التي يمكن للناس استخدامها. وبالتالي، سمحت هذه العملية باكتشاف الأدوات الأفضل، وتقليل الاحتكاك الذي خبرِوه أثناء التنقل في مدينتهم.
في المقابل، يوجد أنظمةٌ معمولٌ بها لتنظيم الوصول إلى البيانات وحماية أنواعٍ معيّنة منها، ووفقاً للمدني. وقد وضعت "مؤسسة بيانات دبي" قانون البيانات المفتوحة بناءً على قواعد وآليات وبحسب خصائص البيانات؛ بحيث يوجد ثلاث فئاتٍ رئيسية من البيانات المحمية غير المفتوحة للاستخدام العام، وهي تشمل البيانات الشخصية، والبيانات المشتركة (البيانات المحظورة سابقاً)، والبيانات الحساسة.
عبدالله علي المدني، المدير التنفيذي لقطاع خدمات الدعم التقني للشركات في "هيئة الطرق والمواصلات بدبي"، يتفاعل مع الجمهور بعد جلسة النقاش. ويظهر في الخلفية: سكوت أميز (إلى اليسار)، الرئيس التنفيذي لشركة "أميكس+"؛ وعاصم حجازي (إلى أقصى اليمين)، نائب الرئيس في قسم المدن الذكية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في "مجموعة الأهلي القابضة". (الصورة لـ جاكلين صوفيا)
هل السعادة مضمونة؟
عندما يتعلّق الأمر بإنشاء مدينةٍ ذكية، يبدو أنّ الهيئات العامة والخاصّة تتّبع نهجاً موحّداً.
فبحسب رئيس قسم المبيعات ومسؤول الاستراتيجيات في شركة "إنيفو" Enevo Inc، شربل عون، "إنّنا نبتعد من النقاش حول التكنولوجيا ونغوص في النقاش حول الناس".
وردّد المدني هذا بقوله إنّ التحديات ليست في تنفيذ التكنولوجيات وحسب، بل أيضاً "في جعلها ذكيةً بطريقةٍ تخدم الناس... وإذا كنّا فقط نقوم بتنفيذ التكنولوجيا، فهذا لا يعني أنّ الناس سوف يكونون سعداء".
لا يشير كلّ هذا إلى أنّنا في عصر "نهوض الآلات"، ولكنّ الفكرة هي أنّ البيانات التي يولّدها الناس من شأنها أن توفّر حلولاً عدّة للحدّ من الاحتكاكات اليومية.