القياسات الحيوية تُغيّر وجه العمل الإنساني في الأردن
أصبحت القزحية، والأذن والأصابع وحتى روائح الجسم عناصر مهمة بقدر أهمية القلب والرئتين لوجود الكثير من البشر.
فالعديد من الأنشطة اليومية كالسفر والإيداع النقدي في البنوك وحتى فتح جهاز الآيفون، أصبحت مُعتمدة بشكل كبير على هذه الأعضاء للتعرف على هوية المستهلك أو المستخدم.
يتوقع البعض أن يتم بحلول العام 2021 شحن نحو 300 مليون هاتف محمول مزود بخاصية نظام بصمة العين، إلى جميع أنحاء العالم.
يأتي ذلك في سياق انتشار تقنية التعرّف على الهوية بالاعتماد على المقاييس الحيوية Biometrics التي تقوم بمسح بعض السمات البيولوجية الفريدة في جسم الإنسان مثل بصمة الإصبع أو بصمة العين أو حتى جغرافية اليد لتحديد الهوية.
بداية يتم تخزين بصمة الإصبع أو بصمة العين في قاعدة بيانات رقمية يتم مُقارنتها ببيانات القياس الحيوي للشخص المطلوب التعرف على هويته. وحينئذ يقبل النظام هوية الشخص أو يرفضها وذلك بناء على المُطابقة أو عدمها.
ومن المتوقع أنّ تحل الهوية البيولوجية في القريب العاجل بدل كلمات السر التقليدية كحلول أكثر أماناً لمحاربة سرقة الهوية والاحتيال. وبدأ اختبار هذا النظام ونشره في أكبر مخيم للاجئين السوريين في الأردن الذي تقطنه غالبية من اللاجئين الفارين من ويلات الحرب في بلادهم.
أجهزة صرف آلي في الأفق
بدأت بعض المنظمات الإنسانية كبرنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين باستخدام نظم التعرف على البيانات بالقياس الحيوي لتسجيل اللاجئين الذين بلغ عددهم مستوى غير مسبوق. وفي العام 2013، أصبح الأردن أول بلد يعتمد نظام بصمة العين لتسجيل اللاجئين.
بالإضافة إلى التسجيل، بدأت المفوضية في صيف العام 2012 بالتعاون مع شركة "ايريس جارد" IrisGuard في تفعيل نظام نقدي بيومتري لتوزيع المعونات النقدية على العائلات السورية المقيمة في الأردن.
وبحسب ريم ندا مسؤولة التواصل والإعلام في برنامج الأغذية العالمي، قامت المفوضية السامية بتسجيل 90% من اللاجئين السوريين المُتواجدين في الأردن عبر القياسات الحيوية.
في السابق، كانت العائلات تقوم بصرف المعونة الشهرية البالغة 140 دولار أميركي عن طريق بطاقات الصرف الاّلي المقدمة لهم من المفوضية. أمّا الآن فبإمكانهم صرف المعونة عن طريق استخدام أحد الصرّافات الآلية البالغ عددها حوالي 200 والمزوّدة بخدمة مسح بصمة العين. فيقوم النظام، من دون الحاجة الى بطاقات أو أرقام سرية، بمسح قزحية عين المستفيد ليتعرّف على هويته ويصرف له النقود.
شراء الأطعمة بلمح البصر
إضافة إلى الصرف النقدي، يستخدم برنامج الأغذية العالمي 34 جهاز لمسح بصمة العين في إطار برنامج المساعدات الغذائية البيومتري الذي يعتمد على قاعدة بيانات مفوضية اللاجئين. فقد أصبح هؤلاء قادرين على شراء المواد الغذائية من المتاجر المحلية باستخدام بصمة العين بدلاً من الدفع نقداً أو بالبطاقة.
وتوضح ندا أنه "بالرغم من كون البطاقات الإلكترونية عملية وآمنة، إلا أنّها كأي بطاقة بنكية معرّضة للفقدان أو السرقة، كما أنّ إصدار بطاقة جديدة قد يستغرق مدة طويلة تصل إلى أسبوعين".
كيف يعمل النظام؟
في البداية يتم مسح بصمة عين المستفيد لمطابقتها مع بيانات القياس الحيوي للمفوضية السامية، ومن ثم يتم التواصل مع البنك لتأكيد عملية الشراء ويتم طباعة إيصال للاجئ.
تؤكد ندا أنّ النظام "يحمي المُستفيدين من أية سرقات أو سوء استخدام للمعونة، كما يحافظ على سلامة أموال المانحين".
أصبح كل اللاجئين القاطنين في المُخيمات والذين يُريدون الحصول على مساعدات برنامج الغذاء العالمي مجبرين على استخدام النظام البيومتري باستثناء بعض الحالات ككبار السن الذين يعجزون عن التسوق بمفردهم، أو الأشخاص الذين يُعانون من مشاكل في عيونهم. وحتى الآن يوجد حوالي 1400 سوري من أصل 107 آلاف في المخيمات مصنّفون كـ"حالات خاصة".
ولكن بام ديكسون، المديرة التنفيذية للمنتدى العالمي للخصوصية World Privacy Forum ترى إجبار اللاجئين على استعمال النظام، مثيراً للجدل. وتوضح في مُقابلة مع "ومضة" قائلة: "أتفهم الرغبة الكبيرة والمحقّة في الحد من حالات الاحتيال وانتحال الشخصية وضمان حصول كل لاجئ على ما يحتاجه. ولكننا نتعامل هنا مع أشخاص حُرموا من خيارات عديدة في الحياة، نقوم نحن أيضاً بحرمانهم من خيار آخر".
وبالفعل يسعى برنامج الغذاء إلى نشر ما مجموعه 330 آلة لمسح لعين في 200 متجر في مختلف أنحاء الأردن.
قرصنة القياسات الحيوية
نظرياً تُعتبر القياسات الحيوية أكثر أماناً للمُصادقة على هوية طالب الخدمة من الطرق التقليدية مثل كلمة السر لأنه بكل بساطة لا يمكن تقليد بصمة الإصبع أو بصمة العين. لكن ماذا لو تمكّن أحد من فعل ذلك، ففي النهاية بصمات الإصبع وبصمات العين هي أمور عامة لا يمكن إخفاؤها. وأبسط الأمثلة على ذلك كوب قهوة نمسكه بيدنا أو صورة "سيلفي" تظهر فيها عيننا بوضوح على فايسبوك.
إذاً يسمح غياب الخصوصية للقراصنة بتقليد بصمة الإصبع باستخدام معجون اللعب وبصمة العين عن طريق الصور العامة . وبالرغم من أن قرصنة بصمة العين أصعب بكثير من سرقة كلمة سر، إلاّ أنّ تداعيات ذلك أكبر بكثير. فعلى عكس كلمة السر التي يمكننا تغييرها، لا يمكننا أن نغيّر بصمة الإصبع أو العين، مما يجعلنا عرضة للخطر مدى الحياة.
غير أن المدير التنفيذي لشركة "أيريس جارد" Iris Guard ومؤسسها عماد ملحس يؤكد أنّ الإجراءات الأمنية المتخذة تُحافظ على خصوصية البيانات وتمنع التلاعب. فعلى سبيل المثال يمكن للصراف الآلي أن يُميّز بين صورة عين وعين حقيقية، فيرفض الأولى ويقبل الثانية.
مسألة الخصوصية
يوضح ملحس في حديث إلى "ومضة" أنّه لمجرّد نظر اللاجئ إلى آلة مسح مُثبتة على آلة صراف آلي أو في متجر، لا يعني أنّ البنك يستطيع الحصول على رسم القزحية. ويشرح أن البنك يعمل كحلقة وصل بين المتجر والمفوضية السامية التي بدورها تُطابق بين بصمة اللاجئ التي يتم مسحها في المتجر أو أمام الصراف الآلي والبصمة المُسجلّة في قاعدة البيانات. من ثم يستلم البنك موافقة أو رفضاً من المُفوضية وبناء على ذلك يقوم إمّا برفض أو قبول العملية.
ويضيف ملحس أن اسم اللاجئ أو جنسه أو جنسيته كلها معلومات غير متاحة للبنك وأن رقم ملف اللاجئ هو الشيء الوحيد المعلن.
إذاً نظراً إلى كون البيانات مشفّرة فإن مجرّد مغادرتها النظام يجعلها بلا أي فائدة. ويتابع أنه "إذا سرق أحدهم بصمتين لعينك من بنكين مُختلفين، لن يجد أي شيء مشترك بينهما. هكذا نحدّ من أي سوء استخدام قد يحصل في المُستقبل".
رغم كل هذه الإجراءات، لا تزال ديكسون قلقة من الضغوط التي تمارسها بعض الجهات الأخرى أو قراصنة يسعون للوصول إلى البيانات، لا سيّما أنّ سياسة المفوضية السامية تسمح بمشاركة مشروطة للبيانات مع جهات ثالثة.
وتشرح أنّ "حكومات أجنبية قد تطلب هذه البيانات. وبما أنّ نتيجة مسح القزحية لا يُمكن تغييرها، يسهل على الحكومات أن تُسقط على اللاجئ هوية قد تضره رغم مُحاولته جاهداً الهروب من ظروف تهدد حياته".
تعتقد ديكسون أن السياسة يجب أن تأتي قبل التكنولوجيا وليس العكس. ولكن في هذه الحالة تأتي التكنولوجيا أولاً.
يتصور البعض أنه بحلول العام 2020 ستصل قيمة سوق البيانات الحيوية عالمياً إلى حوالي 21.9 مليار دولار، لكننا لا نعلم حصة المساعدات الإنسانية منها. ولكن يبدو أنّ المزيد من المنظمات الإنسانية مستعدة لتطبيق التكنولوجيا في الوقت الذي تخشى فيه المنظمات الحقوقية على الخصوصية والأمن.
في الخلاصة فإن الوصول إلى توازن بين الواقعية واحترام حقوق الإنسان سيكون التحدّي المقبل.