خمسة عناصر حتميّة لتنشيط التجارة الالكترونية في العالم العربي
على خلفيّة النجاحات التي حقّقتها العديد من شركات
التجارة الالكترونية، يقوم عدد متزايد من رواد الأعمال بإطلاق مشاريع
أعمال على الانترنت. لكن المنطقة تفتقر لأساسيّات البنية التحتية
للتجارة الالكترونية، الأمر الذي يعوق إمكانات النمو في هذا
المجال.
تُظهر العديد من المؤشّرات إلى
وصول التجارة الالكترونية إلى السعودية ونستطيع
في المستقبل القريب توقّع رؤية نسخ محلية من عمالقة التجارة
الالكترونية أمثال "أمازون" Amazon و"إيباي" eBay. فنحن نشهد
يوميّاً تزايد شعبية مواقع مثل "سوق دوت كومSouq.com و"دوبيزل"
Dubizzle، وبظهور العديد من مواقع "العروض اليومية" الإقليمية يبدو أن مشاكل ثقة
المستهلك بقضايا التسوق على الانترنت قد أخذت تتلاشى. كما يتيح التسوق
عبر الانترنت فرصةً مثيرة للجميع من صغرى المتاجر إلى الشركات الكبيرة
للتنافس على أرضية مستوية.
يعد إطلاق شركة تجارة إلكترونية في
الأسواق الأكثر تطوراً عمل سهل، حيث إن تكلفة إجراءات ترخيص الشركة لا
تتجاوز بضعة مئات من الدولارات. كما تقدم بعض المواقع الجاهزة أدوات
للتجارة الالكترونية الجديدة اللازمة مقابل مبلغ زهيد جداً. ويقدم عدد
من وسطاء حلول الدفع طرقاً رخيصة وفعالة من حيث التكلفة لتحصيل المال.
وفي كل المراحل السابقة يتم تقديم خدمة الزبائن وتُقاس وتُقيّم. أما
عملية الشحن فهي بسيطة وغالباً ما تكون مجانية!
تقلل كل العوامل السابقة من عامل
المخاطرة بالنسبة لمشروع ناشئ كمُنضم جديد للسوق، كما تسمح للمحلات
الصغيرة بالتنافس بنجاح في مواجهة الشركات العملاقة. على سبيل
المثال، يدير صديق لي شركة ناجحة للجبن على الانترنت من بلدة
صغيرة ومتواضعة في الولايات المتحدة الأمريكية، و يجني مليون دولار
شهرياً من المبيعات!
إن احتمال حدوث قصص نجاح مماثل هنا
في المنطقة موجودة، لكن الجهد المطلوب إضافة للتكاليف العالية لتصميم
وإطلاق مشروع جديد أضحت حواجز لا يمكن التغلب عليها. علاوة على ذلك،
فعدم وجود بنية تحتية مناسبة تجعل من الصعب جداً تجاوز مرحلة الفكرة
إلى التنفيذ، ما يؤدي أيضاً إلى ركود اقتصاد المشاريع
الريادية.
وفيما يلي خمس عيوب موجودة حاليّاً
فيما يتعلق بالبنية التحتية للتجارة الالكترونية في
المنطقة:
1- عمليّات الدفع: من الممكن أن
يشكل قبول الدفعات على موقع الكتروني محنة كبيرة. أما الخيارات
المتاحة فتتضمن بطاقات الائتمان، والبطاقات مسبقة الدفع، أو نقداً عند
التسليم، أو "باي بال" PayPal وغيرها. ويعد الحصول على حساب تاجر
وبوابة للدفع في المنطقة عملية مكلفة للغاية وربما تكون أكبر
مثبط. يمكن استخدام مواقع مثل "باي بال" PayPal ولكن عملية تحويل
الأرباح محلياً هي تحدٍ بحد ذاتها. أما شركات التجارة الالكترونية
التي تحمل عامل مخاطرة أكبر فتدفع مبالغ عالية جداً لبوابة الدفع
الإقليمية وقد تُطالَب بوديعة تصل إلى25000 دولار أو أكثر،
وتوفر بعض شركات الدفع الالكتروني الإقليمية الأخرى بطاقات الدفع
المسبق مثل "كاش
يو" CashU الأمر الذي لا يزال غير مريح للمتسوقين من ذوي
الخبرة.
ما هو المطلوب: أن تتوفر بوابة
دفع تتيح للتجار على الانترنت قبول العمليات المالية المدينة
والدائنة بتسعيرة عادلة.
2. النواحي اللوجيستية (الشحن و
المخزون): يمكن أن يكون العثور على مطعم في دبي أو الرياض كابوساً في
بعض الأحيان، أما العثور على عنوان سكني فهو حتى أسوأ. إذا ما اقترن
هذا بتكاليف الشحن المرتفعة، نجم عن ذلك تقلّصٌ كبير في الوفر
الاقتصادي المرجو من حجم مبيعات التجارة الكترونية عبر الحدود. لا
تزال هناك حاجة لإيجاد حلول لنقص الوسائل المناسبة والرخيصة للشحن على
الرغم من أن شركة "آرامكس" Aramex تحقق نجاحات. من الخدمات المفقودة
أيضاً في المنطقة مفهوم "الشحن المباشر من المصدر" بمعني أن يشحن
المورد/الموزع مباشرةً من مستودعه إلى المستهلك، مزيلاً بالتالي
الحاجة إلى قيام التاجر بتخزين البضاعة.
ما هو المطلوب: توفّر خدمات
إتمام الطلبيّات بحيث تكون بسيطة، بأسعار معقولة ويمكن الاعتماد عليها
ومصممة خصيصاً لمشتريات التجارة الإلكترونية.
3. التصميم/التطوير: اللغة العربية
لغةٌ جميلةٌ ولكن للأسف يتطلب النص العربي على موقع على الانترنت
مُطابقة (ليصبح من اليمين إلى اليسار)، والقول هنا أسهل بكثير من
الفعل، فهو يتطلب تصميم واجهة وبرمجية عمل للموقع بشكل مُخصّص وليس
فقط ترجمة اللغة. ولا تُفيد هنا مواقع التجارة الالكترونية الجاهزة
مثل "شوبيفاي"
Shopify لعدم توفّر نسخ عربية، مما يدفع الشركات لبناء المواقع من
الصفر. تطوير موقع الكتروني من الصفر يجر رجال الأعمال بدوره لخيار
التعاقد مع مطوّر مواقع من الخارج مما يمكن أن يؤدي لرداءة النوعية
واللغة العربية المستعملة، أو اللجوء لشركات تطوير مواقع محليّة والتي
قد تكون مكلفة.
ما هو المطلوب: طريقة يمكن بها عرض الموقع الإنكليزي
باللغة العربية (أو العكس) مع الحفاظ على بنية الموقع الأصليّة.
والبديل الأفضل، هو المزيد من شركات تطوير مواقع الانترنت باللغتين في
المنطقة، مع الحفاظ على كل من التكلفة ومستوى الجودة كي تبقى قادرة
على التنافس مع الشركات الأكبر.
4. خدمة العملاء: ينظر خبراء عالم
الأعمال العصريين لـ"خدمة الزبائن" كإسلوب تفكير أكثر منه إجراءات
عملية، فتأثيرها بعيد المدى في بناء ثقة المشتري وولاءه لعلامة
تجاريّة. وقد اختلفت تجاربي الشخصية في المنطقة، فمثلاً عرضت إحدى
مواقع العروض اليومية المشهورة الإعادة الفورية للمبلغ المدفوع في حال
عدم الرضا عن الخدمة في منتجع صحي، بينما لم تتمكن شركة مبيع بمتاجر
واقعية وعلى الانترنت من معرفة التاريخ المتعلق بمعاملة تجارية
أجريتها على الانترنت من متجرهم الالكتروني رغم انقضاء أيام في
البحث.
ما هو المطلوب: إدراك القيمة الهامة لكل زبون على
الانترنت بالنسبة للتقييم النهائي ولسمعة الشركة والتي تزداد أيضاً
قيمتها المتبقية بعد عملية بيع ناجحة. إن الاستثمار في مجال تحسين
خدمة العملاء عبر جميع وسائل التواصل (الهاتف، البريد الإلكتروني
ووسائل الإعلام الاجتماعية) هامٌّ إلى حدٍّ بعيد. فتجربةٌ ناجحةٌ لا
تُنسى لدى الزبون ستزيد بشكلٍ كبير من ثقته وولائه للعلامة التجاريّة
وبالتالي ستؤدي إلى توصيات للغير بزيارة الموقع وانتشاره.
5. الجانب القانوني: إن إنشاء
شركة في المنطقة عملية صعبة وتتطلب جهداً مكثفاً نظرًا لتعقيدات
تنقلات الشركاء المحليين والمناطق الحرة وتأشيرات الموظفين وأنواع
التراخيص. فيمكن أن تصل تكلفة الرخصة التجارية إلى عشرات الآلاف إلى
جانب رسوم سنوية مكلفة، مما يدفع الشركات أحياناً للتسجيل تجاريّاً في
الخارج. علاوةٌ على ذلك، ففي كثير من دول المنطقة، تفتقر قوانين حماية
المستهلك أو القوانين المتعلقة بالنزاعات في المعاملات التجاريّة أو
الحماية من الاحتيال في المعاملات على الانترنت إلى التعريف بشكل دقيق
وشامل وإلى الدعم.
ما هو المطلوب: سياسة قُطرية أو
إقليمية للمعاملات على الانترنت. وهناك حاجة ماسة إلى قوانين تحمي
العملاء. المطلوب أيضاً هو رخصة تجارية خاصّة مدروسة التكلفة، والتي
من شأنها أن تتيح لرواد المشاريع إقامة شركات باستثمار
محدود.
باستثناء النقطة الخامسة، تسلط
المجالات الأربعة السّابقة الضوء على تحدياتٍ تعدّ أيضاً فرصاً لخلق
مشاريع أعمال. إن كل تحدٍّ في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا هو صناعة
ناجحة بحد ذاتها. لن تتمكن المنطقة من تحقيق إمكاناتها الفعليّة قبل
أن توضع هذه العناصر الخمسة موضع التنفيذ، ومع ذلك فإن كان من
المستطاع تحويل الزخم الحالي نحو بناء الحلول ستكون هذه الصناعة في
طريقها إلى النجاح.
بدأ شغف محمد علي بالتكنولوجيا
كمثل لحظة الوحي في فيلم "ماتريكس" Matrix. فمن وقت حصوله على جهاز
الكمبيوتر الأول الخاص به في سن الـ 10 سنوات، جذبه شيء ما في الشاشة
السوداء مع الكتابة الخضراء. ومنذ ذلك الحين، تكوّن لديه تدريجيّاً
شغف التجارة الالكترونية والمدفوعات وإصلاح أي مشكلات. يمكنك
التواصل معه على صفحة "لينكد إين" LinkedIn الخاصة
به.