قصة فشل أول شركة لتوزيع الصحف في مصر
أحياناً يكون المال سبب فشل مشروع ما، وأحياناً أخرى قد يكون اختلاف الثقافات سبباً مباشرا أيضاً، فنجاح فكرة في بلد ما ليس مقياسا لنجاحها في مجتمع آخر. فالحاجات تختلف وتتنوع بين بلد وآخر بطبيعة الحال.
ما حدث مع شركة "جرايد" لتوزيع الصحف في مصر كان تجربة فريدة تستحق التأمل؛ فقد استمر المشروع 14 شهرا وكان على مشارف مرحلة جديدة من النمو والتوازن المادي فيغطي مصاريفه (break even) ويبدأ بتحقيق الأرباح. كل المؤشرات كانت تدل على نجاح عمليّ "في السوق"، إلا أنه اصطدم بمنافس شرس حتى وإن لم يكن على نفس القدر من القوة والنجاح، تسبب في وقف المشروع في آذار/مارس الماضي وخسارة مالية كبيرة.
لم يكن المنافس شركة أخرى لتوزيع الصحف، بل باعة الصحف الأفراد الذين لا ينتمون إلى كيان معيّن.
ظهرت "جرايد" في كانون الثاني/يناير 2011، في حي المعادي جنوب القاهرة، كشركة توزيع صحف لباب المنزل قبل الساعة التاسعة صباحا. ثلاث ساعات كاملة هي فترة الذروة لدى العاملين في الشركة، من السادسة وحتى التاسعة صباح كل يوم، يوزعون خلالها الصحف المطلوبة لكل منزل في مناطق الزهراء ونيركو ومعادي هايتس (كارفور) والمعراج والطريق الدائري، حيث تنقص الخدمات بشكل عام خاصة خدمة توزيع الصحف، باعتبار أنها مناطق سكنية جديدة نسبيا.
يقول مؤسس "جرايد" محمد ناجي، وهو أيضا مهندس معماري وصاحب شركة مقاولات، إن الفكرة في الأصل كانت انشاء شركة "ديليفري" لتوصيل أي شيء، تشبه ما تقوم به شركة "مشاوير" اليوم في القاهرة أيضا. وبدأ المشروع بتوصيل الصحف والمجلات أولا وحسب اختيار العميل، سواء كانت محلية أو عربية أو حتى دولية، خلال أيام محددة، مغلفة في حقيبة بلاستيكية. وبدلا من اشتراك القارئ في صحف مختلفة رغم تفضيلاته قراءة جريدة معينة في أيام محدودة من الأسبوع، يقوم بملء استمارة "جرايد" ليوضح فيها تفضيلاته من اصدارات عربية وأجنبية طوال أيام الأسبوع.
ومع الوقت، باتت "جرايد" اختيار القراء حتى القاطنين في مناطق تتوفر بها الخدمة بشكل كبير مثل شارع 9 الشهير بالمعادي، باعتبار أن التعامل هنا يتمّ مع "كيان واضح".
منافس غير محترف
وصلت جرايد لـ800 مشترك يطلبون قرابة الألف جريدة بشكل يومي، قبل أن تبدأ ادارة التوزيع في جريدة الـ"أهرام" اليومية، وهي المورد الرئيسي للشركة، بالإخلال بالاتفاق الموقع بينها وبين "جرايد". تعمدت الأهرام، كما يقول ناجي، عدم توريد بعض الصحف و"تأخير الطلبية"، مما أفقد الشركة ميزة توصيل الجرائد في الموعد المحدد.
أما السبب، فيقول ناجي إن نجاح "جرايد" أدى لانخفاض ملحوظ لدى باعة الصحف الأفراد الذين تتفق معهم منافذ توزيع الأهرام على توزيع صحفها. ومع زيادة عملاء "جرايد"، زاد الضرر اللاحق بالباعة الذين يمتهنون مهنة بيع الجرائد منذ زمن وخسروا "لقمة عيشهم"، فتضامنت الأهرام معهم انسانيا رغم عدم تضررها من وضعهم سواء تغير للأفضل أو الأسوأ. ونوقش الأمر "على المكشوف" بين الأهرام والشركة، وقيل لناجي من ادارة توزيع الأهرام بشكل مباشر "حاولوا أن تجدوا مساحة اتفاق أو تعاقد مع هؤلاء الباعة"، وذلك من باب عدم قطع رزقهم.
لكن مشكلة الباعة الأفراد المتضررين هي أنهم غير احترافيين؛ فهم يوزعون الجرائد لكن لا يلتزمون بموعد معين، وهم لا يتحركون كل صباح وفق اختيارات كل قارئ. الثقافة بل المنظومة كلها مختلفة. رأى ناجي أنه اذا اعتمد على هؤلاء، سيفقد تميزه ووضعه في السوق كأسرع مورد جرايد بأفضل خدمة.
"مشاوير" أخرى
قبل اغلاق المشروع بوقت قصير، كان المؤسسون، ناجي واثنين آخرين، يفكرون في نقل المشروع لمرحلة متقدمة، وهي الغاء الأرباح الصغيرة التي يحققوها من القراء واتاحة الفرصة للمعلنين الذي يرغبون باستهداف منطقة جغرافية بعينها (المعادي مثالا) بتوزيع مطبوعاتهم داخل حزمة الصحف التي تصل للمنزل كل صباح. يقول ناجي: "كنا سنضمن لأي كيان تجاري في المعادي فرصة تسويقية هائلة لكن لكي تنجح هذه النقلة، كنا نحتاج للوصول بالتوزيع إلى خمسة آلاف مشترك، لأن أقل عدد للطباعة هو خمسة آلاف فلاير".
أين سيكون المشروع اليوم لو حالفه الحظ ولم يغلق؟ يقول ناجي: لو كنا كملنا، لأنشأنا أول شركة ديليفري في مصر، نوصل كل شئ لأي مكان. ويوضح أن هذا المفهوم موجود في دول أخرى مثل تركيا ويكون بالأخص للجرائد والخبز واللبن (حليب) للعملاء الباحثين عن الغذاء الصحي الطازج كل صباح.