شركة تطبع صور الفضاء الخارجي على أوشحة من الحرير
بمجرد أن عرفت سيلين سمعان عام 2012، أن وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أتاحت للجمهور رؤية بعض من صورها الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، جاءها الإلهام. ولكن بدلاً من إبقاء الفكرة لنفسها، قامت بما يمكن لأي امرأة عصرية تحبّ المصادر المفتوحة، أن تفعل: غرّدت "ماذا لو طبعت هذا على وشاح من حرير؟". أخبرتني بذلك وهي تلهث من الحماسة التي شعرت بها في تلك اللحظة وممّا نتج عن ذلك. فابتداء من هذا الشهر، ستصبح تصاميم صور الأقمار الاصطناعية من ناسا المطبوعة على الحرير، متوفرة للبيع في متحف الفن العصري في مدينة نيويورك ومتحف الفن المعاصر في شيكاغو ومتحف الفنون الجميلة في مونتريال، فضلاً عن مؤسسات ثقافية مرموقة في أميركا الشمالية.
لطالما سُحرت سمعان بعلوم الفضاء وصوره منذ أن كانت صغيرة. وهي ولدت في لبنان وانتقلت مع عائلتها إلى مونتريال في عمر الثالثة قبل أن تعود إلى لبنان في عمر الـ14 ثم تلقت دروسها الجامعية في باريس وانتقلت مجدداً إلى كندا وهي الآن تعيش في نيويورك. وكان لهذه النشأة المتنقلة أثر على سمعان إذ تقول "ليس لديّ ما رابط مع وطن ما. لطالما سحرتني النجوم. ففي طفولتي شعرت أنها الأمر الوحيد الثابت والموجود دائماً. ثمّ تضحك قائلة إنّ "المنظار هو اللعبة الأولى التي حصلت عليها".
كان هذا الشعور بعدم الانتماء هو ما جذبها أيضاً إلى اعتماد البيانات المفتوحة. ورغم كونها لبنانية، لم تترعرع في هذا البلد، و"لا أقرأ ولا أكتب العربية" تقول. وتضيف "لطالما شعرت بأني لا أرتبط بمكان وكنت دائمًا أبحث عن طريقة للعثور على هذا الارتباط. ولم أجد مكاني سوى حين بدأت أرتبط بأشخاص كانوا جزءاً من المعرفة المفتوحة والبيانات المفتوحة والتراخيص المفتوحة. شعرت أن هناك شيء أكبر يمكنني أن أنتمي إليه".
ولكن في معظم حياتها، كانت هذه مجرّد هوايات بالنسبة إليها. وبعد دراسة الفن التوضيحي في جامعة بباريس، عملت سمعان كمصممة غرافيكية في مونتريال ونيويورك. وحين جاءها الإلهام، كانت تعلّم تجربة المستخدم في "جنرال أسمبلي" General Assembly، المؤسسة التعليمية الدولية المتخصصة للأشخاص الطامحين للريادة. واليوم تواصل التعليم أيضاً في هذا المجال كما تعمل كمستشارة في تجربة المستخدم كي تستطيع تمويل شركتها الناشئة الجديدة التي سمتها "سلو فاكتوري" Slow Factory (أي المصنع البطيء).
واليوم بعد أن توصّلت إلى جمع شغفها بالفضاء وبالأوشحة وبالمصادر المفتوحة، يبدو أنها ضربت وتراً حساساً. فالملابس المطبوع عليها صور النجوم ليست فقط واسعة الانتشار الآن (يعيد بعض المراقبين هذه الموجة إلى مجموعة 2011 للمصمم الاسكتلندي كريستوفر كاين) بل إن المصادر المفتوحة أيضًا ـ من البرمجة إلى البيانات إلى الصور إلى التراخيص والمزيد ـ تنتشر سريعًا.
كانت ردود الفعل على تغريدتها الأولى قوية جداً إلى درجة أن سمعان قامت على الفور بالطباعة على 30 وشاح وهو ما أثار موجة أخرى من الاهتمام من مواقع العروض المحدودة المدة إلى مدونات تصميم مشهورة. وكان عليها أن تتحرك بسرعة لتلبية الطلب المفاجئ، وتقول بتعجّب "خلال يومين صممت شعارًا وحصلت على الأوشحة وأخذت الصور إلى مصوّر محترف وطلبت من زوجي أن ينشئ لي موقعاً وانطلقت".
ووسط هذه القرارات الكثيرة التي اتخذتها، كان خيار استخدام الحرير مدروساً وتقول "هذا أكثر قماش عضوي موجود. لن يمكنني طباعة هذه الصور التي تمثل انفجارات نجمية وسدم على قماش اصطناعي، بل يجب أن يكون قماشا طبيعيا بالكامل".
وفلسفة العودة إلى الجذور هذه واضحة أيضاً في تصميم شركتها. فـ"سلو فاكتوري"، من حيث اسمها ومنتجاتها، تهدف إلى التصدي نوعًا ما للموضة السريعة التي تهيمن على قطاع الملابس اليوم. فهي تعارض مقاربة "أتش أند أم" H&M و"زارا" Zara التي تقوم على الإنتاج بكميات ضخمة.
وكما يعلم أي رائد أعمال، فإن التسويق الشفهي لا يتحوّل تلقائياً إلى مال في الجيب. فـ"سلو فاكتوري" تعمل منذ آب/ أغسطس 2012، ولكن "هذا العام فقط بات لشركتي معنى". وتضيف سمعان أنه حتى الآن "مررت بوقت عصيب إذ لم يكن لدي أي خبرة في الموضة". ومن أجل ضمان استمرارية "سلو فاكتوري"، استخدمت مدخراتها ومدخرات زوجها واستعانت بأهلها وبعض الأصدقاء.
وحين سئلت إن كانت ستبيع الأوشحة في الشرق الأوسط يوماً، أجابت بسرعة بأن الأوشحة شعبية جداً في العالم العربي. لذلك فإن البيع في الشرق الأوسط قيد الدرس، ولكنها الآن تركز على جعل "سلو فاكتوري" مدرّة للربح من مكانها في نيويورك. وتضيف أنه في يوم ما، "أحب أن أعود إلى لبنان وأكون جزءاً من بلدي".