تخطي العقبات أمام رواد الأعمال لتطوير وتوسيع أعمالهم في المنطقة العربية
سيحتاج العالم إلى إيجاد 600 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات الست القادمة [1]. ونظرًا إلى تزايد معدلات البطالة طويلة الأمد بين الشباب، فقد أصبح واضحاً وكما أفاد جيم كليفتون، الرئيس التنفيذي لدى منظمة "جالوب"، أن ’حرب الوظائف القادمة‘ ستكون من أجل الحصول على وظيفة جيدة. وقد لا تكون الأرقام والبيانات الصادرة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهذا الشأن مفاجئة قط، فما نسبته 56% من أفراد المجتمع خارج القوى العاملة وما نسبته 28% يعانون من البطالة المقنّعة، وهذه المعدلات تعد ضمن الأعلى في العالم.
إن مسألة إيجاد فرص عمل مُجدية من أكبر التحديات التي تواجهها المنطقة العربية في الوقت الحاضر، إلا أن رواد الأعمال يمكنهم توفير حلول فعالة لمواجهة مثل هذه التحديات، فهم الفئة التي تقود النمو الاقتصادي والابتكار والمنافسة. إن "الأعمال الناشئة القابلة للتوسع" تحديداً، هي التي لديها القدرة الأكبر على إيجاد فرص عمل جديدة.
قام المنتدى الاقتصادي العالمي بشراكة مع جامعة "ستانفورد" و"إنديفور جلوبال" بدراسة شملت تحليل بيانات 380,000 شركة خلال مراحل نموها الأولى في 10 دول أوروبية وآسيوية، وتبين أن ما نسبته 5% من الشركات الأسرع نموًا التي شملتها الدراسة ساهمت بما نسبته 72% من مجموع الإيرادات و67% من فرص العمل التي تم إيجادها [2]. ورغم أن قدرة الشركة على التوسع والنمو هي أحد أهم العوامل لإيجاد فرص عمل جديدة، إلا أن مؤسسي الشركات يواجهون العديد من العقبات عند تأسيس أعمالهم وتطويرها. وإذا ما تضافرت جهود جميع الأطراف المعنية في المنظومة البيئية الريادية، من أجل فهم ماهية ومصدر هذه العقبات وإيجاد الحلول المبتكرة للتغلب عليها، فإن الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف تواصل صراعها. الأمر الذي ينعكس سلبًا على اقتصاداتنا ومجتمعاتنا.
ومن هذا المنطلق، يهدف مختبر ومضة للأبحاث لتوفير المعلومات لمتخذي القرار والمستثمرين والأطراف المعنية الأخرى حول التحديات الحرجة التي يواجهها رواد الأعمال في المنطقة عن طريق تحليل قائم على البيانات من خلال تركيز جهوده على القيام بالأبحاث ونشرها، بالإضافة إلى استعراض وجهات النظر التحليلية حول نشاط رواد الأعمال في المنطقة. وضمن الدراسة الأولى التي أطلقها مختبر ومضة للأبحاث، ’’تخطي العقبات أمام رواد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتطوير وتوسيع أعمالهم‘‘، أجرى مختبر ومضة دراسة شملت أكثر من 900 ريادي وخبير في ريادة الأعمال لتحديد العقبات التي تواجه المؤسسين عند تطوير أعمالهم.
يستعرض البحث أبرز مؤشرات النمو في المنطقة حيث أن ما نسبته 70% من الشركات التي شملها الاستبيان، والتي أظهرت معدل نمو سنوي مركب على مدى ثلاث سنوات، أضافت وظائف جديدة. و ما نسبته 50% من هذه الشركات شهدت زيادة في عدد الموظفين لا تقل عن ما نسبته 20%. هذه هي الشركات التي ستعمل على إيجاد الوظائف في المنطقة، إلا أن هناك بعض العقبات التي تعيق النمو والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
استقطاب المواهب وبناء فريق عمل
إن الأنظمة التعليمية في المنطقة قديمة وتستمر في تخريج أجيال من الشباب غير المؤهل والذي يفتقر للمهارات التنافسية التي يتطلبها سوق العمل في القرن الحادي والعشرين. ووفقًا لدراسة أجرتها مبادرة مؤسسة التمويل الدولية "التعليم من أجل التوظيف"، أكد أصحاب الشركات الخاصة أن ثلث الخريجين الجدد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستعدون للعمل عند توظيفهم. ومن جهة أخرى، فإن ثلث الشباب العربي فقط يعتقدون أن تعليمهم قد أهّلهم بشكل جيد لخوض غمار سوق العمل.
وقد أشارت النتائج التي توصل إليها مختبر ومضة للأبحاث أن 63% من رواد الأعمال و60% من الخبراء أجمعوا أن استقطاب المواهب وبناء فريق عمل يشكل عائقًا أمام تحقيق النمو والتوسع. إلا أن مسألة عدم تطابق مهارات الباحثون عن العمل من الخريجين مع الشواغر الوظيفية تشكل جزءًا صغيرًا من المعضلة، فرُواد الأعمال الذين شملتهم الدراسة يعتقدون أنه حتى و إن توفرت الموهبة و المهارات الوظيفية في الباحثين عن العمل إلا أنهم يفضلوا العمل لدى المؤسسات الكبيرة. فما زال مفهوم ريادة الأعمال حديثًا في المنطقة، وبحسب دراسة قام بها المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن ما يقل عن 10% من الجامعات في المنطقة توفر مواد دراسية في مجال ريادة الأعمال كما يبلغ عدد الجامعات التي تملك مراكز ريادة الأعمال 17 جامعة فقط.
وهذا يستدعي ضرورة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام من أجل تأسيس قواعد لتبادل العلم والمعرفة و تطوير المهارات. كما يتوجب على الشركات أن تقوم بدور حيوي و تساهم في عملية تصميم و وضع المناهج التعليمية التي تعزز الفكر الريادي. ولا بد للشركات أن تعقد شراكات مع الجامعات لغايات دعم البحث العلمي و التطوير و توفير فرص التدريب والإرشاد في الشركات الناشئة بالإضافة إلى المساهمة في نشر الأبحاث والدراسات التي تستعرض قصص نجاح الأعمال الريادية في المنطقة.
الحصول على التمويل
أظهر بحث مختبر ومضة للأبحاث أن ما نسبته 78% من الرياديين لجأوا بشكل جزئي الى مدخراتهم الشخصية لتمويل أعمالهم، وما يقارب النصف تلقوا الدعم من أسرهم أو أصدقائهم. ومن جهة أخرى، أشار البحث أن 24% من الشركات تلقت الدعم من مستثمر ممول، ونسبة قليلة فقط منهم تلقت الدعم من خلال شركات رأس المال المبادر. ومن الأعمال التي تلقت تمويلًا ما بين عامي 2009- 2012، تمكن ما نسبته 21% منها في جمع أكثر من 500,000 دولار أمريكي.
وقد ذكر 36% من رواد الأعمال أن شُح الاستثمارات في الأعمال الريادية يشكل عائقًا كبيرًا أمام توسعها، لا شك أن تمويل الأعمال الريادية أصبح أمراً مُلحاً. بالإضافة إلى أن الاستثمارات التي تهدف إلى دعم نمو الشركات والتي تتجاوز 500,000 دولار أمريكي أصبح أيضاً أمراً في غاية الأهمية.
إن البيئة الداعمة للريادة تتغير بشكل بطيء، إلا أن هناك تزايد في استثمارات رؤوس الأموال المبادرة في المنطقة إذا ما قارنّاها في بدايات العام 2007، وتركز بشكل خاص على قطاع تقنية المعلومات والاتصالات [3]. لا تزال إستثمارت رأس المال المبادر حديثة النشأة، وما يحفز نموها وجود شركات استثمارية مثل "Oasis 500" ، "MENA Venture Investments" ، "DASH Ventures" ، "BECO Capital" "Sawari Ventures"، و"Middle East Venture Partners, MEVP"
كما أوجدت دول مثل لبنان برامج مبتكرة لتمويل الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فقد خصص بنك لبنان المركزي 400 مليون دولار أمريكي لضمان ما يقارب 75% من الاستثمارات الخاصة بالبنوك اللبنانية في الأعمال الصغيرة والمتوسطة ، حاضنات الأعمال ، مطورات الأعمال وصناديق التمويل.
التوسع إلى أسواق الجديدة
رغم أن شبكة الإنترنت وفرت طرقًا بديلة للشركات الناشئة لتوسيع أعمالها والدخول إلى أسواق جديدة، إلا أن أسواق المنطقة المجزئة لا تسمح بتنقل المواهب والبضائع ورؤوس الأموال ، وتوفر فرصًا محدودة للشركات الناشئة لتحقيق النمو و التطور. و يضع مؤسسو الأعمال تعزيز وجودهم في منطقة الخليج على رأس أولوياتهم، إلا أن القيود على ملكية الأجانب بالإضافة إلى التكاليف التأسيسية تشكل عائقًا أمام هذا التوسع. ووفقًا لدراستنا، فإن 47% من الرواد و50% من الخبراء صرحوا أن أكثر التحديات التي تحول دون التوسع هو ايجاد الشركاء المناسبين لتحقيق التوسع، وقد ذكر 39% منهم أن التكاليف الباهظة لتأسيس الشركة تشكل عائقًا آخر.
إن التبادل التجاري بين الدول العربية ما زال ثابتاً عند 10% [4] بسبب السياسات المتشددة التي تتبعها هذه الدول في تعاملاتها التجارية مع دول المنطقة. وفي ظل هذه الظروف يتوجب على الشركات الخاصة الاتفاق على الحد من هذه السياسات المتشددة و إقامة إتحادات جمركية وعقد اتفاقيات لتحفيز التبادل التجاري الحر من خلال شراكات فعالة ما بين القطاعين العام والخاص واستخدام البيانات الصادرة عن قطاع التجارة في إيجاد حلول فعالة.
صعوبة تسويق المنتجات والخدمات
تبين دراسة مختبر ومضة للأبحاث أن ما نسبته 41% من رواد الأعمال يجدون أن التسويق لمنتجاتهم و خدماتهم عائقاً كبيراً لتحقيق الإيرادات، وأن 28% وجدوا استقطاب العملاء عائق آخر.
إن الشركات الناشئة بحاجة إلى زبائن في أولى مراحل عملهم ليثبتوا مدى نجاح أفكارهم وليحققوا النمو. وليس هناك من طريقة أفضل لدعمهم من أن تصبح الشركات الكبيرة عملاء لهم. يستطيع أصحاب الشركات الكبيرة أن يقدموا الدعم من خلال إتباع سياسات تحفز منظماتهم إلى التعامل مع رواد الأعمال. في المقابل ، ستتعرف الشركات الكبيرة على ممارسات جديدة و مبتكرة مما سيمكنها من إطلاق منتجات و خدمات جديدة و مضاعفة حصتها السوقية . ويمكن للحكومات أيضًا أن تقوم بدور فعال، فعلى سبيل المثال أقرت حكومة الإمارات العربية المتحدة قانونًا يُلزم المؤسسات الحكومية تخصيص 10% من ميزانياتها لعقود شرائية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
في الواقع، أنظمة التعليم القديمة في المنطقة، أسواقها المجزئة والآليات الضعيفة لدعم ريادة الأعمال تعيق نمو الشركات الناشئة والإبتكار. إن إيجاد فرص العمل يتعين أن يكون على رأس أوليات جميع الأطراف المعنية وفي صلب برامجها سواء أكان ذلك من خلال السياسات أو الاستراتيجيات الوطنية أو مبادرات القطاع الخاص أو الأنشطة الاجتماعية. آن الأوان لتضافر جهودنا، توظيف معرفتنا، مواردنا، رؤوس أموالنا وشبكة معارفنا لنساهم في جعل ريادة الأعمال أداة لتطوير مجتمعاتنا وأنظمتنا الاقتصادية.
[1]البنك الدولي (2012)، تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية 2013، واشنطن
[2]فوستر وآخرون، الريادة العالمية واستراتيجيات النمو الناجحة، منتدى الاقتصاد العالمي.
[3] حسب تقرير اتحاد الاسهم الخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2013، 119 صفقة من صفقات رأس المال المبادر استكملت خلال الأعوام الثلاثة، بينما 56 بين العام 2007 إلى 2009 حيث شكلت صفقات قطاع تقنية المعلومات والاتصالات 47%
[4] اقتصاد الربيع العربي عوض الله مالك، الجزء 45 من صفحة 296 إلى صفحة 313