دروس في تصميم العلامات التجارية من إحدى الإمارات العربية
نُشِر المقال الأصلي على مدونة "وارتن" وتم تعديله وترجمته
تختبئ إمارة رأس الخيمة في أقصى شمال دولة الإمارات العربية المتحدة وهي تضمّ ما لا يزيد عن 231 ألف نسمة، علماً أنّ السكان المحليين لا يشكّلون سوى ثلث هذا الرقم، ما يعني أنّ المشيخة تعتمد إلى حد كبير على المهارات والعمالة الأجنبية. لا تملك هذه الإمارة أي موارد نفطية، لذا لا يمكنها جذب الباحثين عن العمل بقدر ما تفعل السعودية مثلاً. وقد أعطت غيرها من الإمارات لنفسها طابعاً فريداً على الساحة العالمية – فباتت تُعرف دبي مثلاً على أنّها مركز مالي عالمي. والآن، تسعى رأس الخيمة لإيجاد ميزات خاصة بها تفرقها عن غيرها.
لقد صرّح الشيخ سعود بن صقر القاسمي حاكم إمارة رأس الخيمة في مقابلة له مؤخراً مع مجلة "بلومبرج بيزنس ويك" Bloomberg Businessweek: "تتمتع رأس الخيمة بفرادتها الخاصة. فعلى الصعيد الجغرافي، تتحلى بشواطئ فريدة وجبال وكثبان رملية. كما أنّ تاريخها وآثارها فريدة وغنية".
تشير تعليقاته هذه إلى أنّ المشيخة ستسعى إلى الاستفادة من إمكاناتها لتصبح مقصداً للسياح. وبالفعل هذا ما يتم إيلاؤه الكثير من الاهتمام مؤخراً. كما أنّ المسؤولين يأملون أن يتمكنوا من تسويق منطقة المشيخة الحرة وفرصها التعليمية. ولكن، هل يكفي هذا؟ يقول ديفيد ربشتاين، أستاذ في التسويق لدى "وارتن" Wharton: "أكثر ما يقلقني بشأن جهود رأس الخيمة من حيث تسويق صورة الأمة nation branding هو أنّها ستجد صعوبة في تمييز نفسها عن دبي وغيرها من الإمارات. أنا أعتقد أنّه عليها التعامل مع الأمر عبر البحث عن الفرادة للنجاح، فالسياحة والمناطق التجارية الحرة والتعليم أمور بعيدة كل البعد عن الفرادة".
"تجربة متكاملة"
إلاّ أنّ هذه ليست وجهة نظر الإمارة. فيقول مدير هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة (RAKTDA)، خالد موتيق: "إنّ رأس الخيمة هي الإمارة الوحيدة التي تجمع ما بين البحر والرمل وسلاسل الجبال. والسياحة التي تقدمها تستند إلى هذه القوة مرفقةً بالفنادق والمنتجعات – لجذب السياح الذين يبحثون عن عطلة توفر لهم المغامرات الخارجية والاسترخاء المترف في الوقت عينه. لذا فنحن نقدم تجربة متكاملة".
لم يصدر أي تعليق أو حكم بعد على جهود رأس الخيمة من حيث التوسيم، ولكن، ثمة إجماع على أنّ الوقت ما زال مبكراً. تعود المنطقة التجارية الحرة في رأس الخيمة إلى العام 2000، لكنّها لم تتوصل إلى أزهى حالاتها سوى بعد عدة سنوات من إنشائها. تشكّلت هيئة رأس الخيمة للاستثمار عام 2005 ثم تأسست هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة في مايو/أيار 2011. أما مجموعة رأس الخيمة للضيافة RAK Hospitality Group التي يقضي دورها بتسهيل مشاريع الضيافة وتمهيد الطريق للمطاعم الجديدة، فأطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
تستثمر الحكومة 500 مليون دولار في مشاريع التنمية السياحية حالياً والتي تتضمن رفع إجمالي عدد الغرف في الفنادق والمنتجعات في الإمارة إلى 10 آلاف بحلول العام 2016. وتكمّل هذا الاستثمار سلاسل الفنادق العالمية التي تقوم بإنشاء فروعٍ باهظة الثمن لها في رأس الخيمة.
ويأتي على رأس سعي الإمارة إلى الفرادة منتجع "ريكسوس باب البحر" Rixos Bab Al Bahr Resort الذي تساوي قيمته 1.8 مليار دولار ويضمّ 657 غرفةً. ستُفتتح أول الفنادق أمام الضيوف في العام 2014 في هذا المشروع الذي هو كناية عن جزيرة من صنع الإنسان. ويشير موتيق: "تصبح رأس الخيمة يوماً بعد يوم منافساً قوياً في سوق الضيافة العالمية". بلغ عدد زوار رأس الخيمة في العام 2013 في الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 815620 زائراً جلبوا معهم أكثر من 100 مليون دولار من العائدات. تشكّل السياحة حوالى 6% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة ويقضي الهدف الآن برفع هذه النسبة إلى 9% بعد إطلاق هذه المبادرات التي يجري العمل عليها.
تسعى RAKTDA الآن لتنفيذ استراتيجية ذي شقين حيث يقضي الهدف الأول بالطبع بجذب المزيد من السياح، والثاني باجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في قطاع الضيافة.
عطشٌ إلى العلم
تأمل الحكومة أيضاً أن تنمي قطاع التربية فيها عبر الاستثمارات الخارجية، وتحديداً عبر تحفيز الجامعات الأجنبية على افتتاح فروعٍ لها في رأس الخيمة، ويقول المسؤولون إنّهم في طور التفاوض مع كليات عدة في الولايات المتحدة، فيما قد سبق أن افتتحت جامعة بولتون University of Bolton التي تقع في مانشستر في المملكة المتحدة فرعاً لها في رأس الخيمة في العام 2008 وبات لديها الآن 50 عضواً في هيئة التدريس وأكثر من 300 طالب. ويقول زبير هانسلوت، عميد قسم "خارج الحرم الجامعي" off-campus division في جامعة بولتون: "تسعى أغلبية الإمارات وراء التوسيم عينه. لكنّ إمارة رأس الخيمة تتقدم على سواها في أنّها ليست مكتظة بالسكان. كما تتضمن أماكن سياحية جيدة جداً. فعندما تريد التعمّق فعلاً في دراسة موضوع، من الأفضل لك بكثير أن تختار بيئةً تقدم لك الفسحة الكافية للتفكير والهدوء اللازم للتركيز. وتتمتع رأس الخيمة بهذه المزايا، كما ولديها في الوقت عينه مناطق حديثة ملائمة للتواصل مع الغير وإقامات علاقات معهم".
ويُخبر هانسلوت أنّ جامعة بولتون كانت قد قررت ألا تفتتح فرعاً لها في دبي لأنّ هذه الأخيرة كانت مزدحمة أصلاً بالناس وبالمؤسسات التربوية. ويشير هانسلوت: "الكثير من مؤسسات التعليم العالي في دبي تقدم خدماتها في مجمعات مكاتب أعمال وذلك ليست بتجربة جيدة"، ويضيف أنّ جامعة بولتون تخطط إلى توسيع رقعتها لتضمّ بعض الإمارات الأصغر حجماً. ويقول أنتوني أيولا، عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في رأس الخيمة (AURAK): "غالباً ما ينظر العالم إلى الإمارات العربية المتحدة ككيان واحد من الخارج. أما عند النظر عن كثب، فنرى أنّ ثمّة خصائص تميّز رأس الخيمة عن غيرها من الإمارات، سواء من حيث انخفاض كلفة العيش أو الصناعة والعطش إلى العلم في أوساط الشعب الإماراتي المحلي أو وتيرة الحياة الأكثر رقياً أو التنوع الثقافي في مكان العمل أو البيئة الطبيعية الفريدة التي تجمع ما بين الصحراء والجبال والبحر. وسوف تساعد هذه العوامل كلها في إنشاء الطابع الممييز لرأس الخيمة. وهذا التركيز المستمر على تنمية القاعدة التعليمية في رأس الخيمة مصمم للعمل [بالتزامن] مع الاتجاه التنموي السائد في المنطقة."
ولكن، لا يتشارك جميع المراقبين هذه الثقة في قدرة رأس الخيمة على تمييز نفسها. فبحسب ورقة سياسة صادرة عن مؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي للأعمال الخيرية، فإنّ "هيكل قطاع التعليم في رأس الخيمة مطابق إلى حدّ كبير للقطاع عينه في الإمارات الأخرى."
ولكن، لا ينوي المسؤولون التخلي عن التعليم كمحور تركيز. إذ تشير المؤسسة إلى أنّ نسبة الأموال الاتحادية المخصصة للتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة أعلى بكثير من العديد من البلدان النامية والمتقدمة. فقد تمّ تخصيص نحو 22٪ من الميزانية الوطنية في العام 2013 للتعليم. وقد قال سعود في مقابلة مع "بلومبرج بيزنس ويك" إنّ "التعليم مفتاح تمكين الجيل الصاعد" وإنه "ثمة ارتباط وثيق بين التعليم والنمو الاقتصادي".
كما يجري التصدي أيضاً للنمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أنه ليس لرأس الخيمة موارد نفطية، إنما لديها موارد طبيعية أخرى. فتعد رأس الخيمة أكبر إمارة منتجة للإسمنت في دولة الإمارات العربية المتحدة. وشركة "سيراميك رأس الخيمة" RAK Ceramics التي تبلغ قيمتها مليار دولار أميركي هي أكبر منتج لبلاط السيراميك والبورسلين في العالم. ومن القطاعات الصناعية الأخرى المزدهرة في رأس الخيمة الأدوية والغاز. في العام 2012، وقّعت رأس الخيمة صفقةً مع شركة "زواري أغرو" Zuari Agro الهندية لإقامة مصنع للأسمدة. وقد قال بيتر فورت، المدير التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة في الإمارة لجماعة "وارتن" إنّ "رأس الخيمة قد طوّرت العديد من الصناعات، بما في ذلك الإسمنت والسيراميك." وأضاف قائلاً: "تعد موانئ رأس الخيمة مصدر إيرادات هامّ بالنسبة إلينا. ونحن نحاول أيضاً تطوير الصناعة السياحية بطريقة كبيرة."
وفي الوقت عينه، نجد أنّ المنطقة الحرة في رأس الخيمة إحدى أسرع المناطق الحرة نمواً في المنطقة. وهي مكوّنة من مجمع أعمال ومنطقة صناعية ومنطقة تكنولوجية.
وقال فورت: "لقد تمّ تشكيل المنطقة الحرة في رأس الخيمة بموجب مرسوم ملكي وقد أمّنت الحكومة الاستثمار الأولي فيها." وأضاف قائلاً: "ليس لدينا أيّ ديون على الإطلاق اليوم ونحن مكتفون ذاتياً. نستثمر في البنية التحتية الداعمة ونتمتع أيضاً بميزة التكلفة... فتكاليف المعيشة في رأس الخيمة أقلّ بنسبة 30٪ على الأقل من دبي على سبيل المثال." ومن التدابير الأخرى الملائمة للأعمال التجارية التي تقدّمها رأس الخيمة إتاحة الملكية الأجنبية بنسبة 100٪ وغياب الضريبة على الشركات وحرية إعادة تحويل الأرباح إلى الخارج. وأشار فورت إلى أنه "ما من محظورات على الإطلاق هنا."
الإمارات العربية المتحدة أو رأس الخيمة؟
يقول النقاد إنه بالنظر إلى جهود رأس الخيمة كلها، لم تحقق محاولة توسيم الأمة نجاحاً فورياً. تضع "فيوتشر براند" FutureBrand التي تصدر مؤشر العلامات التجارية للدول country brand index دولة الإمارات في المركز الثالث والعشرين على قائمتها، ولكن، لا يتمّ ذكر كل إمارة على حدة. لكنّ "فيوتشر براند" قد عينت دولة الإمارات العربية المتحدة على أنها العلامة التجارية الأولى في المستقبل. ووفقاً لتقرير "فيوتشربراند" لعام 2012-2013، "لكي تحليل الإمارات العربية المتحدة هدفها المتمثل بأن تكون بلداً نموذجياً في المستقبل، نجد أنها تستثمر بشكل نشط في بيئاتها التجارية والسياحية."
ولكن، هل سيشكل الحجم عائقاً أمام رأس الخيمة؟ إذ لا تتعدّى مساحة الإمارة 1،684 كيلومتراً مربعاً، ما لا تشكّل سوى جزء صغير من مساحة أبو ظبي البالغة 67،340 كيلومتراً مربعاً. وقال ربشتاين: "من البديهي أنه كلما ازداد حجم الإمارة، زادت إمكانية تحقيق تميّز أكبر. ولكن، ثمة أمثلة واضحة عن مواقع اكتسبت شهرة وخلقت طابعاً خاصاً بها بعدد قليل جداً من المواطنين ومساحة جغرافية صغيرة. فقد طوّرت كلّ من مونتي كارلو ولاس فيغاس والفاتيكان طابعاً متميزاً جداً على الرغم من أعداد سكانها المتدنية جداً. إذ قامت تلك المدن بإنشاء هويةٍ كانت إما مميزة جداً أو مختلفة. ومن الأمثلة الأقرب بعد مثال دبي. فهي أمارة ليست بكبيرة أيضاً، لكنّها تمكّنت من التميّز عالمياً."
ينظر موتيق إلى الأمر بطريقة مختلفة: "لا نضع رأس الخيمة في موضع منافسة مع الإمارات المجاورة. فنحن نجد أنّ كلّ إمارة تقدّم تجارب مختلفة وهي متكاملة في ما بينها - بحيث يتمتع الزوار بتجربة سفر متكاملة في الإمارات العربية المتحدة."