موقعٌ عربيٌّ للأسئلة والأجوبة يرفض أربعة اقتراحات تمويل
لم يستغرق "تويتر" سوى عامَين ليبلغ مليون مستخدم، ونشر "تمبلر" Tumblr المدونة رقم مليون بعد 27 شهراً فقط من إنشائه، حصل "فايسبوك" على المستخدِم المليون بعد عشرة أشهرٍ من تأسيسه.
وها إنّ "جوابكم" Jawabkom، موقع الإنترنت باللغة العربية للأسئلة والأجوبة الذي يضمّ خبراء في عشرات المجالات من كافّة أنحاء العالم العربيّ، يسجّل المستخدم المليون بعد 7 أشهر فقط على إنشائه. وعن هذا الأمر، قال الشريك المؤسِّس ورائد الأعمال المتسلسل، رائد ملحس، في اتّصالٍ له مع "ومضة" الأسبوع الفائت: "لم نتخيّل قط أنّنا سنصل إلى هذا العدد. لقد أذهلنا ‘جوابكم‘."
وموقع "جوابكم" الذي انطلق في فبراير/شباط الماضي لا يكتفي بكسر الأرقام القياسية، بل يتّخذ فريقُه قراراتٍ مثيرةً للجدل فيما خصّ مستقبل الشركة الناشئة. إذ بعد البدء بتحقيق أرباحٍ ثابتةٍ في نوفمبر/تشرين الثاني ورؤية أعداد المستخدِمين وأرقام العائدات تتضاعف باطّرادٍ منذ ذلك الحين، وجد ملحس نفسه في موقفٍ نادرٍ في الوسَط الرياديّ: إمكانية رفض المال من أجل الاستمرار في التعطّش للعمل.
ويكشف لنا رائد الأعمال قائلاً: "تكلّمتُ إلى كلّ شركات رأس المال المُخاطِر المهتمّة [وهي 3 في الشرق الأوسط وواحدة في وادي السيليكون] هذا الأسبوع ورفضتُ كلّ عروضهم. ماذا سنفعل بالأموال التي يقدّمها أصحاب رأس المال المُخاطر غير أن نعطي أنفسنا رواتب كبيرة؟ لطالما كانَت مواردُنا شحيحةً [فقد جمعنا 450 ألف دولار من مستثمرين تأسيسيين بُعَيد انطلاقنا]، ولذلك لطالما فكّرنا مليّاً قبل اتخاذ قراراتنا. لم نكن سنركّز على العمل بهذا القدر لو كان لدينا مالٌ في المصرف."
كيف تمكّن "جوابكم" من إحراز هذه الأرقام الملفتة في وقتٍ قصير؟ والأهم من ذلك ربّما، ماذا تخبرنا بيانات وأرقام نموّ "جوابكم" الجنونية عن كيفية استخدام المتحدّثين بالعربية للإنترنت اليوم؟
تطبيق ممارساتٍ تنافسية للامتثال لمحرّكات البحث SEO على المواقع العربية
التقى ملحس بشريكه المؤسِّس دنيز إركان خلال تولّيهما لمهامٍ طويلة الأمد في حرم "مايكروسوفت" Microsoft في سياتل في الولايات المتّحدة، كمطوّر ويب ومدير برامج. وبُعَيد ذلك، أطلق الثنائيّ موقع "ماي نيدز.كوم." Mineeds.com كسوقٍ للخدمات المحلّية بامتياز hyperlocal services في سياتل. ويشير ملحس إلى أنّهما أرادا في البدء "إيجاد شيءٍ رائعٍ للمجتمع من دون التفكير في تحقيق الأرباح." غير أنّ السنوات الثلاثة الماضية من حياة "ماي نيدز" Mineeds كانت "متركزةً كلها على تحقيق الأرباح؛ لقد غيّرنا محور نموذج عملنا حوالي عشرة مرّات."
وفي المقابل، بدأ "جوابكم" يجني المال منذ اليوم الأوّل، حيث يدفع المستخدمون ما معدّله 10 دولارات للحصول على إجاباتٍ على أسئلتهم في الرياضيات أو التغذية أو الزواج، من خبراء يعملون في مجال اختصاصهم منذ ما لا يقلّ عن خمس سنوات. ويضيف ملحس شارحاً، "استغرقنا الأمر عشرة أيّامٍ للقيام باختبار قابلية النموّ بالحدّ الأدنى. كنّا نعلم أنّ السوق جاهزةٌ لتقبّل فكرتنا."
في مشروعهما الثاني، أراد رائدا الأعمال الإبقاء على الجانب الذي يهتمّ بخدمة المجتمع، ولكن مع إيجاد طريقةٍ في الوقت عينه لجني المال من خلال عملهما هذا. فكان العالم العربي خياراً بديهياً للثنائيّ، نظراً إلى حجمه الصغير حالياً وإمكانيات نموّه الهائلة. أولاً، ما زال من السهل نسبيّاً الحصول على عدد زياراتٍ نابعة من إعلانات وسائل الإعلام الاجتماعية باللغة العربية، لأنّ السوق ما زالت غير مغمورةٍ بالمسوِّقين ومتخصّصي الامتثال لمحرّكات البحث SEO الذين يبذلون قصارى جهدهم للاستحواذ على انتباهك كما هي الحال في المواقع باللغة الإنجليزية. ويقول المؤسِّس عن هذا الأمر، "يتجاوب الناس مع الإعلانات على ‘تويتر‘ و‘فايسبوك‘ لأنّها ما زالت لا تنهال عليهم بكثرة."
والأفضل من ذلك بعد، أنّ الإعلان على المواقع ما زال رخيصاً في العالم العربي. إذ يشرح ملحس أنّ "كلفة التسويق في الولايات المتحدة هائلة." فنشر الخبر على الإنترنت في المنطقة بأيّ لغةٍ، أرخص بكثيرٍ في العادة ممّا هو في الغرب أو في أماكن أخرى حيث الإنترنت أكثر تطوّراً.
ولكنّ الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ ملحس يعتقد أنّ الخبرة التقنية التي يتمتّع بها فريقه هي ما أعطى المشروع هذه الميزة التنافسية الواضحة. ويصف الأمر بقوله، "يوجد عددٌ لا يُحصى من المواقع الإلكترونية العربية التي تتناول كافّة المواضيع... والتي لم يتمّ تطويرها بما يمتثل لمحرّكات البحث. الكثير منها يديرها محرِّرون، لكنّ الناس لا يبحثون عن الجودة." لذلك، يشكّل هذا فرصةً عظيمةً لموقعٍ باللغة العربية، يديره أشخاصٌ ذوو خبرةٍ في بيع المحتوى في سوقٍ أكثر تنافسية
تطبيق نموذج العمل
من العوامل الأخرى التي ساعدتهم على الوصول إلى أعداد مستخدمين هائلة وفقاً لملحس، كانت أنّ محتوى موقع الأسئلة والإجابات يساهم المستخدِمون في توليده. فكلّ سؤالٍ جديدٍ يطرحه مستخدِمٌ ما يشكّل صفحةً جديدة تتمّ فهرستها في "جوجل" (ما يحسّن بدوره الامتثال لمحرّكات البحث). ويضيف ملحس أنّه "منذ بضعة أسابيع، بلغنا مليوناً ونصف مليون سؤال،" ما يعني أنّ عدد الصفحات المتوفّرة لفهرستها في "جوجل" باتت تناهز مليوني صفحة. (على سبيل المقارنة، يملك موقع "ومضة" الذي يُصدِر مقالاتٍ يوميةً في ثلاث لغات منذ أكثر من ثلاث سنوات، حوالي تسعة آلاف صفحة).
ونموذج الأسئلة والأجوبة هذا، سمح للمستخدِمين بتوليد المحتوى في مختلف اللهجات العربية المتداوَلة في المنطقة، ممّا سمح بدوره لفريق "جوابكم" بتجنّب التحدّي في اختيار لهجةٍ واحدةٍ الذي يواجهه الكثير من روّاد الأعمال في المنطقة. ويشير رائد الأعمال إلى أنّ "‘جوابكم‘ أنشأ في نهاية المطاف منصّةُ للمحتوى المكتوب من قِبَل سكّان المنطقة."
يقول ملحس أنّ "معظم زوّار الموقع يأتون من الخليج،" وهو أمرٌ غير مفاجئٍ نظراً إلى إحصائيات استخدام الإنترنت المرتفعة في هذه الدول. ويضيف قائلاً، "نحصل أيضاً على عدد زوّارٍ لا بأس به من مصر. وبدأنا أيضاً نركّز على شمال أفريقيا، إذ يمكن للمغرب والجزائر أن توازيا على الأرجح مصر من حيث الأرقام."
هل يرافق نجاح "جوابكم" نجاح المنطقة ككل؟
يشرح ملحس أنّه "عندما انطلقنا، كان الناس يخبروننا أنّ قاعدة المستخدِمين في المنطقة لا تتحلّى بقدرٍ من التفاعل كما هو في الغرب. غير أنّ تجربتي تُناقِض ذلك كلّياً؛ لقد فاجأنا قدر تفاعل المستخدِمين في العالم العربي."
قد يكون نجاح "جوابكم" هو الأوّل بين الشركات الناشئة في المنطقة، التي تطبّق المهارات المتقدّمة لعملية الامتثال لمحرّكات البحث كما يجري في أسواق أكثر تطوّراً، ولكن في سوق المواقع الإلكترونية العربية المتزايدة والمتنوّعة. لقد جنى الناس ثرواتٍ في الولايات المتّحدة وشرق آسيا عندما كانت فسحات الإنترنت على مستوى مشابهٍ من التطور؛ والآن قد حان دور الشرق الأوسط، وفقاً لملحس.
ويقول ملحس ضاحكاً، "لقد تحدّثت مع الكثير من شركات رأس المال المُخاطِر في الولايات المتحدة، إذ وصل الأمر إلى حدّ الصراخ تقريباً: ‘هذه السوق قد نضجَت الآن، وفي بضع سنواتٍ ستكون الفرصة قد ذهبَت‘." ويضيف أنّ "شيئاً كبيراً يحدث هنا في مجال الإنترنت، وموقعنا هو مثالٌ على ذلك."