ما سرّ نجاح ‘خرابيش‘ في إنتاج المحتوى العربي الرقمي المصوّر؟
بعد تخطّي مرحلة الإطلاق، يواجه روّاد الأعمال أثناء مرحلة نموّ شركاتهم الناشئة وتوسّعها عدّة تحدّياتٍ، مثل النقص في التمويل وتغيّر نموذج الأعمال في بعض الأحيان أو تغيّر وتبديل العملاء والموظّفين وحتّى المورّدين، ممّا يولّد كثيراً من الضغوطات. أضِف إلى ذلك، أنّ الشركة الناشئة تصبح بحاجةٍ أكثر للتعامل مع التشريعات والقوانين الخاصّةً، والتي عادةً ما تكون صارمةً وبطيئةً في البدان النامية. كلّ ذلك، بالإضافة إلى التغيّر في عقلية رائد الأعمال، حيث يضطرّ في هذه المرحلة لتفويض بعض أعماله إلى شخصٍ آخر من الفريق، خلافاً لمرحلة الإطلاق حيث كان يقوم بكلّ الأمور بنفسه.
وبالرغم من نموّ البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في المنطقة العربية، ومن تدفّق المنظّمات الداعمة إلى هذه المنطقة، لا يزال بعض روّاد الأعمال يجدون صعوبةً في إنشاء شركةٍ وإطلاقها، ناهيك عن تنميتها وتوسيعها. ولكن ماذا عن الروّاد الذين أطلقوا شركاتهم قبل أن يكون في المنطقة بيئةٌ حاضنةٌ للريادة أصلاً، وكيف يعملون على تنميتها وتوسعيها حالياً؟
"خرابيش" Kharabees، شركةٌ ناشئةٌ تختصّ بإنتاج المحتوى العربيّ على شكل رسومٍ متحرّكةٍ وفيديوهاتٍ تتطرّق إلى القضايا السياسية والاجتماعية والتعليمية في العالم العربي. وهي إحدى الشركات التي أطلقها وائل عتيلي، وفراس العتيبي، ومحمد عصفور، ووفاء النابلسي، وشاهر العتيبي، روّاد الأعمال الذين تشاركوا في تأسيس شركات ناشئة منذ عام 2008.
في هذا الإطار، قام "مختبر ومضة للأبحاث" Wamda Research Lab، بالشراكة مع "إنديفور الأردن" Endeavor Jordan، بإجراء دراسةٍ عن "خرابيش" التي نمَت ووسّعَت نطاقها بنجاح. وكان لـ"ومضة" حديثٌ مع مديرها التنفيذيّ، محمد عصفور (الصورة إلى اليسار)، ليشرح لنا كيف تمكّنَت شركته من النموّ والتوسّع، وما هي أبرز التحدّيات التي تواجهها والحلول التي تعتمدها.
"ومضة": ما الذي ساعدكم على النموّ والاستمرار؟
محمد عصفور: هناك عدّة عوامل ساعدتنا، أذكر منها ثلاثة. نحن شركةٌ تقدّممحتوى عربياً؛ وبعد تأسيسها وتخطّي بعض الصعوبات، قرّرنا منذ اليوم الأوّل أن يكون الإنتاج عربياً شاملاً وليس محلّياً وحسب. ثانياً، كان لدينا ‘الأفكار العربية‘ ThinkArabia كشركةٍ قابضة يوجد تحت مظلّتها 6 شركاتٍ تقدّم الخدمات، من ضمنها ‘خرابيش‘. ولكن بعدما كبرَت هذه الأخيرة، قرّرنا إغلاق كلّ الشركات الأخرى وتركيز العمل عليها فقط. أمّا العامل الثالث، يكمن في أنّنا نركّز على التكنولوجيا والمنصّات التي ساعدتنا على تنمية عملنا. فقد حصلنا على ترخيصٍ من ‘يوتيوب‘ YouTube كواحدةٍ من القنوات العشر الأفضل، ونعمل حالياً على فيديوهات ‘فايسبوك‘ Facebook التي لم تنتشر كثيراً بعد، لمواكبة هذه المنصّة.
"ومضة": ماذا عن الأسباب الإقليمية التي ساعدتكم؟
عصفور: بدأنا في الأردن، من ثمّ تونس ومصر، والآن في دبي. أغلقنا مكاتبنا في تونس ومصر، ولكن بقي لدينا شبكة من العلاقات مع المواهب. أمّا في السعودية، فقد ساعدنا نموّ مستخدّمي الإنترنت و‘يوتيوب‘ في المنطقة ككلّ، وبات لدينا وصولٌ محليٌّ ممتازٌ من خلال قناتنا ‘نادي جدة للكوميديا‘، في ظلّ احتفاظ السعودية بأكبر نسبة مستخدِمين لـ‘يوتيوب‘. نعمل أيضاً على تقديم محتوى لشركاتٍ أخرى ونساعدهم على إنتاج محتوىً خاصٍّ بهم على طريقة B2B. ولقد بات لدينا عملاء من شركاتٍ كبرى، مثل ‘زين الأردن’ و’زين السعودية’، و’جوال فلسطين’، و’سامسونج’، و’بيبسي’، و’أكسيوم تيليكوم’، وحتّى ‘الأمم المتّحدة لتي نقدم لها محتوى تعليمي وللأطفال.
"ومضة": ما الذي تفتقده المنطقة لتعزيز توسّعاتٍ أخرى؟
عصفور: توسّعت البيئة الحاضنة لدينا عبر الاستثمار في مرحلة إطلاق الشركات وليس في مرحلة توسّعها، لذلك نحتاج إلى ثقةٍ أكبر من المستثمرين الذين يمتلكون دوراً كبيراً في توسعة الشركات. وفي وقتٍ يخاف المستثمرون في منطقتنا من مرحلة التوسّع، يوجد في الخارج مستثمرون متخصّصون في كلّ مرحلةٍ على حدة: الإطلاق، النمو، التوسع وحتّى الخروج. لذلك، فالاستثمار في المنطقة هو عقبة أساسية نحتاج أن نعمل عليها بشكلٍ أسرع.
من جهةٍ أخرى، يجب ألّا تنحصر البيئة الحاضنة في بلدٍ أو اثنين، سواء تحدّثنا عن السوق أو عن الدعم. هذا بشكلٍ عام. أمّا بالنسبة لنا كـ‘خرابيش‘، فقد شكّل المحتوى تحدّياً لنا مع اختلاف اللهجات، بالإضافة إلى العثور على المواهب وتوظيفها (وهذه معضلةٌ تواجه معظم من يعمل في إنتاج المحتوى خاصّةً المحتوى العربي الفنّي.)
تخصّص "خرابيش" محتوىً (صور وفيديو) بلهجاتٍ مختلفة.
"ومضة": إذاً ما هي التحدّيات التي واجهت "خرايش" بالتحديد خلال التوسّع؟
عصفور: لا بدّ من ذكر العثور على المواهب والحفاظ عليها أوّلاً. ومن ثمّ المنافسات المحلّية، إذ عند بدأ ‘خرابيش‘ كنّا رائدِين في هذا المجال، ولكن باتت تنافسنا شركاتٌ محليّة خاصّةً في السعودية حيث سوقنا الأكبر والتي لا وجود لمكتبٍ لنا فيها. ولا ننسى أن نضيف أيضاً المنافسة من الشركات الإعلامية الكبرى التي تدخل مجال عملنا مسلّحةً بالمال والخبرة والمواهب، ما يجعل الأمر صعباً علينا لناحية النموّ لموازاتها. وفي غضون ذلك، فـالحفاظ على الاستثمارات والعثور على مستثمرين من أجل التوسّع، هي أمورٌ يجب العمل من أجلها بجهدٍ أكبر، ولا تقلّ صعوبةً عن كلّ ما سبق.
"ومضة": كيف استطعتم التغلب على هذه الصعوبات؟
عصفور: كنّا محظوظين من ناحية الحصول على مستثمِرين جيّدين، يدعموننا ويعملون معنا لتوسعة الشركة. بالنسبة للأسواق والتوسع إليها، وضعنا استراتيجية وخططاً مهمّة وعملنا على إدارة الدفق النقديّ بشكلٍ جيّد. وفيما يتعلّق بالمحتوى وضعنا هذه الإشكالية أمامنا منذ اليوم الأول، ورحنا نعمل على حلها.
"ومضة": كيف تجنون المال وما هو نموذج عملكم؟
عصفور: يقوم عملنا على إنتاج المحتوى وتطوّر ليتوازى مع تقديم خدمات الإنتاج لشركاتٍ أخرى. وبهذا، تأتي عائداتنا من عدّة مصادر، أبرزها من الإنترنت؛ من ‘يوتيوب‘ ومن الشراكات ومن تضمين منتَجاتٍ دعائية في المحتوى الذي نقدّمه. وتأتينا عائداتٌ من الهواتف المحمولة، عبر التطبيق أو الاشتراكات. وطبعاً من الخدمات التي نقدّمها للشركات الأخرى.
"يعني أيه ‘خرابيش‘ كرتون؟"
"ومضة": إذا حصل أيّ طارئ في مرحلة نموّكم، ما الذي قد تفعلونه؟
عصفور: نعمل حالياً على ‘يوتيوب‘ و‘فايسبوك‘، ولا ندري ما قد يأتي بعد. إذاً، تشكّل المنافسة والتفضيل بين هاتَين المنصّتَين تحدّياً لنا، حيث لكلّ منصّةٍ محتواها وجمهورها؛ وإذا تحرّك القطاع فهذا قد يجعلنا نعيد النظر في سلسلة القيمة value chainلدينا التي تبدأ من الاكتشاف والتطوير، أي إيجاد المواهب وابتكار عرضٍ ما؛ ومن ثمّ نموّ الجمهور أو الوصول إلى الناس؛ ومن ثمّ جني المال.
"ومضة": هلّا شاركتنا 5 دروس تعلمتموها خلال إنشاء شركتكم وتوسيعها؟
عصفور: في أيامنا كان إطلاق شركةٍ ناشئةٍ صعباً جدّاً. ولكن رغم ذلك، وجدنا أنّ [1] عملية إطلاق الشركة، مهما اعتبرها الناس صعبة، تظلّ أسهل من توسيعها.
ومن صعوبات التوسّع أيضاً، الدخول إلى جوهر العمل وتغييره. لذا، يجب [2] التركيز على جوهر العمل لتوسيع الشركة، و[3] المثابرة على الرؤية والاستراتيجية.
التركيز على الأسواق المحلّية ومن ثمّ الإقليمية وفيما بعد العالمية، بحيث يجب أن [4] تجرّب وتتعلّم في البلد الذي تتواجد فيه أولاً ومن ثم تتوسّع نحو الأسواق الكبيرة. وبالحديث عن الأسواق التي تملك أكبر الإمكانيات في المنطقة، نشير أوّلاً إلى السعودية ومصر (حيث يرغب أكثرمن 97% من المستخدِمين في هذين البلدين تصفّح الإنترنت بالمحتوى العربي). وإذا أردنا الإشارة إلى التوسّع عالمياً، نفكر في ذلك بعد أن ‘نفكّ خطّ العالم العربي.‘ ولكن في الوقت الحاليّ، تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الرابعة للمشاهدات، بفضل العرب المغتربين.
[5] إدارة الدفق النقديّ أيضاً تحتلّ مكاناً هاماً ضمن أصعب الأمور في مرحلة التوسع. فإذا كنتَ تتوسّع ونفذ لديك المال، فذلك يعني أنّه من الصعب إصلاح الأمور، لأنّه سيؤدّي إلى خسارة العملاء، والسمعة، والالتزامات.
العثور على المواهب والحفاظ عليها من أصعب التحدّيات. (مصدر الصورة)
"ومضة": بعد هذه المسيرة التي لم تنتهِ، ما هي الأمور الأكثر إرضاءً لكم؟
عصفور: أكثر ما يُشعِر المرءَ بالفخر، هو الريادة في مجال عمله. فبعدما شكّل النقص في المحتوى العربي فرصةً أمامنا لكي نملأها (لا تتجاوز نسبة المحتوى العربي المتاح على الإنترنت 3% عام 2014)، باتَ الآن هناك جيلٌ يكبر على ‘خرابيش‘ ما يجعلنا نفخر بالمحتوى الذي ننتجه. وعدد المشاهدات المليار التي حصلنا عليها ونحصل على مزيدٍ منها تزيدنا قناعةً أنّ المحتوى مهمّ، والأهمّ من ذلك أنه وصل للناس. وهذا ما يدفعنا للعمل أكثر، لأنّ الوصول للناس والتأثير فيهم أهمّ وأكثر إرضاءً من أيّ مقابلٍ مادّيّ؛ وهذا ما يتفهّمه المستثمرون أيضاً.
"ومضة": ما الذي تتمنى أن يتغيّر في هذا القطاع؟
عصفور: يجب تغيير القطاع الإبداعيّ في العالم العربي، والتغيير يعني الاستدامة. أتمنّى أن يعيش صاحبُ موهبةٍ معينةٍ حياتَه وشغفَه، وألّا يضطرّ للعمل بوظيفةٍ أخرى لكي يعيش. أتمنّى أن نكون مِمّن يساهمون في هذا الشيء.
"ومضة": هل من نصائح تقدّمها للشركات في مرحلة النموّ أو التوسّع؟
عصفور: مهما ساءت الأمور، لا تتوقّف عن الحلم. العمل يتطلّب المثابرة والإصرار.