كيف تكون الشركات المصرية 'مواطناً صالحاً'؟
في بداية شهر أيار/مايو، شهدت مصر مؤتمرين، الأول كان المؤتمر السنوي الأول للمسئولية المجتمعية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي نظّمته وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، برعاية الشركة المصرية للاتصالات ومؤسّسة "فودافون" للتنمية، يومَي 3 و4 أيار/مايو، في فندق "إنتركونتنتال سيتي" في القاهرة. وانعقد المؤتمر الثاني المؤتمر السنوي الأول للمسئولية الاجتماعية بتنظيم من شركة Integrated Marketing Communications ومؤسسة "تروس مصر" يوم 28 نيسان/أبريل.
حضر المؤتمر الحكومي (أي المؤتمر الأول) أكثر من 18 شركة ومؤسّسة عاملة في القطاع، بحضور مبادرات ومنظمات اجتماعية مثل مركز "العقد الاجتماعي" ومؤسسة "الحسن"، وبمشاركة ستّ وزارات حكومية هي وزارات التخطيط، والتضامن، والتربية والتعليم، والشباب، والصحة، ووزارة التطوير الحضري والعشوائيات (أي المناطق السكنية غير المنظّمة).
تطرّق المؤتمر إلى مواضيع مثل رؤية الحكومة لدور القطاع الخاص في المسؤولية الاجتماعية، ودور القطاع الخاص في تنمية المجتمعات، ودور المنظمات غير الحكومية في تمويل مشاريع التنمية، ودور القطاعات المختلفة في تحقيق الاستدامة.
واللافت أنّ سعر تذكرة المؤتمر الذي اقتصر معظم الحضور فيه على أصحاب الدعوات الخاصة، قد وصلت إلى 1500 جنيه مصري (حوالي 200 دولار أميركي). وضمّت قائمة المتحدّثين في هذا المؤتمر د.أحمد درويش، رئيس "تروس مصر" للتنمية ووزير التنمية الإدارية السابق، الذي تحدث عن البيئة المصرية وتعاون القطاع الخاص والمجتمع المدني؛ وحسام قباني، رئيس جمعية "دار الأورمان"؛ ومعز الشهدي، رئيس "بنك الطعام"؛ وشريف أبو النجا، نائب رئيس مستشفى "57357"؛ اوقد تطرّقوا إلى دور المنظّمات غير الحكومية في التنمية.
المؤتمر الحكومي
يبدو واضحاً أنّ اهتمام الحكومة بالمسؤولية الاجتماعية يزداد، فيما تنشط لإبرام شراكاتٍ مع القطاع الخاص لتعزيزالإمكانيات. وحتّى أنّ بعض الوزارات، مثل وزارة الإسكان، بات لديها إدارات خاصّة بهذا النشاط للتعاون مع الشركات في مجال تطوير العشوائيات وغيره. وكما تقول مستشارة وزير الاتصالات، عبير شقوير، فإنّ شركات تكنولوجيا المعلومات هي الأكثر إنفاقاً على المسؤولية الاجتماعية، وهذا يقع تحت إطار استراتيجية الوزارة.
من اليمين إلى اليسار: أيمن اسماعيل رئيس شركة "ماونتن فيو"، د.أشرف العربي وزير التخطيط، د. غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، وحاتم خاطر، مؤسس "تروس مصر".
وبحسب إستراتيجية المسؤولية المجتمعية التي أطلقتها الوزارة في هذا الشأن، في ديسمبر/كانون الأول 2013، فهي تسعى إلى تطويع استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمة المناطق الفقيرة والمهشمة والأكثر احتياجاً، من خلال الربط والتواصل بين مثلث التنمية المتمثّل في القطاع الخاص والحكومة ومؤسّسات المجتمع المدني.
واستعرض المؤتمر بعض ثمار تعاون الحكومة والقطاع الخاص، فأشار إلى تقديم الدعم التكنولوجي لــ11 مركزاً مجتمعياً متكاملاً ودامجاً في المناطق العشوائية، تمّ بالتعاون مع أربعةٍ من أكبر شركات القطاع كشركة "سيسكو" Cisco و"الشركة المصرية للاتصالات" وشركة "فودافون" Vodafone وشركة "اتّصالات مصر"؛ ومشروع التأهيل التكنولوجي لـ20 دار للأيتام بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي وشركة "آي بي أم" IBM العالمية؛ وتطوير بوابة إلكترونية لربط مؤسّسات العمل المدني والخيريّ ببعضها البعض وبوزارة التضامن الاجتماعي، بالتعاون مع "المجموعة الوطنية للتقنية". بالإضافة إلى ذلك، تمّ إطلاق العديد من الحملات التوعوية التي قامت بها شركة "موبينيل" Mobinil من أجل المساهمة في ترشيد استخدامات الطاقة، كما كرّم وزير الاتّصالات ستّةً من الشركات الفاعلة في تنفيذ استراتيجية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للمسؤولية المجتمعية.
وشهد المؤتمر أيضاً توقيع اتفاقيّتَين؛ الأولى بين وزارتَي الاتصالات والتعليم لتوسيع مشروع الدعم التكنولوجي للمراكز المجتمعية في المناطق العشوائية، والأخرى مع محافظة الفيوم في المشروع نفسه.
مؤتمر القطاع الخاص
ركّز هذا المؤتمر على دور الشركات في المسؤولية الاجتماعية. وطرح هذا المؤتمر مسألةً حول "كيف تكون الشركة مواطنًا صالحًا"، أو كيف يساهم القطاع الخاص في حلّ مشاكل المجتمع. إلّا أنّ هذا الشقّ لن يتمّ إذا كانت الشركة لا تراعي موظفّيها وعمالّها من ناحية الأجور والرعاية الطبية والتأمينات والرواتب والتدريبات، وهو الشقّ الثاني. كما ورد أنّه على الشركة أن تعامل موظفّيها كشركاء في استراتيجيتها ومسؤوليتها تجاه المجتمع.
وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي، الدكتورة غادة والي، إنّ التغيير الثقافي الذي يتمّ بشكلٍ تدريجيٍّ في علاقة العامل مع ربّ العمل، لا شك أنّه سيساهم في تغيير الصورة النمطية للمصريين عن القطاع الخاصّ، بأنه عملٌ غير مستقرّ ولا يوفّر مظلة حماية. ولكن بالرغم من الاعتماد العام على الحكومة، يؤمّن القطاع الخاص نحو 70% من فرص العمل في مصر، حسبما أشار أيمن اسماعيل، رئيس مجلس ادارة شركة "ماونتن فيو" MountainView، داحضاً الاعتقاد الخاطئ بأنّ موارد الحكومة أكبر، وواصفًا الشعب المصري بأنّه من أكثر الشعوب "دلعاً" في العالم.
ولكن في دولةٍ مركزيّة بحجم مصر، يصل عدد سكانها إلى 90 مليوناً، تظلّ المعرفة خطوةً أولى لحلّ المشاكل. فالتنفيذ الصحيح على المناطق العشوائية مثلاً، يحتاج إلى معرفةٍ جيّدةٍ لخارطة المناطق وعدد سكانها وعدد المنازل فيها، لوضع خطّة معالجةٍ صحيحة. ويقول حاتم خاطر، مؤسّس "تروس مصر"، إنّه في غياب الشفافية وفي إطار السرية والعزلة الذي تعمل فيه الأطراف الناشطة في مجال التنمية، غالبًا ما يؤدّي التخطيط إلى هدر الوقت والموارد، خاصّةً في ظلّ عدم وجود رؤية واضحة تحدّد الأولويات وتكشف الإخفاقات للتعلّم منها: "نريد خارطة طريق لا تتغير مع تغيّر الحكومات."
واقترح البعض أيضاً وضع خارطةٍ للإمكانات الموجودة وغير المستغَلّة من أراضٍ ومنتَجات، بحيث يسهل على القطاع الخاص إنشاء مجتمعاتٍ منتِجةٍ صغيرة وحلقات وصل في كلّ محافظة، للتعرّف إلى الفرص وتتبّع الأداء.
ولكن، شهد المؤتمر طرحاً مختلفاً تعرّض له كلٌّ من رئيس مجلس إدارة شركة "ماونتن فيو"، ومسؤولة في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة نهلة زيتون، وهو أن يسعى القطاع الخاصّ لجني أرباحٍ من حلّ المشاكل الاجتماعية، بدلاً من أن يكون العمل كلّه خيريًّا أو تطوعيًّا أو زكاة. ذلك لأنّ الربح يحقّق الاستدامة، فيكون الوضع مربحاً في كلّ الأحوال. وكلمات زيتون هذه لاقت تأييدًا وسط متحدّثين آخرين، بحيث أكّد بعضهم أنّ المقصود ليس التعارض بين الزكاة أو العمل الخيري والتنمية المستدامة، بل التكامل فيما بينهم، لأنّه لا يمكن الفصل بين حلّ مشاكل المجتمع وتحقيق الأرباح؛ فالنتيجة هي الأهمّ.