خمسة دروس في القيادة من مسؤولة في المنتدى الاقتصادي العالمي
بعد أن تخرّجت اللبنانية هلا حنّا من برنامج زملاء القيادة العالمية "جلوبال ليدرشيب فيلوز"Global Leadership Fellows التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum (WEF) في حزيران/يونيو، طلب منها زملاؤها في الصفّ أن تكون هي من يلقي خطابَ الطالب المتفوّق.
وكونها من أبناء جيل مواقع مثل "باز فيد" BuzzFeed الذين اعتادوا على مقالات المواضيع الاجتماعية المقتضبة وقوائم النصائح، اختارَت قائمةً من خمسة دروسٍ اكتسبَتها شخصيّاً خلال برنامج قيادةٍ شاركَت فيه امتدّ على ثلاث سنوات، وتشاركَتْها مع "ومضة".
الصورة من تصميم كاتبة المقال.
الدرس الأول: اتّبع قواعد الارتجال
أثناء وحدةٍ من وحدات البرنامج، أمضينا أسبوعاً كاملاً في الحرّ في مسرح كلية الفنون في جامعة كولومبيا Columbia School of Arts، في نيويورك، نتعلّم بعضاً من قواعد الارتجال التي تنطبق جيداً على القيادة أيضاً:
- الاستماع: تعلّمنا مراراً وتكراراً، على المسرح كما في العمل، أنّ الاستماع هو دليلنا الأفضل لإنجاز الأمور. وفي أحد التمارين التي قمنا بها في وقتٍ لاحق، توزّعنا على ثلاث مجموعات: الإدارة الدنيا والوسطى والعليا. وسرعان ما أدركنا أنّه في حال فشلَت الإدارة الوسطى في الاستماع بشكلٍ فعّال، ومن ثمّ إرسال هذه المعلومات إلى الإدارتَين العليا والدنيا في الشركة، لن يكون لوجودها أيّ معنى.
- الثقة بالآخرين:
في الارتجال، يُطلَب منك أن تنظر في عينيّ شريكك للاطمئنان، في حال
شعرتَ بالخوف. فما مِن أحدٍ منّا وصل إلى ما هو عليه اليوم بمفرده.
خلال برنامج المنتدى الاقتصادي العالمي، عملنا مع بعضنا البعض لأكثر
من عامَين، بتنا
أقل وحدةً وأكثر قدرةً على تقبّل النقد وأصبحنا بالتالي أكثر انفتاحاً
على التعلم والتغيير.
- اتخاذ قراراتٍ كبيرةٍ بوتيرةٍ عالية وفي أسرع وقتٍ ممكن: غالباً ما تكون الحاجة إلى تحقيق النجاح هي الهمّ الأكبر لدى من يحملون سيَراً ذاتيةً مليئةً بالإنجازات وشهاداتٍ جامعية لا تُعدّ ولا تُحصى. وقد يدفعهم ذلك نحو اتخاذ قرارات أكثر أماناً بدلاً من المجازفة، الأمر الذي له صلة بالقاعدة الأخيرة، ألا وهي:
- قَول "نعم، و...": تدور كلمة "نعم" حول عيش اللحظة وتقبّلنا لمحيطنا وظروفنا. أمّا تكملة الجملة بـ "و..."، فتتمحور حول إضفائنا أثرنا عليها.
وإذا اتخذنا خياراتٍ كبيرةً بالاستناد إلى ما نسمعه من الأشخاص الذين نثق بهم، واندفعنا في كلّ تجربةٍ تضعها الحياة في طريقنا، لترتدّ بعدئذٍ التجربة نحونا ممزوجةً بما أضفناه عليها، لا بدّ أن نترك أثراً في هذا العالم.
هلا حنّا. (الصورة من هلا حنّا)
الدرس الثاني: تقبّل ما لا يمكنك التنبّؤ به
يتغيّر العالم بطرقٍ لا يمكن لأحدٍ منّا التنبؤ بها، ولا بدّ لنا أن نتكيّف معها باستمرار.
سواء كانت شركتك كسمكةٍ كبيرةٍ في بركةٍ صغيرة أو كسمكةٍ صغيرةٍ في بركةٍ كبيرة، فالحجم اليوم لم يعد هامّاً. ما يهمّ هو سرعتك في السباحة وتمتّعك بالوعي السياقي لتدرك أنّ ما يحيط بك هو المياه، ما ليس بالأمر السهل للأسماك. ولذا، فالتأقلم مع الأرق وعدم الراحة، وتقبّل ما لا يمكن التنبّؤ به في رحلة الحياة التعلمية، أمران جوهريان في سياق القيادة.
الدرس الثالث: كن تابعاً جيداً واحذر من التتبع
قد يبدو لك الأمر منافياً لما اعتدتَ سماعه، ولكن، إليكَ مثالٌ يوضّح لك هذه النقطة، وهو المتنزّه المليء بأشخاصٍ أتوا لقضاء اليوم فيه. فجأةً، وقف رجلٌ وبدأ بالرقص كالمجنون. وبعد ثوانٍ قليلةٍ سادها جوٌّ من الانزعاج، وقف رجلٌ ثانٍ وبدأ بالرقص أيضاً. وبعد انقضاء خمس دقائق، ها إنّ كل من في المتنزّه بات يرقص. إذا فكّرتَ في الامر مليّاً، ستجد أنّ الرجل الثاني هو من حوّل الراقص من شخصٍ مجنونٍ إلى قائدٍ لهذه الحركة.
إذاً، تكمن طاقةٌ هائلةٌ في مَن نختار أن نتّبعه وفي الأفكار التي نختار أن نعزّزها.
الدرس الرابع: استمرّ في السير قدماً
خلال السنوات الثلاثة التي أمضيتُها مع زملائي في الصفّ، رأيتُ الحياة توجّه ضرباتٍ قاسيةً لأشخاصٍ عدّةٍ من بيننا؛ فمِنّا مَن فقد شخصاً عزيزاً على قلبه، ومِنّا مَن طُرِد من عمله، ومِنّا مَن عانى مِن الاكتئاب. وأكثر ما ألهمني كان رؤية زملائي ينهضون من جديدٍ ويتابعون سيرهم.
الدرس الخامس: ارتقِ إلى مستوى التحدّي
استمرَّت الحرب الأهلية في لبنان إلى أن بلغتُ الخامسة من عمري، ما أرغَمَ عائلتي على التنقّل بين منزلٍ وآخر من منازل أقربائنا بحثاً عن الأمان.
لقد بذل والداي كلّ ما في وسعهما ليحميانا من القلق بشأن ما إذا كنّا سنرى بعضنا مجدّداً أو لا. وتحوّلَتْ هذه الحالة إلى لعبة تظاهر، حيث كان والداي يتظاهران بأنّهما يأذنان لنا بعدم الذهاب إلى المدرسة لكي نلعب مع أقاربنا، في حين كنّا نتظاهر نحن الأطفال بأننا لا نلحظ قلق والدينا.
أمّا اليوم، وعلى عكس الأطفال، فلم يعد بإمكاننا التظاهر بعدم إدراك ما يجري. فقد حالف الحظّ مَن تخرجّ من بيننا مِن البرنامج وعدداً كبيراً منكم أيّها القراء، أكان من ناحية توفّر الفرص أو الامتيازات أو التمتّع ببعض المواهب. ومع الحظّ يأتي الالتزام، هذا الالتزام هو بمثابة دَيْنٍ تجاه أولئك الذين هم أقلّ حظاً.
أمّا السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، فهو كيف نستطيع الاستفادة من هذا الحظّ لتحسين نصيب مَن لا قدرة لهم في أسواقنا ولا صوت لهم في أنظمتنا؟ وكيف يمكننا أن نجنّد إبداعنا في سبيل تحسين استفادتنا جميعاً من الرأسمالية؟ وكيف يمكننا أن نرتقي كلّ يومٍ إلى مستوى التحدّي الذي اخترناه لأنفسنا، مهما كان هذا الأخير؟