ريادة الأعمال الإبداعية تزدهر في الإمارات
"متحف صلصالي الخاص" في معرض "جاليريز نايت" للفنون في "السركال أفنيو". (الصورة من"السركال")
يبدو أنّ روّاد الأعمال المبدعون سيكونون شركاء إمارة دبي المتطوّرة، في الوقت الذي تستقبلهم فيه.
تصف "سلطة دبي للمجمّعات الإبداعيّة" The Dubai Creative Clusters Authority القطاعات الإبداعيّة بأنّها تلك التي تضمّ الأشخاص الذين يستخدمون رأسمالهم المعرفيّ كأول مورد لهم.
أمّا بالنسبة للروّاد الأعمال المبدعين، فَهُم الأشخاص الذين يحوّلون مهاراتهم الإبداعيّة إلى شركات أو مؤسّسات إبداعيّة.
وتهدف "سلطة دبي للمجمّعات الإبداعيّة" التي أُطلقَت عام 2014، إلى تعزيز "سمعة دبي في كافة أنحاء العالم كمدينةٍ رائدةٍ في الإبداع وكمركزٍ للابتكار." ومن المجمّعات الموجودة تحت مظلّة هذه السلطة: "مدينة دبي للاستديوهات" Dubai Studio City، و"مدينة دبي للإعلام" Media City، و"مدينة دبي للإنترنت" Internet City.
بالإضافة إلى ذلك، تعمد "سلطة دبي للمجمّعات الإبداعيّة" إلى تخليص معاملات الفيزا المستقلّة، كما تستضيف "حي دبي للتصميم" Dubai Design District الذي يُعدّ حاضنة أعمال التصميم والأزياء الأولى من نوعها؛ ومع إطلاقه في عام 2013، نشأ فيه أكثر من 200 شركة.
جاذبة للأجانب
عام 2004، توجّه الـ"دي جاي" DJ شارل شاكا (الصورة أدناه) المشهور عالميّاً إلى دبي، ولم يوقفه هذا عن البحث عن الطرق الممكنة لانخراطه وتأسيس نفسه في الساحة المحليّة.
وفي مقابلةٍ له مع "ومضة"، يقول شكّا إنّه "عليك بذل مجهودٍ كبيرٍ في هذا القطاع؛ كان هناك عددٌ ضئيلٌ جدّاً من الأشخاص ذوي الخلفيّة الترفيهيّة، وإيجاد فرصٍ خارج شركتك كان بمثابة تحدٍّ… إذ لم يكن هناك مجال عملٍ للعاملين المستقلّين (لحسابهم الخاص)."
فيما بعد، بدأ شكّا بالمساهمة في أقدم دليلٍ للحياة الليليّة والموسيقى في دبي، مجلّة "إنفيوجين" Infusion Magazine. أمّا الآن، فقد أصبح يمتلك مجموعة "إنفيوجن" Infusion Group ويشغل منصب الشريك الإداري فيها، وهي مجموعةٌ تضمّ المجلّة ذاتها، وشركةً لتنظيم الفعاليات والمناسبات، ومجموعةً للترفيه، وشركة تسجيلات.
أمّا في الجانب الآخر من الإمارة، فيوجد "السركال أفنيو" Alserkal Avenueالذي أُنشئ عام 2007 وسط مساحة من المصانع القديمة. و"السركال" الذي يعتبر نفسه كـ"أوّل حيٍّ فنيّ وثقافي في المنطقة"، تقدّمَت إليه أكثر من 400 شركة بعد أن فتح باب تقديم الطلبات لوحداته الخمسين."
تعتقد فيلما جيكورتي، مديرة "السركال أفنيو"، أنّ دبيّ لديها فعلاً المواهب الإبداعيّة اللّازمة، بالإضافة إلى بيئةٍ حاضنةٍ إبداعيّةٍ تنمو عضوياً. أمّا التحدّي فيتمثّل في تحويل هذه المواهب إلى شركاتٍ قابلةٍ للنمو.
وتضيف أنّ "دبي هي السبب في كوننا هنا؛ فهناك الكثير من الطرق لمتابعة المجال الفنيّ للمدينة، سواء كان يقوم على مبادرةٍ حكوميّة أوحتّى مسعى خاص… تشكّل دبي فعلاً سوقاً تجاريّةً مستدامة مع نظام اقتصادٍ كليّ مؤاتٍ. والمجال الفنيّ هنا نمى بشكلٍ طبيعيّ."
وتتابع جيكورتي أنّ "مكانة ريادة الأعمال الإبداعيّة تنمو من ناحية البنى التحتيّة، لكنّ الفرص التي تقدّمها دبي تتجاوز البنى التحتيّة الموجودة."
القدرة على العمل بانفراد
في الواقع، دبي هي كقطعة قماش بيضاء بالنسبة للفنّان ومصّمم الرسومات، حسبما تقول كلاري نابر (الصورة أدناه)، التي تركت عملها بصفتها رئيسة قسم التصميم في الوكالة الإعلانيّة العالميّة "ساتشي إند ساتشي" Saatchi&Saatch، لتبدأ عملها في استديو خاصٍّ بها وتلتزم مشاريع مستقلّة.
ونابر التي حصلت بهذا على "وظيفة الأحلام الممتعة"، كانت خلال سعيها عن مكانٍ إبداعي توثّق حياتها في دبي من خلال فنّها. والنتيجة كانت مجموعة "هاي لايف دبي" Highlife Dubai، وهي مجموعةٌ تضمّ 18 عملاً فنيّاً يرتكز على إعلاناتٍ كلاسيكيّة تعود للقرن العشرين.
"من خلال مجموعة 'هاي لايف دبي'، أدركتُ أنّني أستطيع تأسيس وظيفة أحلامي الفعليّة" حسبما تقول نابر، مضيفةً أنّ "في دبي يوجد إمكانيّاتٌ كبيرةٌ كما والكثير من الفجوات [لملئها]، فإذا كنت تريد تحقيق ذلك عليك القدوم إلى هنا؛ افعل ما يمثّل شغفك المطلق، وبعدها ستبدأ بجني الأرباح."
نابر ليست الوحيدة التي تبدي اقتناعها بقوّة اتّباع الإنسان لشغفه، بل إنّ شاكا وجيكورتي يعتبران أيضاً أنّ عمل الشخص باستمرار في المجال الذي يحبّه بغضّ النظر عن الظروف، هو منطلقٌ أساسيٌّ لكي يصبح محترفاً ومبدعاً، فكيف إذا كان رائد أعمال.
أمّا بالنسبة لعارض الأزياء والشيف بول فرنجيّة، والذي يقدّم برنامج This Dude Knows Food، فقد ترعرع في دبي وغادرها لدراسته الجامعيّة ثمّ عاد إليها لمتابعة شغفه بالطعام والتلفاز والسفر؛ وقريباً، سيطلق فرنجية مطعم "هابي" Hapi في "السركال أفنيو".
يقول فرنجية إنّ "دبي تسعى دوماً إلى فعل ما بوسعها وتقديم الكثير من فرص العمل، فهي مكانٌ يسهل الوصول إليه وفي موقعٍ جغرافيٍّ رائع بالنسبة للمبدِعين من أجل خدمة المنطقة بأكملها والعالم."
في الواقع، يتطّلب السفر إلى دبي مدّة ثماني ساعات لأكثر من 90 بالمئة من الدول حول العالم، وقد حاز "مطار دبي الدولي" لقب المطار الأكثر ازدحاماً بالمسافرين الدوليين.
الانتشار
بدأت دبي بالفعل بتصدير المواهب الابداعيّة على مستوى عالمي. ففي شهر كانون الثاني/يناير من عام 2015، ابتعث "السركال أفنيو"مشروع "سفينة راديو" Safina Radio Project، وهو عبارة عن سفينةٍ تحوّلَت إلى استديو تسجيل متنقّل في ممرّات فينسيا المائيّة، يساعد أيضاً على الاكتشاف والتبادل.
بالإضافة إلى ذلك، فالفنّانة الإيرانية منير شحرودي فارمانفارمايان التي كانت أوّل فنّانة إيرانيّة تعقد معرضاً فرديّاً لها في "متحف غوغنهايم" Guggenheim Musuem في مدينة نيويورك، تقيم بشكلٍ دائمٍ في لمعرض "الخطّ الثالث" The Third Line الفنّي، في "السركال أفينيو."
مشروع "سفينة راديو"، سفينة تحوّلت إلى استديو تسجيل في ممرات فينيسيا المائيّة. (الصورة من"السركال")
وعن النهج الجماعيّ لدى "السركال أفنيو"، تقول جيكورتي "إننّا نجازف بالمجازفين. لقد أصبحت الإمارات العاصمة الثقافيّة في المنطقة [و]... دبي، مكاناً لبناء الاقتصاد الإبداعي."
من جهةٍ ثانية، فإنّ الفعاليات مثل "مهرجان طيران الإمارات للآداب" Emirates Airline Festival of Literature، و"معرض الشرق الأوسط للأفلام والقصص المصوّرة"Middle East Comic Con، و"أسبوع تصميم دبي" Dubai Design Week، و"مهرجان القوز للفنون"Quoz Arts Festival، بالإضافة إلى "مهرجان دبي الكوميدي" Dubai Comedy Festival، ليست مجرّد تجمّعاتٍ محليّة رائدة، بل هي تقوم أيضاً بعرض قدرة الإمارات الإبداعيّة.
في العادة، لطالما انتمَت المراكز الإبداعيّة العالمية إلى مدنً مثل نيويورك ولندن وباريس؛ ولكن هل سيمكن لدبي، مع ازدهار العقول الإبداعيّة بشكلٍ واضحٍ، ومع هذه البنى التحتيّة المتينة وهذه الإمكانيّات الكبيرة، أن تصبح في مصاف مراكز الإبداع العالمية؟
"دبي هي دبي،" يقول شاكا شارحاً أنّ هذه المدينة "عبارة عن وعاء يجمع مزيجاً من الثقافات، والأذواق الموسيقيّة، والمواهب. دبي هي مكانٌ مميّز بحدّ ذاتها، وأشعر بالسعادة لكوني جزءاً من هذا التاريخ.