صوت الشركات الناشئة ينخفض في إربيل
صورة بانورامية لمدينة إربيل (الصورة من رايتشل ويليامسون)
للمرّة الثالثة على التوالي هذا العام، اضطرّ غوران شركو إلى تأجيل أسبوع الشركات الناشئة "ستارت أب ويكند" إربيل Startup Weekend Erbil. فرغم النجاح الذي حقّقه مع "أنجل هاك" Angelhack في استضافة أوّل "ماراتون أفكار (هاكاثون) في إربيل، في شهر آب/اغسطس، واجه مطوّر الويب (المبرمج الالكتروني) البالغ من العمر 21 عاماً صعوبةً في إعادة إحياء هذا الصخب.
يعود ذلك أساساً إلى الصعوبات التي (أظهرها) ظهرَت في عام 2015 والتي لم تكن بعيدة عن الحسبان في العراق وكردستان، بالإضافة إلى أنّه كما ذكر مروان جبار على "ومضة"، تسبّبت نشأة "داعش" بمغادرة العديد من روّاد الاعمال.
وتشير التقديرات الى أنه مع تراجع الدعم من المنظّمات مثل صندوق القروض من حكومة إقليم كردستان، تراجع عدد الشركات الناشئة العاملة في البلاد.
نتيجةً لذلك، ازدادت صعوبة تنظيم "ستارت أب ويكند" وغيرها في إربيل. كما أنّ شركو، وفي إطار حديثه عن راعين محتملين من الأردن، قال لـ"ومضة" إنّه سمع أنّه "لا يمكن تخصيص الأموال لكردستان بسبب الوضع السياسي الحالي."
لا يزال محيط قلعة إربيل يعجّ بالحياة والنشاط.
مشكلة على صعيد البلاد
لم يتفاجأ شركو بذلك لأنّ البلاد تعاني من ضائقةٍ مادية. ففي الأسبوع الماضي فقط، أفيد بأنّه منذ عام 2014، وضعت حكومة إقليم كردستان يدها على ودائع فرعين من فروع البنك المركزي العراقي التي تقارب المليارات من الدولار، وذلك بهدف الاستمرار بعد أن قطعت الحكومة العراقية التمويل عن هذا الإقليم الذي يتمتّع بالحكم الذاتي.
قبل ذلك، شهدت إربيل حتى عام 2014 ازدهاراً كبيراً، وذلك بعدما ازدادت نسبة الاستثمار والإعمار في احتياطات النفط والغاز الطبيعي في المنطقة، حيث نشأت شركات عدّة، وأقبلت الامتيازات من الخارج لتستقرّ في المنطقة، وبدأت الفنادق والمطاعم الجديدة تنشأ لتلبية هذا التدفّق.
أمّا اليوم، تشبه إربيل مدينة الأشباح ويبدو أنّ الصحافيين الأجانب فيها، على كثرتهم، يعوّضون عن النقص في رجال الأعمال.
في بداية عام 2014، يقول تود موس من "مركز التنمية العالمية" Center for Global Development في تقريره عن رواد الاعمال في المدينة، إنّه على الأكراد توخّي الحذر في كيفية إنفاق أمولهم لأنّ الرخاء الناتج عن إيرادات الموارد الطبيعية أمرٌ عابر خصوصاً إذا لم تتمّ إدارتها بشكلٍ صحيح؛ ويبدو أنّه كان على حقّ.
في حزيران/يونيو 2014، اجتاز "داعش" الحدود السورية وبدأ يتوجّه نحو إربيل. وبحلول شهر آب/اغسطس، ظهرت مخاوف حول احتمال سيطرة "داعش" على العاصمة الكردية، فسارعت الشركات كالبنوك وعمّال النفط الأجانب إلى الرحيل. وفي الوقت نفسه جرى تحويل الميزانيات إلى أماكن أخرى، غير أنّ الأمر استمرّ على هذا النحو حتّى باتت حكومة إقليم كردستان اليوم تتأخّر في دفع رواتب القطاع العام عدّة أشهر.
وقال شركو إنّ "الوضع مؤسفٌ بسبب ‘داعش‘ وما نتج عنه، إذ بات أصحاب الأموال يخافون من الاستثمار في المشاريع،" وبالرغم من أنّ الناس يهتمون بتأسيس شركات في العديد من القطاعات غير أنّهم يفتقرون للدعم أو التمويل.
وذكر شركو أنّه "يوجد بعض ‘المتاجر على الإنترنت‘ لكنّها كلها تستخدم ‘فايسبوك‘."
دانا صدرالدين، وعميد محمد، ومحمد شرزاد في إربيل (الصورة لـ لوسي نايت)
خيبة أمل
في حديثٍ مع "ومضة"، يقول رائد أعمالٍ فضّل أن يبقى مجهول الهوية إنّه يعرف الكثير من الذين حاولوا التقدّم بطلباتٍ إلى صندوق القروض من حكومة إقليم كردستان لكنّ جوبهوا بالرفض، لأنّهم "لا يعتمدون الإجراءات القانونية الاعتيادية ولا يمتلكون حقّ الإشهار حتّى."
وإذ يعبّر عن استيائه من الوضع، يقول إنّ الإدارة المسؤولة عن الصندوق في بغداد مؤلّفة من أفرادٍ لم يسمعوا يوماً بمصطلح ريادة الاعمال.
لا يرسم رائد الأعمال هذا صورةً مفرحة عن الوضع. ويشاركه الرأي الكثير من الروّاد الآخرين.
بالإضافة إلى شركو، قابلت "ومضة" ثلاثة شبان آخرين يتسابقون للحصول على معلوماتٍ عن كيفية تأمين دعمٍ لعملهم، وهم دانا صدرالدين (23 عاماً)، وعميد محمد (27 عامً)، ومحمد شرزاد (16 عاماً)، الذين شاركوا في ماراتون الأفكار في آب/أغسطس الماضي لبناء تطبيقٍ يسمح للسائقين بمعرفة حالة السير على كافة طرق المدينة، وفازوا بالمركز الثاني.
يقول محمد: "لا نريد أن نقارن أنفسنا بالولايات المتحدة أو أوروبا، ولكن إذا استطعنا أن نستخدم هذه الخوارزمية لتحذير السائقين إبعادهم عن المناطق التي تعتبر غير آمنة، قد ينتج عن ذلك فائدة كبيرة."
وفقاً لهؤلاء الشباب، جاء المشاركون محمّلين بأفكار جديدة ولكن ما كان ينقصهم هو معلومات حقيقية عن الدعم الذي يمكن أن يتلقّوه من خارج العراق. إنّهم بأمسّ الحاجة إلى هذا الدعم لكنّهم يجدون صعوبات في الحصول عليه.
وعن هذا الأمر، يقول محمد لـ"ومضة" إنّه قبل الصيف الماضي كان هناك دعمٌ من الحكومة و"الكثير من الفرص"، أمّا اليوم فلا شيء من هذا.
من جهةٍ ثانية، ما زالت "مؤسّسة المستقبل الواعد" Bright Future Foundation تقدّم قروضاً صغيرةً للشركات الناشئة حتّى هذا اليوم. وفي حين لن تتمكّن "ومضة" من مقابلتهم، يقول أحد روّاد الأعمال إنّ أكبر مبلغ عرضته هذه المؤسّسة يبلغ 50 ألف دولار، ولا بد من تسديده في مهلةٍ لا تتجاوز الثلاثة أشهر، مع الفائدة.
بعدما كانت إربيل تعجّ بالحرك ساد الصمت فيها الآن (الصورة لـ رايتشل ويليامسون)
ولكنّ الأمر ليس بهذا السواد
أمنجي حركي الذي أسّس أوّل شركةٍ له فيما كان يدرس الطب في "الجامعة الأميركية في بيروت" AUB، تعلّم كيف يدير أعمالاً تجاريةً في المدينة بينما كان يبيع "التوت الذهبي" من التشيلي في "مول الأسرة" Family Mall في ضواحي إربيل. فهو بعد العمل في الكشك الأوّل، افتتح كشك طعام ثانياً له في ذلك المجمّع.
بعد التخرّج، أراد حركي لدى عودته إلى إربيل أن يجد طريقةً ليوظّف أكبر عددٍ من الشبان العاطلين عن العمل في قبيلته والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً. بدأ بخدمات الأجهزة الأمنية، وفسّر ذلك لـ"ومضة" بقوله إنّه "نادرا ما نجد شاباً هنا لا يعرف استخدام مسدس."
واليوم، تعمل شركة حركي، "حركو غروب" Harko Group، في خدمات التنظيف وخدمات رَكن السيارات وتأجيرها.
يقرّ حركي أنّ الحالة باتت أصعب في السنوات الأخيرة، لكنّه يصرّ أنّ الوضع ليس في أسوأ حالاته. "لا أوافق من يقول إنه ما من مال هنا،" كما يقول في وهو يجلس في مقهى صغير في إربيل، ويتابع مضيفاً: "أفهم أنّ شركة كانت تحقق 10 آلاف دولار شهرياً أصبحت تحقّق نصف هذا المبلغ، لكنّها لا تزال تربح."
وإلى جانب الخوف من "داعش"، يقول حركي إنّ المشكلة الكبرى تكمن أيضاً في الرواتب: "إذا لم تتمكن الحكومة من الدفع، كيف يمكن للناس أن تُنفق؟"
في الاجمال، يُعرب الريادي الشاب عن رضاه لسير العمل حالياً، فهو يتمتّع بعقود "ثابتة" وخدماته تُطلب حتّى في بغداد. ولكن لسوء حظّ المقيمين في العاصمة العراقية، لا يطمح حركي لتوسيع شركته حالياً فهو يركّز جهوده في الشمال على مدينتَي السليمانية ودهوك.
وبالعودة إلى "ستارت اب ويكند" إربيل، لا موعد محدّد بعد لهذه الفعالية، حسبما أفاد حركي في آخر اتّصالٍ له مع "ومضة".