الإنترنت، تفيد الموسيقى أم تضرّها؟
القطاع الموسيقي هو إحدى القطاعات الكثيرة التي تأثرَت بظهور الإنترنت. فخلال عقدين اثنين لم يبقَ شيءٌ على حاله في الإنتاج الموسيقي: التسجيل، والإصدار، والتّوزيع، كلّها أُعيدَت هيكلتُها من جديد.
لقد استمدّت صناعة التّسجيلات العالمية، عام 2014، ما نسبته 46% (6.85 مليار دولار) من ربحها من قنوات رقمية، ما يعادل الربح الناتج عن مبيعات الأقراص المُدمجة.
وبينما ساعدت شبكة الإنترنت الكثير من الموسيقيين على استقطاب جمهور أكبر، إلّا أنّها لم تأتِ من دون مشاكل أخرى أثرّت في العالم أجمع والعالم العربي على وجه الخصوص، حيث لم تؤخَذ التُغيرات بعين الاعتبار تاركةً الكثير من الموسيقيين من دون حماية.
كلّ هذه الإشكاليّات وغيرها تمّ طرحها خلال فعالية "ديسربت! موسيقى!" Disrupt! Music! التي عُقدت في "منصّة زينك للإبداع" ZINC في عمّان لمّدة ثلاثة أيّام، ابتداءً من 24 من شهر آذار/مارس.
"ديسربت! موسيقى!"
بعد إقامة أوّل فعاليّة من هذا النّوع خلال العام الماضي في عمّان، عادَت "ميديست كرياتبفز" MidEast Creatives لتقيم فعالية "ديسربت!موسيقى!" بالتّعاون مع مُنظِمّين محليّين هم "فيشة"Feesheh و"إنديبوش" Indiepush، و"بلبلة" Belbaleh.
رأى آرثر ستاينر، مدير المشاريع في "ميديست كرياتيفز"، أنّ الفعالية تهدف إلى جمع الموسيقى مع الإبداع والتكنولوجيا. وقال إنّه "يعتقد أنّ الشباب في المنطقة يدمجون القطاعات التكنولوجية والثقافية والريادية مع بعضها البعض، من دون رسم فواصل صارمة".
استضافت الفعاليّة بودي فوغت Budi Voogt، الريادي الدنماركيّ ومؤلف كتاب "ذا ساونكلاود بايبل"The Soundcloud Bible، بالإضافة إلى عبد آغا، مؤسِّس وكالة "فاين لاب" Vinelab للترفيه الرّقمي.
بلغ عدد المشاركين 56 شخصاً انقسّموا على 25 فريقاً، يمتلك كلّ واحدٍ منهم فكرةً قدّمها أمام لجنة التحكيم بعد سلسلة من ورش العمل والنقاشات التي أُجريت على مدار أوّل يومين بشكلٍ مُكثف.
وفي المحصّلة، فازت ثلاثة شركات بمبلغ مجموعه 6 آلاف يورو (6’700 دولار أميركي) إضافة إلى رصيد من "ذومال" Zoomal وعروض من "زين" و"أويسيس500" Oasis 500.
وأحرزت الجائزة الأولى شركة تُعنى بتصميم الآلات الموسيقيّة، أمّا الجائزة الثانية فحاز عليها تطبيقٌ موسيقيّ، فيما ذهلَت الثالثة إلى منصّةٍ إبداعيةٍ مُخصّصةٍ للمواهب.
لجنة التحكيم: (من اليسار) شيرمين صوالحة من "ملاحي"، ومهند برشه من "إس إيه إي"، ورشا بركات من "زين".
ماذا عن القرصنة؟
وفقاً لـ"معهد ابتكار السّياسات" Institute of Policy Innovation، فإنّ قرصنة الموسيقى تَحرم الاقتصاد الأمريكيّ من 12.5 مليار دولار سنويّاً.
هذا النوع من القرصنة ينتشر بشكلٍ كبيرٍ ولا يمكن لأحدٍ إيقافه، فهي أرخص وأسرع وأصبحَت جزءاً من ثقافة المستمِع.
وقال آغا إنّ "القرصنة في منطقتنا خطيرة، ولكن القانون بدأ يتنبّه إلى الأمر. وعندما تبدأ منصّات كـ’أنغامي‘ و'آبل للموسيقى' Apple Music بإتاحة حلول عمليّة، سيصبح لدى المستمعين سبب مُقنع للدفع. الجمهور العربي غير معتاد على الدّفع من أجل الموسيقى ولكن مع الوقت سيضطرّ إلى ذلك".
على خلاف آغا، يعتقد آخرون أنّ تقبّل القرصنة والتعامل معها أجدى من مناهضتها، مثل المشترِك ومهندس الصّوت كريستوفر موليندر الذي قال إنّ "القرصنة شيءٌ يجب أن نتقبلّه. لا يمكننا فعل أيّ شيء للتخلّص من القرصنة، فهي ستبقى موجودة على الدوام ويجب أن نبحث عن طرق أخرى لجني المال."
قبل بضع سنوات حمّل المُلحِّن والموسيقي الأردنيّ يعقوب أبو غوش ألبومه على الإنترنت بالمجّان، مقرصِناً بذلك عمله الخاص. وقد علّق أبو غوش بخصوص تصرّفه هذا أنّ القرصنة ليست المشكلة الأساسية التي تواجه الفرق البديلة، فالتحدّيات تكمن في غياب الرقابة على المُلكيّة الفكريّة والطّلب المتدني مقارنة بموسيقى البوب.
وفي نبرةٍ راديكاليّة بحتة، صرّح الموسيقي الأمريكي ستيف ألبايني أنّ نظام المُلكيّة الفكريّة بات غير عمليّ في عصرنا هذا، ولذلك لا ضرر في القرصنة.
وكان ألبايني قد كتب على "ريديت" Reddit: "أرفض مُصطلح 'القرصنة'، فهي عبارة عن أشخاص يستمعون إلى الموسيقى ويشاركونها مع أشخاص آخرين، وهذا أمر جيّد للموسيقيين لأنّه يُنمّي جمهورهم… ويزيد من الحفلات الموسيقيّة التّي يقضي فيها الموسيقيّون معظم جهدهم ووقتهم على أيّة حال".
طرق بديلة لجني المال
"أعتقد أنّنا لن نستطيع أبداً السيطرة على الموسيقى، فهي يجب أن تكون حرّة، ولذلك دعونا نبحثُ عن طرق بديلة لجني المال كالحفلات الموسيقيّة، والمهرجانات والتّبرعات،" بحسب عاطف ملحس، عضو فرقة "سمازين" SemaZen.
حلقة نقاش تضمّ (من اليسار) شيرمين صوالحة من "ملاحي"، والمطرب المصري رامي عصام، والفنانة الأردنية هناء ملحس، والمغني اللبناني زيد حمدان، ومؤسّس "إندي بوش" محمد إسماعيل.
1 بثّ الموسيقى المباشر
بدلاً من شراء الموسيقى عبر الإنترنت، تقوم منصاتٌ مثل "نابستر" Napster و"سبوتيفاي" Spotify و"ديزر" Deezer و"أنغامي"Anghami، ببثّ الموسيقى عبر مواقعها حيث يمكن الاستماع لها بالمجّان. وبهذه الطّريقة، يكون البثّ المباشر قد استطاع ضمان حقوق المؤلِّفين من خلال الدفع لهم، وفي الوقت عينه، قد أمّن المحتوى للمستمِعين بطريقةٍ قانونية.
إلّا انّ البعض ينتقد بيروقراطية هذه القنوات ويتهمها بالانحياز إلى شركات التسجيل عوضاً عن الموسيقيين أنفسهم اللّذين بالكاد يتقاضون مقابل أعمالهم المنشورة على المنصات. وقد أعرب الموسيقي الأمريكي دايفيد لاوري عن استيائه من منصّة "باندورا" Pandora التي لا يتقاضى منها إلّا مبلغا ضئيلا جدّاً، بقوله: "لقد بُثّت أغنيتي على ’باندورا‘ مليون مرّة وكلّ ما حصلتُ عليه هو 16,89 دولار، أي أقلّ ممّا أستطيع جنيه مقابل بيع قميصٍ واحد!"
2 الحفلات الموسيقية
نبّه أبو غوش إلى أنّه قبل ظهور الإنترنت، كانت الحفلات الموسيقيّة تُستخدَم لترويج بيع الأقراص المدمجة التي شكّلت مصدر الدّخل الرّئيسي للفنانين، أمّا بعد إتاحة التوزيع الإلكتروني فانقلبت الحال وأصبحَت الحفلات هي ركن الأساس والمحتوى الرّقمي مُجرّد ترويجٍ لها. كما اعتبر أبو غوش أنّ هذا التغيير إيجابيّ، إذ أنّه يحفّزعلى خلق مجتمع موسيقي.
في السيّاق ذاته، قامَت فكرة ماليندر على تأسيس شركة تسجيل تتقاضى ربحها من الحفلات الموسيقية بدلاً من التسجيل نفسه. وعن هذا الأمر قال إنّ "كلفة التسجيل باهظة جدّاً ولا يستطيع الكثير من الفنانين تحمّلها، ولذلك ستوّفر شركتنا التسجيل بمبلغ رمزي مقابل جني المال من الحفلات فيما بعد."
الموسيقى في العصر الإلكتروني
بغض النّظر عن حسنات الإنترنت أو سيئاتها، هذه الشبكة التي انخرطت في القطاع الموسيقي أدّت إلى فتح أبوب كثيرة أمام ظهور تكنولوجيا مبتكرة نجحَت في تغيير سياق التّجربة الإنسانية في هذا المجال.
ولكن، تبقى الاستدامة التّحدّي الأكبر أمام موجات القرصنة والانتهاكات التي يتعرّض لها الموسيقيون في الفضاء الإلكتروني.
وفي هذا الشأن، قال المُنظِّم محمد إسماعيل، إنّ "إحداث ثورةٍ في قطاع الموسيقى يتطلّب منّا ضمان استدامته أمام الموسيقيين الّذين ينوون الاعتماد على الموسيقى بشكلٍ رئيسي، بدلاً من إبقائها ضمن إطار الهوايات والمشاريع الجانبية."
وبالتالي، فإنّ دمج التكنولوجيا وريادة الأعمال مع المحتوى الموسيقي، قد يكون حلّا مُناسِباً للكثير من الفنّانين؛ ومن الأمثلة الناجحة على ذلك "روليز سيبورد" ROLI’s seaboard و"موجيز"Mogees.
"إنّ الرّيادة والفنون فقاعتان منفصلتان،" حسبما قال ستاينر، مضيفاً أنّ "ما نحاول أن نُحقّقه من خلال 'ميديست كرياتبفز' هو دمج الفقاعتين مع بعضهما البعض علّنا نجد قواسم مُشتركة. وإن ظهرت بعض المشاحنات فلا داعي للقلق، لأنّ هذا يعني أنّ أمراً شيّقاً يحدث."