التمويل متناهي الصغر: حلّ لمشاكل المنطقة؟
حائط الالتزام بـ"الإدماج المالي" (الصورة من "قمّة الإقراض متناهي الصغر" Campaign Microcredit Summit)
"يشهد العالم العربي أقلّ نسبة ‘إدماج مالي‘ (شمول مالي) financial inclusion في العالم".
هذا ما قاله رئيس مجلس إدارة "صندوق النقد العربي" Arab Monetary Fund، الدكتور عبد الرحمن الحميدي، خلال افتتاحيّة "قمّة الإقراض متناهي الصغر الثامنة عشرة" 18th Microcredit Summit في أبو ظبي، خلال شهر آذار/مارس.
واقتبس هذا الأخير بيانات "البنك الدولي" World Bank التي تشير إلى أنّ عدد الشركات الصغيرة التي لا تحظى بنفاذٍ إلى التمويل أو الخدمات الماليّة الأخرى في المنطقة العربية يتراوح بين 16 و17 مليون شركة.
هذه القمّة التي أقيمَت بين 14 و17 آذار/مارس تحت شعار "الابتكارات في مجال الإدماج المالي" Frontier Innovations in Financial Inclusion، جذبت ألف مندوب من 60 دولةً، وتعاون في تنظيمها كلٌّ من "صندوق خليفة لتطوير المشاريع" Khalifa Fund for Enterprise Development و"برنامج الخليج العربي للتنمية - أجفند" Arab Gulf Programme for Development (AGFUND) و"قمّة التمويل متناهي الصغر" Microcredit Summit Campaign.
ما هو الإقراض متناهي الصغر؟
يعرِّف "بنك جرامين" Grameen Bank التمويل متناهي الصغر على أنّه القروض الصغيرة التي تُعطَى للفقراء لتأسيس مشاريع عمل حرّ تعود عليهم بالدخل، وبالتالي تسمح لهم بتأمين لقمة العيش لهم ولعائلاتهم. وبحسب لاري ريد، مؤسِّس "قمة الإقراض متناهي الصغر"، تهدف هذه الفعاليّة إلى جمع المهنيين وتذكيرهم بكيفية تفاعل عملهم مع حركة عالميّة أكبر.
"يمكننا أن نتعلّم من التمويل المتناهي الصغر أنّ كلّ إنسانٍ يمكنه أن يكون منتِجاً بطريقةٍ أو بأخرى،" حسبما شرح ريد مضيفاً أنّ "تمكين الفقراء من الاعتناء بأنفسهم يفيد الجميع."
وبحضور صانعي السياسيات ومدراء البنوك وخبراء التمويل متناهي الصغر، عالجت جلسات القمّة موضوع تحدّيات التكنولوجيا والإدماج المالي (تقديم الخدمات المالية بتكاليف معقولة) والتمويل المتناهي الصغر الإسلامي والتوسّع، لإحداث أثرٍ اجتماعيٍّ وتسهيل الإدماج المالي لفئتَي الشباب وللنساء.
الإمارات: بيئة رياديّة فريدة
موزا النصري، مديرة تطوير ريادة الأعمال في "صندوق خليفة لتطوير المشاريع"، شاركت في جلسة النقاش عن "تمكين النشاء عبر الإدماج المالي" Empowering Women Through Financial Inclusion وتحدّثت عن الإمارات كموطنٍ لاقتصادٍ متنامِ مبنيٍّ على الشركات الصغيرة والمتوسطة. وقالت النصري إنّ الحالة المالية الفريدة في الإمارات تعني وجود عملٍ كثير في إطار توسيع التمويل المتناهي الصغر إلى الآخرين في المنطقة.
وقالت "لا نجد هنا الكثير من الشركات غير الرسمية كما نجد في بلدان أخرى،" كما شرحت أنّ "تأسيس شركةٍ هنا أمر مكلف، عليك أن تأتي بترخيص.... وتتّبع الأطر والإجراءات القانونيّة."
لكنّ النصري لفتت أيضاً إلى وجود شركاتٍ لا تنتمي إلى هذه الفئة الرسميّة ولا تحتاج إلى قروض كبيرة. ولأجل ذلك، طوّر "صندوق خليفة لتطوير المشاريع" مبادرةً للتمويل متناهي الصغر مصمّمة لهذه الغاية وتقدّم قروضاً تبلغ 100 ألف درهم إماراتي للشركات الصغيرة عبر بطاقات السحب. وأشار معالي السيّد عبد الله سعيد الدرمكي إلى أنّ الشركات الصغير والمتناهية الصغر تشكّل أكثر من 40% من مجمل المشاريع التي يموّلها الصندوق.
وفقاُ لكاتيا هلال، مديرة العمليات في الشركة التكنولوجيّة التي تقدّم خدمات مالية بتكاليف منخفضة "ريد كلاود" RedCloud، والمتحدّثة في هذه القمّة، فإنّ الاضطراب السياسي الواضح في المنطقة هو سببٌ آخر لتشجيع التمويل المتناهي الصغر.
وفي حديثها مع ـ"ومضة"، قالت هلال إنّ "جيلاً كاملاً يفتقر إلى التعليم بسبب الحرب، وفي السنوات القليلة القادمة سيكون التمويل المتناهي الصغر الحلّ لمساعدة هؤلاء الأفراد على تخطّي هذه الحالة وإعادة إدخالهم في العمليّة الاقتصاديّة."
آثار التمويل المتناهي الصغر
سبق وبدأ "برنامج الخليج العربي للتنمية أجفند" بتأدية دورٍ كبيرٍ في المنطقة عبر مساعدة البلدان في المحافظة على استقرارها، من خلال تشجيع المشاريع المتناهية الصغر وتسهيل التمويل المتناهي الصغر.
وفي عام 2014، دعم هذا البرنامج"حصول النساء على تمويلٍ متناهي الصغر وقدّم دعماً لضحايا العنف" بتأمينه تدريباتٍ وفرص الحصول على دخل لأكثر من 4 آلاف امرأة كنّ ضحايا العنف في اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، استضافت القمّة "جائزة أجفند العالمية لعام 2016" 2016 AGFund International Prize لمشاريع التنمية البشرية الرياديّة، وقد فازت بها منظّمة "موئل من أجل الإنسانيّة" Habitat for Humanity وحصلت على جائزة تبلغ 200 ألف دولار.
وخلال الحفل الختامي، أطلق شركاء القمّة "إعلان أبوظبي" للتمكين الاقتصادي والإدماج الاجتماعيDeclaration on Economic Empowerment and Social Inclusion من أجل إنجاح هدف "يونيفرسال فينانشيل أكسيس 2020" Universal Financial Access 2020، وأهداف "البنك الدولي لعام 2030" World Bank 2030 وأهداف الأمم المتحدة العالميّة.
نصح هذا الإعلان بالاستفادة من التكنولوجيا لبناء نظام دفعٍ متاحٍ للجميع، وبتطوير أنظمة وقوانين تشجّع المصارف والمؤسَّسات الماليّة الأخرى على تقديم القروض للشركات المتناهية الصغر. كما شجّع على توسيع نطاق سلاسل القيمة الخاصّة بالمنتَجات الزراعية لضمان الوصول إلى المزارعين الصغار وبناء الشراكات التي تزيد من الإدماج الاجتماعي عبر الإدماج المالي.
بروفيسور يونس، الثالث إلى اليسار في الجلسة النقاشية التي تحمل موضوع "التوسّع لإحداث أثر اجتماعي" (الصورة لـ أرشانا مينون)
مؤسِّس "بنك جرامين"، محمّد يونس، المعروف بأب التمويل المتناهي الصغر، والذي كان المتحدّث الأساسي في هذه القمّة، شدد على أنّ هذا التمويل هو الركيزة لحلّ المشاكل الأكثر انتشاراً اليوم.
ذكر هذا الأخير أنّه "إذا نظرتَ إلى مشاكل الإنسان- كالبطالة، والشيخوخة، والفقر- سترى أنّ كلّاً منها تُعدّ مشكلة عالميّة." وأضاف أنّ "التمويل المتناهي الصغر هو مشروع اجتماعي تم تطّبيقه في بنغلادش، وهايتي، والبرازيل، والمكسيك، كما في أحد البلدان الأغنى في العالم مثل الولايات المتحدة. التمويل المتناهي الصغر لا يعرف حدوداً في التعامل مع مشاكل الناس، وهو لا يميّز فيما يتعلّق بحلّ هذه المشاكل."