من أجل عالمٍ يستخدم المدفوعات الإلكترونية والمحمولة
المتحدّثون يناقشون مستقبل المدفوعات الإلكترونية وعبر الأجهزة المحمولة في المنطقة.
يرى قادة القطاع المالي أنّ السؤال المطروح حول المدفوعات الإلكترونية وعبر الأجهزة المحمولة، هو ليس "إذا" بل "متى" ستصل هذه المدفوعات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هناك مؤشّرات حاسمة تدلّ على ذلك - مثل ارتفاع انتشار الأجهزة المحمولة، ونموّ فئة الشباب، وتحسين التكنولوجيا - وهي تشير إلى أنّ المنطقة ستتبع التوجّهات العالمية في الانتقال إلى مجتمعاتٍ خاليةٍ من المدفوعات النقدية. ومع اقتراب المنطقة من هذه اللحظة الحاسمة من تطوّرها الاقتصادي، يمكن للقطاع الماليّ الحاليّ أن يشهد ثورةً جرّاء هذا التحوّل، أو أن يكون بنفسه عامل تغيير.
في هذا الإطار، اجتمع قادة القطاع الماليّ في المنطقة خلال "المؤتمر الثاني لنظم الدفع الإلكترونية والخلوية في العالم العربي" 2nd Electronic and Mobile Payments in the Arab World Conference، في 4 نيسان/أبريل في عمّان، لمناقشة كيفية قيادة التحوّل في المنطقة إلى عالم المدفوعات الإلكترونية والمحمولة، بدلاً من أن يسبقها هذا التحوّل وتكون ملحقةً به.
هذا المؤتمر الذي نظّمته "مجموعة المرشدين العرب" Arab Advisors Group، الذراع البحثية والتحليلية لـ"بنك الاستثمار العربي الأردني" Arab Jordan Investment Bank، جمع قادة الفكر في المنطقة من المؤسَّسات المالية وتلك العاملة في مجالات الاتّصالات والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مسؤولين رسميين.
انقسمَت الفعالية إلى حلقات نقاشٍ تحدّث خلالها خبراء من شركاتٍ مثل "ماستر كارد" MasterCard و"فيزا" Visa و"المصرف المركزي الأردني"، و"أوبر" Uber، بالإضافة إلى شركاتٍ ناشئةٍ مثل "مدفوعاتكم" Madfooatcom و"ذومال" Zoomal و"لوا" Liwwa. وهذا أبرز ما جاء في المؤتمر.
الانتقال من الدفع النقدي إلى غير النقدي
في سوقٍ يعتمد فيها المستهلِكون بشكلٍ كبيرٍ على المدفوعات النقدية، يمكن للتكنولوجيا غير الناضجة أن تردع الناس عن تبنّي عادات الدفع غير النقدي. ويمكن لتجربةٍ واحدةٍ يتخلّلها بطءٌ أو تقلّبٌ في عملية الدفع الإلكتروني، أن تخيف المستهلِك بشكلٍ دائم.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث جرَت العادة أن تكون التكنولوجيا غير المتطوّرة مشكلةً في هذا الصدد، باتت تتغيّر الأمور. وكمثالٍ على ذلك، تمّ في بداية المؤتمر الإضاءة على "إي فواتيركم" Efawateercom ، وهي منصّة دفعٍ إلكترونيّ طوّرها الشركتان الناشئتان "مدفوعاتكم" و"إميرجنج ماركت بايمنتس" ، ومن ثمّ اعتمدها "البنك المركزي الأردني".
وقال عن هذه الخدمة مدير التسويق لمنطقة الشرق في شركة "ماستر كارد"، باس التلّ، إنّ "التكنولوجيا موجودة هناك".
ناثان كوشني من "فيزا" (إلى اليمين) يشرح توقّعات شركته للمدفوعات الرقمية في المنطقة. (الصورة من "مجموعة المرشدين العرب")
تعمل المؤسَّسات المالية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ومشال أفريقيا، مثل "البنك المركزي الأردني"، على تطبيق هذه التكنولوجيا المتطوّرة اللازمة لتعزيز اقتصادٍ غير نقديٍّ مستقرّ. ومع تحسين البنية التحتية، يقع على القطاع المالي مهمّة تعليم الناس على هذه الخدمات وحثّهم على تبنّيها، ولكن من دون هذا عقباتٌ ثقافية ولوجستية واقتصادية ينبغي معالجتها، ما يتطلّب بعض الدعم المباشر.
وبينما ذكر المؤتمر أنّه يمكن الاعتماد على البطاقات مسبقة الدفع prepaid cards كواحدةٍ من الطرق المتاحة، رأى المتحدّثون أنّ هذه البطاقات يمكنها أن تكون صلة وصلٍ بين الدفع النقدي وغير النقديّ وأن تساهم في جعل الانتقال إلى الدفع غير النقديّ أقلّ وطأة.
من بين الطرق الأخرى التي أبدى المشاركون تأييدهم لها، كانت تطبيقات إدارة المحفظة المالية على الأجهزة المحمولة mobile wallets، وهي تُعتبَر إصداراً رقمياً للمحفظة الحقيقية وتمكّن المستخدِمين من إضافة معلومات بطاقات الائتمان والخصم الخاصّة بهم وبشكلٍ آمن على هواتفهم. ويُذكَر أنّه في الولايات المتحدة الأميركية، قامَت شركاتٌ مثل "جوجل" Google و"سكوير" Square و"آبل" Apple بتطوير تطبيقات محفظاتٍ مالية ناجحة، في حين يتمّ اعتبار هذه التكنولوجيا على أنّها مستقبل خدمات المدفوعات.
وفي الأردن، تقدّم شركات الاتصالات جميعها، "زين" Zain و"أمنية" Umniah و"أورانج" Orange، تطبيقات محفظة مالية تسمح للمستخدِمين بإيداع المال في حساباتهم ودفع فواتير مختلفة من خلال هواتفهم. وقد أضاء المتحدّثون على هذه الخدمات كطريقةٍ مبتكرة لترويج الدفوعات عبر الأجهزة المحمولة، وذلك بالاستفادة من الانتشار المتزايد للهواتف الذكية.
تنظيم المدفوعات الإلكترونية والمحمولة
يتمّ سنّ الأنظمة المالية عموماً لحماية المستهلِكين، ولكنّها من ناحيةٍ أخرى يمكن أن تخنق الابتكار من دون قصد.
"لا ينبغي فرض التشريعات والقوانين منذ البداية،" بحسب محمد بيدس، مدير خدمات التكاليف المضافة والخدمات المالية في شركة "أمنية". وذلك لأنّ التكنولوجيا المالية هي قطاعٌ يتغيّر بسرعة، وسنّ القوانين والتشريعات في وقتٍ مبكر يمكن أن يؤدّي إلى عواقب غير محمودةٍ ولو كانت غير مقصودةٍ، في الوقت الذي يتطوّر فيه القطاع.
ووفقاً لأحمد مور، مؤسّس شبكة الإقراض المباشر "لوا"، فإنّه من الصعب تنظيم شيءٍ لا وجود له".
من جهةٍ أخرى، فإنّ غياب التشريعات والأنظمة أو تواجدها بشكلٍ خجول قد يؤدّي إلى مشاكل كبيرة، خصوصاً وأنّ بيانات المستهلِكين وحساباتهم المالية على المحكّ.
لذلك، "من الأفضل أن تنظّم السوق نفسها بنفسها،" بحسب باسل التل الذي استدرك أنّ "هذا قد لا يحدث في بعض الأحيان"، وأنّه وإذا لم تتّخذ الحكومات والبنوك المركزية دوراً نشطاً في تنفيذ التكنولوجيا المالية وتنظيمها، يمكن لشركات خارجية (مثل "فايسبوك" في الهند) أن تقلب السوق رأساً على عقب.
هذا وفيما توافق المتحدّثون على أنّ الهيئات الناظمة، مثل البنوك المركزية، يمكن أن تلعب دوراً محورياً في إنشاء بيئةٍ حاضنةٍ صحّية للمدفوعات الإلكترونية والمحمولة، أشار بيدس إلى أنّ "أحد الأسباب الرئيسية والملموسة لنجاح المدفوعات الإلكترونية هي الحكومة".
مستقبل المدفوعات في المنطقة
ناقشت الجلسة الأخيرة للمؤتمر المستقبل من خلال التطرّق إلى أهمّ العقبات الأساسية التي تحول دون اعتماد الدفع الإلكتروني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الشمول (أو الإدماج) المالي والاقتصادي.
وكان الدكتور عدلي قندح، المدير العام لـ"جمعية البنوك في الأردن"، قبل هذه الجلسة، قد أشار إلى أنّ "الإدماج المالي يحول دونه الكثير من العقبات، مثل البطالة وطريقة التفكير من ناحية ثقافية".
أمّا المتحدّثون خلال جلسة النقاش هذه، فشدّدوا على أهمّية جمع البيانات، مقدّرين بأنّ هناك مليوناً ونصف مليون حسابٍ مصرفيّ في الأردن الذي يضمّ ما يقارب 7 ملايين نسمة. ولكنّ هذا الرقم يشمل أيضا ًالأشخاص الذين يمتلكون حساباتٍ مصرفيةً متعدّدة، ما يعتّم على العدد الحقيقي للأفراد الذين يتعاملون مع المصارف.
"الوصول مقابل الاستخدام" access versus usage كانت من بين الأمور الأخرى التي أثيرت في هذه الفعالية، وهي تشير إلى شخصٍ يمتلك حساباً مصرفياً ولكنّه لا يقوم بالعمليات المالية من خلاله، مثل الذين لا يستخدمون البطاقات إلّا للحسب من الصرّاف الآلي ATM.
البيانات الدقيقة لا تزال نادرة في الشرق الأوسط، أو كما هو موضح أعلاه، يمكن في بعض الأحيان أن تقود إلى استنتاجاتٍ مضلّلة. لذلك تشكّل سدّ الفجوة في المعلومات حاجةً ملحّة لحلّ لغز الدفع الإلكتروني في المنطقة.
ربّما كان ذلك أبرز ما تم ّالتطرّق إليه في ذلك اليوم، وأبرز ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار. فالتكنولوجيا موجودة، ولكنّ فتح أفق المدفوعات الإلكترونية والمحمولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتمد على فهم المستهلِكين وما الذي يحتاجونه ويريدونه.
وهذا هو المكان الذي ينتظر فيه القادم من الابتكار الماليّ في منطقة الشرق الأوسط، إلى أن يتمكّن أحدٌ من العثور عليه.