التمويل الجماعي: شركات ناشئة ضحية لضغوط المتبرّعين
"بولد نوت" Bold Knot ، كابل الشحن الفلسطيني ذو الشكل الجميل المعلّق بحلقة مفاتيح، يبرز للأسف اليوم كأحد الأمثلة الموجعة على تأخّر الشركات الممولة جماعياً في الوفاء بوعودها. فحملة التمويل الخاصة بـ"بولد نوت"، جمعت في تموز/يوليو 2015، 154,903 دولار أمريكي وهو مبلغ يفوق بنسبة 456% الهدف المرسوم. والشاحن الأنيق كان أيضاً موضوع مقالات نشرت في وسائل إعلام منها "رويترز" Reuters و"فوربس" Forbes و"تيك كرانش" TechCrunch و"فرانس 24" France24 و"ومضة".
غير أن الشركة لم تفِ بجميع وعودها إذ تأخّر تسليم المنتج لأكثر من عام.
ومنذ ذلك الوقت، تدفقت الانتقادات اللاذعة من المتبرعين على صفحتي الشركة على "إنديجوجو" Indiegogo و"فايسبوك" Facebook، متسائلين عن سبب عدم حصولهم على المنتج ومطالبين باسترداد أموالهم. ومن الأمثلة على التعليقات التي تلقتها حملة التمويل:
"2015... 2016... 2017؟ أو أبداً؟" باتريك منديز.
"أريد استعادة اموالي. أيها المخادعون"، راكش بنديا.
"تعبت من الانتظار. أعيدوا لي مالي"، كيمبرلي جونسون.
حاولت "ومضة" الاتصال بفريق "بولد نوت" مرات عدة في عامي 2016 و2017 إلاّ أنها لم تلق جواباً. غير أن التحديثات على صفحة التمويل الخاصة بالشركة تشير إلى أن الفريق يأسف جداً للتأخيرات ويشعر بالإحباط.
ومن بينها تحديث يقول: "نرغب أن نوضح لكم بأننا غير قادرين على إرسال جميع الوحدات في آن معاً. فإرسال الوحدات ومدد الشحن تعتمد على البلد الذي تتواجدون فيه. ونظراً إلى أن الشحن يتم بشكل تدريجي، تحصل الأمور بشكل بطيء بعض الشيء. تلقّينا وقرأنا جميع شكاويكم، ونؤكد لكم أننا نهتم بجميع طلباتكم وشكاويكم".
ويشير التحديث الأخير على الصفحة إلى أن الوعود ستنفذ جميعها بحلول آذار/مارس 2017 - أي بعد سنتين تقريباً من حملة التمويل.
وإذا ما أشحنا بنظرنا عن المتبرعين الغاضبين ونظرنا إلى الرياديين اللذين يديران الحملة، فإن التأخيرات مؤلمة لهما بالقدر نفسه لا سيّما أنهما ينعتان بالمخادعين والكاذبين والدجالين حين لا يظهر المنتج في الوقت المحدد أو لا يظهر نهائياً.
ضغوط زبائن خاب أملهم
أطلقت لين صدّر حملة "هذا مسواك" THIS Toothbrush على "زومال" Zoomal في أواخر العام 2013، جامعة أكثر من 18500 دولار أمريكي. وعلى غرار "بولد نوت"، تأخّرت لأكثر من سنة في الوفاء بوعودها للمتبرعين.
وفي ظل التأخير الذي أكدت صدّر أنه كان مجهداً لها كثيراً، بعثت الأخيرة برسائل إلكترونية منتظمة إلى المتبرعين لإبقائهم على اطلاع بالتحديات التي واجهتها للعثور على مصنّع وللوصول إلى "العيّنة المثالية".
تقول صدّر إن "الإدراك بأنك تخيّب أمل أحدهم، مجهد جداً. انتهى بي الأمر بكتابة ملاحظات بخط اليد لأنني بصدق شعرت برابط مع المتبرعين وشعرت بأني أدين لهم".
وتشير رائدة الأعمال إلى أن "أحد الأخطاء التي ارتكبتها كانت تقديم المنتج نفسه إلى كل من تبرّع... نحن لدينا 300 داعم للحملة ولكن عندما تنتقل إلى مرحلة الإنتاج، فإن أقل كمية للطلب هي 6000".
أما نقطة التحوّل بالنسبة لصدّر والتي انتقلت بـ"هذا مسواك" من مجرّد مشروع إلى شركة، فكان بعد معرفة إلى أين سيتم شحن جميع هذه المساويك وكيفية بيع الـ5700 منتج المتبقية.
ويمكن القول أنّ من دون هذا الضغط للوفاء بوعودها للمتبرعين، لما كانت شركة صدّر الناشئة انطلقت بالشكل الذي انطلقت به.
ضغط ووعود من دون منتج
غالباً ما تعتبر حملات التمويل الجماعي نوعاً من التمويل من دون مقابل. لكن بالنسبة إلى الشركات الناشئة التي يعتمد نموذجها على المنتج، والتي لم تقدّم منتجاً عاملاً تم اختباره بعد أن جمعت تمويلاً للمرة الأولى، قد تكون العملية متعبة بشكل غير متوقع؛ بمعنى آخر، قد تكون بمثابة خطأ، إذا اقتضى التوضيح.
هند حبيقة، مؤسسة "إنستا بيت" Instabeat للأدوات التقنية الخاصة بالسباحة والتي يمكن ارتداؤها، أطلقت حملتها على "إنديجوجو" في مطلع العام 2013 جامعة أكثر من 100 ألف دولار أمريكي.
وكان كل من يتبرّع بمبلغ يفوق 139 دولار، ينال وعداً بأن يحصل في تشرين الأول/أكتوبر 2013 على Instabeat HUD، وهو جهاز مراقبة يمكن تثبيته على شريط نظارات السباحة من أجل قياس معدل ضربات القلب. ولكن المكافأة لم تصل إلاّ بعد عامين.
عن هذا الأمر، تقول حبيقة إنّ شركتك "تتحوّل إلى شركة تتواجه مع الزبون وأنت لا تزال في مرحلة البحث. وهذا الأمر خطير جداً لأنه يغيّر أولوياتك ويجعلك تفكر بالمدى القصير بدلاً من المدى الطويل، كما أنّه يلهيك عمّا يساعد شركتك على التوسّع، لأنك ترزح تحت ضغط من بعض الزبائن [لتنفيذ وعودك]".
وتضيف أنّ "الأمر مجهد إذ أنّه على الإنترنت والناس على الشبكة قساة حقاً. فيمكن لسمعتك أن تدمّر على الإنترنت في ظرف ثوان وبالتالي، فإن هذا الأمر يعدّ مخاطرة كبيرة".
ولكن ما هو أكثر قيمة من التمويل، الذي غالباً لا يكفي لإطلاق منتج أساساً، هو الإثبات على وجود طلب عليها وعلى بدء اكتسابها شهرة خلال حملة التمويل الجماعي.
تخبر حبيقة أنّ "كان لديّ شخص بدوام كامل يبعث رسائل إلكترونية إلى الصحافة وإلى آخرين خلال فترة الحملة".
وحتى قبل أن يجهز المنتج، كتبت عنه وسائل إعلام مثل "ماشابل" Mashable و"فاست كومباني" Fast Company. وهذا البروز الإعلامي سمح لحبيقة بالحصول على آراء سبّاحين بالمنتج، وزاد اهتمام الصانعين به، كما وسّع انتشاره بين المستثمرين والمستخدمين المحتملين. وأثبت ذلك أيضاً أن المنتج عليه طلب.
دفع المنتج قبل الحملة
تعتبر "ماكو صاندلز" Maku Sandals، التي أسسها وليام شقير وديفيد الأشقر وحنان قاعي، أحد الأمثلة من الشرق الأوسط وشمال افريقيا على إدارة حملة تمويل جماعي ناجحة. فالحملة التي أطلقت على "كيك ستارتر" Kickstarter في تشرين الأول/أكتوبر 2016، سمحت لشركة تصنيع الصنادل بجمع حوالي 100 ألف دولار متخطيّةً هدف الحملة وهو جمع 20 ألف دولار.
أمضى فريق "ماكو" أشهراً في التحضير للانطلاق وإجراء بحث معمّق حول حملات التمويل الجماعية. ولم تكد الشركة تنطلق، حتى بدأوا ببعث الرسائل الإلكترونية إلى لوائح معارفهم وفقاً لجدول زمني استراتيجي ومدروس جيداً قادر على الحفاظ على الزخم المكتسب والقدرة المستمرة على جذب العملاء.
يشير الأشقر إلى أن "لا شيء كان عشوائياً بل مخططاً له مسبقاً". وبالفعل حصلت الشركة مؤخراً على مصنّع، وفق ما يقوله الأشقر لـ"ومضة"، وهي تخطط لتوصيل الصنادل للعملاء بحلول نيسان/أبريل 2017.
وينص تحديث من الشركة صدر في الأول من كانون الأول/ديسمبر على أنه "اعتباراً من اليوم، نحن نستورد معظم موادنا من أوروبا ونجمع المنتج ونختبره في الصين. ولكن توقيت عيد رأس السنة الصينية هذا العام (منتصف كانون الثاني/يناير إلى منتصف شباط/فبراير) تقريب السقف الذي بنيناه في جدولنا الزمني إلى ما قبل رأس السنة الصينية وأثار بعض المخاطر حيال تخطّي مهلنا المحددة بحوالي الشهر".
وعلى عكس "إنستابيت" و"هذا مسواك"، بدأت "ماكو" حملتها بالعمل على نموذج أولي فعال يثبت بأنه منتج يمكن أن يستمتع المستخدمون باستعماله. وعليهم الآن نقل النموذج إلى الإنتاج الوفير في ظل ثقة الأشقر بقدرة الشركة على الوفاء بوعود التسليم بالقليل من التأخير أو من دون تأخير.
ولكن لأشخاص مثل حبيقة وصدّر وفريق "بولد نوت"، فإن تطوير المنتج قدر الامكان قبل الذهاب إلى التمويل الجماعي، أمر أساسي.
توافق حبيقة على ذلك بالقول: "أعتقد أنها ستكون تجربة مؤلمة إن لم يتم التخطيط لها بشكل جيد وإن لم يكن لديك شركاء في التصنيع إلى جانبك".
الصورة الرئيسية من "بيكسيلز" Pexels.