ريادة الأعمال غير عادلة؟
في معظم الأحيان، خطابات القدوات التحفيزيّة التي تشجّع على العمل الدؤوب وعدم الاستسلام تبعث رسالة خاطئة لروّاد الأعمال الطموحين.
وإذا أمعنت النظر في الموجودين في المؤتمرات أو مساحات العمل المشتركة أو مكاتب الشركات الناشئة، تجد أنّ الخلفية الاجتماعيّة الاقتصاديّة لهؤلاء الروّاد متشابهة للغاية؛ فهم رجال ومثقّفون وينتمون إلى الطبقة الوسطى أو العليا.
فيكتور مولاس، مسؤول قسم الابتكار في "البنك الدولي"، الذي يزور حوالي 20 دولة في عمله ويتابع البيئة الريادية في لبنان منذ 5 أعوام، يقول إنّ "القاسم المشترك بين البيئات الريادية، بخاصة في الدول النامية، هو تشابه الوجوه المثقفة. وسواء كنت في برلين أو نيويورك أو لبنان، إنّ الناس تشبه بعضها بعضاً".
لا يعدّ هذا النمط مفاجئاً في المراحل المبكرة للريادة، إذ أنّه من الطبيعي أن يصبح المثقفون قادة أعمال.
بيئة رياديّة أكثر شموليّة؟
يشرح الخبراء أن تطوّر البيئة الرياديّة في لبنان يحتّم عليها أن تصبح أكثر شموليّة لمواجهة نسبة البطالة المرتفعة لدى الأقلّ حظوة في البلاد والذين يحتاجون إلى وظائف وشبكة معارف داعمة لهم.
ويقول مولاس إنّ "ما أراه في لبنان هو ركيزة ريادية من أفراد يحظون بشبكة معارف عالميّة. لا يعني ذلك أنّ الشركات الناشئة لا يمكنها الاستفادة من ذوي الدخل المنخفض، غير أنّها تتطور بدعم هذه الركيزة". ويشدد على أنّه من الطبيعي أن يقود البيئة الريادية الحديثة النشأة أفراد مثقفون، ولكن من الضروري بذل جهد لضمّ أفراد من مختلف الخلفيات إليها.
من جهته، يشرح المدير العام لـ"لبنان لروّاد الأعمال" Lebanon for Entrepreneurs، عبدالله جبّور، أنّ "الأفراد الذين يؤسسون شركات ناشئة يمكنهم الحصول على وظائف في مكان آخر بسبب شبكة معارفهم. ولكنّ ذلك لا يحلّ المشكلة إذ أنّ كثيرين لا يمكنهم إيجاد الوظائف بسبب نقص المعارف والتعليم".
يقدّر جبّور أنّ أكثر من 80% من الشركات الناشئة في البلاد تعمل من بيروت وجبل لبنان. لذلك، يودّ أن يرى تنوعاً ليس اقتصاديّاً فحسب بل جغرافيّاً أيضاً؛ ويوافقه الرأي في هذا الإطار قادة آخرون في البيئة الريادية اللبنانيّة.
"بالرغم من صغر مساحة لبنان، لا تتوفر الفرص خارج المدينة،" حسبما يقول محمّد نجم الذي يعمل في كافة المناطق اللبنانية كونه الشريك المؤسس لـ"منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي" Social Media Exchange، التي تقدّم تدريبات واستشارات للمجتمعات المحليّة.
ويضيف أنّ "المؤتمرات تقام في المدينة؛ والمشاركون فيها هم من ذوي الامتياز. كما أنّ اللغة تشكّل عائقاً إضافياً، إذ أنّ المؤتمرات كلّها باللغة الإنجليزية. لا يقتصر الأمر على اللغة وحسب، بل يقوم على كسر الحواجز، والوصول إلى مناطق مختلفة وحلّ مشاكل مختلفة... فهذا ما سيولّد الوظائف ويحثّ الناس على البقاء في مناطقهم".
الإقرار بالمشكلة
يرى دافيد منير نبتي، مؤسس مسرّعة الأعمال في بيروت "ألت سيتي" Alt City، أنّه علينا أوّلا الإقرار بالمشكلة قبل معالجتها، ويشرح أنّ التكلفة المطلوبة لتأسيس شركة تعدّ من أكبر الحواجز أمام الدخول إلى هذه السوق.
في هذا السياق، يتذكّر نبتي محادثة أجراها مع زملائه في بدايات عمله في البيئة اللبنانية منذ 10 سنوات تقريباً عن إشراك روّاد الأعمال الأقل حظاً في هذه البيئة.
ويقول إنّه "اعتقدت حينها وما زلت أعتقد أنّ مبلغاً يتفاوت ما بين 6 آلاف دولار و7 آلاف لتسجيل شركة مساهمة، بالإضافة إلى رأسمال إلزامي يساوي 20 ألف دولار هو عائق أساسيّ أمام ريادة الأعمال. وأتذكّر أنّ كثيرين في ذلك الاجتماع اختلفوا معي بالرأي قائلين إنّ ’من يتحلّى بالشغف تجاه ريادة الأعمال، يمكنه جمع 6 آلاف و20 ألف دولار ويمكنه طلب المساعدة من العائلة إلخ.‘ ومن الواضح أنّ عائلات كثيرة ليس لديها ما يكفي من الأموال للمخاطرة في مشاريع ابتكارية وشركات ناشئة خطرة".
في لبنان، وحتّى في المنطقة ككل، قد يكون سدّ الفجوة الاقتصادية الاجتماعيّة سابقاً لأوانه قبل وجود قصص نجاح هائلة، بخاصةٍ مع تحديّات التأسيس التي تطال أيضاً ذوي الامتياز. ولكنّ البعض يعتقد أنّ الوقت قد حان لإشراك الناس من جميع الخلفيات في هذه البيئة.
وقد بدأت تنطلق برامج مختلفة للقيام ذلك، ولعل أهمّها "سوفتوير انجنبرينج فاكتوري" SE Factory، المخيم التدريبي لمهندسي البرمجيّة الشباب والذي يدرّبهم طوال 90 يوماً مهارات تكنولوجيا المعلومات الأساسيّة. تقول الشريكة المؤسسة لهذا البرنامج، زينة صعب، أنّ التوعية هي أصعب وأهمّ جوانب عملهم. فبالرغم من أنّ المشاركين لا يتدرّبون ليصبحوا روّاد أعمال، غير أنّ ما يكتسبونه يسمح لهم بإيجاد وظائف مناسبة ويعرّفهم على ثقافة الشركات الناشئة وحتّى يسمح لهم بتوسيع أحلامهم لأوّل مرّة أحياناً.
تشرح وئام حجازي التي تخرّجت حديثاً من "سوفتوير انجنبرينج فاكتوري" وحصلت على تدريب مدفوع في مجال البرمجة، أنّ تعلّمها مهارات جديدة في بيروت جعلها تريد المساهمة في مدينتها الأمّ، صور، حيث لا يوجد قطاع تقني.
"في صور، يمكن عدّ شركات البرمجة على أصابع اليد الواحدة،" حسبما تضيف مشيرةً إلى أنّه في السنوات الماضية، شهدت منطقتها افتتاح متاجر عدّة، فلماذا لا تشهد تأسيس شركات تكنولوجيّة، "فليس على كلّ الشركات أن تكون في بيروت".
في المقابل، لا يمكنك أن تحلم بالكثير من دون الموارد المناسبة.
يعرب محمّد نبعة، أحد روّاد الأعمال في بيروت، عن تخوّفه من أن تعطي كثافة الفعاليات التكنولوجيّة وعوداً كاذبة لروّاد الأعمال الطموحين. وذلك في حال لم يكونوا مجهّزين لتحقيق أهدافهم. وبالتالي، توجد حاجة ماسّة لـ "سوفتوير انجنبرينج فاكتوري" وبرامج أخرى تعلّم مهارات في العالم الحقيقي.
بدوره، يلفت مولاس إلى أنّ "ما نراه اليوم، بخاصة من خلال المخيّمات التدريبيّة، أنّه يمكن تدريب الناس ولو تلقوا تعليماً متدنّياً؛ فهم يتمرّنون ويتعلّمون مهارات جديدة ومن ثمّ يمكنهم أن يصبحوا روّاد أعمال".
ويضيف أنّه "يمكن لذوي الدخل المنخفض أن يدخلوا في النظام لكنّ الأمر لن يكون سلساً وسهلاً؛ فمثل أيّ تطوّر اقتصادي، دائماً ما تكون الخطوة الأولى لأصحاب رأس المال إذ أنّك بحاجة إلى الموارد للقيام بذلك. لكنّ الناس الأقلّ حظاً ليس لديهم مثل هذه الموارد ".
الصورة الرئيسيّة من "بيكسيلز".