ماذا تريد شركات الاتصالات في المنطقة أن تصبح حين تكبر؟ [الجزء الثاني]
هذه المقالة الثانية من مقالتين عن شركات الاتصالات في المنطقة وكيف يمكنها التكيّف مع المتغيّرات. لقراءة الجزء الأول أنقر هنا. في هذا الجزء، سوف نطلعك على ما قاله المتحدثون في جلسة شركات الاتصالات في مؤتمر "ستيب" 2017 #Step2017 وكيف يمكن لهذه الشركات أن تغيّر سياساتها من أجل مواكبة التوجّهات الرقمية.
قال مدير إدارة التسويق في "أورانج الأردن" Orange Jordan، أنطوان دريفون: "نعلم أنّ الشركة (شركة الاتصالات) لا يمكنها أن تكون مرنة ورقمية بالكامل، ولكن يمكنها تبنّي عملية التحوّل الرقمي على نطاق أصغر في البداية، ضمن فريق التسويق على سبيل المثال. واليوم تزداد أهمية المحتوى في هذا السياق".
إذا اعتمدت شركات الاتصالات نهجاً أكثر انفتاحاً حيال شركات بثّ المحتوى عبر الإنترنت OTT، يمكنها أن تنتقل من كواليس البيئة الحاضنة للمحتوى إلى واجهتها.
يشير تقرير "آرثر دي ليتل" Arthur D Little، إلى أنّه "يمكن لشركات الاتصالات أن تستفيد من أصولها الرئيسية مثل الفوترة والوصول إلى العملاء والمعرفة بالسوق، لكي توفّر حوافز للّاعبين الآخرين تشجّعهم على الانضمام إلى منصّاتها". وبحسب إيدي مارون من "أنغامي"، فإنّ "دور شركات الاتصالات في الواقع مهم جداً بالنسبة لنا، فهي التي توفّر الدعم من حيث الفوترة وخدمات الإنترنت والتسويق، بالإضافة إلى الطابع المحلّي الذي يمكن أن تضيفه".
أيّد حميد الدين من "موبايلي" هذا الرأي، قائلاً: "نحتاج إلى تزويد [الكيانات الخارجية] بمنصّة جذابة تمكّنها من تقديم خدماتها. والشراكة [هي الطريق التي] تمكّن شركات الاتصالات من تحقيق الإيرادات في المستقبل. سوف تأخذ هذه الكيانات جزءاً من إيراداتنا، ولكن هناك آخرون يبحثون عن شراكات".
الصفقات الأخيرة بين شركات الاتصالات وشركات بثّ المحتوى عبر الإنترنت في المنطقة تدفع السوق في هذه الاتجّاه، بحيث تساهم شركات الاتصالات في نضوج مقدّمي محتوى الفيديو عند الطلب. ففي شباط/فبراير الماضي، أبرمت شركة "زين" Zain شراكة مع الشركة الجنوب شرق آسيوية للفيديو عند الطلب "آي فليكس" Iflix. وبعد شهر، أطلقت الشركة القطرية "أوريدو" Ooredoo شراكةً مع "ستارز بلاي أرابيا" Starz Play Arabia، في الفترة التي سبقت إطلاقها لتطبيق "أوريدو تيفي جو" Oooredoo TV Go. هذه الشراكات يمكن أن تؤدي في نهاية الأمر إلى نماذج أكثر تعقيداً للإيرادات والمنصات المشتركة، مثل الاتفاقية الأخيرة بين شركة "كاي بي إن" KPN الهولندية ومجموعة "إندوميل شاين جروب" Endomel Shine Group، وذلك لإنتاج مسلسل من 10 أجزاء متاح على خدمات البثّ المختلفة مثل "بلاي" Play وخدمات "كي بي إن" وتطبيقات بثّ المحتوى.
السرعات العالية، والتكلفة المدنيّة لكلّ جيجابايت ولعمليات التنزيل والهواتف الذكية ذات السِعات الأكبر، هي العوامل الرئيسية التي أشار إليها تقرير "ديلويت" Deloitte السنوي عن التكنولوجيا والإعلام والاتصالات TMT Prediction 2017، والذي أوصى شركات الاتصالات بتطوير عروض جديدة وفهم التغيير في عادات الاستخدام أيضاً.
لم تستكشف شركات الاتصالات بعد الملكية الكاملة لمنصّات المحتوى ونماذج الأعمال الجديدة، بل تستطلع الخيارات. وفي هذا الإطار، قال حميد الدين: "لدينا تطبيقات طوّرها شباب سعوديون داخل الشركة. شهدنا مؤخراً بعض التغييرات في السوق حيث باتت شركات الاتصالات تسعى خلف الشباب لتقديم خدمات الإنترنت لتطبيقات تواصل محدّدة؛ وهذه من الأمور التي تجرّبها ’موبايلي‘".
من الشبكات الصمّاء إلى الشبكات الذكية
في ردٍّ على استفسارات قريشي حول سبب جمود دور شركات الاتصالات عند تقديم الخدمات، قال مارون: "أعتقد أنّه عندما تقدّم خدمات محتوى مرتبطة بكلّ مستخدم، لا أعتقد أنّك سوف تخشى من لعب دور القناة الصمّاء dumb pipe، لأنّك أصبحت أكثر ملاءمة لحاجاتهم".
أبدى المتحدّثون انفتاحاً واقعياً على هذا الاحتمال، فرأى ديفرون من "أورانج"، أنّه "في بعض الأحيان، يوجد خدمات في الوسط تؤّمن الاتصال بطبيعتها. ما زالت شبكتنا شبكة صمّاء ولكنّنا نحقّق [أعلى معايير] الأمان والجودة لكي يتمكّن [الشركاء] من الاستفادة القصوى منها".
من جهته، أضاف دومينغو أنّ "شركات الاتصالات بحاجة إلى وضع أهداف تتعلّق بما تريد أن تصبح عليه عندما تكبر. هذا نوع من أزمة الهوية [...] فاليوم نحن نبحث فيما هو أبعد من قدرة الشبكة ونرى القيمة التي نوفّرها من خلال خدمات الإنترنت. وإذا لم تكن [شركات الاتصالات] على استعداد للقيام بذلك، فينبغي عليها أن تركّز على حقيقة أنّها أكثر شركات الخدمات كفاءةً في العالم".
وفي هذا الصدد، تتوقع شركة "ديلويت" أن تلعب شركات الاتصالات دوراً كبيراً في التأسيس للمدن الذكية والمتصلة.
من هذه الأمثلة، السيارات المتصّلة التي تحصل على مساعدة على الطريق وصولاً إلى تكنولوجيا السيارات من دون سائق". وبحسب تقرير "ديلويت" عن التكنولوجيا والإعلام والاتصالات، فإنّ "شبكة الجيل الخامس 5G ستساعد في نشر تكنولوجيا التواصل بين المركبات، عن طريق خفض التكاليف وخفض استهلاك البطاريات وتحسين وقت الاستجابة في مختلف استخدامات التواصل بين الآلات".
تعمل شركات الاتصالات وشركات السيارات على اختبار التواصل بين السيارات في الإمارات منذ العام 2015، أي منذ أن أبرمت "إتصالات" Etisalat شراكة مع "نيسان" Nissan لطرح سيارات متّصلة ضمن فئات "ماكسيما" Maxima و"باترول" Patrol. وفي العام 2016، أبرمت "إتصالات" أيضاً شراكةً مع "هواوي" Huwaei لتطبيق تقنية الاتصالات ضيقة النطاق narrowband للتواصل بين الآلات (إنترنت الأشياء IoT). وفي الشهر الماضي، أعلنت الشركة الإماراتية أيضاً عن عزمها البدء باختبار شبكة الجيل الخامس 5G بدءاً من العام المقبل تمهيداً لإطلاقها في العام 2019. هذا وتتوقّع "ديلويت" إطلاق شبكة الجيل الخامس 5G في عدة مناطق من دول مجلس التعاون الخليجي في العام نفسه، وفي المدن الكبرى بحلول العام 2020.
ومع ذلك، يعتقد قريشي أنّ اللاعبين في مجال التكنولوجيا والمحتوى "ينافسون" شركات الاتصالات، و"أنت فقط تقدم لهم منصّة للقيام بذلك. متى ستبدأ في طلب المشاركة العادلة في الأرباح؟"
أجاب دومينغو: "لا أعتقد أنّ المشكلة تكمن في المنافسة الشديدة، فنحن نؤمّن الشبكة، واللاعبون الآخرون يؤمّنون الخدمات".
في المقابل، قد لا توافق شركات الاتصالات العالمية على ذلك، خصوصاً بعدما عمد الكثير منها إلى شراء مجموعة كبيرة من اللاعبين في مجال تكنولوجيا الإعلانات ad tech في محاولة لزيادة إيراداتها من الشبكة. حتّى أنّ بعض هذه الشركات يتحدّى لاعبين في مجال التكنولوجيا في مجال جمع البيانات؛ ففي أواخر آذار/مارس، قدّمت شركات الاتصالات الهندية خدمة "موبايل كونكت" Mobile Connect لتسجيل الدخول عن طريق شبكاتها بدلاً من المنصّات الاجتماعي.
لا يزال من المبكر الحديث عن قيام شركات الاتصالات في المنطقة بعمليات استحواذ مماثلة في سوقٍ تزداد تنافسية، غير أنّ الفجوة بين التكتلات الكبيرة واللاعبين الأصغر حجماً سوف تتقلص، ما يعني أيضاً أنّ الشركات الناشئة ستؤخذ على محمل الجدّ أكثر فأكثر.